post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

يجيب الأستاذ ياسين عن هذا الإشكال انطلاقا من محددين هما محور الحديث في هذا المبحث: القرآن هو البرهان، والإقناع الدعوي. وبهما يجيب عن وظيفة العقل ومكانته في نظرية المنهاج النبوي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجابة إنما جاءت في سياق حديث الأستاذ ياسين عن وظيفة العقل في دولة القرآن وسبل التعامل مع العقلانية والعقلانيين.
<h2>1- القرآن هو البرهان</h2>
يقول الأستاذ ياسين: &#8220;سيطرح السؤال في دولة القرآن عن وظيفة العقل وحدوده، عن علاقته بالوحي المنزل ومكانه منه. وهنا أيضا يجب أن يكون البرهان في الجواب هو القرآن لا من تحدث باسمه فأخطأ، ولا من اجتهد فقصر، ولا من حرف وخان&#8221;. [ref]ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ص:19.[/ref]
وهنا يردنا إلى تاريخ المسلمين؛ فهو بالنسبة إليه كاشف للمستقبل. حيث يشير إلى ما عانته من تعسف واستبداد كانا سببين في خنق عقلها وخمولها وفقدانها المبادرة والاستقلال بالفكر والتدبير، وقد زكى هذا ما كان عليه علماء القصور من انحياز للسلطان وتملق له.
يؤكد الأستاذ أن التاريخ من صنع البشر، وبالتالي لا يمكن أن يكون حاكما. أما القرآن فهو كلام الله عز وجل. لذا فهو شاهد على هذا التاريخ بما فيه من أخطاء، وبرهان على صواب الفعل وخطئه. إن القرآن هو الذي يحدد مسئولية الإنسان في التاريخ وفق أوامر الله عز وجل. من هنا، فإن القرآن هو الذي ينبغي أن يكون البرهان على مكانة العقل ووظيفته. وإنما تتحدد قيمة ما ينتجه العقل بالقرآن.
من هنا فإن العقل البشري &#8220;لا يرتفع بالإنسان من حيوانية &#8220;الإنسان الصانع&#8221; إلى كرامته الآدمية إلا إن تتلمذ العقل للوحي المنزل على الرسل عليهم السلام، وخدم مقاصد الشريعة ومشى في ركابها لا في ركاب الهوى والأنانية الفردية أو الطبقية، بورجوازية كانت أو نمنكلتورية&#8221;.[ref]ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، 1994، ص:42.[/ref]
وقد سبقت الإشارة إلى أن الأستاذ ياسين يتحدث عن نوعين من العقل، هما: الملكة المشتركة بين البشر ليس هو مسمى العقل في القرآن. والعقل في القرآن فعل حاسة باطنة في الإنسان تسمى القلب.
إن الأستاذ عبد السلام ياسين هنا يدعو إلى الجمع بين هذين من العقل ويحذر من إقصاء أحدهما، لأن ذلك لا يعدو أن يكرر ما حدث في تاريخ المسلمين وتاريخ النصارى. فالأول أنتج استبدادا وتخلفا، والثاني أنتج لائكية وإلحادا. يقول: &#8220;يحدث للعقل المومن بالله المصدق للوحي عور إذا أغمض عن المدارك المشتركة، وعجز عن التعلم من الكون، وترك آلته للإهمال والصدإِ. فيفوته ركب الحياة الدنيا، ويقعد مع القاعدين العاجزين. وذلك نقص من حقه، وقصور عن فهم رسالة الوحي الذي أنبأ بأن الله سخر لنا الكون وأمرنا أن نسير في الأرض ونستعمرها وندافع ونجاهد، وكل ذلك ممتنع إن لم نسخر بإرادتنا واجتهادنا وتعلمنا هذه الآلة العجيبة المسماة عقلا. ويصيب العقل المشترك، الآلة عاهة العمى الكلي. لا يبصر معها البصر المعتبر على أفق الأبدية وهو البصر بالله وبأمر الله وبالدار الآخرة وما يسعد الإنسان هنا وهناك&#8230; ويضل العقل الأعمى المعرض عن الوحي فلا يهتدي سبيلا إلى الغاية الوحيدة المعتبرة على سلم الأبدية والخلود في الجنة أو النار. لا يهتدي سبيلا إلى سعادته الأخروية وإن كان بصيرا بسبل رخائه المادي في الدنيا&#8221;. [ref]ينظر ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم، ص:8-9.[/ref]
<h2>2- الإقناع الدعوي</h2>
تنتقد نظرية المنهاج النبوي مراقبة العقل والحد من حريته، لأن هذا سيؤدي به إلى أحد أمرين:
&#8211; إما إلى ثورة وتمرد، وقد حدث هذا في تاريخ النصرانية، وتجلى بداية في التمرد على الكنيسة ونبذ الدين وكل ما يرتبط به.
&#8211; إلى سكون وذبول، وقد حدث هذا في تاريخ المسلمين بعد الانكسار التاريخي حسب الأستاذ ياسين؛ إذ تحولت الخلافة إلى ملك وساد الاستبداد واغتيل الرأي الحر وخنق العقل وسد باب الاجتهاد.
من هنا، فإنه لا &#8220;يبقى إلاَّ مُراوَدَتُهُ بالإقناع حتى يتجاوز العتبة التي في أسفلها يكون خادما للهوى المتجدد والنزعات المتلونة، ومن فوقها يتنفس نسيم الإيمان ويصبح عبداً للرحمن&#8230; على العقل أن يجالس القرآن والداعيَ ويتلمذ له و&#8221;يسمع&#8221;. فالسماع بهذا المعنى القرآني هو مصدر العلم. ثم يتسرب الإيمان للقلب، ويتسع القلب ليكون وعاء صالحا لاستيعاب القرآن ورسالة القرآن&#8221;.[ref]ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ص:24. [/ref]وبهذا يرتفع العقلاني من حضيض الغفلة إلى نور القرآن وإحسانه.
إن الإقناع الدعوي، في نظرية المنهاج النبوي، يبدأ بصحبة في الله. وهي مدرسة الجهاد ومحضن الإيمان، فيها يولد في عالم الإيمان ويتدرب على الجهاد عبر شعب الإيمان: محبة الله ورسوله، والحب في الله عز وجل، ومحبة المومنين وإكرامهم، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه، والتأسي به في بيته، والإحسان إلى الوالدين وذوي الرحم والصديق، والزواج بآدابه الإسلامية وحقوقه، القوامة والحافظية، وإكرام الجار والضيف، ورعاية حقوق المسلمين والإصلاح بين الناس، والبر وحسن الخلق.[ref]ينظر ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط2، 1410-1989، ص:137-145.[/ref]
وهكذا يظهر أن تصور الأستاذ عبد السلام ياسين للتعامل مع العقلانية تصور منفتح، يهتدي بهدي النبوة، من خلال دعوته إلى الصحبة الحانية والرفيقة. فلا مجال للإقصاء أو الاحتواء.
المصدر: القرآن والعقل في نظرية المنهاج النبوي، مؤتمر مركزية القرآن الكريم في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين، استانبول 17- 18 محرم 1434هـ/1- 2 دجنبر 2012م

العقل والقرآن: أية علاقة؟

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

لمحة في مفهوم اقتحام العقبة

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

مكانة الإمام الغزالي عند الإمام عبد السلام ياسين -2-

قواعد التفكير المنهاجي

مكانة الإمام الغزالي عند الإمام عبد السلام ياسين -1-

الصهيونية بين رؤيتين..عبد الوهاب المسيري وعبد السلام ياسين

قضايا فكرية

العقل والقرآن: أية علاقة؟

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

آثار الانكسار التاريخي على تاريخ المسلمين وواقعهم

الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله والاجتهاد

العقل والقرآن: أية علاقة؟

مقالات ذات صلة