post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بقلم: ذ. محمد جنايد الحداد &#8220;باحث في الفكر السياسي بجامعة عبد الملك السعدي المغرب&#8221;
دون تحقيق دولة القرآن عقبات وتحديات، تستدعي من جند الله استحضار كل المقومات العلمية والعملية لاقتحامها والتصدي لها. وحتى لا تكون دولة القرآن مثالا حالما محلقا في سماء الشعارات المنادية بأن الإسلام هو الحل في جميع المجالات، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..
لا يكفي أن نبسط الحديث فقط عن غايات دولة القرآن المتمثلة في إقامة الدين وتحرير الإنسان، دون ربطها من جهة بالأهداف الاستراتيجية، والتي ينبغي أن تعبأ كل الوسائل لتحقيقها، ودون ربطها بالتحديات الكبرى التي تنتظرها من جهة أخرى. فالثمن يتطلب جهدا وجهاد.
كما أن المنهاج النبوي يعلمنا أن ننظر إلى التحديات التي تستقبلنا بعينين، لابعين واحدة. &#8220;فقدر الله يجري في العالم كما يشاء الله، ونحن مغلوبون منهوبون مقهورون بما كسبت أيدينا. هذا الكسب ومسؤوليتنا عن هزيمتنا هما شرع الله. ورجوعنا لشرع الله نعظمه ونقدسه ونعمل بمقتضاه يسدد خطانا على صراط الله المستقيم المؤدي للحسنيين. واتباع الرسول الذي يوحى إليه هو المنهاج&#8221; [ref]ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ص:12[/ref]. فيجب أن نضع _كما أشار الأستاذ عبد السلام ياسين_ في الاعتبار مستويين من النظر:
قدر الله : فالله سبحانه وتعالى هو وحده المتصرف في الكون كما يشاء، وهو المقدر سبحانه لأحداثه، وما يجري في دنيا الناس بعلمه وتصرفه. ويؤكد الأستاذ عبد السلام هذا المعنى، حتى يستحضره جند الله دائما، لئلا يروا لأنفسهم فعلا مع الله، تعالى الله. شرع الله : هو ما أمر الله به المؤمنين من التكاليف الشرعية، وما تحصل لدى الإنسان بسبب ما كسبت يداه، لقوله سبحانه: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (الشورى:30)، وقوله جل جلاله: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم:41)، ومسؤولية الإنسان عن هذا الكسب من شرع الله، فيجب على جند الله أن يتبعوا القرآن وهديه. من خلال هاذين المستويين، تتوازن رؤية جند الله للعقبات التي تنتظرهم، فينظمون الطاقات والجهود لتجاوزها. وقد جمع الأستاذ عبد السلام ياسين العقبات المرتقبة في ثلاث رئيسية:
<h2>العقبة الأولى: الذهنية الرعوية  </h2>
تتمثل هذه العقبة في كونها &#8220;عقبة نفسية ذهنية اجتماعية سياسية، وهي كون شعوبنا لما تصل بعد إلى  تطلبها، لن تكون لها إلا تحت لواء الإسلام&#8221; [ref]ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:386[/ref].
وقد نشأت هذه الذهنية وترعرعت عبر قرون من الاستبداد عاشت الأمة تحت وطأته، كما أن داءه قد نخر في جسمها وأفرز عددا من المظاهر أهمها:
&#8211; الخنوع والاستسلام للظلم القائم والخوف من الحاكم. &#8211; اختناق العقل المسلم وجموده، وموت المبادرة والإبداع في الامة. &#8211; تنشئة شخصية خاملة مستقيلة من مهامها، ومنحرفة في تفكيرها. &#8211; الانبهار بالغرب المتقدم بإنجازاته الصناعية، والتبعية له. &#8211; عدم القدرة على استثمار الإمكانات الكبرى التي تمتلكها الأمة. يشكل اقتحام هذه العقبة استمرارا للجهاد قبل القومة وبعدها، &#8220;ففي فترة الإعداد والزحف نُرَبِّي العامة، ونجند الشباب، ونختار الرجالَ، ونساعد كل ذي استعداد لصعود مراقي الإيمان والهجرة والجهاد. وبعد القومة لن نجد قوة على مغالبة مشاكل الحكم والبناء إلا في السواد الأعظم. ولا غَنَاءَ في هذا السَّواد إن لم نَرْفَعْهُ بالعدل وضمان العيش الكريم إلى آدميته، وإن لم نحرر نفسه وعقله من الخرافات، والنفاق، والغزو الحضاريِّ، و&#8221;دين الانقياد&#8221;.[ref]ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، ص:16[/ref]
لكن، كيف يكون هذا السواد الأعظم بواقعه المتردي قوة يستعين بها جند الله؟
إن هدف التربية التي يغرسها جند الله في الأمة علاج الوهن والغثائية في النفوس. يعبر الأستاذ عبد السلام ياسين عن ذلك مستبشرا: &#8220;من هذا الغثاء يأذن الله سبحانه وتعالى أن تنبعث أمة الخلافة الموعودة. من تلكم الأنفس المنهزمة وعد الله ورسوله أن تتخلق أسد العرين وحماة الدين&#8221;[ref]نفسه، ص:45[/ref].
كما تمنع التربية جند الله من أن &#8220;يميلوا إلى جانب السهولة، فيزعموا لأنفسهم القدرة على إملاء إرادتهم من فوق، فتنفذ، فيصلح الفاسد، ويستقيم المعوج&#8221; [ref]نفسه، ص: 32[/ref]، فتكون للأمة سلطة المراقبة للحاكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك كانت التربية أول البذور التي على جند الله غرسها لمواجهة العقبات الكؤود.
<h2>العقبة الثانية: المستفيدون من الفساد</h2>
هذه العقبة، متمثلة في &#8220;خلايا الفساد القاطنة بأرضنا&#8221;[ref]ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 388[/ref]، أو ما يسمون اليوم بالمستفيدين من الفساد، وهم الذين لا يجدون مصلحة في التغيير، بل يعتبرون أن مصالحهم المادية تصبح مهددة، لذا فهم لا يألون جهدا لمقاومة التغيير.
إن من المؤكد أن التغيير الذي يسعى إليه جند الله، لن يلقى ترحيبا من جميع فئات الشعب، ولن ينخرط الجميع فيه بنفس المستوى، &#8220;هناك من احتل منصبا اجتماعيا، وجمع مالا وعدده. فلن يقبل هؤلاء التغيير، لأن التغيير يعني في حقهم الانزعاج عن عاداتهم، وتطليق طموحاتهم، وإعادة قسمة ما جمع من أموال بغير حق&#8221; [ref]ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، ص:89[/ref]. ينضاف إلى هذه الفئة من مترفي المال والجاه، مترفوا الفكر، الذين يترصدون بالتجربة الإسلامية الفتية، والقصد إفشالها.
يقترح الأستاذ عبد السلام ياسين أن تتم عملية التغيير تراوحا بين يدين اثنتين: &#8220;يد الدعوة الرحيمة، ويد الدعوة الصارمة&#8221;[ref] نفسه، ص:90[/ref]، فبين هاذين اليدين يتم التصدي لكل تجمع مصلحي ومقاومة للتغيير. و نفضل في أفق دولة القرآن &#8220;أن تموت جراثيم الترف والإلحاد موتتها الطبيعية. أن ينكشف زيفها للخاص والعام حتى تنبذ بما هي نجاسة متبقية من ماضي دخول الجاهلية إلينا&#8221;. [ref]ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 389[/ref]
لهؤلاء أن يمارسوا حدود معارضتهم في ظل دولة القرآن، لكن حدود هذه الممارسة ينبغي أن تكون واضحة، فلا ينشروا كذبا، ولا يحدثوا فسادا، ولا يسفكوا دما حراما. [ref]ينظر، ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 389  [/ref]
العقبة الثالثة: الاقتصاد قبل بناء جند الله لاقتصاد دولة القرآن، يكون قادرا على تحقيق اكتفائه الذاتي، وعلى التعامل مع منظومة الاقتصاد العالمية، لابد أن نشخص هذه العقبة حتى توضع الخطط الاستراتيجية لمواجهتها.
يصف الأستاذ عبد السلام ياسين واقع الاقتصاد في غد دولة القرآن بقوله: &#8220;نرث إن شاء الله تعالى اقتصاديات موجهة لقضاء مصالح الاستكبار العالمي والمحلي. نرث عادات استهلاكية جاهلية. نرث القسمة الضيزى المفروضة على المستضعفين. نرث الفقر وحليفه الكفر. نرث مدن القصدير. نرث البطالة. نرث خزانة الدولة الفارغة. نرث الخراب الاقتصادي&#8221;. [ref]نفسه، ص: 389[/ref]
إنه  ميراث مريض، يثقل كاهل العاملين لدولة القرآن، ويبطئ عجلة التغيير، ويواكب هذا المرض عدد من الأعراض:[ref]ينظر: ياسين، عبد السلام، العدل، ص:420[/ref]
&#8211; الإنتاج المحلي المبعثر، وكيفية نقله إلى نمط إنتاج صناعي قادر على مزاحمة السوق العالمية. &#8211; النفقات والمصاريف الغير منتجة، وكيفية تعبئة المال وضخه في قنوات منتجة. &#8211; طوق المديونية المهدد، وكيفية التعامل مع برامج صندوق النقد الدولي. &#8211; التفاوت الشنيع بين مستويات المعيشة، وانخفاض القوة الشرائية لجمهور الشعب، وتفاقم الضرائب، وغلاء الأسعار&#8230; &#8211; هجرة أبناء البلاد الإسلامية الخبراء في شؤون الاقتصاد، واستفادة قوى الغرب منهم. &#8211; لا شك أن العقبة الاقتصادية من أشد العقبات صعوبة، نظرا لارتباطها بمعيشة الناس، وكسبهم اليومي، وبالتالي فإن قياس نجاح التجربة الإسلامية لدى العامة يكون من هذا المنطلق، فالعدل في القسمة، وتشجيع الإنتاج، ومواجهة الاستكبار العالمي يحتاج إلى زمن، ولما يقوي جند الله أركان دولة القرآن.
فالرهان بعد توفيق الله عز وجل، تجند الشعب المسلم المستضعف وتحمله، وبذله وتصميمه وجهاده، عندها لن يعدم جند الله مخرجا إن شاء الله.
المصدر: مفهوم &#8220;دولة القرآن&#8221; في نظرية المنهاج النبوي، مؤتمر مركزية القرآن الكريم في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين، استانبول 17- 18 محرم 1434هـ/1- 2 دجنبر 2012م

السياسة والحكم

تحديات أمام دولة القرآن

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

تحديات أمام دولة القرآن

مقالات ذات صلة