post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

يسرّ موقع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، إجراء حوار مع الدكتور عبد الحليم آيت أمجوض، في موضوع &#8220;البعد الإنساني للحوار الديني&#8221; في فكر الإمام رحمه الله تعالى. وسعيه في سبيل بناء المشترك الديني بما يؤسس لمجتمع العمران الأخوي والرابطة الأخوية بين الإنسان وأخيه الإنسان،
1- من مزايا المشروع التجديدي للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، الحرص على  الحوار الديني خطابا وممارسة. هلا أوضحت لنا ذلك؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
في البداية أشكر الساهرين على موقع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله لقاء جهودهم المباركة في التعريف بالمشروع التجديدي الواعد الذي أسسه الإمام، رحمه الله، على أرضية استبصار الآفاق الرحبة التي يرسمها القرآن الكريم للعلاقات الإنسانية، ويرسخها القول النبوي الشريف والفعل، وكذا العمل الراشد للخلفاء من بعده رضي الله عنهم.
وفي القلب من هذا التأسيس نجد الحرص على  &#8220;الحوار الديني&#8221; سبيلا لتعزيز &#8220;المشترك الإنساني&#8221;، وبخاصة مع &#8220;الذين قالوا إنا نصارى&#8221; نظرا للمودة التي شهد بها القرآن لذوي المروءات منهم؛ يقول رحمه الله: &#8220;إن حرصنا على الحوار مع النصارى قد يكون داعيه السياسي معقولا، لكن داعيَه الإسلامي هو الأصل&#8221;[1]. والنقول عنه رحمه الله في الموضوع كثيرة تقصيدا وتقعيدا.
وأما على مستوى الممارسة فالحرص منه رحمه الله على مد الجسور الحوار الديني تحصيل حاصل؛ ذلك لأن الكريم الوهاب حباه عموما بالجمع بين التأسيس العلمي لمشروع &#8220;المنهاج النبوي&#8221; وبين التجسيد الواقعي لمبادئه النظرية على الأرض من خلال تربية أجيال تحمل ثماره في العالمين عبر جماعة &#8220;العدل والإحسان&#8221; ومدارسها المتعددة، وتكفي مراجعة توجيهاته المبثوثة عبر الأشرطة المصورة للقاءات التي جمعته بتلامذته من مختلف مناطق المعمور؛ كان رحمه الله لا يمل من تأكيد &#8220;الرفق&#8221; و&#8221;البر&#8221; و&#8221;القسط&#8221; مسلكا وحيدا للتعامل مع &#8220;الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين، ولم يخرجوهم من ديارهم&#8221;&#8230;
2-هل حدد الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله قضايا تكتسي أهمية بالغة يمكن أن تكون موضوعا للحوار الديني؟
الجواب على هذا السؤال يكشف بجلاء سعة اطلاع الإمام ياسين رحمه الله، وخبرته في سبل بناء المشترك الديني؛ على النحو الذي يسمو بالحوار عن الجدل اللاهوتي العقيم، والاستهلاك الإعلامي الفارغ والاستغلال السياسي الرخيص، إلى أفق العمل الميداني النافع للإنسانية جمعاء، وفي هذا السياق يقول رحمه الله: &#8220;نحن نعلم أن محترفي السياسة، مهما قالوا ومهما ادعوا، ليسوا في غالبيتهم رجال مبادئ. أما رجال الكنيسة المعلنين تمسكهم بنصرانيتهم، فيبحثون عن الحوار مع المسلمين، ويصرحون منذ مؤتمر الفاتيكان الثاني أن الأوان قد آن لطي الصفحة وافتتاح عهد يسوده التفاهم والتعاون مع الإسلام&#8221;[2].
ويضيف رحمه الله: &#8220;نحن نرحب بكل تعاون مع الذين ﴿قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى﴾ إذا ما استثنينا الجدل اللاهوتي العقيم. فلنعرض إذن عن نقطة الخلاف هاتة، ولنجلس معا لتدارس الوضع العالمي الحالي، ومناقشة السبل الكفيلة بتنقيته إذا ما تضافرت جهود ذوي النيات الحسنة. فرغم أن لَوْنَ سماءينا ليس واحداً، إلا أن أرضنا واحدة، وفوقها نعالج مشاكل عاجلة: البؤس المادي والمعنوي، والإفساد الذي يمارس على البيئة، ومصير الأطفال والأقليات ثم الحروب، والقائمة طويلة. فلنجلس معاً لمعالجة هذه المشاكل، علنا نمتِّعُ كل بلد في العالم، كل شعب بل كل إنسان بل كل كائن بالإحسان العالمي، بالسلام الكوني، بمحبة الآخر، بكل فضيلة يحض عليها شرعنا ويأمر بها كتابكم&#8221;[3].
3- ماذا عن غير النصارى؟ اليهود مثلا؛ هل لهم مكان حول مائدة الحوار الديني التي يبسطها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله؟
الأمر لا يرتبط بجهة الانتماء الديني في الأصل، وإنما يتعلق بما يغلب على السلوك الديني لطائفة معينة بفعل الطفرات التاريخية التي قد ترسخ لديها عادات شاذة تقوض كل فرص التعايش من أساسها؛ ومن هذا القبيل الصهاينة الغاصبون الذين اختاروا اتجاها فكريا سياسيا عدوانيا زعموه حقيقة دينية، وكذا الداعمون لحركة العدوان تلك ماديا ومعنويا؛ جميعهم يتخذون عنوان &#8220;الذين ظلموا&#8221; من وجهة النظر القرآنية، فيخرجون بمقتضاه من الأمر بالمجادلة بالتي هي أحسن، إلى وجوب رد العدوان والدفاع عن النفس مصداقا لقوله تعالى: &#8220;ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم&#8221; [سورة العنكبوت، الآية:46].
وقد خصص الإمام رحمه الله حيزا هاما من كتابه &#8220;الإسلام والحداثة&#8221; لمن يعتبرهم &#8220;أبناء إسرائيل العاقين&#8221; الذين استحقوا اللعنة بما كسبت أيديهم من الافتراء على الله، وتقتيل الأنبياء بله غيرهم، والإفساد المستمر في الأرض؛ يقول الحق سبحانه: &#8220;لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ، لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله، والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ، مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء، وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ. لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ&#8221;[ سورة المائدة، الآية 82-78][4].
وفي كتاب&#8221;سنة الله&#8221; تحليل دقيق مستفيض للشخصية اليهودية التي أنتجت &#8220;التلمود&#8221; بما يقطر منه من حقد دفين ضد الإنسانية جمعاء، ومن استعلاء وتحقير للغير (الجويم/الأميين)، وتشريع لقتل الأبرياء والاغتصاب، وهلم جرا من عظائم المنكرات التي تحث عليها نصوص &#8220;التلمود&#8221; في حق غير اليهود[5].
وبالذهنية اليهودية المريضة نفسها تراكمت خبرات العنصرية المقيتة لتنتج &#8220;بروتوكولات حكماء صهيون&#8221; خطة محكمة للسيطرة الشيطانية على العالم[6].
ولذلك انتهت مبادرة مد الجسور معهم من قبل الحبيب المصطفى في المدينة المنورة إلى النفق المسدود، وهو من هو صلى الله عليه وسلم؛ الرحمة المهداة أكمل ولد آدم رفقا وعفوا وصفحا؛ يقول الإمام المجدد رحمه الله: &#8220;وبعـد سنوات من المكـائد والمراوغـات، خـاصة بعد غدر اليهود بحلفـائهم المسلمين في غزوة الخنـدق، طـردوا نهـائيا من المدينـة. لكنهم لم يَنْسَـوا أبدًا هذا الفصل من تاريخ شعبهم، ولذا لا يقنع الصهاينة بالطمع في الأراضي التوراتية الممتــدة من فلسطين إلى سوريا والعراق ومصر، بل يرنون ببصرهم إلى المدينة المنـورة حيث موطن الأجداد من قينقاع وقريضة والنضير. فلا حدود لجشع الدويلة الإسرائيلية. وسواء أعلنت إسرائيل نياتها التوسعية أو أسرتها، فإنها تنفذ بجسارة وقحة: أراض تُضَم، ومنازل تُجْرَف أمام أنظار أصحابها العاجزين، بل أمام العالم الذي لم يعد يبالي. عَالَم عَوَّدَهُ البث اليومي لهذه الصور على مشاهد الظلم&#8221;[7].
وبالرغم مما غلب على اليهود من بلوى الصهيونية فإن الإمام عبد السلام ياسين لم يعمم؛ قال رحمه الله: &#8220;ولئن غضب الله عز وجل على اليهود جملة فإنه استثنى حيث قال عن أهل الكتاب، واليهود منهم: &#8220;مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ&#8221; [سورة المائدة، الآية 66.]، ثم أردف: &#8220;الشاهد الحاضر معنا الملاحظ أن من اليهود قلة اليوم لا تتفق مع المشروع الصهيوني ولا تعترف بالدولة اليهودية. قد يكون ذلك من دهاء اليهود، لكن قد تكون القلة قلة صادقة في اعتراضها. فالباب مفتوح للتوبة، والتعميم مزلقة مثل الغفلة&#8221;[8].
4: هل تُستشف من كلام الإمام رحمه الله بعض العوامل الحاسمة في نجاح مشروع الحوار الديني المنشود؟
الحوار الديني مستويات وأنواع تبعا للسياقات؛ بدءا من الحوارات الفردية، أو بين المجموعات المحدودة التي لا تمثل إلا نفسها، وصولا إلى الحوار بين الكيانات الكبرى الرسمية، وإذا كانت الكفاءة والخبرة عاملا حاسما مشتركا بينها في الجملة، فإن هناك فروقا في عوامل النجاح على وجه التفصيل.
فعلى سبيل المثال يجعل الإمام رحمه الله استبعاد الجدل اللاهوتي/العقدي عاملا مساعدا على نجاح الحوار بين الكيانات الكبرى من أجل تأسيس &#8220;جبهة&#8221; دينية عالمية مشتركة لمواجهة غلواء النزعة المادية المعادية للإيمان الفطري والأخلاق الإنسانية، والحد من عقيدة العنف العنصرية المهددة لحاضر البشرية ومستقبلها، والتصدي لآفات الاستكبار والتفقير والعدوان والظلم والابتزاز&#8230;
يقول الإمام المجدد رحمه الله: &#8220;ولا نفتح جدلا لاهوتيا مع من أمر الله أن لا نجادلهم إلا بالتي هي أحسن. لكن ننظر في هذه البقية الباقية ممن شم نفَس ريح رائحة الدين، هل يتعاونون مع ذوي المروءات في الدنيا على إفشاء الرأفة في بني الإنسان، وهل يبذلون، وهل يكُفُّون عن تنصير يتامى المسلمين، وعن المساعدات المشروطة: الخبز لمن ينبذ دينه، ويعتنق الصليب.الخبز في مذهبنا الإسلامي للجائع، والدواء للمريض والتعليم لطالبه. مذهبنا البر بمن تعرف ومن لا تعرف. ديننا أن في كل ذي كبد رطبة صدقة&#8221;[9].
ولعل أهم عامل حاسم في نجاح مشروع الحوار الديني الأممي يكمن في بناء قوة الأمة الإسلامية بالموازاة؛ نظرا لما للتكافؤ في ميزان القوى من أثر بين معلوم؛ ولذلك فإن &#8220;الكلمة السواء&#8221; التي دعا إليها القرآن الكريم &#8220;أهل الكتاب&#8221; دعوة جديرة بالتدبر بقصد التنزيل على واقع الأمة أولا؛ يقول الحق جل جلاله: &#8220;قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ&#8221;[سورة آل عمران، الآية:64].
لقد استلهم الإمام المجدد رحمه الله من مضمون &#8220;الكلمة السواء القرآنية&#8221; دعوة مكونات الأمة الإسلامية وفضلاءها إلى الاجتماع على أرضية ميثاق؛ يقول رحمه الله: &#8220;هلموا إن شئتم نكن سواء على كلمة سواء، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح. هلموا نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله.ألستم تلومون الإسلاميين وتأخذون عليهم، وتستصرخون عليهم القاصي والداني لأنهم يحتكرون الإسلام؟ وهل الإسلام بضاعة وماركة مسجلة حتى يحتكر؟ إنما الإسلام فعل&#8230;&#8221;[10].
نسأل الكريم سبحانه أن يجدد الرحمة على الإمام عبد السلام ياسين في كل حين، وأن ينفع الأمة بعلمه وعمله، وأن يجعل البركة في عقبه إلى يوم الدين، آمين، والحمد لله رب العالمين.
<hr />
[1]  &#8211; عبد السلام ياسين، الإسلام والقومية العلمانية، ص:53. [2]  &#8211; عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ص: 140. [3]  &#8211; عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ص: 140/142. [4]  &#8211; عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة&#8221;، ص: 137 وما بعدها. [5]  &#8211; عبد السلام ياسين، سنة الله، تنظر الأمثلة في ص:99 وما بعدها. [6]  &#8211; عبد السلام ياسين، سنة الله، ص:109 وما بعدها. [7]  &#8211; عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ص:139. [8]  &#8211; عبد السلام ياسين، سنة الله، ص: 86. [9]  &#8211; عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، ص: 226. [10]  &#8211; عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، ص: 81.

الدكتور عبد الحليم آيت أمجوض

د.آيت أمجوض | الإمام ياسين سما بالحوار عن الجدل والاستهلاك إلى أفق العمل الميداني النافع

التربية والتعليم في تراث الإمام عبد السلام ياسين

شهر رمضان “الأحكام الفقهية والمقاصد التربوية”

التربية الإيمانية الإحسانية..حوار تربوي مع الأستاذ حسن قبيبش

د.-عبد-الرحمن-حسين-عبيد-

د. عبد الرحمن حسين عبيد: الإمام عبد السلام ياسين كان واسع الاطلاع على ثقافة الآخر

د. خالد العسري: مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين مشروع إنساني لأجيال متتالية

د. خالد العسري:  مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين مشروع إنساني لأجيال متتالية

بناء الفرد والجماعة في نظرية المنهاج النبوي: السياق والخطوات

حوارات

د.آيت أمجوض | الإمام ياسين سما بالحوار عن الجدل والاستهلاك إلى أفق العمل الميداني النافع

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

د.آيت أمجوض | الإمام ياسين سما بالحوار عن الجدل والاستهلاك إلى أفق العمل الميداني النافع

مقالات ذات صلة