post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

إن فعل التغيير في نظرية المنهاج النبوي يستحضر العامل الغيبي بما هو وعد من الله تعالى بالنصر لمن اتبع سبيله، لكنه أيضا عمل وفق سنة الله في التغيير توفيرا للشرط الذاتي في مدافعة الباطل، واتخاذا للأسباب، واقتفاء لسبيل الحكمة لإحلال العمران الأخوي؛ كل ذلك اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول الإمام رحمه الله: &#8220;ولن يبلغ أحد ولا معشار ما خص به محمد صلى الله عليه وسلم من التوفيق وكل خصال الخير. ومع خاصية النبوة والرسالة والعصمة فإن قيامه صلى الله عليه وسلم تدرج على سنة الله في النبيئين قبله، واندرج جهاده في تاريخ الأرض وهو صراع ومدافعة ومغالبة&#8221;.<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>



ويمكن إجمال شروط التغيير في نظرية المنهاج النبوي في أربعة شروط:



<h2 class="wp-block-heading">الشرط &nbsp;التربوي الإيماني</h2>



إن العامل الذاتي مركزي في نظرية المنهاج النبوي إذ فعل حامل التغيير لا يحكمه الامتثال التنظيمي فقط، بل الحافز الأقوى ينبع من قناعة داخلية تحول جميع حركاته تعبدا لله تعالى، فيدفعه ذلك إلى الإتقان في أداء وظائف الدعوة ومهمات التغيير إذ &#8220;صناعة القومة تريد من جند الله، مع الإيمان بالله والسباق إليه، مشاركة في الفهم والتنفيذ بحافز من داخل، بحافز الإيمان والبذل في الله. ولا تأتي الطاعة لنظام الصف إلا مكملا من خارج&#8221;.<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a> كما أن الشرط التربوي الإيماني هو الكفيل ببناء الشخصية المومنة المحسنة والمدافعة للباطل والفساد بمختلف أنواعه دون عنف، وهو الضامن ليكون عملها في المجتمع صلاحا وإصلاحا دون تحكم غضب أو الارتهان إلى أغراض مادية دنيوية.



<h2 class="wp-block-heading">الشرط التنظيمي</h2>



إن الطليعة المجاهدة هي نواة التغيير، لذلك فإن تأسيس هاته النواة الحاملة لهمِّ التغيير من  أولويات عمل التغيير، يقول الأستاذ ياسين: &#8220;إن استراتيجية التغيير الإسلامي، كما نقرأها في السيرة النبوية وفي القرآن الكريم، تتأسس على إرادة جماعة مجاهدة مبنية بناء خاصا&#8221;<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a>؛ وحتى تكون لهاته النواة قوة الإشعاع والتغيير لا بد بالموازاة مع العمل التربوي الإيماني حسن استثمار طاقات أفرادها، وأن تشكل من خلال بنائها الداخلي نموذجا &#8220;تندمج فيه الخصال الروحية الأخلاقية بالقدرات العقلية التدبيرية&#8221;.<a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a>



وقد أولى الإمام اهتماما كبيرا بالشروط التي ينبغي توفيرها داخل جسم الطليعة التي تنهض بأعباء التغيير، فحاملو همّ الأمة والعاملون لعزتها جواهر نفيسة تزداد نفاسة وقوة إن تكاثفت في تنظيم يجمع جهودها ويرص صفوفها، ويُسدّد فعلها، لكن قوة هذا التنظيم رهينة بطبيعة النواظم التي تربط أعضاءها، وهي: الحب في الله، والنصيحة والشورى، والطاعة.



وقد استمد الإمام من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسم إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» تشبيه التنظيم بالجسد، تشكل كل ناظمة مكونا من مكوناته يضمن سلامته، &#8221; فالمحبة في الله في نظرنا لحم الجسد ودمه. وهو بها وحدها جسم رخو لا يقوم لجهاد. والهيكل العظمي هو التناصح والتشاور لما فيهما من صلابة في الحق تشبه صلابة العظم في الجسم. والتناصح والتشاور بلا محبة تغطي العيب، وتتجاوز عن الهفوة، فقعقعة آراء، وأنانيات، وتأجيج خلاف. ثم لا يكون الجسد حيا إلا برئيس يقوده، وأجهزة تنفذ أوامر الرئيس، فالرئيس في جسد اللحم والدم والعظم العقل الآمر، والرئيس في جسم الجماعة المؤمنة العضوية الأمير ومعه سلم الإمارة بمثابة أجهزة الجسد&#8221;.<a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a>



الحب في الله: إنه الرابطة التي تجمع بين أعضاء التنظيم والتي تميزه عن باقي التنظيمات، &#8221; فلا جماعة إلا بتحاب في الله وصحبة فيه&#8221;.<a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a> إن هاته الناظمة تشكل الطاقة الدافعة لطليعة التغيير نحو تحقيق أهدافها، والدافعة أيضا لأنانيات الأنفس. النصيحة والشورى: إذا كان عماد مشروع العمران الأخوي الذي تنشده نظرية المنهاج النبوي على صعيد القلب حب الله ورسوله والمؤمنين، فإن عماده على صعيد الفكر والفهم والرأي والسياسة الشورى،<a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a> كما أن النصيحة تشكل الآلية التنظيمية الذاتية التي تتيح تقويم الذات وتصحيح المسار، ومعالجة مظاهر الاختلال التي قد تعتري صف جند الله عند أداء مهماتهم في البناء والتغيير. وقد وقف الإمام رحمه الله عند ضوابط النصيحة والشورى التي تحفظ المحبة بين أعضاء التنظيم، وتمكن من الاستفادة من تنوع الأفكار وتعددها؛ وقد قسّمت تلك الضوابط إلى ضوابط أخلاقية إيمانية، وأخرى منهجية تدبيرية؛ لكن &#8220;الضابط العام في المشورات هو أن تكون دينا أي نصيحة لله. ولرسوله وللمؤمنين. وعلى كل مؤمن أن يوطن نفسه لينتقد بصراحة وحزم، وأن يوطنها على تقبل النقد، وأن يوطنها على السكوت والاعتراف بالخطأ، وأن يعودها داخل المجلس وخارجه أن تحاسب وتؤدب. وأن يكون هينا لينا ذليلا -أي سهلا- على إخوته إن نصحوه. ويقول كلمة الحق كما يراها في غير عنف لكن بصدق لا يخاف في الله لومة لائم&#8221;.<a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a> الطاعة: ومقتضاها أنه بعد المشورة والحسم والترجيح وجب الانصراف إلى العمل وتنزيل القرارات المتخذة، إذ &#8221; الشورى في ميزان الشريعة مرحلة للتفاهم ضرورية لكنها وحدها لا تفضي إلى تنفيذ إن لم يكن القرار القابل للتنفيذ والطاعة الملزمة&#8221;.<a id="_ednref9" href="#_edn9">[9]</a>



<h2 class="wp-block-heading">الشرط المنهجي: الحكمة العقلية &nbsp;</h2>



تدعو نظرية المنهاج النبوي إلى ضرورة قراءة تاريخ الأمة من منظار الوحي لتشخيص أدواء الأمة، &#8221; فمن الفقه العميق لما حل بنا من انحطاط أمس البعيد والقريب يبدأ التغيير &#8220;؛<a id="_ednref10" href="#_edn10">[10]</a> بعد ذلك تأتي ضرورة تحديد أهداف التغيير والواقع الذي سيتنزل فيه  &#8220;فمعرفة موضوع التغيير، وحجمه، وكمه، وكيفه، وتطوره، وقوى الصراع فيه ومن حوله، مقدمة وباب ليدخل جند الله بإرادته الإيمانية على المستقبل من باب العلم&#8221;. <a id="_ednref11" href="#_edn11">[11]</a>



ولما كان التغيير المنشود يتطلب استعدادا وعملا دؤوبا على مستوى تحليل واقعنا، وتقديم البدائل لانتشال الأمة من براثنه، فإن الحكمة تقتضي التهيؤ &#8220;على مستوى الأرقام والإحصاء، والزمان والمكان، والموارد والإمكانيات استعدادا ليوم القومة وما بعدها، استعدادا لجهاد البناء&#8221;.<a id="_ednref12" href="#_edn12">[12]</a>



كما أن الرفق والأناة، التدرج والتؤدة، وتوعية الأمة وأخذ الواقع الدولي بعين الاعتبار ؛ كل ذلك من الحكمة التي ينبغي أن يأخذها حامل لواء التغيير بعين الاعتبار حتى لا يقع في اليأس عند أول عقبة، بل يجب أن يقتدي &#8220;بالجهاد الصابر الطويل النفس الذي عالج به رسول الله صلى الله عليه وسلم النفوس والأوضاع، ويعتبر بالرفق الذي ليَّن به الصعاب، والتؤدة التي قابل بها تعجل الجاهلين إلى الشر، والحلم والمداراة&#8221;.<a id="_ednref13" href="#_edn13">[13]</a>



<h2 class="wp-block-heading">الشرط المجتمعي: تكوين السواد الأعظم المناصر للتغيير</h2>



إن فعل التغيير في نظرية المنهاج النبوي إمامة للأمة نحو صلاح أمرها، لذلك فتأطير الأمة وتوعيتها بوظيفتها وإعادة الثقة إليها شرط ضروري في فعل التغيير، إذ التغيير ليس مجرد بنيات إدارية تستبدل بأخرى؛ لذلك فشرط حاسم في التغيير هو الانتقال من واقع أمة مهمشة مستقيلة من وظائفها في الفعل والإصلاح والمراقبة، إلى أمة مشاركة ومنتقدة وبناءة ومتحملة لمؤونة التغيير في المرحلة الانتقالية؛ فالتغيير قبل القومة وبعدها لا يُمْلَى من فوق، بل لا بد أن &#8220;يسْنده الاقتناع الشعبي، والمشاركة المتحمسة الراغبة من جانب السواد الأعظم&#8221;.<a id="_ednref14" href="#_edn14">[14]</a> كما أن هذا السواد ينبغي تأهيله وإشراكه في التدبير  ليَكسب &#8221; القدرة على مسك زمامه بنفسه، على مراقبة الحاكم، على محاصرة المنكر ومحاربته، على اليقظة الدائبة، والمشاركة الفعالة، في كل صغيرة وكبيرة من أمر المسلمين&#8221;.<a id="_ednref15" href="#_edn15">[15]</a>



كما تؤكد نظرية المنهاج النبوي على ضرورة إسهام جميع قوى الأمة ونخبها في فعل التغيير، لذلك دعا الإمام المجدد رحمه الله إلى حوار بينها للتأسيس &#8220;لميثاق تلتف حوله مكونات مجتمعاتنا&#8221;،<a id="_ednref16" href="#_edn16">[16]</a> ليشكل &#8220;قاعدة سياسية متعددة التنظيمات الحزبية والنقابية والمهنية&#8221;،<a id="_ednref17" href="#_edn17">[17]</a> . تعمل من خلالها جميع القوى لانتشال الوضع من الإرث الثقيل من الفساد الذي أحدثه الحكم العاض والجبري؛ عمل وإصلاح &#8220;على بساط المروءة وفي ظل الميثاق&#8221;.<a id="_ednref18" href="#_edn18">[18]</a>



المصدر: التغيير عند الإمام عبد السلام ياسين: مفهومه ومرجعيته وشروطه، مؤتمر التغيير في نظرية المنهاج النبوي عند الإمام عبد السلام ياسين، مفهومه وإشكالاته وقضاياه، إسطنبول 16 ـ 17 يناير/ كانون الثاني 2016



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>ياسين عبد السلام، مقدمات لمستقبل الإسلام، ص: 36. <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 10. <a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a>ياسين عبد السلام ، الإحسان، مطبوعات الأفق الدار البيضاء. الطبعة الأولى: 1998، 2/367. <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a>ياسين عبد السلام ، العدل، ص: 145. <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a>ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 82. <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a>نفسه، ص: 83. <a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a>نفسه، ص: 85. <a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a>نفسه، ص: 88. <a id="_edn9" href="#_ednref9">[9]</a>ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 89. <a id="_edn10" href="#_ednref10">[10]</a>ياسين عبد السلام ، تنوير المؤمنات، مطبوعات الأفق الدار البيضاء. الطبعة الأولى: 1996، 1/38. <a id="_edn11" href="#_ednref11">[11]</a>ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، 224. <a id="_edn12" href="#_ednref12">[12]</a>ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 239. <a id="_edn13" href="#_ednref13">[13]</a>ياسين عبد السلام، تنوير المومنات، 1/68. <a id="_edn14" href="#_ednref14">[14]</a>ياسين عبد السلام، إمامة الأمة، 91. <a id="_edn15" href="#_ednref15">[15]</a>ياسين عبد السلام، إمامة الأمة، ص: 32. <a id="_edn16" href="#_ednref16">[16]</a>ياسين عبد السلام ، الإسلام والحداثة، ص: 258. <a id="_edn17" href="#_ednref17">[17]</a> ياسين عبد السلام ، العدل، ص:629. <a id="_edn18" href="#_ednref18">[18]</a>نفسه، ص: 629.

شروط التغيير في نظرية المنهاج النبوي

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

لمحة في مفهوم اقتحام العقبة

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

مكانة الإمام الغزالي عند الإمام عبد السلام ياسين -2-

قواعد التفكير المنهاجي

مكانة الإمام الغزالي عند الإمام عبد السلام ياسين -1-

الصهيونية بين رؤيتين..عبد الوهاب المسيري وعبد السلام ياسين

قضايا فكرية

شروط التغيير في نظرية المنهاج النبوي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

شروط التغيير في نظرية المنهاج النبوي

مدلولات التغيير في نظرية المنهاج النبوي

مقالات ذات صلة