post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

كتاب: نظرات في الفقه والتاريخ &#8211; المؤلف: الأستاذ عبد السلام ياسين &#8211; عدد الصفحات : 88 &#8211; عدد الطبعات : 4 &#8211; الطبعة الأولى : 1989 &#8211; آخر طبعة : 2003
ما هي الأدوات اللازمة لتفسير التاريخ والواقع، وكيف يمكن أن نقوم ونتحرك وننال المطالب العالية الغالية وطوق التقليد في أعناقنا؟ كيف يمكن، وهذا الطوق الثقيل بثقل تاريخنا وتراثنا ينقض ظهرنا، أن نجادل عن الخلافة المنهاجية ومستقبل الإسلام تحت دولة الشورى والعدل والإحسان؟ كيف نتصور هذا المستقبل، مستقبل الوحدة والقوة وحمل الرسالة الخالدة إلى العالمين؟ كيف نعبر عن حاجات الإنسانية وشكواها وطموحاتها؟ كيف ننصر دين الله الذي جاء لنصرة الحق والانتصاف للمستضعفين؟ كيف كيف؟ 
 ما المنهاج للتحرر من ذهنية القطيع ومن ثورة التشنج المستعجل معا ؟ ما المنهاج لنخرج من تحت نير الرضوخ، ونحل وثاق التسويف، ونسترجع القدرة على المبادرة، وننصب نحن مائدة الإسلام، مائدة الشورى والعدل والإحسان، ندعو العالمين إلى رحمتها وبرها ؟ 
 أسئلة يجيب عنها وعن غيرها الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه نظرات في الفقه والتاريخ الذي حرره في أربعة عشر فصلا قدم لها بمقدمتين: تطرق في الأولى &#8216;الانحراف الخطير)&#8216;؛ إلى الانحراف التاريخي الذي حول مجرى حياتنا ففقدنا بالتدريج مقوماتنا. ذهبت الشورى مع ذهاب الخلافة الراشدة، ذهب العدل، ذهب الإحسان، جاء الاستبداد مع بني أمية، ومع القرون استفحل، واحتل الأرض، واحتل العقول، واعتاد الناس أن يسمعوا عن الخلافة الأموية والعباسية وهلم جرا. وعاشوا على سراب الأسماء دون فحص ناقد للمسميات. سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكا عاضا وملكا جبريا وسماها &#8220;المؤرخون&#8221; الرسميون خلافة.)<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a> 
 وفي المقدمة الثانية &#8216;ضرورة التفكير المنهاجي)&#8216; وقف على ضرورة المنهاج النبوي لتفسير التاريخ والواقع، ولفتح النظرة المستقبلية، ولرسم الخطة الإسلامية دعوة ودولة، تربية وتنظيما وزحفا، ولمعرفة الروابط الشرعية بين أمل الأمة وجهادها، ولمعرفة مقومات الأمة وهي تبحث عن وحدتها، ولإحياء عوامل التوحيد والتجديد، ولمعالجة مشاكل الأمة الحالية قصد إعادة البناء. 
 وتساءل الأستاذ عبد السلام ياسين في الفصل الأول عن السبيل للتحرر من &#8216;طوق التقليد)&#8216; ويقول: لست أعني بالتحرر من التقليد طرح الاجتهادات في فروع الفقه مما خلفه لنا رجال الإسلام العلماء العاملون، لكن أقصد أول شيء نبذ هذه الذهنية الكريهة التي تنظر في القرآن وفي السيرة العطرة بمنظار الطاعم الكاسي في البلاط لا ينظر إلى البلاط وواقع المسلمين بمنظار القرآن وعوينات السنة الشاهدة لينتقد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويغضب على الباطل وأهله مرة في عمره)<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a>. 
 تحرر من أسر التقليد دون القفز على &#8216;المكاسب الثمينة)&#8216; -كما يشير في الفصل الثاني- التي ورثناها من سلفنا الصالح؛ علوم وقواعد مؤصلة، أسس في علم التعديل والتجريح وأصول الفقه وفروعه وأصول الدين وعلم السلوك، لكن على أقفالها رموز يحلها فيستفيد منها من معه مفتاح الفقه الجامع. 
 ويدعو المؤلف في الفصل الثالث &#8216;القرآن حاكم)&#8216; إلى تحكيم القرآن، والرجوع إليه، والرضوخ التام لأمره ونهيه، ولكن يقول: &#8220;فلا بد أن نحدد حمى القرآن وحرمته، والتورع الواجب في الاستشهاد به والاستنباط منه، لكيلا نقع في مهاوي الذين اتخذوا آيات الله هزؤا، ولكي لا نحشر، إن نحن استخففنا بالحرمة ووقعنا في الحمى، مع الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون)&#8220;<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a>. 
 إن مشروع الإسلاميين في عصرنا سيكون محدود الأفق إن لم نفهم تاريخنا، إن لم نفهم الذهنية التقليدية التي تدين بالولاء غير المشروط للسلطان، ولم نفهم الذهنية الأخرى التي رفضت الاستسلام وتشيعت لآل البيت، وإن لم نع أن عروة الحكم انتقضت بعد ثلاثين سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه إشارة يؤكدها الكاتب ويلقي عليها الضوء في الفصل الرابع &#8216;لتنقضن عرى الإسلام&#8217;). 
 ولكن قد يزيغ عن الجادة الناظر في تاريخ المسلمين الذي يغيب عنه &#8216;عامل الإيمان بالغيب)&#8216; &#8211; وهذا عنوان الفصل الخامس- والذي يستعمل أدوات التحليل المادية المجردة، كما يفعل المثقفون المعاصرون تلامذة الجاهلية، يرتبون الدوافع النفسية والسياسية والاقتصادية حسب ما تعطيه مذاهبهم الفكرية من الأهمية والأسبقية للعوامل الموجهة لحركة المجتمعات. 
 ولا ينظر &#8216;من أعالي التاريخ)&#8216; من أين بدأ النقض وكيف توالى وتسلسل لنعرف من أين نبدأ الفتل من جديد، يتبنى القضايا التافهة، ويشتغل بالخلافيات المضحكة. 
 إن أعداءنا يأكلون دنيانا حلوة هنيئة، يقول الأستاذ في الفصل السابع &#8216;وحدة دار الإسلام)&#8216;، ونحن نأكلها مرة مرارة مضاعفة بضعف الفقر والذل، ثم نغص بمعاشنا هذا الكئيب غصتين، غصة الدنيا بما قعدنا وعجزنا عن الجهاد، وغصة الآخرة بما ضيعنا من وحدة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت تلك الوحدة ولا تزال شرط حياتنا. 
 ضيع المسلمون وحدة الشورى والعدل والإحسان، وتمسكوا بعدها بوحدة قسرية تحت ظل السيف. لما انفرمت وحدة المسلمين الأولى تحت الملك العاض والجبري لم يتحدث فقهاء ذلك الزمان عن ضرورة إعادة الحكم الشورى لأن وحدة الشوكة والسلطان بقيت قائمة على رقعة دار الإسلام. لم يذكر علماؤنا السابقون أثناء حديثهم عن مقاصد الشريعة هذا المقصد الجامع. أما في زماننا، وقد نشبت فينا مخالب الجاهلية والأنياب، فنشعر بضرورة استعادة الوحدة شعورا عميقا. إنها مسألة حياة أو موت. إنها أم مقاصد الشريعة بل &#8216;مطالب الشريعة&#8217; كما عنون الكاتب الفصل الثامن. 
 أما الفصل التاسع &#8216;مقاصد الشريعة)&#8216; فمليء بالنصوص الشاطبية المقاصدية، أعجب بها المؤلف وبث من خلالها العبر والدروس، وقال: ضئيلة هي نظرة المقلدة الذين يقرأون علوم السلف، مثل علم أستاذنا، ليستدلوا منها على وجاهة &#8221; الحل الإسلامي &#8221; و&#8221; البديل الإسلامي &#8221; إن كان لايتعدى مرمى بصرهم دار الفناء. تافهة هي حقيرة. وكأن الإسلام وشرعه مفتاح للدنيا، دال على الدنيا، خادم للدنيا، داع إلى مصالح العباد في الدنيا. وهم عن الآخرة غافلون)<a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a>. 
 وكذلك الفصول التالية &#8216;بإزاء القرآن)&#8216;، &#8216;الاجتهاد وتحقيق المناط)&#8216;&#8230;هي مباحث أصولية مقاصدية، ينظر إليها المؤلف نظرة تجديدية، ويسائلها عن الديموقراطية والاشتراكية، وأين تقع الإنسية الجاهلية و&#8221;حقوق الإنسان &#8221; والأخلاق والفلسفة والفنون، وهي واقع هناك، من الإحسان وهو مطلب كامن في قلوب المؤمنين بالله وباليوم الآخر غائب عن واقع المسلمين؟. 
 وفي فصل &#8216;الجنايات)&#8216; يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: &#8220;تحدثنا في الفقرة السابقة &#8216;الاستنباط في خدمة القصد)&#8216; عن المطلب الشرطي مطلب إنشاء جماعة المسلمين المنوط بها حمل الرسالة، وتحدثنا عن مطلب وحدة المسلمين، وعن ضرورة إنشاء الجماعة وتوحيد الأمة ليتأتى&#8221;حفظ الدين&#8221;. وتحدثنا عن مطلب الأمن في السرب والعافية في البدن والكفاية في القوت، هذه المطالب التي تغطي جانب &#8220;العادات&#8221; و&#8221;المعاملات &#8220;. 
 وتحدثنا عن كون الوسائل الاقتصادية في الإنتاج والتوزيع والتنمية والتصنيع ضروري اتخاذها ليتأتى العدل، إذ بالعدل الموفي بالمطالب الدنيوية يستطيع العبد أن يتطلع إلى الغاية وهي الإحسان. 
 في هذه الفقرة &#8216;الجنايات)&#8216; نقف وقفة قبل أن نتعرض لما به تكون &#8220;مراعاة المقاصد الشرعية من جانب العدم&#8221;، أي بما يكون حفظها والدفاع عنها، وما &#8221; يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها&#8221;&#8230; مع الخلل الواقع في الدين ومقاصده من جراء تخاذل الدويلات العاضة، ومن جراء انهيار الإسلام الفردي الموروث أمام الاستعمار والغزو الفكري&#8221;<a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a>. 
 وعن الفصل الأخير &#8216;الدعوة والدولة)&#8216; يقول المؤلف: في الفقرة المقبلة إن شاء الله نتحدث عن الشورى والدولة ومهامها في صيانة المطالب الشرعية)<a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a>. 
 بدأ الأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله كتابه هذا بقوله: إخواني الأعزاء، أخواتي العزيزات، أيها المؤمنون أيها المؤمنات. يقول الله جل وعلا: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾<a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a> 
 وختمه بقوله: هذه كلمتي إليكم إخواني وأخواتي سائلا منكم ومن كل من يقرأها أن لا تنسوني من دعائكم، أحسن الله الكريم إلينا وإليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.)وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين)<a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a>. 
________________________________________________
<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>ياسين، عبد السلام: نظرات في الفقه والتاريخ، ص 10 <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>نفسه، ص 16<a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a>نفسه، ص21 <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a>نفسه، ص66 <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a>نفسه، ص78 <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a>نفسه <a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a>نفسه، ص7 <a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a>نفسه، ص85

فصول كتاب “نظرات في الفقه والتاريخ”

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

فصول كتاب “نظرات في الفقه والتاريخ”

أضف تعليقك (1 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي

عزة الإيمان

الولاية بين المؤمنين

قلب دولة

حديث الخلافة

خصائص المنهاج النبوي

مقالات ذات صلة