post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بقلم: د. الذوادي بن بخوش قوميدي/جامعة باتنة- الجزائر
<h2>1- مكانة العقل في نظرية المنهاج النبوي:</h2>
يقسم الأستاذ ياسين العقل إلى: العقل المؤمن والعقل المعاشي. ومقصوده بالعقل المؤمن الذي يفكر وفي حسبانه الإيمان بالله واليوم الآخر، فينظر إلى مصالح الدنيا والآخرة معا، أما العقل المعاشي [ref]ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم، ط3، 2003م، مؤسسة التغليف والطباعة والتوزيع للشمال الرباط ،ط1، 1994م، 5. [/ref]فهو الذي يفكر ويدبر أمور الحياة بعيدا عن الإيمان بالغيب، ويُوكِّد الأستاذ ياسين أن الوحي لم يقص العقل المعاشي المدبر للشؤون الحياتية؛ بل نصبه أميرا في مجالاته المشتركة بين البشر عندما قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم للأنصار في مسألة تأبير النخل: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) [ref]أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي، رقم:2363، 4/1336.[/ref]. ولم يعتقل الوحي العقل المدبر المبتكر اليقظ المتفاعل مع الأحداث يعرف الضار من النافع&#8230;. [ref]ينظر: ياسين، محنة العقل المسلم، 25-26.[/ref]
وينظر الأستاذ ياسين في مرآة التاريخ فيرى أسلافنا الذين صاغوا المنهجية العلومية دون أن يتخلوا عن إسلامهم، أو يقيلوا العقل المؤمن من وظائفه، فبرعوا في العلوم لثباتهم في العلم، وبنفس القياس الأصولي، افتتحوا الفهم في شريعة الله المنزلة، وافتتحوا الكشف في كون الله المخلوق. غير أنه لا ينسى أبدا ولا يتناسى الإصابة البليغة والخانقة والمميتة التي أصابت العقل من جانب الحكم الجائر الذي أغلق باب الاجتهاد وكمم الأفواه&#8230;،[ref]ينظر: السابق، 76.[/ref] فانحبس الفقه، ودارت الفتوى في حلقة ضيقة مقلدة&#8230; وغفا العقل المسلم الذي كان ذات يوم رائدا في مجالات العلوم الكونية كما كان سابقا في فقه الشرع&#8230;.[ref]ينظر: ياسين، تنوير المؤمنات، 1/25.[/ref]
ثم أخذ العقل المسلم يغطس في سباته إلى أن أيقظته نهضة أوروبا&#8230; فظن المسلمون أن تخلفهم هذا قد يكون له سبب مما يستطيع العقل المقارن أن يجيب عنه. وطرحوا سؤالا: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟![ref] ينظر: ياسين، محنة العقل المسلم، 121.[/ref]
<h2>2- حال العقل الفقهي في عصرنا:</h2>
منهج التفكير الفقهي جزء من نظرية المنهاج النبوي، و&#8220;نكون منهاجيين إن نحن جعلنا تحت أيدينا الفقه الموروث المجزأ نخاطبه ونحاوره ونسائله وننتقده ونستفيد منه حسب ما نجد عنده أو لا نجد من خبر أو دراية أو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد الموفق المعصوم&#8221;، أن &#8220;نجعل تحت أيدينا كنوز الفقه الموروث، نرجع إليها عند الحاجة، لكن نأتم مباشرة بالتعليمات الشريفة التي أوصتنا أن نتبع السنة الأولى ونقتدي بهديها&#8230;&#8221;.[ref]ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، 18-19.[/ref]
في إطار هذا المنظور نفهم جملة الانتقادات التي انقدحت في لب الشيخ ياسين –حفظه الله- ومنها:
<h2>أ- هيمنة التقليد والجمود:</h2>
&#8211; أصيب العقل الفقهي بالكلالة والانشطار بين التقليد للرموز السالفة وللأشكال الواقعية القديمة، وبين المنكرين للسنة الزاعمين الاكتفاء بالقرآن، المائلين مع العلمانية&#8230; ومنظار التقليد يفرض على الذهنية الكليلة، ذهنية منشطرة منكدرة، صورا من الماضي الغابر ووقائعه وأحداثه يسقطه على واقع العصر ليصدر فتاوى هي الفتنة والتناقض.[ref]السابق، 21-25.[/ref]
&#8211; افتتن أشباه الفقهاء بالحضارة الغربية، وتاهوا بين مفاهيم العصر المادية، ملفقين منها ومن اجتهادات مضت، يُلبسون أفكار الغرب سرابيل إسلامية.[ref] السابق، 73.[/ref]
&#8211; عكف الجامدون على أشكال من الفقه القديم، يحاكمون تحديات الحاضر والمستقبل إلى التراث الفقهي -على عظمته وثرائه- يظن أن صناعة التاريخ لا تتأتى إلا بوضع نفوسنا تحت كلكله.[ref] السابق، 48.[/ref]
&#8211; وجود الخلاف المذهبي واستمرار الذهنية المقلدة التي لا تستطيع أن تصعد إلى قمة العلم والهمة حيث يريدنا القرآن أن نكون، هذا الذي سدّ الأفق وحَدَّه أمام الصحوة الإسلامية المعاصرة.[ref] ينظر: السابق، 45.[/ref]
<h2>ب- تفتت الفقه وتجزئته:</h2>
&#8211; آل الفقه ماضيا وحاضرا إلى التفتت والتجزئة، تزامنًا مع اختلال ثلاثية الشورى والعدل والإحسان كما يقول الأستاذ ياسين، ولم يخلف لنا سلفنا الصالح الذين عاشوا رهائن مقهورة في قبضة العض والجبر لم إلا نثارا من العلم لا يجمعه مشروع متكامل.[ref]السابق، 9-10.[/ref]
ولا يخفي الأستاذ ياسين إعجابه بما خلفه لنا الأسلاف من اجتهاد حافل، ولكن مع ذلك ينتقد انحصاره في الجزئية الضيقة، حتى &#8220;لا يكاد يتجاوز الفقه العبادي الفردي والمعاملات الاجتماعية&#8221;.[ref]ينظر: ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، القاهرة، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع، ط3، 1994م، 202.[/ref]
إن من الأخطاء السائدة التي توارثها العقل الفقهي إلى عصرنا &#8220;اعتبارَ الاجتهاد المطلوب خاصّا فقط بعملية استنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية، وهو فهم يساير واقع التجزئة العلمية التي أصابت العقل المسلم وهيمنت عليه، على العموم، باكرا لدرجة أنها حجبت محاولات أكابر الأمة للخروج بهذا العقل لينظر من خلال الوعي الأصولي المقاصدي الغائي الجامع وليس من خلال هيمنة الدليل الجزئي والفرعي الذي سجن، كثيرا، عملية التفكير بين الحلال والحرام وبين يجوز ولا يجوز&#8221;. [ref]الموساوي، مبارك، (المنهاج النبوي ونظرية الثابت والمتغير)، مقال بموقع: https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/document/3081.shtml نشر بتاريخ: 22 سبتمبر 2011م.[/ref]
<h2>ج &#8211; انحباس العقل الفقهي:</h2>
ينتقد الأستاذ ياسين العقل الفقهي المنحبس داخل المنطق المتجزئ المكسور الذي يحارب البدع والشرك في صفوف الجَهلة من ضعاف المسلمين، ويسكت عن الشرك السياسي، وهو أعظم؟ فقه انكسرت مرآته فهو لا يستطيع النظر الكلي المباشر إلى الرسالة الإسلامية جميعةً، وإنما يقرأها في شظايا الفقه الموروث شتيتة. وعقل عجز عن جمع نفسه أمام المفرقات وأمام كنوز الدنيا وأبناء الدنيا وبنات الدنيا وفلسفات الدنيا. فالعلة سياسية اجتماعية اقتصادية كلية . [ref]ينظر: ياسين، تنوير المؤمنات، 1/269.[/ref] وإذا كانت العلة كلية لزمها علاج كلي بنظر كلي ومنهج كلي، وهنا نتساءل مع الأستاذ ياسين عن العلوم الزاخرة من &#8220;الفقه المنحبس&#8221;، &#8220;كيف نطلق سراحنا منها لنجتهد لزماننا ومكاننا؟&#8221; وعن الأصول المنهاجية المؤصلة الثمينة للبحث، &#8220;هل تصلح سُلَّما نَرْقَى به إلى كتاب الله وسنة رسوله لنعتصم بالعروة الوثقى؟&#8221;. [ref]السابق، 1/274.[/ref]
<h2>3- أولوية تحرير العقل المسلم:</h2>
تحرير العقل المسلم –لدى الأستاذ ياسين- من مقدمات الأولويات، وهو تحرير ضروري يعيذ أمتنا من الفشل الملاحظ في كل الميادين، والتخلف في العلوم والصناعات والقوة وضروريات الحياة، فلابد من تحرير العقل المسلم تحريرا شاملا في شؤون الدولة والحكم والاقتصاد والوحدة القُطرية لنستقر ونستقل، حتى نربط &#8220;عربتنا الوطنية القومية بقاطرة الحضارة المنتصرة&#8221; كما يرى المنهزمون.[ref] ينظر: ياسين، محنة العقل المسلم، 124.[/ref]
ولعل أهم تحرير مطلوب التحرر من التقليد الفقهي، الذي لا يعني -كما يستدرك الأستاذ ياسين- &#8220;طرح الاجتهادات في فروع الفقه مما خلفه لنا رجال الإسلام&#8221;، لكن المقصود &#8220;نبذ هذه الذهنية الكريهة التي تنظر في القرآن وفي السيرة العطرة بمنظار الطاعم الكاسي في البلاط، لا ينظر إلى البلاط وواقع المسلمين بمنظار القرآن وعوينات السنة الشاهدة لينتقد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويغضب على الباطل وأهله&#8221;. [ref]ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، 15-16.[/ref]
<h2>4- نحو فقه كلي جامع:</h2>
يطرح الأستاذ ياسين من أجل تحرير العقل الفقهي مشروع &#8220;الفقه الكلي&#8221;، ويعرفه بأنه &#8220;الفقه الذي يشمل كل العبادات الفردية والمعاملات الجزئية، في نسق واحد يؤدي وظيفة إحياء الأمة وإعادتها إلى حضن الشريعة&#8221;. [ref]ينظر: ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، 202. وينظر: ياسين، تنوير المؤمنات، 1/272.[/ref] وهو ذات المقصود بـ&#8221;الفقه الجامع&#8221;، وهو &#8220;الفقه الذي يعم في نظرة واحدة الدعوة والدولة في علاقاتها الأولى على عهد تأليف الجماعة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ثم تطور هذه العلاقات تطورا توسيعيا على عهد الخلافة الرشيدة&#8221;، لا بديل عن ذلك الفقه لإصلاح &#8220;الفساد والكساد على عهود الملك العاضّ فالجبري، ثم لمجابهة الوضع الحالي &#8220;وقد أصبح للعلمانية والذهنية العلمانية والنوايا العدوانية على الدين الصدارة في تفكير الحكام وممارستهم&#8221;.[ref] ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، 17.[/ref]
إن التجزئة التي يعاني منها الفقه تمثل تحديا لنا أن نقوم لنجمع بالاجتهاد شتات العلم، متخطين كل التجزئات وكل الأفكار والاجتهادات والمواقف النسبية المظروفة بظروفها التاريخية. نعيد كل اجتهاد سابق إلى نصابه، نعرضه في حدود نسبيته على النموذج النبوي الكامل الذي طبق كلمة الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.[ref] ينظر: السابق، 18.[/ref]
في زماننا نحتاج إلى ذلك الفقه الذي يخط لنا ويعلمنا كيف ننفذ حكم الله في إقامة الدولة وتسييرها، في تنظيم المجتمع وإقامة العدل فيه.[ref] ينظر: ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، 202. وتنوير المؤمنات، 1/272.[/ref]
ومثال النظر الفقهي الكلي من فقه الزكاة مسألة اشتراط الحول في الزكاة، فـ&#8221;بشرط الحول يتصور متصور أن الأموال يُحتفظ بها راكدة حتى يمر العام. والحال أن المسلمين بحاجة ماسة لترويج أموالهم أقصى ترويج لتنتج. شرط الحول فقه بالنسبة للفرد الذي يحسب حسابه ليؤدي حق الله في ماله. أما الفقه الضروري للأمة فهو فقه ترويج الأموال، وتحريكها، واستثمارها، مع اقتضاء حق الزكاة فيها&#8230;&#8221;.[ref] ينظر: ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، 195.[/ref]
يساعد على ذلك النظرِ الكليِّ فهمُ مقاصد الشريعة واعتبارُها في الاجتهاد، وإلا فإننا &#8220;نفهم ديننا نُتفا ممزقة إن غفلنا عن المقاصد العليا للشريعة وأخذنا الأحكام منفصلة بعضها من بعض&#8221;.[ref] ياسين، عبد السلام: تنوير المؤمنات، 1/83.[/ref]
الفقه الكلي أو الجامع هو الذي يعطينا النظرة الكلية المستمدة من القرآن والسنة، بها ننظر إلى التراث الفقهي كأساس لاجتهاد مجدَّد، لأن &#8220;كلياتِ الاجتهادِ في التربية والتنظيم والزحف إلى الحكم لا يُمكن أن نعتمد فيها على فقه من سبقنا من السلف الصالح&#8221; وإلا كان ذلك الفقه &#8220;حجاباً بيننا وبين القرآن في كليات أوامره ونواهيه&#8221;.[ref] ياسين، عبد السلام: إمامة الأمة، بيروت، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1، 1430ﻫ-2009م، 212.[/ref]
المصدر: القرآن الكريم مصدرا للمعرفة الفقهية في نظرية المنهاج النبوي- دراسة وصفية تحليلية، مؤتمر مركزية القرآن الكريم في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين، استانبول 17- 18 محرم 1434هـ/1- 2 دجنبر 2012م

في تحرير العقل الفقهي

أية مكانة للإنسان في التصور المنهاجي للإمام عبد السلام ياسين؟

الأمثلة في كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين

مفهوم العلم في النظرية المنهاجية

معالم النظر التجديدي في التراث الفقهي عند الإمام ياسين

المسؤولية التربوية في نظام الأسرة

تصويب الاختلاف عند الإمام ياسين

الاختلاف في فكر عبد السلام ياسين

قضايا فكرية

في تحرير العقل الفقهي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

نقد الفقه السياسي

في تحرير العقل الفقهي

مقالات ذات صلة