post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

تحدثنا في المقال السابق من نظرات في « نظرات في الفقه والتاريخ » عن طبيعة المنهاج النبوي الذي يدعو إليه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، هذا المنهاج الضرورة كما عبر الإمام رحمه الله تعالى، فهو :



«ضروري لتفسير التاريخ والواقع؛ ضروري لفتح النظرة المستقبلية؛ ضروري لرسم الخطة الإسلامية دعوة ودولة، تربية وتنظيما وزحفا؛ ضروري لمعرفة الروابط الشرعية بين أمل الأمة وجهادها؛ ضروري لمعرفة مقومات الأمة وهي تبحث عن وحدتها؛ ضروري لإحياء عوامل التوحيد والتجديد؛ ضروري لمعالجة مشاكل الأمة الحالية قصد إعادة البناء »<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>



في هذا المقال محاولة للوقوف على مستويات هذا المنهاج. يتحدث الإمام رحمه الله تعالى عن مستويين لقراءة التاريخ والواقع واستشراف المستقبل: مستوى النظر، وهو المستوى السطحي للنظر الذي لا ينفذ للعمق ولا يعطي بالتالي حكما صحيحا؛ ومستوى التبصر الذي يكشفه لنا ضوء المنهاج النبوي.



<h2 class="wp-block-heading">1 ـ مستوى النظر:</h2>



هو المستوى السطحي ـ إن جاز التعبيرـ الذي نرى من خلاله الأحداث التاريخية ووقائع اليوم، من خلال هذا الضوء<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a>: « نرى الأحداث التاريخية المعاصرة؛ نرى التطور المذهل في العلوم والتكنولوجيا استأثر بهما من دوننا أعداء الإسلام؛ نرى الاتفاق بين شطري الجاهلية على التصدي العدواني لنهضة الإسلام؛ نرى فرقة المسلمين وتمزقهم؛ نرى هيمنة المادية الجاهلية وثقافتها في العالم؛ نرى احتلال العدو لأرض المسلمين واقتصادهم وعقلهم؛ نرى الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين المجزأة أقطارا ودويلات تمثل الحكم الجبري …»<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a>



هذا المستوى على أهميته، في تشخيص الواقع وفهم مآزقه، إلا أنه قد يعطينا ما سماه الإمام بالنشوة المخدرة، التي تتولد عن عاطفة مجنحة حزينة تنطلق من مآسيها اليوم، لتقف بنا عند الماضي التليد على عهد أمثال هارون الرشيد وتدفعنا لاستدعاء أمجاد « شوكة الإسلام » كما سماها الغزالي رحمه الله تعالى، فهو مستوى وإن اهتم بواقع المسلمين، إلا أنه مستوى خامل غير فاعل، ومنه تتولد الحاجة لمستوى أعمق، وهو مستوى التبصر.



<h2 class="wp-block-heading">2 ـ مستوى التبصر :</h2>



التبصر هو النظر بعمق مع التساؤل الحثيث عن أسباب الأزمة والإرادة العازمة في التغيير، فهو نظر فاعل غير خامل، يتفحص التاريخ والواقع وعينه على الأمل بيقين، لا ينهزم أمام الواقع وعقباته، ولا يعيش على الآمال المجنحة، تفصله عن واقعه والفعل فيه، يقول الإمام رحمه الله: « إننا إذ ننظر إلى الأحداث المائجة في عصرنا ونعيش مع الأمة أملها في أن يظهر الله دينه على الدين كله كما وعد ووعده الحق لن نعدو محطات الآمال المجنحة الخائبة، تجنيحها وتحليقها فوق الواقع، تحليقا يعطي النشوة المخدرة<a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a> لكنه لا يعطي التبصر، إن لم نتخذ هذا الحديث الجليل وأمثاله دليلا لمعرفة الانحراف التاريخي … »<a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a> هذا التبصر كفيل بأن ينبهنا إلى الانحراف الخطير الذي طرأ على تاريخنا، ولذلك نجد الإمام رحمه الله تعالى على ضوء التبصر ومن مقامه، يلاحظ ما يلي: « ذهبت الشورى مع ذهاب الخلافة الراشدة، ذهب العدل، ذهب الإحسان، جاء الاستبداد مع بني أمية، ومع القرون استفحل، واحتل الأرض، واحتل العقول، واعتاد الناس أن يسمعوا عن الخلافة الأموية والعباسية وهلم جرا »<a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a>. ـ زحف العدوان الداخلي لما أسكتت الأصوات الناهية عن المنكر؛ ـ اغتيل الرأي الحر؛  ـ سد باب الاجتهاد؛ ـ تكونت المذاهب الدساسة؛ ـ تمزقت الأمة سنة وشيعة؛ ـ تشتت العلم مزعا متخصصة عاجز فيها أصحاب التخصص عن النظرة الشاملة. لا يجسر أحد على بسط منهاج السنة والقرآن مخافة السلطان؛ ـ تركين القرآن وأهله في زوايا الإهمال أو الفتك بهم في « قومات « مثل قومة الحسين بن علي رضي الله عنهما الدموية؛ ـ تسلط السيف تسلطا عاتيا؛ ـ تقدم أصحاب العصبيات العرقية، فحكم بنو بويه والسلاجقة، والعبيديون، وهلم جرا؛  ـ الإفتاء بشرعية حكم المستولي بالسيف؛ ـ سلام على الشورى وعلى العدل والإحسان.<a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a> ـ « تطور الأمر حين بدأ الصراع بين القرآن والسلطان، وحين غلب السيف، وحين غابت الشورى وغاب العدل واختفى الإحسان، حين تفتت الفقه، وحين سيقت الأمة إلى التمزق فالاحتلال الاستعماري فبروز المغربين وجند الشياطين يعيثون في الأمة فسادا »<a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a>



الإمام رحمه الله تعالى من الدعاة الفعلة، الذين لا يقف بهم النظر عند العطب، بل يقودهم التبصر إلى الطلب، نلاحظ أنه رحمه الله تعالى من مقام التبصر، ينظر لتاريخ المسلمين منذ الانكسار التاريخي إلى الاحتلال الاستعماري، يصف الداء، ويدل على الدواء، حيث يربط ما وقع في تاريخ المسلمين من تسلط واستبداد، وتشتت العلم وتركين أهله، بانكسار عروة الحكم وذهاب الخلافة الراشدة ومعها العدل والإحسان وتسلط السيف والعصبيات، وصولا إلى ما طرأ على الأمة لاحقا من تمزق وتشتت، وما صاحب ذلك من آثار؛ فيكون الاجتهاد المطلوب، اجتهادا يمَكِّن لفضائل العدل والإحسان، ويعيد للحكم رشاده بالتمكين للشورى، وللعلم مكانته بانتظامه ضمن مشروع شامل متكامل، يخدم الأمة لا السلطان…



إن النظر بتبصر، كفيل بأن «&nbsp;ينير لنا معالم الطريق&nbsp;»، ويدلنا على أوامر للتنفيذ، ونموذج للاحتذاء، وذاك وحده كفيل «&nbsp;بإنهاء غثائيتنا&nbsp;» <a id="_ednref9" href="#_edn9">[9]</a>&nbsp;



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a> عبد السلام ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، دار الخطابي للطباعة والنشر، الدار البيضاء، الطبعة1، 1989، ص 12. <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a> يقصد ما يسميه « الضوء الكاشف » أي المنهاج النبوي. <a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a> عبد السلام ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، دار الخطابي للطباعة والنشر، الدار البيضاء، الطبعة1، 1989، ص7. <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a> يشير إلى منظار بعض المسلمين لتاريخهم « لا يزال منا من ينشد ضالته عند النموذج التليد على عهد هارون الرشيد…بعاطفة الحزين على حاضر المسلمين الهزيل، نندفع لاستدعاء أمجاد «شوكة الإسلام»، وهو تعبير للإمام الغزالي برر به رحمه الله دفاعه عن المستظهر العباسي. نستدعي صورة ذلك العهد القوي سلطانا، نحسب أننا بذلك ننتقم لتفاهتنا الغثائية الحاضرة. ما درينا أننا بإعزازنا للملك العاض الماضي نعز الملك الجبري الحاضر، ونعمل على تعمية آثار الهدي النبوي والوصية النبوية… » ص11. <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a> عبد السلام ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، دار الخطابي للطباعة والنشر، الدار البيضاء، الطبعة1، 1989، ص 10. <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a> عبد السلام ياسين، المرجع السابق، ص 10. <a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a>عبد السلام ياسين، المرجع السابق، ص 10. <a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a> عبد السلام ياسين، المرجع السابق، ص 11. <a id="_edn9" href="#_ednref9">[9]</a> عبد السلام ياسين، المرجع السابق، ص 11.

مستويات المنهاج النبوي

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

مستويات المنهاج النبوي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

مستويات المنهاج النبوي

مقالات ذات صلة