post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h1 class="wp-block-heading">أولا: مقدمة في منهجية الإمام وأسلوبه في الكتابة</h1>



للإمام أسلوبه الخاص في الكتابة، بل صنع جهازه المفهومي المتفرد عن غيره من الكُتاب والمفكرين، فمن يقرأ له يجده فريدا في أسلوبه، وهذه عادة الكُتاب الكبار لما يُطوعون اللغة ويصنعون المضامين بطريقتهم الخاصة، فيبصمون الكتابة ببصماتهم المتميزة، حتى مواضع تأوهاتهم تدل على نمط شخصيتهم ومستوى عمق تفكيرهم، وهو الذي قال عن أسلوبه: &#8220;كتبت ما سطرتُ من دواة قلبي وروحي، وبمداد همِّي ودَمي&#8221;<a href="#_ftn1" id="_ftnref1">[1]</a>، و&#8221;ما كتبه الرجل جزء من ذاته، وعصارة من تجربته، وترجمان عن همته، وإفصاح عن مكنوناته&#8221;<a href="#_ftn2" id="_ftnref2">[2]</a>، وبفضل صحبته للقرآن الكريم استمد خصائص البلاغة القرآنية وأحسن فهم المفردة القرآنية وامتداداتها الدلالية،



مع العلم أنه لا يكتب من أجل الكتابة، وإنما يكتب من مختبر الفعل، ولا يكتب كتابة هشة كما يسميها دريدا<a href="#_ftn3" id="_ftnref3">[3]</a>، فهو يحول كلامه إلى أفعال محسوسة ووقائع ملموسة، ولا يكتب الرجل بمنهجية أكاديمية كما تعارفت عليها التقاليد البحثية، وإن كان يعرفها وسبق أن كتب على منوالها مؤلفاته البيداغوجية والتربوية الأولى (1961-1963)، غير أنه اختار أسلوبا خاصا لا تخطئه عين القارئ الحصيف، يقول المقرئ أبو زيد الإدريسي: &#8220;الأستاذ عبد السلام ياسين مدرسة نسيج وحدها بين المدارس الأسلوبية العالمية&#8221;<a href="#_ftn4" id="_ftnref4">[4]</a>، فهو يحيا بقلبه وعقله ما يكتبه قبل أن يستشكل موضوع مخطوطه ويوزع فصوله، ويتفنن في التعبير عنه. ولا يقلِّل من شأن الكتابة الأكاديمية التي يستدعيها أحيانا، لكنه لا يعول عليها ولا يدعو إليها، وقد علق على خرقه لقواعد الكتابة وفق &#8220;المنهجية الأكاديمية&#8221; في كتابه الإحسان بقوله: &#8220;لستُ من قيس ولا قيس مِنِّي!&#8221;<a href="#_ftn5" id="_ftnref5">[5]</a>.



ولذلك فـ&#8221;منهجية الكتابة لدى الشيخ ياسين تخرج عن المتعارف عليه، وتكاد تكون نسخة من منهجيات رجال العلم الأولين في تاريخ الإسلام، فهو يدخل بك مدخلا ثم تجد نفسك في مخرج غير الذي ولجت منه، كما أن منهجيته سجالية في الكثير من المواضع، فيها الجدل والمساءلة والنفي والتأكيد؛ وهو فوق ذلك كاتب متطلب في بعض مؤلفاته، بمعنى أنه يفترض قارئا لديه خلفية معرفية يستطيع بها متابعة الجدل الذي يفتحه&#8221;<a href="#_ftn6" id="_ftnref6">[6]</a>.



كان الإمام يستجمع همته في الكتابة تعظيما لشأنها، مع الاستخارة المتكررة،كما &#8220;كان يفرح عند الانتهاء من تأليف كتاب ويقول: هذا مولود جديد يسره الله تعالى، نفع الله به الأمة الإسلامية والناس أجمعين&#8221;<a href="#_ftn7" id="_ftnref7">[7]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">ثانيا: خصائص مؤلفات الإمام (كتب، مقالات، محاضرات&#8230;)</h1>



من خصائص كتب الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله أنها:



<ol class="wp-block-list">
<li>كُتب هداية ودلالة:</li>
</ol>



مدار مكتوبات الإمام وروح المعاني التي تنتظمها مسألة كبرى تتعلق بمعنى الإنسان ومصيره ومساره، ويعبر عنها أحيانا بقضية &#8220;المبتدأ والخبر&#8221; في حياة الإنسان واهتمامه وتهمّمه، وما يقتضيه الاهتمام بذلك من بحثٍ عن الطريق وعن المنهاج وعن الصحبة والضمانة من أجل الاطمئنان، قال رحمه الله: &#8220;واعلم من هنا أن ألف كتابٍ تحفظه لا يتقدم بك شعرة في الطريق إلى الله إن لم تنبثق فيك إرادة ويقظة وهمة وطلب ولم تجد من يسدِّد خُطاك من رجالِ عصرك. وتكفي كلمة صادق في لحظة صفاء في لقاء شفوي أو مقروء يباركه الله تعالى ليُورَى زَنْدُكَ، وتظلم الدنيا في عينك، لا يقِرُّ لك قرار حتى تضع قدم قلبك في مدارج العقبة لتقتحمها، ولتكون من أهل المناجاة والنجوى، والقرب مع ذوي القربى. كان الله&nbsp; معك!&#8221;<a href="#_ftn8" id="_ftnref8">[8]</a>.



<ul class="wp-block-list">
<li>كتبُ علم وتعليم:</li>
</ul>



كل مكتوب ينضح بما لدى كاتبه من معرفة وأغراض وخبرة واستراتيجيات، ومكتوبات الإمام عبد السلام ياسين تستدمج تحصيلا علميا غزيرا وتجربة تربوية غنية وإرادة ماضية وعطاء من الله كبيرا. والقارئ الحصيف يدرك ذلك من غير تكلُّف منذ الوهلة الأولى، فالرجل رجل قرآن وعلوم إسلامية تتلمذ فيها لكبار علماء مراكش وسوس في صغره وطفولته (فهو خريج جامعة ابن يوسف بمراكش)، واستأنف مسيرة الاطلاع والبحث والتحصيل في مختلف أطوار حياته الحافلة، إضافة إلى اطلاعه الواسع على الثقافة الأجنبية الشرقية والغربية، وتوّجها بالتربية الأخلاقية السلوكية على يد واحدٍ من أكابر أهل الله. الشيخ العباس رحمه الله.



<ul class="wp-block-list">
<li>كُتب اجتهاد وتجديد: </li>
</ul>



يولي الإمام محبة كبيرة لعلماء المسلمين، وخاصة علماء التربية وعلماء الحديث ثم علماء الأصول والفقهاء والمفسرين وغيرهم، ويعتز بالتراث العلمي الزاخر لأمتنا، غير أنه لا يقف مُقلِّدا في كل شيء، بل كان مجتهدا ومجدِّدا، وله في التجديد والاجتهاد رأيٌ وقول، ليس هنا محل التفصيل فيه، فالتجديد أولا في نظره هو تجديد الإيمان من البِلى، وهو ثانيا تجديد المنهاج من الاندراس، وإحياء منهاج التربية النبوية وتجديد الحركة والبناء وتطوير وسائل التمكين، وليس التجديد مجرد منهجية علمية واصطلاحات ودعاوى وأسلوب في التحليل والنقد&#8230;



<ul class="wp-block-list">
<li>كُتب تصحيح وتوجيه: </li>
</ul>



كُتب الإمام تعيد قراءة مسارات التاريخ ومخاضات الواقع وآفاق المستقبل، من أجل تصويب الفهم وتصحيح المسار وتوحيد الأفق الاستراتيجي الذي تتجه إليه جهود الأمة، فهي كتبٌ مرشدةٌ وهادية إلى طريق صاعدٍ بمحجة لاحبة نحو غايات سامية، فلا عقبات النفس ولا معوقات الواقع ولا تهديدات الأعداء تسوغ لنا القعود أو العنف أو الانبطاح. إذ الطريق منهاجٌ لا يعرف الاعوجاج ولا القعود ولا التوثب.



<ul class="wp-block-list">
<li>كُتب جمعٍ وتأليف: </li>
</ul>



بنظرة كلية شاملة، يوفر المنهاج للاجتهاد المعاصر إمكان جمع المتفرقات التي مزَّقت الأمة وشتَّتت شملها وفرقت طوائفها؛ جمع التربية مع السياسة، وجمع التواضع مع الشجاعة، وضم العدل للإحسان، وقرن العلم بالعمل، وربط الفرد بالأمة، وشدُّ الحاضر بالمستقبل&#8230;



<ul class="wp-block-list">
<li>كتبُ إنهاض وإيقاظ: </li>
</ul>



لم يكتب الإمام يوما من أجل الكتابة، وإنما غرضه الأساس إحياء الربانية في الأمة وإيقاظها لتقوم بواجبها الشرعي، فهو ينتقد كتابات التنويم والانتظار والتخذير والتخويف، ويؤسس لنظرية تقتحم العقبات ولا تتجنبها، تتوكل على الله ولا تتولى، &#8220;المنهاج النبوي مسلك يعبر الدنيا بما فيها من قوى واصطدام واضطراب ونشاط ولا يتجنبها&#8221;<a href="#_ftn9" id="_ftnref9">[9]</a>.



<ul class="wp-block-list">
<li>كتبُ تبشير وتحذير: </li>
</ul>



رغم الفتن التي تعيشها الأمة اليوم، ورغم العقبات والمعوقات في الأنفس وفي الواقع، بقي الإمام مُستبشرا بغد الإسلام الـمُشرق، يقرأ الأحداث العالمية في تعقيدها وتسارعها برؤية تفتل في حبل &#8220;المستقبل للإسلام&#8221;، فالإسلام غدا هو المنتصر وهو المنتشر، وهو جوابُ أسئلة العالمين في التربية والفكر والسياسة والاقتصاد والقوة والمعنى، إن نحن صنعنا –بفضل الله وتوفيقه- النموذج وأعطينا المثال. ولذلك تجد جميع مكتوبات الإمام ومرئياته ووصاياه تفتل في حبل &#8220;نظرية التغيير&#8221; من واقعٍ إلى أفق، من حضيض إلى ظهور، تغيير شامل وعميق ومتأن، عنوانه الإحسان، والعدل من الإحسان. 



<h1 class="wp-block-heading">ثالثا: محددات في قراءة كتب الإمام رحمه الله</h1>



<ol class="wp-block-list">
<li>نقرأ لنيل فضائل القراءة وطلب العلم النافع وتعليمه، وهو جهادٌ من الجهاد.</li>



<li>نقرأ سلوكا وانخراطا في المشروع الإسلامي التجديدي عموما، وتلبية لنداء المنهاج النبوي في التربية والعلم والدعوة إلى الله.</li>



<li>نقرأ لنفهم تاريخنا: كيف بدأ؟ وكيف انكسر وانحدر؟ وكيف تشتت أمر الأمة؟ وكيف تعود الأمور إلى نصابها؟</li>



<li>نقرأ لنعرف الواجب علينا تجاه أنفسنا واتجاه أمتنا واتجاه العالم. ولا نلتفت لحظوظ الأنفس ولعذول الناس.</li>



<li>نقرأ لنستوعب المنهاج النبوي في شموله وتكامل عناصره، ونكتشف روحه ومعناه حتى لا نزيغ عن محجته يمينا ولا شمالا.</li>



<li>نقرأ ونُعيد القراءة المتأنية والمتأملة والمتسائلة، ولا نكتفي بالقراءة السطحية الهاوية والقراءة المتسرعة العجلى.</li>



<li>نقرأ فرادى وجماعات، ونتدارس ونتذاكر ونتناقش، ونكتب ونُدون الخلاصات والفوائد العلمية والعملية.</li>



<li>نقرأ وأعيننا على الواقع كما هو، كيف نفهمه وكيف نُصلحه؟ وأُفقنا المستقبل كيف نصنعه؟</li>



<li>الاستمرار في القراءة الجادة والواعية مع الدعاء بالفتح والتيسير، فالتوفيق من الله تعالى {ولقد يسرنا} والفتحُ من كرمه جلَّ في علاه {لقد فتحنا}.</li>



<li>نقرأ ونُلخص ونكتُب ونتعلم، محاولة بعد محاولة، حتى نستقل بأسلوبنا وبهويتنا في الكتابة الـمُبينة والمشرقة.</li>
</ol>



والتوفيق من الله، والحمد لله رب العالمين



تطوان 06 أكتوبر 2024



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="#_ftnref1" id="_ftn1">[1]</a>&#8211; ركراكي، منير. &#8220;الإمام أديبا&#8221;، ضمن كتاب جماعي بعنوان &#8220;الإمام عبد السلام ياسين بعيون من صحبوه&#8221;، مرجع سابق، ص 72



<a href="#_ftnref2" id="_ftn2">[2]</a>&#8211; المرجع نفسه، والصفحة.



<a href="#_ftnref3" id="_ftn3">[3]</a>&#8211; انظر:



<pre class="wp-block-preformatted">Derrida, Jacques. «&nbsp;Je suis en guerre contremoi-même», <a href="http://www.lemonde.fr">www.lemonde.fr</a>, Publié le 18 août 2004, Je l'aivisité le 25 Avril 2020.</pre>



<a href="#_ftnref4" id="_ftn4">[4]</a>&#8211; نقلا عن: ركراكي، منير. &#8220;الإمام أديبا&#8221;، مرجع سابق، ص 67



<a href="#_ftnref5" id="_ftn5">[5]</a> &#8211; ياسين، عبد السلام. الإحسان، مرجع سابق، 1/11



<a href="#_ftnref6" id="_ftn6">[6]</a> &#8211; الكنبوري، إدريس. &#8220;بين عبد السلام ياسين وابن تيمية&#8221;، مقال منشور بموقع الجماعة (aljamaa.net)، بتاريخ 10 دجنبر 2014م، وشوهد في 25 ماي 2020م.



<a href="#_ftnref7" id="_ftn7">[7]</a> &#8211; المالكي، خديجة. &#8220;الإمام زوجا وأبا&#8221;، مرجع سابق، ص 14



<a href="#_ftnref8" id="_ftn8">[8]</a> &#8211; ياسين، عبد السلام. الإحسان، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 2018، 1/140



<a href="#_ftnref9" id="_ftn9">[9]</a>&#8211;&nbsp; عبد السلام ياسين، القرآن والنبوة، ص: 12

قضايا فكرية

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

في الذكرى 50 لرسالة الإسلام أو الطوفان

الهجرة النبوية: الصُّحبة شرطها

عيد الأضحى: آداب ومقاصد

خطبة الــوداع

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين