post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

نقد الفقه السياسي: 
تأخذ ثلاثية الشورى والعدل والإحسان في الفكر السياسي للأستاذ ياسين محورية ثابتة، وهي تحمل في ذاتها الإشارة إلى مصدرية القرآن الكريم للفقه السياسي الإسلامي، لذلك يكثر استدلاله –رحمه الله- بالآيات القرآنية في هذا الشأن، كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل:90). [ref]ينظر: ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، 3، وياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، بيروت، دار لبنان للطباعة والنشر، ط2، 2003م، 51-52.[/ref] وقوله: وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونََ (الشورى:38).[ref]ينظر: ياسين عبد السلام، القرآن والنبوة، 30.[/ref]
والأستاذ ياسين يركز كثيرا على هذه الثلاثية ويبنى على ثباتها محاولات النقد المستمر للوضع السياسي والفقه السياسي في الماضي والحاضر. ففي نقده للتحول التاريخي لنظام الحكم إلى ملكيات نقرأ قوله: &#8220;وفي ظلها تسلط السيف تسلطا عاتيا&#8221;. وفي نقده للفقه السياسي نقرأ قوله: &#8220;يُفتي تحت ظلها المفتون بشرعية حكم المستولي بالسيف. وسلام على الشورى وعلى العدل والإحسان&#8221;.[ref] ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، 7.[/ref]
ويَخْلُف هؤلاء المفتين في زماننا من نسج عنكبوت التقليد على عقولهم وقعدوا على بساط الذلة بين يدي السلطان، ممن لا تحدثه نفسه بغير السلامة سلامةَ الطاعمُ الكاسي، هذه الذهنية المريضة يحملها من يسميهم الأستاذ ياسين (فقهاء القصور)، [ref]ينظر: السابق، 15.[/ref] أو (الفقهاء المستضعفين).[ref]ينظر: ياسين، عبد السلام، الإحسان، الدار البيضاء، مطبوعات الأفق، ط1، 1998م، 1/157.[/ref]
على أن الأستاذ ياسين لا يضع فقهاء الماضي كلهم موضع النقد الشديد، بل يلتمس لبعضهم عذرا في دعمهم للملوك والدفاع عن مشروعية حكمهم بقصدهم &#8220;الإبقاء على وحدة الأمة&#8221;.[ref]ياسين، عبد السلام، الخلافة والملك، الطبعة الأولى 2001،دار الآفاق ، 48. [/ref]
من ذلك فتوى إمامة الغالب بـ&#8221;أنها تثبت بالقهر والغلبة ولا تفتقر إلى العقد&#8221;.[ref]أبو يعلى الفراء، القاضي محمد بن الحسين الفراء، الحكام السلطانية، تحقيق: محمد حامد الفقي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1421ﻫ-2000م، 24.[/ref] فهؤلاء الفقهاء –كما يرى الأستاذ ياسين- &#8220;كانوا أبصر بواقعهم وأقدر على وزن النتائج المترتبة على الصبر أو المناهضة&#8221;.[ref]ياسين، الخلافة والملك، 64.[/ref]
ففتواهم بإمامة المتغلب كانت منهم التماسا لجمع أمر الأمة وارتكابا لأخف الضررين حين تفاقم حكم السيف.[ref]ينظر: السابق، 66.[/ref]
ومثلها إمارة الاستيلاء &#8220;أن يستولي الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة إمارتها، ويفوض إليه تدبيرها وسياستها&#8221;.[ref]أبو يعلى الفراء، الأحكام السلطانية، 37.[/ref] فتشبُّث العلماء -رحمهم الله- بوحدة الأمة ألجأهم إلى القناعة بأدنى مظاهر وحدة السلطان، [ref]ياسين، الخلافة والملك، 67.[/ref] فلم يكونوا جميعا من &#8220;فقهاء السوء&#8221;، ولكنهم عاشوا أزمنة كان الخيار فيها بين استقرار نسبيٍّ وفوضى يُفلت فيها الحبل وينتقض ما بقي محفوظا من أمر المسلمين.[ref]ينظر: ياسين، العدل، 88.[/ref]
مثل هذه الفتاوى ما كان ينبغي أن يُستصحب لزماننا إلا بالمنطق المتجزئ المكسور، وللأسف فإنّ هذه الفتوى &#8220;التي نطق بها سلفنا الصالحون من موقع المحافظة على وحدة المسلمين وتحمّل أخف الضررين، لا تزال المرجع الذي يفتي تلامذته بجواز الاستعانة على المسلم الجائر بالعدو الكافر&#8221;![ref]ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، بيروت، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1، 2003م، 1/269.[/ref]
ولئن قامت تلك الفتوى على موازنة مصلحية في زمان مضى، فإن تجديدها في زماننا مطلوب–كما يرى الأستاذ ياسين- وهو يستدل على هذا النظر المتجدد بحديث أورده الإمام أحمد ولم يعتمده، مما يبدو سندا لفتوى تناسب زماننا تمام المناسبة، روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير وأسأله عن الشر. فقلت: يا رسول الله! هل بعد الخير من شر كما كان قبله شر؟ قال: نعم! قلت: فما العصمة منه؟ قال: السيف أحسَبُ! أبو التياح (أحد رجال السند) يقول: السيف أحسَبُ! قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم تكون هدنة على دخن&#8230;). [ref]حديث حذيفة رضي الله عنه أصله في صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم:3411، 3/1319، ‏وصحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، رقم:1847، 3/1475، ولفظة &#8220;السيف أحسب&#8221; زيادة في مسند أحمد بن حنبل، مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: ‏23473‏، 38/421، وهو حديث حسن، كما قال المحقق. [/ref]فكلمة (السيف أحسَبُ) يقف عندها الأستاذ ياسين ليستنبط فريضة مقاومة الاستبداد، -مع أحاديث نبوية أخرى تأمر بمحاربة دعاة الضلالة إن أظهروا كفرا بواحا- تعطي كلمة (السيف أحسب) علاج الخمول والانقياد للحاكم المستبد. فلا يقهر السيفَ إلا السيفُ متى فشلت الوسائل السلمية والقومات الجماهيرية وعجزت عن كف أغلال رِبقة الملك العاض والجبري&#8221;.[ref]ينظر: ياسين، عبد السلام، الخلافة والملك، 64-66.-هذه مسألة شائكة، والأستاذ ياسين رأيه واضح وهو مشروط كما في النص المنقول عنه، لكن مع ذلك قد يخالَف فيه من غيره، خصوصا من حيث كفاية الدليل الذي اعتمد عليه. والله أعلم.[/ref]

نقد الفقه السياسي

الإيمان قبل الطوفان

التعليم في مشروع الإمام عبد السلام ياسين

السياسة والحكم

نقد الفقه السياسي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

نقد الفقه السياسي

في تحرير العقل الفقهي

مقالات ذات صلة