post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

غرضي في هذه المقالة أن أقف عند البعد الانساني في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين، رحمه الله رحمة واسعة، وبيان أبعاده وطرق استثماره. أول ما يشد المطلع على فكر الأستاذ عبد السلام ياسين، والمتتبع لحديثه ومواقفه، انفتاح خطابه على الانسان من حيث إنسانيته بغض النظر عن أصوله التاريخية والثقافية ودون التقيد بحدوده الجغرافية، بل إن خطابه يطمح إلى ملامسة هموم الانسان عبر الزمان والمكان، لهذا الجيل ولسائر الأجيال. ولعل سر هذا الامتداد هو حرص الأستاذ المرشد على النهل من معين شرعة القرآن الكريم والسير على خطى النبوة ومنهاجها الراشد، ذلك أن &#8220;الشرعة خاطبت الإنسان، والمنهاج حقق النموذج الإنساني&#8221;<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>. فالخطاب القرآني &#8220;خاطب الإنسان من حيث إنسانيته، خاطبه من حيث فطرته ومخلوقيته. ولا يزال يخاطبه&#8221;<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a> لقد تخرج الأستاذ عبد السلام ياسين في مدرسة النبوة التي دعا إليها في قوله:&#8221; نرفع الهمة على هامة الزمان ننتعل الثريا لنستحق أن نكون تلامذة راشدين بين يدي﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a>&#8220;) <a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a> من هذا الأفق الرحب، وذلك المعين الذي لا ينضب نظر الأستاذ عبد السلام ياسين لتاريخ الإنسانية وواقعها ومستقبلها، فاقترح عليها مشروع العمران الأخوي الذي يحفظ للإنسان كرامته الآدمية، ويسعد فيه باكتشاف معنى وجوده، وينال فيه حقه الأسمى في معرفة خالقه المحرر له من عبودية الخلق. ولهذا حث الأستاذ المرشد على اعتماد مضمون لغة القرآن لأن &#8220;لغة القرآن هي لغة الإنسان&#8221;<a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a> الحاملة لهمومه والدالة على مسار سعادته. كما نبه على أن القرآن المكي خاطب الإنسان مدى ثلاث عشرة سنة خطابا قويا بليغا محذرا إياه من الاغترار بالدنيا ونسيان مخلوقيته في مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾<a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a> فتح له بذلك بابا للاطلاع على سر وجوده ومآله بعد الموت، كما خاطب الإنسان في سربه الإنساني خطابا جماعيا فقال : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾<a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a> آيات قوية تحرك الإنسان ليستيقظ من غفلته، ولينزح عن السلوك العبثي اللاهي، وعن التظالم والتقاتل بالباطل، و عن العدوان على حقوق الغير <a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a> في هذا السياق يتحتم على أهل القرآن أن يستشعروا قضيتهم العظمى وهي رسالتهم في العالم، رسالتهم إلى الإنسان، ذكرا كان أو أنثى، استجابة للنداء الإلهي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾<a id="_ednref9" href="#_edn9">[9]</a>&#8220;ذكر وأنثى ما اختار أحد جنسه، ولا استشاره أحد متى وأين وكيف يبرز من العدم إلى الوجود. شعوب وقبائل، ألوان ولغات وتاريخ. وجد الإنسان نفسه مظروفا مذهوبا به.)وله الاختيار في أن يسخر ما منح من قدرات لفعل الخير، والتعارف مع الأقوام والشعوب، وإسداء المعروف. وشكر نعمة الإيمان بتبليغ الشعوب والقبائل رحمة الإسلام وبشارة أن الإنسان ما خلق عبثا&#8221;<a id="_ednref10" href="#_edn10">[10]</a> وهذا ما أكده البيان النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم :&#8220;لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه&#8221;<a id="_ednref11" href="#_edn11">[11]</a>. أخوة يحصرها البعض في الأخوة الإيمانية فيكون بذلك قد ضيق واسعا، وحبس مداها الممتد للأخوة الإنسانية الجامعة كما بين الأستاذ عبد السلام ياسين غير ما مرة. إن هذا العمق والامتداد في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين يسمح بتفسير القَبول الذي حظي به عند كل من خالطه وعرف فكره، ولا غرابة أن ينتفع بهذا الفكر الإنساني كل فاضل حامل لرسالة تغيير الانسان. وعلى أهل العدل والإحسان أن يشكروا نعمة فوزهم بالقرب من هذا المشروع الإنساني أن يجسدوه بالنموذج الناجح، الحي الماثل، المقنع الجذاب و﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾<a id="_ednref12" href="#_edn12">[12]</a>
<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>محنة العقل المسلم ص35. <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>نفسه. <a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a>سورة البينة، الآية:3. <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a>نظرات في الفقه والتاريخ، ص:49. <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a>الشورى والديموقراطية، ص:322. <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a>سورة الانشقاق، الآيات:6-15 <a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a>سورة الانفطار، الآية:5. <a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a>محنة العقل المسلم ص36. <a id="_edn9" href="#_ednref9">[9]</a>سورة الحجرات، الآية:13. <a id="_edn10" href="#_ednref10">[10]</a>محنة العقل المسلم ص36. <a id="_edn11" href="#_ednref11">[11]</a>الحديث أخرجه الشيخان رحمة الله عليهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه. <a id="_edn12" href="#_ednref12">[12]</a>سورة الرحمن، الآية:60.

البعد الإنساني في مشروع ذ.عبد السلام ياسين

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

البعد الإنساني في مشروع ذ.عبد السلام ياسين

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

البعد الإنساني في مشروع ذ.عبد السلام ياسين

مقالات ذات صلة