مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا فكرية

أثر مدرسة المنهاج النبوي في الساحة الفكرية والحركية الإسلامية المعاصرة

0
أثر مدرسة المنهاج النبوي في الساحة الفكرية والحركية الإسلامية المعاصرة

تمهيد

بعد هذه السياحة العلمية المباركة في رياض مدرسة المنهاج النبوي أختم هذه السلسلة بتبيان الأثر الطيب الذي تركه الفقه المنهاجي على الساحة الفكرية والحركية الإسلامية المعاصرة.

أثر مدرسة المنهاج النبوي في الساحة الفكرية والحركية الإسلامية المعاصرة

تعتبر مدرسة المنهاج النبوي نموذجا لفقه التجديد الإسلامي المعاصر الهادف إلى إحياء الإيمان في القلوب، والعلم في العقول، وإرشاد الأمة وتوجيهها إلى سلوك طريق النهضة والعزة والتحرير. لقد كان لهذه المدرسة أثر ملحوظ على الساحة الفكرية والحركية داخل المغرب باعتباره الأرض التي نشأت فيها، وخارج المغرب نظرا لاهتمامها البالغ بوحدة الأمة ومصيرها، ودعوتها إلى توحيد جهود العاملين للإسلام عبر التعارف والتقارب والتفاهم والتعاون لخدمة القضايا الكبرى لأمتنا الإسلامية.

إن الباحث في مجال العمل الإسلامي في المغرب ليجد أن الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله له قصب السبق في إعداد واقتراح مشروع إسلامي تجديدي شامل للتغيير. هذا المشروع الرائد تميز في شكله ومضمونه وقوة اقتراحه. لقد عكف أستاذنا رحمه الله على بناء هذا الصرح المنهاجي الشامخ وتطويره خلال ما يقارب أربعة عقود-أي منذ عام 1391هـ/1971م. ومما جعل هذا الفقه المنهاجي يتبوأ منزلة رفيعة في الساحة الإسلامية أصالة مبدعه، واستقلاله في فكره واجتهاده، وجدّة طرحه، ونسقية بنائه، وارتياده آفاقا معرفية واسعة وبعيدة المدى. يقول في هذا السياق: ” علينا أن ننظر عاليا وبعيدا لنخطط حركة الإسلام، ونقودها في ساحات الجهاد، يجب أن نصحح المنطلق لئلا نتشتت على سطح الأحداث. آن لأمتنا أن تطمح طموحا عالميا رغم قصورنا الحاضر وانهزامنا الحضاري المؤقت.”)[1] كما يؤكد هذا المعنى في موضع آخر قائلا:“يجب أن نصنع فكرا مستقبليا يلقي على آفاق هذا القرن الخامس عشر، قرن الإسلام بإذن الله، ومن بعده، نور القرآن ونور الهدي النبوي. يلقي على حياة البشر نورا به يميزون ما ينفع في الدنيا والآخرة، وما يضر في الدنيا والآخرة.”)[2]

ومما يجب التنبيه عليه أن ما تطرحه مدرسة المنهاج النبوي موجه للأمة كلها ولا يقتصر على المغرب بلد مؤسسها. إنّ الإمام المجدّد عبد السلام ياسين رحمه الله يُنَظِّر لحاضر المسلمين ومستقبلهم، ويدعوهم إلى النهوض والإعداد لإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة بعد قرون الملك العضوض والجبري، خلافة الشورى والعدل والإحسان. إن ما تقترحه مدرسة المنهاج النبوي يحظى بالاهتمام المتزايد والتقدير لدى التيار العريض من الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة- يظهر ذلك بوضوح في شهادات كثير من رموز الدعوة الإسلامية أذكر منهم أبو الحسن الندوي، أحمد ياسين، حسن أيوب، فتحي يكن رحمهم الله، يوسف القرضاوي، راشد الغنوشي، عصام البشير، أحمد القطان، أحمد الريسوني، محمد كسوس، عبد الله التليدي، محمد قطب، عبد المجيد الزنداني وغيرهم حفظهم الله- ومن بعض مثقفي الغرب كمراد هوفمان(Murad Hoffmann)، مارتن دجيني(Martin Jenni)، مهتار هولند(Muhtar Holland)، دافيد تشري(David Cherry)، جون أنتليس(John Entelis)، فرونسوا بورجا(François Burgat).

ومن التفاعلات الإيجابية مع ما تطرحه مدرسة المنهاج النبوي شعور الكثير من قادة وقواعد العمل الإسلامي بما يُعرَف بالفراغ الروحي والضعف التربوي- يسميه أستاذنا رحمه الله “الفقه المغيب”)[3] وبالتالي إعجابهم بالعمق الإيماني والسلوك الإحساني الذي كان ينهجه ويدعو إليه خاصة فيما يتعلق بربط معاني الربانية وتجديد الإيمان بمعالي القومة والاقتحام والجهاد إخلاصا لله عز وجل وتصديقا بوعده ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم، وإعزازا للحق، ونصرة للمستضعفين، وتدافعا مع المستكبرين. كما أعاد عالمنا الفذّ للخطاب الإسلامي قوته وحيويته وعزته، وأحيى فيه معاني الربانية، وأدمج فيه بطريقة موفّقة الأبعاد الروحية والفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية وصهرها في بوتقة واحدة. ميزة أخرى متألقة يمتاز بها أستاذنا رحمه الله هي ما أسميه ب“المنهاجية في التفكير والتنظير والسلوك”) حيث يربط كل ما يكتب ب“حبل منهاجي”)[4] وينظمه في نسق علمي وعملي يمنح قوة التأصيل والتأطير للحركة الإسلامية في الفكر والواقع، ويعدّها للمستقبل الواعد لهذه الأمة بالخلافة الثانية على منهاج النبوة كما بشّر بذلك الصادق المصدوق حبيبنا وأسوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.[5] وعلى ضوء هذه البشرى الغالية يقول الأستاذ المرشد رحمه الله مستبشرا ومستيقنا بنصر الله وتأييده:“مهما كان فالمسيرة بدأت. مهما كانت الرحلة طويلة فالقافلة تحركت. وما الصحوة الإسلامية ومضة برق خلب نعوذ بالله. ما هي حديث خرافة نرجو الله. وما النصر إلا من عند الله. والمنهاج النبوي بشّر بخلافة على منهاج النبوة بعد عصور العض والجبر. ومنهاج النبوة عالمية الدعوة وقوتها وهداية الله للخلق. … بطاعة الله وسلوك منهاج نبيه ننتصر.”)[6]

خاتمة

حاولت في الحلقات الأحد عشر الماضية أن أبين المعالم الكبرى لمدرسة المنهاج النبوي، وأقدم الملامح العامة للفقه المنهاجي. ونظرا لطبيعة هذا البحث فإنني لم أتمكن من تناول مواضيع أخرى هامة ساهمت هذه المدرسة في طرحها بنفس اجتهادي حر ومتميز. ومن المنطقي أن تتعذر الإحاطة بتراث الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله- الذي يتسم إنتاجه العلمي بالغزارة والموسوعية والعمق والتنوع- في مقالات كهذه قصدها الإشارة السريعة والتذكير اللطيف. وختاما أسأل الله عز وجل لأستاذنا الرحمة والمغفرة والرضوان، ولي الأجر الجزيل ، وللقراء الأفاضل الفائدة و والثواب العظيم. إنه وليّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين، وعنا معهم بفضله وجوده

[1]عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، موسوعة سراج الإلكترونية، 1989م، ط2، 10
[2]نفس المصدر، 29
[3]عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، موسوعة سراج الإلكترونية، 1996م، ط1، 2/32
[4]عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج، ، موسوعة سراج الإلكترونية، 1989م، ط1، 15
[5]عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج، ، موسوعة سراج الإلكترونية، 1989م، ط1، 15
[6]عبد السلام ياسين، محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى، ، موسوعة سراج الإلكترونية، 1994م، ط1، 116.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد