post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

إن استشعار المؤمن لفريضة الدعوة إلى الله، يبعث في نفسه الهمة للعمل والحرص على التنفيذ، وذلك يعني أنه لا تراخٍ في الفريضة ولا نكوص عن أداء هذا الواجب، عملا بقول الله تعالى: &#8220;ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ&#8221; (النحل: 125). لكن هذا الواجب يتأسس على تربية متينة متكاملة، وبناء جماعة مجاهدة[1]، واقتحام عقبات الطريق، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، مركزا على الشباب: &#8220;إننا بحاجة لبناء أمة، والشباب يكونون في مجتمعنا المفتونة جيشا من العاطلين الذين أسيء تعليمهم وتربيتهم. فإذا حصلوا بين أيدينا قبل قيام الدولة وبعده يجب أن نعدهم إعدادا جادا ليكونوا جند التحرير والبناء&#8221;[2].
        لذا فإن أسس الدعوة إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين تنبني على التربية المتوازنة، والتهمم بالدعوة، والقدوة الحسنة، والثبات واليقين.    
<h2>أولا: التربية الإيمانية الإحسانية</h2>
       القصد من التربية الإيمانية الإحسانية هو التنمية، أي الارتقاء من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان، وهي كذلك الجمع بين الهم الفردي والهم الجماعي. والإمام عبد السلام ياسين رحمه الله يؤكد على مركزية التربية الإيمانية الإحسانية في بناء الشخصية المؤمنة التي يعنيها مصيرها الفردي إحسانا ويعنيها مصيرها الجماعي عدلا، وهي تزكية وإرادة فاعلة، يقول رحمه الله: &#8220;المؤمن المتزكي من يتفرغ ليله ونهاره للسجود والركوع. ذاك عابد هارب من الدنيا، له مع ربه شأن لا يعنينا منه إلا الإشارة إلى أنه حاد عن المنهاج القرآني النبوي الجهادي إلى الفضيلة الفردية&#8221; . ثم تحدث الإمام عن التربية الإيمانية الإحسانية بصيغة أخرى تفرد بها وهي &#8220;مفهوم السلوك الجهادي&#8221; الذي يقتضي دمج جهاد النفس مع جهاد العلم والعمل، حيث &#8220;ينبغي للتربية الإيمانية الإحسانية أن تربط جهاد النفس لترويضها على الحق بجهاد العلم والعمل&#8221;[3].
       ونجد الأستاذ عبد السلام ياسين قد اختار كلمات للحديث عن التربية الإيمانية الإحسانية لما لها من حمولة قرآنية ونبوية، مثل: إحسان، تزكية، أولياء، تقرب إلى الله، سابقون، مقربون، محِبون، محبوبون، وقد جمع رحمه الله الفرار إلى الله مع الثبات في أرض النفير، أرض البذل والعطاء، أرض الجهاد بمعانيه العامة التي تتضمن النفس والوقت والجهد والمال والعلم.
       وكان رحمه الله يؤكد على ثلاثية متكاملة تصحب الداعي إلى الله، وهي:
1- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، مع اليقين بصدق هذه الدعوة ونورانيتها وثقته بنصر الله تعالى لعباده الصالحين، قال الله تعالى: &#8220;وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون&#8221; (السجدة:24).
2- صحبة الدعاة المخلصين المنيبين الثابتين على الحق، والتفقه على أيديهم في شؤون الدعوة والتربية والتنظيم والحركة.
3- الصبر على الدعوة مهما لاقى من صعاب ومعوقات.
<h2>ثانيا: التربية بالقدوة والمواقف الرجولية.</h2>
          كانت حياة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله عامرة بمواقف الرجولة القوية من حصار عشري للرجل بين جدران بيته، إلى رسالة النصح المتجددة لمن يهمه الأمر من الحاكم والدائرين في فلكه، ثم التأليف والكتابة الناصعة في عديد من مجالات التربية والفكر والسياسة والأدب، مع الاستمرار في التذكير الدائم المتكرر بالله واليوم الآخر والاستعداد للقاء الله، والدعوة إلى الله ودلالة الناس على الله، والجهاد الشامل لتحقيق العدل بالقول والحال والفعل، مع الاستبشار الدائم بأن الغد للإسلام والمستقبل للمسلمين.
         ومن أهم ما يميز الإمام عبد السلام ياسين في مشروعه الدعوي، والذي أعطى فيه المثل والقدوة؛ الثبات واليقين في موعود الله عز وجل وبشارة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد فتح بيته الذي احتضن المتشوفين والمتلهفين إلى سماع دعوة الإسلام الصادقة الصادعة بالحق بكل صدق ويقين، ثم أسس مجلة الجماعة تيمنا بمستقبل يجمع فيه الله شمل الأمة في جماعة المسلمين ويقوي رابطتها، وأصدر فيها المنهاج النبوي الذي سيؤسس به لتصوره &#8220;التربوي الفكري الدعوي&#8221;، لبناء الإنسان وتشييد العمران الأخوي؛ منطلقه تربية إيمانية إحسانية وأساسه دعوة في حضن جماعة صادقة صابرة، وغايته طلب وجه الله تعالى وبناء خلافة راشدة.
<h2>ثالثا: الجمع بين الاشتغال التربوي والتهمم الدعوي:</h2>
      لما أسس الإمام عبد السلام ياسين جماعة العدل والإحسان، دخل مرحلة التنزيل العملي لمشروعه الدعوي-التغييري، وبناه على أسس متينة:
1- تربية الإنسان على الترقي في مراتب الدين؛ إسلام فإيمان فإحسان.
2- اكتساب العلم الدال على الله وعلى امتلاك العلوم المختلفة.
3- تحرير الإرادة للتدافع في المجتمع لبناء مجتمع العمران الأخوي.
      وهذه مرحلة تميزت بالجمع بين الاشتغال التربوي على تنمية الإيمان، وبين تنظيم الذات، وبين التهمم الدعوي والحضور في المجتمع وفي مختلف مناحي الشأن العام زحفا إلى مواقع المشاركة المجتمعية. فإذا كان الإحسان التعبدي أن تعبد الله كأنك تراه فهذا يستلزم بالضرورة الإحسان الجهادي الذي هو زحف لتمكين دين الله في الأرض، يقول رحمه الله، معرفا بأهم خاصية يتميز بها مشروعه التربوي: &#8220;لكن مشروعنا جهادي، ونظرنا إلى الصحابة رضوان الله عليهم منغمسين في جو الوحي والقتال كان الإحسان التعبدي والإحسان الجهادي لا ينفكان في حياتهم&#8221;، ويقول أيضا: &#8220;ينبغي للتربية الإيمانية الإحسانية أن تربط جهاد النفس لترويضها على الحق بجهاد العلم والعمل&#8221;[4].
        وعند استقراء المشروع الدعوي للإمام عبد السلام ياسين، نجد أنه لابد للداعية من أسس تربوية يتحلى بها وتتجلى في سلوكه. ومنها:
&#8211; الإخلاص وحسن الاتباع: فلابد لكل داعية إلى الله أن يربي نفسه على أداء الفرائض حق الأداء وتحقيق النوافل، وتوطيد علاقته بربه سبحانه بسجوده في جوف الليل الآخر وقيامه بآيات القرآن الكريم، ولهج لسانه بذكر الله تعالى في كل وقت وحين.
&#8211; التزود بالعلم النافع المؤسس للعمل الرافع؛ لتكون دعوته أقرب إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ويستجيب الناس لدعوته. قال ابن القيم رحمه الله: (وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام والله يؤتي فضله من يشاء&#8221;[5] .
&#8211; إرشاد الناس إلى التضرع إلى الله تعالى لهداية الخلق، فلحظة التضرع إذا توافر لها الذل الكامل للخالق والإنابة إليه حصلت الإجابة. كما قال تعالى: &#8220;أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ&#8221; (النمل:62).
&#8211; تـنبيه الناس أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن الفرار يكون من الله إلى الله. يقول عز وجل: &#8220;فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ&#8221; (الذاريات:50).
&#8211; التشبت بالقيم التربوية الأخلاقية، لأنها الهدف الأسمى من رسالة الإسلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ)[6]. وفي رواية الموطأ &#8220;لأتمم مكارم الأخلاق&#8221;. وعَن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ)[7].
&#8211; الاستمرار والثبات على الحق.
<h2>خاتمة:</h2>
نختم بسؤال جوهري: كيف تكون هذه التربية، وكيف يكون من يتلقى التربية؟
يجيبنا الإمام رحمه الله، بقوله: &#8220;على أن التدرج ضروري في التربية، فلا يتحمل كل الناس أن يسمعوا ولا أن يستجيبوا لنداء المسيرة الجهادية من أول لقاء وعاشر لقاء. نكتفي ممن ندعوهم بفضول من المال والوقت والجهد ريثما تنضج رجولتهم الإيمانية فيهبوا كل المال وكل الوقت وكل الجهد والنفس لله&#8221;[8]. وقال أيضا: &#8220;لا بد من تربية رجال يكونون مع الحق لا مع الهوى. والحق القيام بتجميع طاقات المسلمين لا بتبديدها. والهوى الباطل أن نستعبد الرجال ونربطهم فكرا وحركة بالرجال لا بالصواب&#8221; . قال الإمام علي كرم الله وجهه لابن الكواء &#8220;الجماعة والله مجامعة أهل الحق وإن قلوا، والفرقة مجامعة أهل الباطل ولو كثروا&#8221;. وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: &#8220;الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك&#8221;[9].
        ويقول الإمام عبد السلام ياسين في موضع آخر: &#8220;اقتحام العقبة بالنسبة للفرد المؤمن جهاد لنفسه كي تستقيم على طاعة الله، وجهاد مع المؤمنين المتواصين الصابرين المتراحمين لإقامة دين الله في الأرض. وبالنسبة لجند الله المنظمين فإن اقتحام العقبة جهاد تربوي وتنظيمي وميداني ومالي وقتالي وسياسي حتى تقوم دولة الإسلام الخليفية على منهاج النبوة&#8221;[10].
والحمد لله رب العالمين.
[1] &#8211; الجهاد بمعناه الشامل. [2] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (الطبعة الثانية: 1410هـ-1989م). الصفحة: 45. [3] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 15. [4] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 18. [5] &#8211; ابن القيم؛ محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي، مفتاح دار السعادة. تحقيق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد. (الناشر: مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الطبعة الأولى، 1432هـ). ج1/ص:154. [6] &#8211; رواه الإمام البُخاري في الأدب المفرد، حديث رقم: 273. [7] &#8211; أخرجه الإمام أحمد. مسند عائشة رضي الله عنها. [8] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 14. [9] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 18. [10] &#8211; ياسين، عبد السلام. المنهاج النبوي. (مرجع سابق). الصفحة: 16.

الدكتور أحمد الإدريسي

أسس الدعوة إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين

قراءة في وصية الإمام المجدد عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

أسس الدعوة إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم؛ محبة واتباعا

أسس الدعوة إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين

الصدق وأثره

البـذل وآثاره التربوية والاجتماعية.

منارات مقتبسة من فتح مكة

مقالات ذات صلة