لم تحظ شعيرة من شعائر الإسلام بما حظيت به الصلاة من حيث مناسبة فرضيتها، وتدقيق تفصيلاتها، وحجم الاهتمام بها والتعظيم لشأنها. فقد فُرضت في لقاء سطعت فيه شمس الحب، وشعَّت فيه أنوار القرب، وانقشع فيه ظلام الضيق والكرب. إنها ليلة الإسراء، وما أدراك ما ليلة الإسراء. فيها فرضت على المسلمين خمس صلوات، وفي صبيحتها هبط جبريل عليه السلام ليُعلِّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم كيفياِتها ومواقيتَها.
ولارتباط الفرح بالمحبة، وكون أحدهما ثمرة للآخر، فإنه كما لا حدود للتفاني في المحبة للشخص الكريم على الله حتى يكون أحب إلينا من الناس أجمعين ومن أنفسنا، فكذلك لا حدود للفرح بمن أرسله الله رحمة للعالمين، حتى نخلع في حبه العذار. ومن ثم يكون الفرح بالتأسي به واتباع سنته والذود عن دعوته، لا ادعاء وقعودا، فالمحبة دعوى والقيام بالحقوق برهان. هذا هو الميزان.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً في حرصه الشديد على مصلحة الناس ونفعهم، وصور لنا صورة جلية عن نفسه في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه…
إن أعظم رزق يُكرم به العبد المؤمن حب الله تعالى وحبُّ نبيّه إمام الأنبياء وخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حبّ الله ورسوله قطب رحى ديننا وأساس عقيدتنا، قال الله تعالى{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
وصفه الوصّافون في السير ونقلوا رحمهم الله تفاصيل حياته، لكن غاية ما فعلوه تقريب وتشبيه، عسى أن تحمل السطور نسائم من ذلك الجناب الشريف. أما من خلع العذار في محبته صلى الله عليه وسلم فلا يكفيه وصف، وإن شبه بالشمس أو القمر.
نطرح على أنفسنا سؤالا واضحا وضروريا. ما هي العبرة التي يتعين علينا أن نتخذها جسرا ننتقل عليه من زمن ميلاد خير الخلق صلى الله عليه وسلم إلى زمن الملك الجبري الذي أذن الله تعالى بزعزعة أركانه على أيدي الشباب الذين ظلوا لعقود طويلة ضحية تجهيل وتخويف من الإسلام الحق وأهله؟
شمل الذكر كلَّ ما يُقرِّب إلى الله بشرط الإخلاص والاتباع. مفتاحه صحبة ربانية تُحرك ما سكَن من الأشواق، وتوقظ الغافل استعدادا ليوم التلاقي، وتحيي القلب المَوات بذكر الحيّ الباقي. ( تذكر الله في ملأ عندما تؤذن للصلاة، وعندما ترفع شعار التوحيد بين المتنكرين لدينهم، وعندما تدعو هذا وذاك وهذه الجماعة وتلك إلى الله.
وقد فصّل علماؤنا السابقون رحمهم الله في مشروعية الوضوء بما هو طهارة، واجتهدوا في التوفيق بين النظر في إقامة الدليل على وجوب الوضوء ومقاصده الشرعية، فإذا كانت الصلاة -وهي عماد الدين- لا تقبل إلا به، كان الوضوء واجبا لكونه شرط وجوبها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
لم يكن حدث الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدثا منفصلا معزولا عن مجموع الأحداث والمعاني الإيمانية التي سبقته وقعَّدت له ونظمته في سياق تعبدي جهادي جامع، إذ ليس فعل الهجرة الحسي المتمثل في الانتقال من مكان إلى مكان إلا وجها واحدا من أوجه الهجرة الشاملة والعميقة، ومرحلة واحدة من مراحل الدعوة الدائمة التي تتداخل فيها جملة من الأعمال القلبية والجوارحية والتنظيمية كالصحبة والجماعة والتوبة والنية واليقين.
وكانت للهجرة النبوية نتائج أثمرت بناء المجتمع الإسلامي، وكانت منطلق انتشار الإسلام، وبداية عزة المؤمنين. وكان للهجرة معنيان؛ فردي وجماعي، وهي في عصرنا هجرة معنوية، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “والهجرة المطلوبة في حق الفرد المؤمن والجماعة المجاهدة في عصرنا هجرة معنوية. أول خطوة فيها هجرة ما حرم الله. ثم فطع ما يربطنا بالماضي قبل التوبة. وبالتعالي على حاضر الفتنة. وترقب نصر الله بالتخطيط للمستقبل والاستعداد له”
جعل الله تعالى في كونه سننا إلهيّة ناظمة للحياة والأحياء، مؤثّرة في مجريات الأحداث، وإن استبصار تلك السنن الإلهيّة، والسير وفق مقتضياتها، خاصّة السنن المتعلقة بالصراع بين الحقّ والباطل ينير للمؤمنين الطريق، ويلهمهم بإذنه سبحانه وتعالى سداد الموقف والقرار، وتحديد المسار. ويمكن تعريف السنن الإلهية بالقوانين التي سنها الله عزو جل لهذا الوجود وأخضع لها مخلوقاته جميعا على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها. ومن هذه السنن الإلهية العظيمة سنة التدافع بين الخير والشر.
يخلُص الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله من هذه الآية إلى ( أن البرَ مخالقَةُ طوائف الناس من ذوي القربى والمحتاجين بأخلاق البذل والإكرام ببواعث الإيمان والإحسان وفضائل الصدق والتقوى. البر سلوك متماسك، أخلاقي ديني اقتصادي اجتماعي، في البأساء والضراء وحين البأس، باعثُهُ الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين.
عيد الأضحى هو أكبر العيدين عند المسلمين (عيد الأضحى وعيد الفطر)، ويوافق يوم العاشر من شهر ذي الحجة من كل سنة هجرية، وقد سنَّ الاحتفال به النبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومن ثمة انتشرت فكرة الأضحية والتضحية في الأمم التالية، وأصابها ما أصاب باقي السنن من البلى والتحريف، إلى أن جدَّد هذه الشعيرة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم،
في حجته الأخيرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين من شهر ذي القعدة، ولما أتى بطن الوادي بعرفة، يوم التاسع من شهر ذي الحجة في السنة العشرة للهجرة، وحوله مائة ألف وأربعة وعشرون أو أربعة وأربعون ألفا من الناس[1]، وقف صلى الله عليه وسلم على هضبة تسمى جبل الرحمة، وقام فيهم خطيبا مُبينا وواعظا مذكرا وموصيا مودعا، حيث بين للناس كليات شريعة الإسلام ومكارم أخلاقه، وودَّعهم آخذا عنهم العهد في تبليغ رسالة الإسلام إلى العالمين.
ليس عبثا أن تفتتح أول سورة من المصحف ببيان شرط فهم القرآن ومفتاح تدبره، وهو التقوى والإيمان بالغيب، إذا لم يتوفرا فما تغني التلاوة أو حفظ الحروف. فقد كان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يخبر عن السابقين الأول من صحابة رسول الله ويقول : «أوتينا الإيمان قبل القرآن».» لذلك كانت علاقتهم بالتنزيل تصديقا ينهض للعمل، وإيمانا يصدقه الفعل.
وكان من هديه عليه الصلاة والسلام الاعتكاف في رمضان، فقد صح عنه أنه اعتكف العشر الأوائل منه، ثم العشر الأواسط، ثم داوم على اعتكاف العشر الأواخر، التماساً لليلة القدر. وفي العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف العشر الأواسط والأواخر معا،كما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في غير رمضان، فكان ذلك تشريعاً منه لجواز الاعتكاف في كل زمان.