رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران الذي أخبر فيه مبعوث الحق ﷺ بأن المحروم من أدركه ولم يغفر له، فالموفق السعيد من يسطر برنامجا يسير عليه في المدرسة الرمضانية ذات الأيام المعدودات، برنامج يشمل ما وجب تثبيته، وما وجب الاجتهاد فيه، وما وجب الامتناع عنه.
ما أشدَّ حاجة العبد المؤمن المخلص في مسيره إلى مولاه، إلى أن يختار الأزمنة الفاضلة ليخلو بنفسه، ويركن إلى زاوية الفكر والذكر يتأمل حاله، ونعمة الله عليه فيحمده ويشكره، في كنف أسرته وفي حضرة صحبة الصادقين الذاكرين المجاهدين في أوقاتٍ ومناسبات تُحيي فطرته وتُقوِّي صلته بمولاه. وإن مدار الأعمال على القلب، وأكثرُ ما يفسده تلك المشوشاتُ والشواغلُ التي تصرفه عن الإقبال على الله عز وجل من شهوات الطعام والشراب وفضول الكلام والنوم…
من أجل استشراف مستقبل الخلافة على منهاج النبوة يتعين على أبناء الحركة الإسلامية ربط الماضي بالحاضر مع استنباط الدروس و العبر من كافة الأحداث التي شهدها التاريخ.
من الأحداث العظيمة التي شهدها تاريخ الإسلام و المسلمين غزوة بدر الكبرى التي وقعت في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة . و قد تناولت كتب السيرة هذه المواجهة العسكرية بالتفصيل نظرا لأهميتها في تحديد مسار المسلمين منذ ذلك الحين .
الاعتكاف في رمضان سنةٌ نبوية ماضية إلى يوم القيامة، حيث يواصل المعتكِف عكوفه في المسجد أو في غيره من الأمكنة الطاهرة إذا تعذر، زمنا محددا، ويكون في الغالب عشرة أيام بلياليها. ويبقى الاعتكاف في المسجد أولى وأفضل لقدسية المكان ولإقامة الصلوات والجُمع فيه، خلال شهر رمضان أو في غيره من الشهور، غير أنه في رمضان أفضل لفضل الشهر الكريم، وخاصة العشر الأواخر منه، لخصوصيتها وفضلها، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف كما اعتكف أصحابه وأزواجه والتابعون
قد يشكّل هذا الشهر العظيم بتوفيق الله نقطة تحول إيجابيةٍ في سلوكنا إلى الله تعالى إذا اتخذناه فرصةَ العمر السّنوية للتقرب إلى الله تعالى، ومناسبةً نستغلها لتجديدِ التوبةِ إلى الله، وعقدِ نية الصلحِ مع الله بالإكثار من العمل الصالحِ الخالص في بحرِ النهارِ صوماً وذكراً لله وتلاوةً للقرآن، وزُلَفاً من الليل قياما بين يديه تبتلاً وتضرعاً ودعاءً.
جاءنا رمضان المطهر، شهر الخير والعطاء والإقبال على الكريم الوهاب، موسم الخير والمكرمات الربانية، لنا في كل وقت من أوقات ليله ونهاره مغنم، ليله ليل القائمين والمتهجدين التائبين المنكسرين بين يدي رب غفور رحيم، ونهاره ميدان ذكر الصائمين الواقفين عند حدود مولاهم عز وجل.
حلّ رمضان المعظم، شهر الخيرات والبركات، والغفران والرحمات، شهر العبادة والطاعات، الموفق فيه من شمّر عن ساعد الجد متوكلا على الباري عز وجل بالإقبال والتقرب إليه بالفرض والنفل، منكسرا بين يدي الغفور الرحيم، يسأله الرحمة والمغفرة والعتق من النار، والنصر والتأييد لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من عظيم فضل الله عز وجل على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوع لها الطاعات، وجعل في أيام دهرها نفحات ترجى في أزمنة مباركة، غنيمة ميسرة لمن حالفته عناية التوفيق. ومن هذه الأزمنة المباركة شهر شعبان. فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاكَ شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنهُ بين رجبَ ورمضانَ وهُو شَهرٌ تُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العالمين وَأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ”
غالبا ما يُدرَج الحديثُ عن الغيبة في مصنفات أئمتنا وكتبهم ضمن أبواب “حفظ اللسان” كما فعل الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين”، وابن أبي الدنيا في “الصمت وآداب اللسان”، والنووي في “الأذكار”. رحم الله الجميع. وإن كانوا يرون أنها تتِمُّ بغيره. قال ابن قدامة رحمه الله: ( واعلم أن كل ما يفهم منه مقصود الذم، فهو داخل في الغيبة، سواء كان بكلام أو بغيره، كالغمز، والإشارة والكتابة بالقلم، فإن القلم أحد اللسانين )
في مثل هذه الليلة، 27 رجب ليلة الإسراء والمعراج، من عامين متتاليين كتب الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله مكتوبين: الأول مقدمة كتابه الإحسان عام 1414هـ (وكان التأليف قبل ذلك ببضع سنين) والثاني “رسالة تذكير” عام 1415 هـ، وفي كليهما يتوجه بالخطاب لأجيال العدل والإحسان ولعامة أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصتها.
سيدي أحمد أستاذٌ متميز في أخلاقه وتفكيره وتعبيره وموقفه، كما يشهد له كثير من محبيه وتلاميذه وطلبته في مركز تكوين المعلمين بمراكش، قبل شهادة أبنائه وإخوانه في التنظيم الذي يمثل لهم قدوة في الصدق والوفاء والفهم والشهامة والثبات، وقد أعطى عربون صدقه مبكرا، في لحظات صعبة جدا في تاريخ الحركة الإسلامية عموما وتاريخ جماعة العدل والإحسان خصوصا. فما أن عرف الحق حتى طلبه، وصحب أهله وبذل نفسه وأنفق ماله، فهو الذي تحمل إلى جانب الأستاذ محمد العلوي رحمه الله مسؤولية طبع رسالة “الإسلام أو الطوفان” وتوزيعها في المغرب على النخبة السياسية والعلمية والثقافية، ونسخةٌ منها وصلت الملك طبعا، حيث سهرا على تحويلها من مخطوط إلى مطبوع، واصلين الليل بالنهار في تصفيفها بطريقة “تقليدية” مُتعبة، خلال أكثر من 20 يوما في القاعة 6 في مدرسة الإمام الـجُزولي[1] بمنطقة دوار العسكر بمراكش (وتشتهر أيضا بمدرسة السِّي العلوي لأنه كان مديرا لها آنئذ).
إن ارتباط العمق الإيماني والسلوك التدافعي بفتية شببة تعليم قرآني وهدي رباني عميق يلفت نظرنا إلى الضرورة الملحة للاعتناء بالشبـاب احتضانا وتربية وتعليما وتدريبا، فهم عماد بناء الجماعة المؤمنة ونصـرة الدعـوة وبناء الأمة، ومن خدامّ مستقبلها المشرق بإذن الله تعالى. ويتأكد الأمر بصورة أوضح بالنظر إلى ما تعيشه الأمة الآن في غزة وكل فلسطين، من تدافع بين الحق والباطل، فما نراه من مشاهد بطولية للشباب المؤمن بربه المجاهد في سبيله مدهش للغاية، فلئن ضرب شباب الصحابة الكرام رضي الله عنهم …
وأنت تتابع مضامين الخطاب الإسلامي بشقيه الثقافي والسياسي، في المشرق والمغرب، تلاحظ ضمورا في “ثقافة الآخرة” وتضخما في “ثقافة الدنيا”، فقلَّما تجد من يتحدث عن الآخرة والموت ولقاء الله تعالى، إذ يغلب على الكثير من المتصدرين للكلام في منصات التواصل ومنابر التأطير والتوعية التركيز على مزايا الإسلام وأركان الإيمان ومصالح الناس في الدنيا إن هم طبقوا شريعة الإسلام.
ولئن كان حفظ مقاصد الدين بحوط الشباب في دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم واجب الدولة، فإن على الدعوة بمقتضى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانة حماية الشباب واحتضانهم في بيئات تربوية إيمانية، يتلقون من خلالها تربية تهذب الوجدان وتقوم السلوك وتنور العقول وتبعث الإرادات. فما الاحتضان التربوي؟ وما أهميته في بناء الشخصية المتوازنة للشباب؟ وما طبيعة المحاضن التربوية وكيف يمكن أن تسهم في التربية الإيمانية للشباب؟ وما المعالم الكبرى للاحتضان التربوي للشباب؟ هذه الأسئلة مدار الحديث في هذا المقال.
مناسبة مرور 16 سنة على وفاة سيدي محمد العلوي رحمه الله وأسعده بلقائه (توفي يوم فاتح دجنبر 2008م)، شاهدتُ شريطا مرئيا قصيرا يتحدث فيه -بعفويته وعمقه- عن بعض معاني الصُّحبة، وهو في مقام التذكير والتوجيه، نبَّه إلى أن الصحبة والسلوك إلى الله ليس كلاما مجردا ولا فكرة خيالية، وإنما هو فهم سليم وعمل صالح وسلوك قويم
وهذه حقيقة ماثلة في كتاب الله عز وجل وفي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ المسلمين، وانظر قول سيدنا عمر بن الخطاب في رسالته لقائد معركة القادسية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: “وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوّكم، فإنّ ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوّهم، وإنّما يُنصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله،