post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

قال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ، وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn1">[1]</a>، ترفع بالبناء أو التعظيم بتطهيرها من الأنجاس الحسية، والمعنوية. وإذْن الله هو أمر للنفاذ، فهي مرفوعة قائمة، وهي مطهرة رفيعة. ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn2">[2]</a>، قال مقاتل: «لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة، وأن يقيموها كما أمرهم الله، وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها. كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء، وميزانُه في يده، خفضه وأقبل إلى الصلاة»<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn3">[3]</a>.&nbsp;



يعرف الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله المسجد بقوله: «المسجد محضن الرجال، ومدرسة العلماء، ومحراب المتبتلين، ودائرة قيادة الجهاد، ومجلس الشورى والإيمان المسجد، وهو البوتقة التي سيصنع فيها السمت الإسلامي»<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn4">[4]</a>.&nbsp;



وقد جعل رضي الله عنه عمارة المساجد شعبة من شعب الإيمان تحت خصلة «السمت الحسن»، لكون هذه المساجد سيما أرض الإسلام ومجلى سمت المجتمع الإسلامي ومركز تخريج الشخصية المسلمة بسمتها ومظهرها وروحها.



ويصف المساجد في غد الإسلام جامعا بين الشكل والمضمون فيقول: «لا يؤوي إسلامَنا إلا مساجد وظيفية في شكلها إنسانية بمضمونها، بمجالس الإيمان وبالمبايعة على الطاعة والتطوع والتعاون البناء. ولن نهدم هذه المساجد المشيدة المزوقة بل نعمرها، وعمارتها شيء غير هذا التزويق، إنما عمارتها بقلوب طاهرة وعقول مدبرة وجسوم نظيفة قوية وأخلاقية تعبق بأريج الروحانية العالية للمؤمنين المحسنين»<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn5">[5]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">بناء المساجد</h1>



كان أول عمل جماعي للمسلمين بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة، أي بعد تأسيس الجماعة المؤمنة من مهاجرين وأنصار هو بناء المسجد، باعتباره علامة لبداية التعبئة الإسلامية والجهاد الإسلامي. والمسجد هو رمز الإسلام ومأرز المؤمنين، ومكان اجتماعهم يعمرونه بالمواظبة على الصلاة جماعة، فتكون المعاشرة والألفة سببا لنشوء المحبة بين المؤمنين التي هي أس الإسلام وروحه.



«ليكن لنا في كل حي مسجد وفي كل معهد وفي كل مصنع وإدارة، والعهد الذي بيننا هو الصلاة. وإن للصلاة في استواء أوقاتها واستواء الناس متواضعين أمام ربهم واستواء صفوفهم وطيب أنفاسهم لبهاء وجمالا»<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn6">[6]</a>.&nbsp;



في غد الإسلام تعوض الزخرفة المبذرة ببساطة البناء مع حسن الذوق، فتلحق بالمسجد مرافق الدعوة من مكتبة، وحجر للضيف، وقاعات للرياضة والنظافة والاستحمام، ليعود إليه دفء الإيمان وروح الدعوة ووظيفة بعد عصور الجمود والخمول.



يعمر المسجد بحلق العلم والذكر، ويجمر ويطيب، وينزه عن اللغو واللغط، ويحتفل بدخوله بالسمت النبوي نظافةً وطهارةً وطيبَ ريح، يعمره الرجال والنساء والشباب. ويشوق الصبيان إلى ارتياده ويحتفى بهم ليطبع منهم ذاكرة الصبى والطفولة.



يحرص على جمال أصوات المؤذنين واختيار الأئمة الأكفاء علما وقدوة ومثالا.



<h1 class="wp-block-heading">مركزية المسجد</h1>



المسجد مركز حياة المسلمين الاجتماعية والسياسية ومدار حياتهم الإيمانية، ومنه تنطلق حركة الجهاد، فيه يذكر اسم الله، فيه الصلوات الخمس والجمعات. فيه اللقاء الطارئ والمشورة. بين جدرانه يتعلم الخشوع والتقوى والأخوة والتعاون والولاية بين المؤمنين.



«إلى المسجد كان يفزع رسول الله ﷺ إن حدث حادث، وفيه كان يجمع المسلمين، وفيه كان يبرم أمر الجماعة، ومنه كان يخرج المجاهدون في وجهتهم للجهاد، وفيه كان يلقى الوفود، وفيه كان يعلم أصحابه، وفيه كان يجلس لحاجة المسلمين، وفيه كان يتم أمر الأمة الأعظم وهو المبايعة للإمام»<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn7">[7]</a>.



ولذلك كان الرجل المعلق قلبُه بالمساجد ضمن السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله. وهنا استدراك من الأهمية بمكان عن علاقة المؤمن بالمسجد وتعلقه به، يقول الإمام المجدد رضي الله عنه: «لسنا نرغب في مثل هذا التعلق الفردي إنما نحب حياة للمسلمين جديدة تنشأ في المسجد وتشب، وتعم أوقاتَ المسلم كلها معاني المسجد ومعاني الجماعة التي مأواها المسجد. فتبدأ حركيتنا من المسجد وتدور حول المسجد عامرا بالقلوب المؤمنة تذكر الله وتصلي له وتتلو قرآنه وتتعلم الكتاب وتتعلم الحكمة».



أضاف رضي الله عنه إلى التعلق الفردي بالمسجد، المطلوب تربية وزلفى إلى الله، تعلقا بمعاني الجماعة التي مأواها المسجد. فما جدران المسجد إلا وِعاء يبقى فارغا لولا روح حب الله ورسوله، وروح الوَلايَة في الله ورسوله.



<h1 class="wp-block-heading">رُوحُ المسجد&nbsp;</h1>



إن روح المسجد هو الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر، وليس مجرد حضور جسدي تفرغه العادة من قيمته التعبدية. فتكون كل صلاة جماعة وكل مجلس ذكر ووعظ وخطبة مرقاة للقلوب على مدارج الإيمان، سريانا من قلب لقلب ما بين رجال مؤمنين ونساء مؤمنات فيجتمع شمل الجماعة المؤمنة.



ومن المسجد تسري هذه الروح، إذا استوت قائمة، لتسكن جميع مناحي الحياة من اقتصاد وإعلام واجتماع، لتدخل على الناس في بيوتهم وأسواقهم ومصانعهم ونواديهم. بل لتنتظم حياتهم ومعادهم من حكم بما أنزل الله، ورخاء في معاشهم وصلاح لجميع شؤون حياتهم. فيكون العدل والشورى معقد الآمال.



«ما يكون لوسائل الإعلام الإسلامية أن تكون مسجدا، لكنّ روح المسجد، وإيمان المصلين في المسجد، وشورى أهل المسجد، ينبغي أن تتقمص الفنونَ والمسرحَ وفُسحةَ اللهو التي يحبها عامة الناس، لتنقل وسائل الإعلام الإسلامية رسالة الإسلام صافية تَرْفُل في حُلَلٍ من الجمالية الإسلامية وزينة الله التي أخرج لعباده»<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn8">[8]</a>.



إن روح المسجد إذا سرت إلى معاملات الناس وأسواقهم وحساباتهم أغنت عن الرقيب المحتسب، دون أن تلغيه، وسَمَتْ بالنيات من مدارك التنافس ومنطق الربح والتكاثر إلى معارج التزكية وذرى الإحسان.



إن لا يأت إلى المسجد تلامذة المدرسة وطلبة الجامعة، يأت إليهم المسجد. في المدرسة والمعهد والكلية مسجد وقرآن. أول خُطى الطفل إلى المسجد، ذكريات الطفولة مؤسِّسَاتٌ للشخصية، نربطها بالمسجد والقرآن<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_edn9">[9]</a>.&nbsp;



<h1 class="wp-block-heading">خاتمة</h1>



إن رسالة الإسلام هي القران والمسجد منطلقها، فلا بد للدعوة من دار وموعد ولقاء، منه يعم النور ومنه تنبع طاقة تعبئة الأمة للمشاركة في إعادة البناء من جديد.



فيحيى المسجد بحلقات العلم ومجالس الإيمان، ويلتئم فيه الشمل، وتنطلق منه الدعوة إلى الله، ويعقد فيه لواء الجهاد بأنواعه.&nbsp;فحامل الرسالة سيدنا ربعي بن عامر تخرج من المسجد، وعقد العهد مع الله في المسجد، وحمل الرسالة إلى العالم يخفق على رأسه لواءٌ عُقد في المسجد.



رضي الله عن سيدنا ربعي بن عامر وعن سائر الصحب الكرام وصلى الله على سيدنا محمد معلمهم، ومعلمنا من بعدهم، وآله وسلم. وجعلنا على الأثر وأخرج من بين أظهرنا «ِربْعيِّين» يحملون الرسالة كما حملوها الصحابة الكرام.



والحمد لله رب العالمين



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref1">[1]</a>&nbsp;&nbsp;سورة النور، الآية 36.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref2">[2]</a>&nbsp;&nbsp;سورة النور، الآية 37.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref3">[3]</a>&nbsp;&nbsp;تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج 5، ص 553، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، ط 1، 1431.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref4">[4]</a>&nbsp;&nbsp;المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، عبد السلام ياسين، ص 308، ط 5، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول، 2022.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref5">[5]</a>&nbsp;&nbsp;الإسلام غدا، عبد السلام ياسين، ص 180، ط 2، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول، 2023.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref6">[6]</a>&nbsp;&nbsp;المصدر نفسه، ص 183.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref7">[7]</a>&nbsp;&nbsp;المصدر نفسه، ص 183.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref8">[8]</a>&nbsp;&nbsp;الشورى والديمقراطية، عبد السلام ياسين، ص 78، ط 4، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، 2018.



<a href="applewebdata://0D3E1825-E484-4293-BCF1-52CCF159354F#_ednref9">[9]</a>&nbsp;&nbsp;أنظر كتاب تنوير المؤمنات ج2، عبد السلام ياسين، ص 230، ط 4، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، 2018.

التزكية والدعوة

روح المسجد

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

روح المسجد

الفرح برسول الله ﷺ

محبة النبي الكريم ﷺ

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

نظرات في رسالة تذكير للإمام عبد السلام ياسين

الجرح الفلسطيني

مقالات ذات صلة