post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

كتب الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله في كتابه الإسلام غدا: «سنة الله في الكون أن تسري الهداية بالميراث الروحي كما تسري خصائص الجسم بالتناسل البيولوجي. ويسرى من المصحوب المقبور لتابعه نورانية ولا شك، إلا أنها لا تبلغ أبدا أن تعطيه الميلاد الروحي الذي يوجدك في عالم لا تولد فيه إن لم تكن لك أبوة، وإن لم تزرع في أرض نفسك فحولةُ الأب الروحي بَذْرَةَ الحياة.»<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn1">[1]</a>



هذا الإرث النبوي الذي ورثه أهل الله كابرا عن كابر يبلغونه مَن بعدهم كما بلغهم متَّصل السند إلى رسول الله&nbsp;ﷺ، والإمام المجدد رضي الله عنه شجرة مباركة من هذه الدوحة المنيفة، جدد هذا الإرث ونفى عنه ما علق به من أدران طيلة قرون العض والجبر، ثم ورَّثه أبناء العدل والإحسان ناصعا راسخا ثابتا بما زرع رحمه الله في نفوسهم من بذرة حياة المعرفة والمحبة. «وكثيرا ما كان رحمه الله يوصي بتبليغ هذا الإرث، وبالتحقق من شروط هذا الأمر، وبيان الكيف الذي يخرجنا من الوصف إلى الاتصاف»<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn2">[2]</a>.&nbsp;&nbsp;



<h1 class="wp-block-heading">المحافظة على هذا الإرث أولا:</h1>



سئل الإمام المجدد رضي الله عنه في أحد مجالسه عن كيفية تبليغ هذا الإرث فقال رضي الله عنه: «أولا: نحافظ عليه»، ثم ساق مثالا يقرب الصورة إلى الأذهان «إن السفهاء من أهل الدنيا قد يكون فيهم الرجل الثري الغني، الذي جمع مالا فأوعاه.. يموت فيصبح ماله إرثا، فإن كان أولاده سفهاء فإنهم يشتتون المال، فيسعى كل واحد منهم إلى أخذ النصيب الأكبر..».<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn3">[3]</a>



تبليغ هذا الإرث رهين إذن بالمحافظة عليه، وتضييعه وتشتيته يكون بالتنافس المَرضي والأنانية الشيطانية، لأن أمرنا هذا «صحبة وجماعة، صحبة في جماعة»، وإن من يخرم الصحبة والجماعة إنما هو الأنانية والتنافس المرضيان. فمن ادعى أنه الأدرى والأعرف وما سواه لغو وباطل إنما جنى على نفسه، وبذلك كان هلاك أجيال من المسلمين وانحرافهم وخروجهم عن الإسلام. قال رحمه الله: «فإذا كنا نريد أن نبث هذا الأمر، وأن نبلغه لمن هم في زمننا ومن هم بعدنا ينبغي ألا نتسرع ونسارع لكي يكون لي أنا وحدي الحظ الأكبر. هناك من يدعي احتكار المعرفة، وهذا الشيء الذي به هلك أجيال من المسلمين حتى انحرفوا وخرجوا عن الإسلام».<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn4">[4]</a>



ومثّل رحمه الله لذلك بـ «طائفة يقال لها البابِيّون؛ كان عندهم متنبئ جاءهم بقرآن وترك لهم ميراثا، وكان يأمر الناس بالسماع منه وحده، فهو باب النبي، فمن لم يدخل من بابه لا يتحقق له علم، فكأنه صار هو كذلك نبيا.. ويتولد عن هذا ما يتولد».



<h1 class="wp-block-heading">مواصفات المبلغ الأمين:</h1>



اشترط الإمام رحمه الله فيمن يعهد إليه بالمحافظة على هذا الإرث وتبليغه تعظيم إخوانه ومحبتهم وإرادة الخير لهم، وصفاء القلب، فالقلوب الكدرة لا تبلغ ولا توصل. وضرب المثال: «أرأيتم السلك الذي يمر منه التيار الكهربائي إذا كان صدئا هل يوصل التيار أو لا يوصله؟ لا يوصله، فلا يوصل إلا السلك النقي، كذلك إن كانت قلوبنا فيها حب الرئاسة والظهور بالأخص فلا تبلغ شيئا».



وصفاء القلب خلوُّه من الكبر والتكبر وحب الرئاسة والتخلق بأخلاق العدل والإحسان، ومفتاح ذلك ذكر الله الكثير. قال رحمه الله: «إن لم يكن في جماعة العدل والإحسان ذكر، فلسنا على شيء».



وأضاف مجليا المواصفات التي ينبغي أن يتحلى بها عضو جماعة العدل والإحسان: «إنه كي نبلغ يجب أن نتخلق بأخلاق جماعة العدل والإحسان؛ نذكر الله كثيرا حتى تصفو قلوبنا. سأل أبو ذر رضي الله عنه النبي ﷺ عندما سمع حديث «وأتبع الحسنة السيئة تمحها»، أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: هي أحسن الحسنات. وكذلك قال النبي: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ&nbsp;–&nbsp;أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ&nbsp;–&nbsp;شُعْبَةً، أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ..» إذن نكثر من قولها، فما يصفي قلوبنا هو ذكر الله؛ قول لا إله إلا الله مع الحضور ما أمكن.. اجتهدوا في الصلاة فالله حاضر فيها، فلنستحضر معاني كل كلمة أقولها، وأعظم حرمة من عظمهم الله عز وجل وأمرنا أن نتبع سبيلهم. ونكثر من الصلاة على النبي ﷺ».



وربط الإمام المرشد الخصلة الأولى بالخصلة الثانية التي تحقق هدفها قائلا: «الصحبة والجماعة لا تكون إلا مع ذكر، والذكر مجموعة من العبادات تجدونها مفصلة في شعب الإيمان في كتاب المنهاج النبوي، ونبدأ بلا إله إلا الله…&nbsp;نكثر منها، وكلما ازددنا من هذه الكلمة الطيبة يطيب قلبنا ويطيب إيماننا».



<h1 class="wp-block-heading">ثبات الجماعة</h1>



تحدثنا عن مواصفات الثبات والأمانة والتبليغ في حق الفرد فماذا عن الجماعة؟



يقول الإمام المجدد رحمه الله ورضي عنه: «تمضي الأيام وتمضي الليالي ويمضي العمر، ويخلف في هذه الجماعة بعد كل سلف خلف، وكل خلف إن شاء الله يكون أحسن من السلف إلى يوم القيامة، شرط ذلك أن يتمسك الخلف بما أثله السلف، لا بد من الاتباع، ويقتضي هذا أن نفهم بعض مفاتيح الفهم»&nbsp;<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn5">[5]</a>.



دعاء ورجاء من الملك الوهاب أن يحفظ مائدة العدل والإحسان إلى آخر الزمان، وتأكيد منه رحمه الله على الشرط المشروط، شرط الاتباع و«تمسك الخلف بما أثله السلف وأسسه»، ثم الفهم الصحيح.



معنى كلامه رحمه الله أنه لا ينبغي أن يستفزنا ما يخوض فيه أهل السياسة من أبناء الدنيا من صيغ التنظيم فذلك لا يُلزمنا. قال: «لو كان أمرنا أمر سياسة لكان الأجدر والأحسن أن نجدد في كل فترة رأس القيادة». مع العلم أن اختيار المسؤولين والمسؤولات داخل الجماعة يتم عن طريق الانتخاب الحر على كل مستويات التنظيم وفي كل المجالات، بما فيها من مكاتب وأجهزة وقطاعات وهيئات وصولا إلى أعلى هيئة تشريعية وتقريرية وهو مجلس الشورى، وذلك في حياة الإمام وبإشراف وتوجيه منه.



الاستثناء الوحيد هو مجلس إرشاد الجماعة، وهذا الاستثناء يُفصّله ويَفْصل فيه قوله رحمه الله: «أما والأمر تربية قبل كل شيء، وتربية بعد كل شيء، وتربية مع كل شيء، فالتربية ليست أمرا يرتجل، والصفات التربوية التي ينبغي أن تظهر وان تبطن في القيادة هذا شيء لا يرتجل، شي لا يرتجل، وشيء لا يأتي بين عشية وضحاها، وإنما يبرز الربانيون بعد تجربة ومن محك البلاء والابتلاء وعلى مر السنين والأعوام، فإذا لم يكن هناك عنصر ثبات في الجماعة وتنظيمها فيوشك أن تتنازل الجماعة عن مبادئها جيلا بعد جيل، ومجلسا بعد مجلس، منتخبا بعد منتخب، حتى يؤول الأمر إلى مسخ، فنرجع إلى القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾، ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾. السابقون في هذه الجماعة هم الذين يجلسون اليوم في مجلس الإرشاد. وأكرر دائما في مجالسنا الخاصة في مجلس الإرشاد، أن هذا المجلس ينبغي أن يثبت، ينبغي أن يثبت ويثبِّت، وأن لا تأتي الرياح السوافي، رياح التغيير والتبديل والتجديد فتسول لنا أن نبدل هذا المجلس كل أربع سنوات، كل خمس سنوات، وكل عشر سنوات.»<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn6">[6]</a>



وإن هذه الكلمات ليست تشريفا ولا أوسمة توضع على الصدور، بل هي تكليف وتحميل للمسؤولية والأمانة كي تستقر في جذور القلوب، يعبر عنها قوله لهذا المجلس: «الجماعة أمانة في أعناقكم». ووصف أعضائه في كتاب المنهاج النبوي بأنهم «القيادة إلى جانب الأمير وهم حراس الحق الشاهدون»<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn7">[7]</a>.



«ثم إن الأمر بعد ذلك امتحان مستمر لا يتوقف، ومواجهة بالليل والنهار لألد عدو وأخسه وهو النفس. ولا نجاح في كل ذلك إلا بالذلة على المؤمنين والتعظيم الصادق والاستمداد. وشهادة المؤمنين بالقسط، بعضهم على بعض، قياما لله وقياما بالمسؤولية والأمانة خير عاصم بإذن الله كما هو عاصم توحد القلوب واجتماعها على حب الله ورسوله والحب في الله والأخوة فيه سبحانه وفي الصحبة»<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn8">[8]</a>.



وإن الأمر شورى في الأمر الخاص والعام وهي دين من الدين، فـ «المجلس ليس مغلقا لا هواء ولا نور ينفذ إليه، وهو منفتح علـى كل مؤسسات وهيئات الجماعة، كما أن كل هذه الهيئات والمؤسسات منفتحة عليه ومتواصلة معه كما كان الشأن بينها وبين الإمام المجدد ورضي عنه»<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn9">[9]</a>.&nbsp;



من وصيته رحمه الله: «أوصي بالعمل الصالح، انطلاقا من صلاح المومن والمومنة في عبادتهما وتقربهما إلى الله عز وجل زلفى بالفرض والنّفل، وتوجها بالجُهد العامل البعيد النظر، الصابر على مشاق الطريق لجمع شتات الأمة وبناء وحدتها لَبِنة لبنة حتى يرتفع صرح الخلافة على منهاج النبوة التي بِهَا وَعَدَنا من لا ينطق عن الهوى مبشرا بغَد الإسلام الذي لا ريب فيه كما هي الساعة والبعث والنشر والحشر والجنة والنار، حقائق لا ريب فيها»<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn10">[10]</a>.



وكما أوصانا أوصى بنا ربَّنا الكريم في آخر قطف من ديوانه القطوف:&nbsp;



ويَـا وَارِثَ الأَحْــيَــاءِ بَعْدَ انْـتِقَــالِهِمْ&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;إِلَى بَرْزَخِ المِيعَـادِ فَالـعَــرْضِ والـنَّـشْــرِ



تَـوَلَّ صِـحَـابِي بَعْدَ مَوْتِـي وَصِلْ لَـهُمْ&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;عَـوَائِـدَ فضْـلٍ مِـنْكَ يـا مُـولِيَ الخَيْــرِ



وَرَشِّــدْ رِجَـالاً يَا رَشِــيـدُ وَرَقِّــهِمْ&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;إلَى قِـمَّــةِ الإْحْــسَــانِ والعِـلْـمِ والـقَــدْرِ



لِــيَــبْــنُــوا صُــرُوحــاً لِلْخِـلاَفَـةِ بَــعْــدَنَـا&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;بِمِنْهَـاجِ خَــيْـرِ الخَلْقِ آخِــرَةَ الدَّهْــرِ<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_edn11">[11]</a>



رحم الله الإمام المجدد وجعلنا على العهد لا نحيد، حتى نلحق بمن سبقنا بإيمان، لا نلين ولا نستكين، والحمد لله رب العالمين



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref1">[1]</a>&nbsp;&nbsp;عبد السلام ياسين، الإسلام غدا، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2023، ص: 512.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref2">[2]</a>&nbsp;عبد الكريم العلمي، السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 2022، ص: 145.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref3">[3]</a>&nbsp;&nbsp;المصدر نفسه، ص: 145.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref4">[4]</a>&nbsp;&nbsp;المصدر نفسه، ص: 145.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref5">[5]</a>&nbsp;عبد الكريم العلمي، السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 2022، ص: 239.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref6">[6]</a>&nbsp;المصدر نفسه، ص: 240-241.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref7">[7]</a>&nbsp;&nbsp;عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، إستانبول: دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، ط 5، 2022، ص: 74.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref8">[8]</a>&nbsp;عبد الكريم العلمي، السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين، ص. 246، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 2022، ص: 242.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref9">[9]</a>&nbsp;عبد الكريم العلمي، السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين، ص. 247، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 2022، ص: 246.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref10">[10]</a>&nbsp;&nbsp;عبد السلام ياسين، وصيتي، الطبعة الأولى، 2013، ص 21.



<a href="applewebdata://C18866A8-27E6-4028-8770-6D377F978BF2#_ednref11">[11]</a>&nbsp;عبد السلام ياسين، قطوف، ج 10، مطبوعات الهلال، الطبعة الأولى، ص: 90.

التزكية والدعوة

كيف نحافظ على ميراث الصحبة والجماعة ونبلغه؟

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

كيف نحافظ على ميراث الصحبة والجماعة ونبلغه؟

روح المسجد

الفرح برسول الله ﷺ

محبة النبي الكريم ﷺ

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

نظرات في رسالة تذكير للإمام عبد السلام ياسين