post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<p><span class="citation">الأخوة في الله</span></p>
<p>مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وبعد انتقال الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله من مراكش إلى مدينة سلا، كان بيته محجّا للغيورين على دينهم، والعاملين في حقل الدعوة، والمهتمين بالأسئلة الكبرى، وقضايا الفكر الإسلامي، وكذا من يريد أن يتشرف بمجالسة صاحب الرسالة التاريخية “الإسلام أو الطوفان” ورئيس تحرير &#8220;مجلة الجماعة&#8221;، ومؤسس أركان الفقه المنهاجي، وما بسطه في مكتوباته المتصفحة للتاريخ الإسلامي وللحركات الإسلامية والمناهج التربوية للمدرسة الصوفية والعلوم الشرعية بعيون نقدية، وقراءته الجهادية الإحسانية المجددة لروح القرآن الكريم والسنة النبوية. ومن المجالس التي كان يشرف عليها الإمام رحمه الله “مجلس الثلاثاء”، حمل مسؤولية تشكيل نواته للأستاذ عبد الله الشيباني – عضو مجلس الإرشاد حاليا – يعقد المجلس مساء كل ثلاثاء بانتظام، يحضره نخبة من شباب الدعوة وطلبة آفاقيين يتابعون دراساتهم العليا  بالجامعات والمعاهد العليا بمدينة الرباط العاصمة.</p>
<h2>نعمة لن يطويها النسيان:</h2>
<p>كانت مجالستنا تفتتح بتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم يتلوها تعارف أولي بيننا، ودرس للإمام المرشد متميز عما ألفه شباب تلك الفترة من خطب ملتهبة أو محاضرات مليئة بالمصطلحات الطنانة.. درسه يساعدك على اكتشاف مفاتيح فهم الدين، وواقع الفتنة العنيد، وكيفيات الاستجابة للنداء الإلهي استجابة المحبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، سعيا لإقامة ديننا دون التفات عن المطلب الإحساني.<br />كانت  مجالسته رحمه الله بلسما للقلوب، ودروسه تعتمد التأصيل والشمولية والوضوح منهاجا لتربية مستقبلية للأجيال الصاعدة.<br />بعد المذاكرة وصلاة العشاء وختم اجتماعنا، ننصرف إلى منزل نجلته الشريفة &#8220;لالة ندية&#8221; حفظها الله، للمبيت بنية الاستيقاظ آخر الليل، لنحيي سنة قيام الليل، ثم جلسة للاستغفار، راجين من الله عز وجل أن يكتبنا من &#8220;المستغفرين بالأسحار&#8221;، وبعد صلاة فريضة الصبح نحيي سنة قص الرؤى المبشرة، ونستقبل القبلة ذاكرين الكلمة الطيبة المطيبة “لا إله إلا الله ” لتجديد إيماننا. وقبل شروق الشمس بقليل نخصص حصة التسبيح بحمد الله “سبحان الله وبحمده”، ونختم اللقاء على أفضل العزائم فرحين بفضل الله عز وجل وكرمه، وخير الصحبة المباركة التي تدللنا تحت جناحها الدافئ. </p>
<h2>الأخوة في الله بين العادة والعبادة؟</h2>
<p>جرت “العادة” في مجالسنا الإيمانية أن تفتتح بتعارف بين الحاضرين. في أحد مجالس الثلاثاء وبحضور المرشد رحمه الله، كان شكل المجلس دائريا، وبالصدفة بل قدرا! جلست عن يمينه، فكنت أول من يعرف بنفسه، فقلت كما تعودت في أي مجلس إيماني: “أخوكم في الله…” هنا استوقفني سيدي عبد السلام رحمه الله وسأل سؤالا كان محور تربيتنا وتعليمنا وتوجيهنا في تلك الليلة: أتدرون ما معنى أخوكم في الله؟</p>
<h2>ما معنى الأخوة في الله؟</h2>
<p>أترك الجواب لمن وثقوا الدرس جيدا ممن حضروا مترحمين على من رحلوا منا إلى الدار الآخرة… وأنتقل بكم مباشرة إلى ما بعد الدرس وما ترتب عنه من تفاوت في &#8220;فهم&#8221;  الحاضرين  لكلام سيدي عبد السلام في مجلس الثلاثاء.<br />تأثر الإخوان بالغ الأثر بتفريطهم في حقوق الأخوة في الله، وبدا الأمر أصعب مما كنا نتصور!<br />ومنا من اتهم نفسه بالنفاق ولامها لوما شديدا! ومنذ ذلك الحين وهو يتورع في البوح بالأخوة في الله لأحد، منا من وجد مخرجا ذكيا يعفيه من هذه المسؤولية العظيمة، فبدأ يفتتح التعريف بنفسه ب: أخوكم في الإسلام!<br />فانتشر &#8220;هذا النوع&#8221; من التعارف انتشارا سريعا بين الأحباب في مدينة الرباط وسلا وما جاورهما، باستثناء قلة منهم كالأستاذ عبد الله الشيباني ظل مصرا كل الإصرار على قول “أخوكم في الله”!<br />كان رحمه الله يحرص في مجالسنا أن لا تتسرب إليها العادة، بل يحرص على أن يكون التجالس في الله عبادة من بداية اللقاء إلى نهايته.<br />أذكر مرة، تخلل المجلس ما ينسينا هذا الأمر الجلل( تعظيم نية اجتماعنا في الله) أوقف رحمه الله المذاكرة، و طلب منا تجديد النية، فمكثنا هنيهة نجدد النية مناجين ربنا بالدعاء، ثم استأنف بعد ذلك تسيير مجلسنا التربوي التعليمي. كان رحمه الله يستنهض هممنا لنطلب وجه الله عز وجل ونستحضر عنايته ورحمته سبحانه، ويحرص كل الحرص على ألا يجرفنا وادي الغفلة عن الله. اللهم ارحمه رحمة واسعة.</p>
<h2>للصحبة برهان :</h2>
<p>ومرت أيام والحال كما هو عليه: “أخوكم في الإسلام بدل أخوكم في الله!”. وبعد عقد الرباط المركزي التربوي ثالث من تاريخ الجماعة في العطلة الشتوية من سنة 1983 بمراكش في رحاب القلبين الكبيرين الأحمدين رحمهما الله: سيدي محمد العلوي وسيدي أحمد الملاخ، تم اعتقال سيدي عبد السلام بسجن &#8220;العلو&#8221; بالرباط، وحكم عليه بسنتين سجنا نافذا ظلما وعدوانا وانتقاما بسبب رسالته التاريخية: &#8220;رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام&#8221; <br />ففي ذروة الانجذاب العاطفي للإمام ابتلانا الله بسجنه، ونحن نتذكر ما قاله لنا يوما في معرض كلامه عن الصحبة: &#8220;برهان الصحبة في مواطن الخوف&#8221;.<br />كنا نستبعد المواجهة مع المخزن ونحن قلة! قال رحمه الله مقارنا بين عددنا بمواقفنا: صوتنا أكبر من حجمنا!<br />لا برنامج لنا غير يوم المؤمن وليلته ورباطات وجلسات بسيطة في شكلها عميقة في مفعولها التربوي، وهويتنا الجماعية يمكن اختزالها في أننا جماعة تتوب إلى الله وتدعو الناس إلى التوبة.<br />توكل على الله أكابر الجماعة من إخواننا وعزموا على الاستمرار في فضح أحبولة الإسلام الرسمي المخزنية، بإبراز مظلومية دعوة حرة وراء القضبان أبت الخضوع لمن يريدها أفيونا يخدر الحس الشوري والمطلب العدلي في المسلمين!<br />إنها دعوة لها امتداد في أمتنا بإذن السميع العليم، كان خيارا وتمحيصا رافقه لطف إلهي، وعناية ربانية بشباب انتزعوا حقهم في زيارة الإمام المسجون بمواقفهم الثابتة خارج السجن، المدعومة بنضالاته رحمه الله من داخل السجن!<br />رؤيته رحمه الله وراء القضبان وهو الحر المسجون، كانت توقظ الوسنان، وتشحذ العزائم، وتستصغر كل العقبات الصادة عن سبيل نصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض، وتفتح آفاق التعريف بمظلومية دعوة مجددة كرهها من يكره الدين وعاداها من يستخف بكرامة المسلمين.</p>
<h2>مولاي أحمد الملاخ يبشر وييسر:</h2>
<p>في موسم الرباطات كانت كل من دار أخوينا سيدي فتح الله أرسلان وسيدي أبو بكر بن الصديق حفظهما الله [مراقبة]، كان تكثيف نشاطَيهما الدعوي والحركي تحديا لمن أراد أن يفصل رأس &#8220;أسرة الجماعة&#8221; عن جسدها! نحكي عن فترة 1984/1983 وقمع دولة العصا &#8220;لثورة الكوميرا&#8221; ما زالت آثاره جاثمة على النفوس!<br />المنزل الذي غفلت عنه عين الرقيب البوليسي، هو بيت سيدي عبد السلام رحمه الله! لأن صاحب البيت في السجن! وكل من زاره يسجل رقم بطاقته الوطنية، وقد يستدعى في مدينته ويستنطق، أو تحجز وسيلة تنقله، أو يستفز بالكلام النابي حتى يذوق نصيبه من سم المخزن!<br />الهدف المخزني كان هو قطع الصلة إطلاقا بسيدي عبد السلام، أو القيام بوظيفة التجسس عليه وعلى جماعته الناشئة! كان المكان الأنسب للرباط التربوي في تلك الفترة هو بيت الإمام المرشد رحمه الله بسلا.<br />من فقرات برنامج الرباط المنظم بمنزل الإمام رحمه الله، زيارة مولاي أحمد الملاخ رحمه الله، كانت زيارة سيدي أحمد بلسما وشفاء لما في الصدور، أغلبنا شباب قليلو الخبرة بالحياة وبآليات النضال. كل ما نملكه هو حبنا في الله لسيدي عبد السلام الذي يحبب إلينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويحبب لنا ما يقرب إلى الله عز وجل. نخاف أن يتخطفنا الطير، لكننا على كل حال أقوياء ببعضنا ونعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، نتنافس في ختمات القرآن وذكر الله وقيام الليل.. والتواصل مع سيدي أحمد البشوش بمحياه و بحلاوة لهجته المراكشية البهجوية! أثمر حيوية وشعورا بمسؤولية أكبر مما كنا نتصور قبل اعتقال الإمام رحمه الله. لكن الطريف في هذه الزيارة، هو أنه وجد المرابطين من مدينتي الرباط وسلا يستهلون تعارفهم بـ”أخوكم في الإسلام”! استغرب! و تعجب! ماذا وقع؟ هل هو توجيه جديد من المرشد رحمه الله؟ لكنه لما تعرف على أسباب حكاية أخوكم في الإسلام، استدرك مستشهدا بقول الله عز وجل:<br />&#8220;لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين  (التوبة 108).&#8221; :<br />&#8220;لنكن مثل هؤلاء الذين يحبون أن يتطهروا فأكرمهم الله بمحبته سبحانه وتعالى.<br />كذلك نحن، نحب أن نكون إخوانا في الله! نحسن الظن بالله وبكرمه، طامعين في محبته لنا!&#8221;<br />منذ ذلك الحين عاد الأحباب إلى افتتاح تعارفهم بـ”أخوكم في الله” بدل “أخوكم في الإسلام”!<br />لعل حظ سيدي أحمد الملاخ من صحبة سيدي عبد السلام أهلته بتوفيق الله لمعرفة المقصود من توجيهه<br />ونصيحته ومنهاجه الذي لا يضيق واسعا ويفتح أبواب رحمة الله، قبل فتح آفاق إحياء دين أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتربية أجيال متحررة من أعراض التعامل الحرفي مع النصوص، مسلحة بالفقه الجامع لتجديد الدين كله دعوة ودولة، وربط الصلة بين الإنسان العبد المحب وخالقه المعبود المحبوب فيقوم لله شاهدا بالقسط.</p>


تدوينات

الأخوة في الله

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

نعمَ الواعظ.! هل من متعظ؟

لنتذكر زيارة الأحد؟

الأستاذ علي سقراط رحمه الله في ذكراه السابعة

الدعوة اصطحاب؟

نِعْمَ الواعظ.. هل من متعظ؟

الأخوة في الله

مقالات ذات صلة