
أدرك، أعلى الله ذكره، بقوة يقينه في الله بأن “الإسلام غدا” في زمن لا يُسمعُ فيه للحركة الإسلامية ركزٌ خلال سبعينات القرن الماضي، بل بلغ به هذا اليقين في الله أن أحيى حديثا نبويا قلما احتفى به غيره، وهو حديث الخلافة الثانية على منهاج النبوة الذي وضعه أفقا لمستقبل الأمة، وأحيى بذلك أمل عودة الإسلام ومجد الأمة… بعد ليال بهيمة من الفتنة والطغيان…
نحن على مشارف ذكرى رحيل الإمام عبد السلام ياسين قبل ثلاثة عشر عامًا، ارتقى رحمه الله إلى ربه الكريم، تاركًا وراءه مشروعًا شاملا روحيا وفكريًا لا يزال ذا مصداقية عالية وراهنية مدهشة أمام ما تعيشه الإنسانية اليوم في العالم من تحولات متسارعة. اضطرابات دولية، تغير خرائط النفوذ، تنامي القلق الوجودي عند الأفراد والمجتمعات، قلق من […]
في مثل هذه الأيام نستحضر الأستاذ المرشد الإمام عبد السلام ياسين، نستحضر رجلا عاش لله، وصدع بالحق حين صمت الناس. نستحضر مرشدا خاطب الإنسان قبل التنظيم، وربّى على الصدق قبل الشعارات، ودعا إلى مجتمع العمران الأخوي حيث يلتقي العدل بالرحمة، والقوة بالحكمة، والجهاد بالتربية.
تحل اليوم الذكرى السابعة عشر لوفاة الداعية المجاهد الأستاذ محمد العلوي السليماني (1931ء2008) الذي قضى ما يزيد عن أربعة عقود في مدافعة الباطل وتربية وتكوين الرجال، واسترخص الغالي والنفيس في سبيل الدعوة إلى الله، وكان خير عون للإمام رحمه الله في وقت عز فيه الرجال. و في أجواء إحياء الذكرى الثالثة عشر لوفاة الحبيب المرشد،أواصل ما بدأته قبل عشر سنين حديثًا عن هذا الرجل الكريم، من خلال نافذة الحج وما رافقها من بشاراتٍ ونفحاتٍ وصحبة.
تعيش غزّة اليوم في منطقةٍ متوحّشة بين ألمين؛ وجع العدوان المباشر ووجع التواطؤ غير المعلن. يقف القطاع على حافة الفناء بين قصفٍ ينهال من السماء وغرقٍ يزحف مع كل شتاء، بين حرّ النار التي تشقّ ليلها وبين برد الخيام الذي يحاصر من نجا من السقوط. هذا المشهد الذي يتكرّر كل يوم ليس مجرد كارثة إنسانية؛ بل هو مرآة عارية تكشف انهيار منظومة سياسية دولية تتواطأ بالصمت حين تعجز عن التورّط بالفعل.
كتبَ المفكرُ المغربيُّ الأستاذُ عبد السلام ياسين ـ رحمه الله ـ حول اليهود واليهودية ومُتعلّقاتهما في مُناسبتين اثنتين؛ الأولى عام 1988م حين ألّف كتاب “سنّة الله”، ونشره عام 2005م، والثانية عام 1998م، لمّا نشر “الإسلام والحداثة” ترجمةً لكتابه بالفرنسية الموسوم بـ”أسلمة الحداثة”.
تناول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مفهوم “طلاق الدنيا والآخرة” في سياق مشروعه الإصلاحي الشامل، وهو مفهوم مركزي في فكره يتعلق بالتزكية والسلوك إلى الله. حيث يقول في كتاب الإحسان: “عبارةٌ يكثر أن نقرأها في كلام الأكابر مثل الشيخ عبد القادر يتحدث فيها عن طلاق الدنيا والآخرة يجب أن نَقْدُرها قدرها لكيلا يتوهم متوهم أن بالقوم رضي الله عنهم استخفافا بأمر الآخرة. كيف والله عز وجل خوفنا من عذابها وجمَّل لنا ثوابها ونعيمها! نَفس المؤمن والمحسن تخاف أشد الخوف مما خوف منه الله تعالى، وترجو ما رجّى فيه. نفس العارف تخاف النار وتحب النعيم كأشد ما يكون الخوف والحب، فهو عبد لله. لكن قلبه لا يلتفت إلى الدار دون الجار، لا يحلو له نعيم في الدنيا والآخرة مع مجرّد فكرة أن يحجب عن الله عز وجل”. (الإحسان، 1\417 – 418)
يظهر غيب كالشهادة، وخلف ستار الزمان، أخبرتنا حبيبتك
أمنا الصديقة، كأنا نراك تصلي جالسا
حين حَطَمك الناس!
وكم فتلْتَ من غرز متين، حبذا نلزمه
لاقتحام العقبات .. وكم أسرجْتَ من براقات كلمات فيها روحك، فيها حضورك، لتخطو بنا طيا، لو أنا أطعنا..
فوق الأنفس والآفاق
وكم وضعْت من أساس!
ونحن نتأمل ونتألم لما يحدث في غزة العزة، قد ينخدع البعض منا بما يحصل على الأرض من دمار وتقتيل وتجويع، وحتى يخيل إليه أن المعركة حسمت وأن الميدان يرسم ملامح النهاية المتوقعة، وقد يتسابق البعض إلى إطلاق الأحكام والتقييمات في سوء تقدير لا تحتمله المرحلة -والحديث هنا لا يشمل المتصهينين ولا المطبعين.
عودة الأمة لمعانقة دينها وهويتها أمر لا شك فيه. وهو يتعاظم يوما بعد يوم.. فضل من الله ونعمة.. وبركة من الله في جهود كل الدعاة إلى الخير الذين يرفعون القواعد من البيت لتمثل الأسس التي ينطلق منها بناء الأمة الجديد المتجدد متينا قويا.. نعم هذه الانطلاقة المتجددة في الأمة ليست بدون آلام وبدون مخاض عسير وتلك سنة الله في التغيير والتدافع..
– لا يمكن فهم الواقع العالمي المريج اليوم إلا بالتعالي عن أحداثه، وقراءته في سياقات تتجاوز ظرفياته، ولا يحصل ذلك إلا برؤيته من أعلى، ولا يمكن ذلك إلا أن يتأتَّى لك ما به تسمو وترتفع على كل هذه الفجاج من الأحداث والدماء، فتقعد في مرتفع ترى من علوه غيبا مضى وغيبا آت، ويستحيل ذلك إلا أن يكون الوحي دليلك وبوصلتك.
نشتاق إلى وجوه فقدناها، عشنا معها حلاوة اللقاء وتقاسمنا هموم الدعوة والآمال والآلام، التقينا على الله الأحد، ونهلنا من معين الصحبة الدالة على الله والجماعة الجامعة الموحدة للجهود، المنهضة للهمم، الموقدة لفتيل المحبة الخالدة في الله.
نشتاق إلى أحباب لنا سبقونا إلى الدار الآخرة بعد أن خرجوا من سجن الدنيا إلى سعة الدار الباقية، سبقونا وقد أمضوا حياتهم في الدعوة إلى الله والاجتماع على هموم الأمة والتخطيط لغد انعتاقها.
ندخل الدار العامرة بسلا، نتوضأ ونتضلع من مائها العذب الزلال، نغير ملابسنا، وغالبا ما كنا نستعير بعضها ليلة السفر،نسرع الخطى لنحظى بمكان قريب من سيدي عبد السلام أو مقابل له.كانت نظراته شفاء وكلامه دواء وابتسامته جنة. كنت أدون كلامه حرفا حرفا حرصا على نقله بأمانة لإخواننا ونحن سفراؤهم، حرص لا يصمد أمام التملي في ذاك الوجه الصبوح فتتخلى عن قلمك ووجودك لتسبح في عوالم أخرى ..
بمداد الروح
بمادة الإيمان
ليقرأه انسان العين
مكتوبا
يباركه الله
في لحظة صفاء
ذات أفنان!
خلقت لأكتب الإحسان
على صفحة الواقع
بحرف الحضور الرافع
ما أجل الدعوة وما أكمل اقتداءها بنهج ومنهاج الأنبياء المرسلين في التهمم بقضايا الشباب واحتضانهم والحرص عليهم، وعلى القيام بواجبات النصح والرعاية والتوجيه لفئة هي في فوهة المواجهة مع قوى الاستكبار الهدام للقيم والهوية والانتماء! وإن الفاحص لسيرة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله والناظر لمشروعه التغييري ليقف مليا عند المكانة والاعتبار اللذين أولاهما الإمام للشباب رعاية واحتضانا وتهمما وتوجيها.
كانت يد الإمام جدد الله عليه الرحمات، حبلا ممدودا يتشبت به غرقى، ظمأى، وحيارى في دروب الحياة وسراديب النفس القلقة، يبحثون بصدق عن ذواتهم، بل عن أرواحهم التي فارقتهم إلى حيث لا ملاذ إلا بين يدي الله تعالى المنان، نادى فيهم دالا على الله تعالى، ان من هنا الطريق، من هنا البداية.