مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

الأستاذ أحمد الملاخ ثالث ثلاثة

1
الأستاذ أحمد الملاخ ثالث ثلاثة

مقدمة

في 15 يناير من كل سنة تحل ذكرى وفاة فضيلة الأستاذ أحمد الملاخ رحمه الله وأسعده بلقائه وتقبل منه أعماله، واليوم تحل بنا الذكرى 14 لرحيل هذا الرجل العزيز، إذ توفاه الله إلى رحمته يوم العاشر من شهر صفر 1432ه، الموافق لـ 15 يناير2011م.

سيدي أحمد أستاذٌ متميز

سيدي أحمد أستاذٌ متميز في أخلاقه وتفكيره وتعبيره وموقفه، كما يشهد له كثير من محبيه وتلاميذه وطلبته في المركز التربوي الجهوي بمراكش، قبل شهادة أبنائه وإخوانه في جماعة العدل والإحسان الذي يمثل لهم قدوة في الصدق والوفاء والفهم والشهامة والثبات، وقد أعطى عربون صدقه مبكرا، في لحظات صعبة جدا في تاريخ الحركة الإسلامية عموما وتاريخ جماعة العدل والإحسان خصوصا. فما أن عرف الحق حتى طلبه، وصحب أهله وبذل نفسه وأنفق ماله، فهو الذي تحمل إلى جانب الأستاذ محمد العلوي رحمه الله مسؤولية طبع رسالة “الإسلام أو الطوفان” وتوزيعها في المغرب على النخبة السياسية والعلمية والثقافية، ونسخةٌ منها وصلت الملك طبعا، حيث سهرا على تحويلها من مخطوط إلى مطبوع، واصلين الليل بالنهار في تصفيفها بطريقة “تقليدية” مُتعبة، خلال أكثر من 20 يوما في القاعة 6 في مدرسة الإمام الـجُزولي[1] بمنطقة دوار العسكر بمراكش المشتهرة بمدرسة السِّي العلوي لأنه كان مديرا لها آنئذ. 

وبينما الأستاذ أحمد يعد أطروحته للدكتوراه بجامعة السوربون تحت إشراف محمد أركون بعنوان “تاريخ الزوايا في المغرب” باللغة الفرنسية، وكان على وشك مناقشتها، فإذا به يتعرض للاحتجاز القسري مع صاحبه، الأستاذ العلوي[2]، سنة 1974، بسبب مشاركتهما في طبع الرسالة وتوزيعها، واقتيدا إلى مخفر إحدى كوميساريات مراكش قبل تنقيلهما إلى زنازين معتقل درب مولاي الشريف بالحي المحمدي بالدار البيضاء. وما أدراك ما معتقل درب مولاي الشريف؟ حيث تعرضا لقسوة التعذيب، – كغيرهما من المناضلين الذين وطأت أقدامهم ذلك السجن، وقد جيء بهم من كل مدن المغرب وخاصة منهم شباب الجامعات- ومكثا بسجنٍ لا تتوفر فيه أدنى شروط الحياة الآدمية خمسة عشر شهرا مكبلي الأيدي والأرجل، ولولا عناية الله بهما لكانا في خبر كان كما يحكي مدير مدرسة الجزولي رحمه الله[3].

ويذكر الأستاذ ياسين رحمه الله ذلك في مناسبات عديدة، منها قوله: “وكان لأخوي الكريمين سيدي محمد العلوي وسيدي أحمد الملاخ الفضل في طبع كتابي: “الإسلام أو الطوفان” ونشره، وقد أديا إثر ذلك على يد الشرطة ما قدر الله لهما من البلاء، فقد أوذيا أذى كثيرا يكفي أن تعلموا أنهما أمضيا خمسة عشر شهرا على الأرض، وفي البرد الشديد، يأكلان الخبز اليابس الملطخ بالبترول، والعدس الممزوج بالحصى، ولا حول ولا قوة إلا بالله”[4].

والأستاذ أحمد هو الذي حملَ رسالة الانفصال عن الزاوية إلى الشيخ حمزة رحمه الله وقرأها عليه، وقد كانت تلك الرسالة “جماعة الإرشاد” الدليل المادي الذي تقدمه قيادة الزاوية للسلطة من أجل إثبات براءتها مما فعله “عبد السلام الشريعة”[5]، وهو الذي حمل معه في الحج كتاب “الإسلام بين الدعوة والدولة” وكتاب “الإسلام غدا” لينشر دعوة مصحوبه بين العلماء والدعاة في موسم الحج، وقد وثق الإمام ذلك في مستهل  الجزء الأول من كتاب الإحسان. ونظرا لهذه المكانة لسيدي أحمد قال فيه الإمام رحمه الله: “ولعل من يستنطق تاريخ جماعة العدل والإحسان في بداياتها ونهاياتها ووسطها إلا ويبرز في واجهته اسم له معنى في تاريخ الجماعة ومغزى في مبناها على امتداد تاريخ البناء والتأسيس. تاريخ يلتمع في ناصيته اسم بارز هو اسم أحمد الملاخ رحمه الله وجزاه الله عنا خيرا.”[6]

ولذكر الله أكبر

يتذكر أعضاء الجماعة الأوائل الذين التحقوا بصفوفها في بداية الثمانينيات، رباطا وطنيا مركزيا، تم تنظيمه في مدينة مراكش سنة 1983م، وهو الرباط الثالث في تاريخ رباطات الجماعة، وقد كان شعار الرباط التربوي ﴿ولذكر الله أكبر﴾ حرصا على الطبيعة التربوية الإيمانية للرباطات الإيمانية التي كان يعقدها علماء المغرب تربية للأجيال وإعدادا لهم للجهاد في سبيل الله ضد المحتلين. فكان الرباط بمثابة محطة يعتكف فيها المرابطون على ذكر الله تعالى وقراءة القرآن وحفظه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيام الليل ومدارسة السيرة النبوية وسير الصحابة رضي الله عنهم. 

وأمير هذا الرباط، والذي يسمى في أدبيات الجماعة بـ”خادم الرابط”[7] كان هو سيدي أحمد الملاخ رحمه الله، الذي أشرف على تسيير وتيسير فقراته من افتتاحه إلى اختتامه،‫ وحصل أن  وصل خبر اعتقال الأستاذ المصحوب عبد السلام ياسين رحمه الله في الرباط بسبب مقال “قول وفعل” كان قد نشر في العدد العاشر من مجلة الجماعة، غير أن الحاج الملاخ الذي يعرف أهمية التربية الإيمانية وقيمة المجالس القرآنية استأنف أشغال الرباط إلى آخره.

أتمَّ الناس رباطهم التربوي بالدعاء والتضرع والتواصي بالحق وبالصبر وبالمرحمة. وكان عطاء الله وفضله على عباده المرابطين الذاكرين الصوامين القوامين المتضرعين كبيرا وكثيرا، فازدادت القلوب إقبالا وشوقا ومحبة وتحابا في الله واجتهادا في طاعته وذكره وحسن عبادته.

ونسأل الله تعالى أن يجدد رحمته على الأستاذ أحمد الملاخ وأن يجزل له العطاء في مقعد الصدق عنده، ورحم الله صاحبيه الأستاذ عبد السلام ياسين والأستاذ محمد العلوي. وبارك الله دعوتهم وحفظها من الأذى. وتحية عالية لأبطال غزة بعد‏ 466 يوما من الصمود والتضحيات الجسام سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم … يا أبطال ويا أحرار العالم..

والحمد لله رب العالمين

15 يناير 2025


[1] – هو أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبو بكر الجزولي السملالي الحسني (ت 1465م)

[2] – انظر: أحمد الفراك، صناعة الحرية، منشورات الناشر الأطلسي، الدار البيضاء، ط 3، 2022م، ص 22

[3] – انظر: شريط فيديو بعنوان “سيرة الرجال”، مسجل بتاريخ (6 غشت 2004م) ومنشور في قناة عبد السلام ياسين الإلكترونية على يوتيوب، يوم 10 نونبر 2017م، وشوهد في 7 ماي 2020م، ابتداء من الدقيقة 50.

[4]– ياسين، عبد السلام. حوار شامل، حاوره: منير ركراكي وعبد الكريم العلمي، دار العدل والإحسان للنشر، أمريكا (JSPublishing- New Britain, PA, USA)، ط1، 2014م، ص 15

[5]– لقبٌ كان يطلقه فقراء الزاوية على الأستاذ بسبب ما كان يقدمه من نُصح دائم باتباع الشريعة المحمدية، انظر: الملاخ، أحمد. شريط “ذاكرة الجماعة: الرجال والتأسيس 1965-1983″، منشور في يوتوببتاريخ 13 ماي 2009م، وشوهد في 20 ماي 2020م.

[6] – كلمة في الصحبة أُلقيت ونُشرت بمناسبة وفاة الأستاذ سيدي أحمد الملاخ رحمه الله. انظر الرابط (https://linksshortcut.com/qlZgb)

[7] – انظر: أكورار، إبراهيم. سيدي أحمد الملاخ خادم الرباط الحكيم، في موقع (yassine.net)، منشور بتاريخ 15 يناير 2018، انظر الرابط  https://linksshortcut.com/joWrm

أضف تعليقك (1 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد