post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

قال الراغب الأصفهاني في &#8220;مفردات ألفاظ القرآن الكريم&#8221;: ( البِرُّ، التوسُّع في فعل الخير )<a href="#_ftn1" id="_ftnref1">[1]</a>. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وحُسْنُ الخُلُقِ )<a href="#_ftn2" id="_ftnref2">[2]</a>.



ما يجمع هاتين الخَصلتين، بل ما يجعلهما شيئا واحدا &#8211; كما جاء في الحديث: ( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ )<a href="#_ftn3" id="_ftnref3">[3]</a> -، هو هذه &#8220;السَّعة&#8221; التي تحتوي أصنافَ الطاعات على اختلافها، وقلوبَ الناس على تمايُزها. وكأنها سَعةٌ مُشتقة من صفة الرحمن الرحيم الذي قال عن نفسه : ﴿۞ وَرَحْمَتِے وَسِعَتْ كُلَّ شَےْءٖۖ&nbsp;﴾<a href="#_ftn4" id="_ftnref4">[4]</a>.&nbsp; لذلك أمر الله تعالى بالإحسان إلى الكفرة المسالمين فقال سبحانه: ﴿ لَّا يَنْه۪يٰكُمُ اُ۬للَّهُ عَنِ اِ۬لذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيٰ۪رِكُمُۥٓ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُقْسِطِينَۖ ﴾<a href="#_ftn5" id="_ftnref5">[5]</a>، وندب النبي صلى الله عليه وسلم أسماءَ بنت أبي بكر رضي الله عنهما إلى صِلة أمها المشركة، كما قال تعالى: ﴿ وَإِن جَٰهَدَٰكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِے مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٞ فَلَا تُطِعْهُمَاۖ وَصَاحِبْهُمَا فِے اِ۬لدُّنْي۪ا مَعْرُوفاٗۖ&nbsp;﴾<a href="#_ftn6" id="_ftnref6">[6]</a>.



أما شمول البر لجميع أبواب التقرب إلى الله، فلا أدلَّ عليه من الآية التي قال عنها الإمام ابن كثير رحمه الله: ( فَإِنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي عُرَى الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِ الْخَيْرِ كُلِّهِ )<a href="#_ftn7" id="_ftnref7">[7]</a>.



وهي قوله تعالى: ﴿۞ لَّيْسَ اَ۬لْبِرُّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ اَ۬لْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنِ اِ۬لْبِرُّ مَنَ اٰمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ وَالْمَلَٰٓئِكَةِ وَالْكِتَٰبِ وَالنَّبِيٓـِٕۧنَ وَءَاتَي اَ۬لْمَالَ عَلَيٰ حُبِّهِۦ ذَوِے اِ۬لْقُرْب۪ىٰ وَالْيَتَٰم۪ىٰ وَالْمَسَٰكِينَ وَابْنَ اَ۬لسَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِے اِ۬لرِّقَابِ وَأَقَامَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتَى اَ۬لزَّكَوٰةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمُۥٓ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَالصَّٰبِرِينَ فِے اِ۬لْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ وَحِينَ اَ۬لْبَأْسِۖ أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُتَّقُونَۖ ﴾<a href="#_ftn8" id="_ftnref8">[8]</a>.



يخلُص الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله من هذه الآية إلى ( أن البرَ مخالقَةُ طوائف الناس من ذوي القربى والمحتاجين بأخلاق البذل والإكرام ببواعث الإيمان والإحسان وفضائل الصدق والتقوى. البر سلوك متماسك، أخلاقي ديني اقتصادي اجتماعي، في البأساء والضراء وحين البأس، باعثُهُ الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين. البر تخلص من الشح بإيتاء المال، رغم حب المال تلك المحبة الهامشية التي تبقى عالقة بجوانب نفس المؤمن، لا تتلاشى وتضمحل إلا في نفس المحسنين الذين سكن حب الله والتوكل على الله كيانهم حتى لم يعد فيها مكان لحب غَيره )<a href="#_ftn9" id="_ftnref9">[9]</a>.



على &#8220;مجامع الخير&#8221; هذه أمرنا الله تعالى بالتعاون والتناجي، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَي اَ۬لْبِرِّ وَالتَّقْو۪ىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى اَ۬لِاثْمِ وَالْعُدْوَٰنِۖ ﴾<a href="#_ftn10" id="_ftnref10">[10]</a>، وقال: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَٰجَوْاْ بِالِاثْمِ وَالْعُدْوَٰنِ وَمَعْصِيَتِ اِ۬لرَّسُولِ وَتَنَٰجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْو۪ىٰۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِےٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَۖ ﴾<a href="#_ftn11" id="_ftnref11">[11]</a>.



حسن الخلق الذي يكون باعثُه حب الله ورسوله، وعراه الحبُّ في الله والبغض فيه، وسَنَدُه مجالسةُ أهل الخير والصلاح وتعظيمهم، ومثالُه سلوكُ صاحب الخلق العظيم، وعنوانُه الخيرية في الأهل والولد، وأساسُه البر بالوالدين والرحم والصديق، وتَمَظهرُه في إكرام الجار والضيف، وميدانُه حقوق الناس رعاية وإصلاحا، هو &#8220;جِماع&#8221; شُعَب &#8220;الصحبة والجماعة&#8221;.



لذلك عظَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أيَّما تعظيم، فهو أثقل ما يكون في ميزان المؤمن، وأكثر ما يُدخِل الناسَ الجنة، وبه يُدرِك صاحبُه درجةَ الصائم القائم. وهو أفضل ما يُعطى من الفضائل، وبه ينال المؤمن كمال الإيمان.



وأعظم من ذلك كلِّه حصولُ المحبوبية والقرب في الدنيا والآخرة. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا )<a href="#_ftn12" id="_ftnref12">[12]</a>. وسئل عليه والصلاة والسلام: فَمَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: ( أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا )<a href="#_ftn13" id="_ftnref13">[13]</a>.



وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين التقوى وحسن الخلق في العديد من المواطن ليفقه المؤمن والمؤمنة أن اشتغال الجوارح بالعبادة، ذكرا وصلاة وصياما، لا يتقدم بهما خطوة في السلوك إذا لم يُجَمِّل ذلك الإقبالَ قلبٌ يحنو على الضعيف، ويرحم المبتلى، ويدٌ تُرَبِّت على اليتيم، وتُطعِم المسكين، ولسانٌ يُلين الكلامَ، ويدعو للمكروب، ووجهٌ طَلْقٌ يتصدق بالابتسامة، ويهجم بالبشاشة.



فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )<a href="#_ftn14" id="_ftnref14">[14]</a>.&nbsp;



وأوصى معاذا لما أراد سفرا فقال: ( اسْتَقِمْ ولْيَحْسُنْ خُلُقُكَ )<a href="#_ftn15" id="_ftnref15">[15]</a>.



بل وجعله معيارا في ميزان اختيار الزوج الصالح، فقال: ( إذا جاءكُم من&nbsp;ترضونَ&nbsp;دينَهُ&nbsp;وخلُقهُ فأنْكحوهُ )<a href="#_ftn16" id="_ftnref16">[16]</a>.



بالبر وحسن الخلق ألَّف الله تعالى بين قلوب المهاجرين والأنصار، وبهما تَأَلَّفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قلوبَ حديثي العهد بالإسلام ليثبتوا عليه، وبهما دخل الناس في دين الله أفواجا في شتى البلدان والأمصار.



يقول الدكتور حسين مؤنس: ( لقد سلك الإسلام في انتشاره في الأرض مسالك شتى، ودخل إلى القلوب من مداخل كثيرة. فما كانت الفتوح إلا إحدى وسائل المسلمين لفتح الطريق أمام الدين ليدخل إلى القلوب. فأما المدخل الأكبر، فكانت الكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة، يحملها المسلم المؤمن إلى غير المؤمن، ويبين له فضائل الإسلام، وما يفتح لمعتنقه من أبواب الخير والأمل، واطمئنان النفس، فيستجيب الرجل للإسلام، ويدخل فيه عن طيب نفس، وعن أمل في عظيم رحمة الله وثوابه العريض )<a href="#_ftn17" id="_ftnref17">[17]</a>.



قال شاعر الزهد والحكمة أبو العتاهية رحمه الله:



لا تَمشِ في الناسِ إِلّا رَحمَةً لَهُمُ****وَلا تُعامِلهُم إِلّا بِإِنصافِ



وَاقطَع قُوى كُلِّ حِقدٍ أَنتَ مُضمِرهُ****إِن زَلَّ ذو زَلَّةٍ أَو إِن هَفا هافِ



وَارغَب بِنَفسِكَ عَمّا لا صَلاحَ لَهُ****وَأَوسِعِ الناسَ مِن بِرٍّ وَإِلطافِ



وَإِن يَكُن أَحَدٌ أَولاكَ صالِحَةً****فَكافِهِ فَوقَ ما أَولى بِأَضعافِ



وَلا تُكَشِّف مُسيئاً عَن إِساءَتِهِ****وَصِل حِبالَ أَخيكَ القاطِعِ الجافي



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="#_ftnref1" id="_ftn1">[1]</a> &nbsp;الأصفهاني، الراغب، مفردات ألفاظ القرآن الكريم، دار القلم دمشق، الدار الشامية بيروت، ط4، 1430/2009، ص: 114.



<a href="#_ftnref2" id="_ftn2">[2]</a> &nbsp;أخرجه البزار رحمه الله.



<a href="#_ftnref3" id="_ftn3">[3]</a> &nbsp;رواه مسلم رحمه الله.



<a href="#_ftnref4" id="_ftn4">[4]</a> &nbsp;سورة الأعراف: 156.



<a href="#_ftnref5" id="_ftn5"></a>&nbsp;[5] سورة الممتحنة: 8.



<a href="#_ftnref6" id="_ftn6"></a>&nbsp;[6] سورة لقمان: 14.



<a href="#_ftnref7" id="_ftn7">[7]</a> &nbsp;ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، ج1، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، 1420/1999، ص: 486.



<a href="#_ftnref8" id="_ftn8">[8]</a> سورة البقرة: 176.



<a href="#_ftnref9" id="_ftn9">[9]</a> ياسين، عبد السلام. الإحسان، ج1، مطبوعات الأفق، المغرب، الطبعة الأولى1998، ص463-464.



<a href="#_ftnref10" id="_ftn10">[10]</a> سورة المائدة&nbsp;: 3.



<a href="#_ftnref11" id="_ftn11">[11]</a> سورة المجادلة&nbsp;: 9.



<a href="#_ftnref12" id="_ftn12">[12]</a> &nbsp;رواه الترمذي رحمه الله.



<a href="#_ftnref13" id="_ftn13">[13]</a> &nbsp;رواه الطبراني في &#8220;الكبير&#8221;، والحاكم رحمهما الله.



<a href="#_ftnref14" id="_ftn14">[14]</a> &nbsp;رواه الترمذي وأحمد رحمها الله.



<a href="#_ftnref15" id="_ftn15">[15]</a> &nbsp;رواه ابن حبان رحمه الله.



<a href="#_ftnref16" id="_ftn16">[16]</a> &nbsp;رواه الترمذي والبيهقي رحمهما الله.



<a href="#_ftnref17" id="_ftn17">[17]</a> &nbsp;مؤنس، حسين، الإسلام الفاتح، سلسلة دعوة الحق الصادرة عن رابطة العالم الإسلامي، العدد الرابع، رجب1401هـ، ص10.

التزكية والدعوة

البر وحسن الخلق

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

البر وحسن الخلق

رعاية حقوق المسلمين والإصلاح بين الناس

إكرام الجار والضيف

القوامة والحافظية

الزواج بآدابه الإسلامية وحقوقه

الإحسان إلى الوالدين وذوي الرحم والصديق

مقالات ذات صلة