الحب في الله ..غرس وإثمار:
واعلم أن “أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله” كما روى الطبراني عن عبد الله بن عباس مرفوعا. واعلم أن “أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله” كما أخرج أبو داود عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وبهذا الاعتبار يكون حب المؤمنين وبُغض الأعداء في الله عملا بوسعك أن تكسبه وتَتَسبَّب في حصوله. فما لأحد عند الله عُذر أن يقول: ما رزقت شيئا! ويهرب في دهاليز العقيدة الجبرية والعياذ بالله.
ولكون الحب في الله كسبًا للعباد بوجه من الوجوه، جاء الحث عليه في الكتاب والسنة، واستُحِب للرجل إذا أحب أخاه أن يخبره ليكون ذلك مدعاة لمزيد من التعاطف والتواد، واستُحِب أيضا أن يقتصد بَعضنا في حب بعض لكيلا تحجبنا ألفة بعضنا بعضا عن حب الله ورسوله. يكون حب الله في صميم صميم قلوبنا، ويغشى حبُّ رسول الله تلك الشِّغاف، وتَستَظْهر النفوس حبَّ بعضنا بعضا مما يلي القلب، ومما يلي جانب المواساة والتعاون الفعلي، والبذل والعطاء، والخدمة والرعاية، والتعاون على البر والتقوى، والتواصل والتزاور والتجالس والتراص في صف الجهاد، والانتداب للمشاركة في أعمال البناء الجماعي تربية وتنظيما وزحفا، وحملا لأعباء الدعوة والدولة، وتبليغا لرسالة الرحمة والمحبة للعالمين.
لا تحسب أن الحب في الله المقبول عند الله، الذي يتقرب به إلى الله استراحة وتبادُل وُدّي للعواطف في مجالس الرخاوة والبطالة، بل لِلْحُبِّ في الله مُقتضيات وواجبات أدناها إماطة الأذى عن طريق من تحبهم في الله، وأعلاها مواجهة الـمُبْغَضين في الله في صف الأحباب في الله حتى الاستشهاد. ولكل مرتبة من مراتب العاصين لله، والجاهلين بالله، والـمُحادّين لله، والضالّين عن سبيل الله، المستكبرين في أرض الله، نوعٌ ودرجة من إبغاضك، ونوع ودرجة من مقاومتك ومحاربتك. وما سَواءٌ ما يطلبه منك الشرع والحكمة في حق المبتدعين الجهلة، والعاتين الظلمة، والكافرين العادين على الناس. للحب في الله والبغض في الله ميزان في القلوب خفي، لكنَّ لهما في ظاهر تصرُّفِ الفردِ والجماعة معاييرَ شرعيَّة وحدوداً، لكيلا تستحيل المسألة إلى عاطفية عائمة فوضوية. الإحسان، ج 1، ص 191-192.
أضف تعليقك (0 )