يتحدث المتحدث عن معرفة الله تعالى، ومقامات القرب منه عز وجل، ويقتبس من كلام أهل الله وينتخل، ويبحث ويجمع الدرر والجواهر من كلامهم، وإذا أوتي فصاحة اللسان وذلاقته، وجمال المظهر ووسامة الوجه، أبهر وأدهش، وقد يتعلق الناس به تعلقا يفضي بهم إلى الولع بكلامه دون أن يخطو بهم خطوة إلى ربهم. فهل انتهت الدلالة على الله تعالى في هذا المستوى من الكلام والانتشاء أم إنها شيء آخر؟ وما هي الدلالة على الله تعالى الجامعة لأمر الدين؟ وهل السلوك إلى الله تعالى يستقيم دون الاهتمام بأمر المسلمين؟ وهل يمكن أن يدل على الله تعالى من يعيش تحت إبط الطاغوت مقدما الولاء غير المشروط له؟
كانت تلك جاهلية في روحها، وهذه اليوم نفس الروح تهيمن على العالم باسم الحضارة والتقدم. وكانت قومة الرسول صلى الله عليه وسلم قومة واحدة لم يعالج جانبا من جوانب الفساد ولم يتوجه فيها لقبيلة دون قبيلة. كانت دعوته شاملة عامة. كانت قومة الحق ضد الباطل. وأتى الأمر من أساسه حين كانت لا إله إلا الله رمز دعوته ومعناها وبرنامجها.
إن تَوَلِّي رسول الله ﷺ، والصلاة عليه الدائمة، وحب آل البيت المطهرين، وتولي صحابته، لَمِمَّا يقرب المسافات للمريد الطالب. واختلف العلماء فيمن هم أهل بيته الذين جاءت في محبتهم وموالاتهم أحاديث صحيحة تذكرنا الله وتناشدنا الله فيهم وفي القرآن. فمن قائل إنهم الآل الذين تحرم عليهم الصدقة من بني هاشم. ومن قائل إنهم ذريته وأزواجه. ومن قائل إنهم أمته عامة. ومن قائل إنهم أتقياء أمته خاصة. وحديث الترمذي يخصص عليا وفاطمة والسبطين الكريمين الحسن والحسين.
الإيمان بالآخرة ركنٌ من أركان الإيمان، ولا يصحُّ إسلامٌ ولا إيمانٌ ولا دينٌ بلا اعتقاد بعالم الآخرة؛ أي الحياة التي تأتي بعد الموت، وهي دار الجزاء والخُلود، في مقابل دار الدنيا التي هي دار العبور والابتلاء، وقد وردت كلمة “آخرة” في القرآن الكريم 115 مرة، وتنوعت سياقات ذكرها في القرآن الكريم، أغلبها في مسألة الدعوة إلى الإيمان بالآخرة، وتفضيلها على الحياة الدنيا، وفي دعوة المؤمنين والمؤمنات ليكون همّهم الدار الآخرة ولقاء الله تعالى، دون أن ينسوا نصيبهم من الدنيا سعيا واجتهادا وبذلا وبناء، وفي التحذير من نسيان الموت وتسويف العمل للآخرة، ومن التعلُّق بالدنيا والاطمئنان بمُتعها. إنها الدار الآخرة، ولئن كانت من أخوة نافعة ودائمة للناس فهي أخوة الآخرة.
فإن ذهبت إلى ندي الناس، وسوق الناس، ومجمعات الأقوام أنادي بإسلام هو في قلبي خرق ومزق فمن يسمع مني. أنادي إلى الصلح مع الله وحبل إيماني خلق. أنادي إلى التوبة إليه وأنا سادر!
يا أهل السوق! هذه أمة مسلمة إسلامية طبقت «الحل الإسلامي» فتعالوا يا عطشى إلى الري، تعالوا إلى الامتلاء يا غرثى، تعالوا إلى الشبع يا جياع الروح ومفتوني الدنيا.
امتاز الصحابة رضي الله عنهم بتعلقهم الشديد بشخص الرسول ﷺ. لم يكن عندهم ولا عند كل تقي أوّاهٍ من هذه الأمة مجرد مبلغ أدى رسالته ومضى، بل كان رسول الله. كان الشخص الذي اصطفاه الله. القرآن رسالته والبيان بيانه. تسمو بهم المحبة العميقة للشخص المكرم عند الله، ويسمو بهم القرآن، ويرفعهم البيان إلى ذُرى الإحسان. السلوك القلبي منجذب بمغناطيسية الروح الشريفة، والعقل يتغذى بالآيات البينات، والجوارح تنضبط بأوامر الشارع الحاضر بين ظهراني
خاطب القرآن الكريم الأميين المستجيبين للداعي خطابا قويا في هذا الأمر. خاطب الإنسان من حيث إنسانيته، خاطبه من حيث فطرته ومخلوقيته. ولا يزال يخاطبه. الفرق بين الأميين الأولين وبين الناس أجمعين إلى يوم القيامة يتمثل في كون أولئك كانوا عارين أو شبه عارين عن العوائق الخارجية الحضارية التي تشوش على السمع، بينما الإنسان في عصر كعصرنا مكتظ الآفاق الحسية والعقلية بطفيليات صنعه وفلسفته وشغله وثروته وغناه وبؤسه وفاقته التي يلهبها منظر المترفين وآلات ترفهم.
يفلح من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أحبه، ومن صحب من صحب، ومن أحب من أحب، ومن رأى، ومن رأى من رأى. والخير في الأمة إلى يوم القيامة. روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي على الناس زمان يغزو فيه فِئَامٌ (جماعة) من الناس، فيقولون: هل فيكم مَنْ صاحَب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيُفتَح لهم. ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فِئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فِئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم».
لا مناص لنا من أن ننهَج في العالم من حولنا مع الاحتفاظ بمعنانا وقيمنا وديننا. الحفاظ على ديننا رأس الأمر كله. العالم من حولنا هو مجالنا الحيوي، هو بحر الابتلاء الإلهي للعباد: فيه القوى المناهضة والمنافسة والمعارضة والمعادية والكائدة. توجيه كتاب ربنا وسنة نبينا للمُبحرين في لُجَج الخِضَمّ العالمي أن نعطي كل ذي حق حقه […]
قال مالك: «ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي ﷺ فيُنظَر إلى لونه كأنه نَزَفَ منه الدم، وقد جفَّ لسانه في فمه هيبة لرسول الله ﷺ. ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكر عنده النبي ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. ولقد رأيت الزُّهري، وكان لَمِنْ أهْنَإ الناس وأقربِهم، فإذا ذكر عنده النبي ﷺ فكأنه ما عرفَك ولا عرفته. ولقد كنت آتي صفوان بن سُلَيم، وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي ﷺ بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه».
أما أعمال المؤمنين، فإن كانت شبيهة في إعطاء النتائج السببية في الدنيا مع أعمال الكفار، فإن لها بقاء أبديا على صورة ثواب وجزاء ونعيم. أعمال المؤمنين سعي مَرْضِيٌّ في الدنيا إن حسَّنَه الإتقان، مرضِيٌّ في الآخرة إن زكّاه الإيمان وزكتهُ النية.
مما يُقصد بــ”المجموع” في كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين تحصيل فضائل العلم والعمل من جميع شعب الإيمان، على خطى الصحابة الذين تشربوا من صحبة رسول الله ﷺ والذين معه رضي الله عنهم شُعب الإيمان وخصاله في مجموعها؛ إيمانا وعملا صالحا، تربية وجهادا، عبادة ومعاملة، حيث لا ينفصل النظر عن العمل، ولا القول عن الفعل، ولا التزكية عن المشاركة في هموم الأمة والإنسانية، ولا أعمال الدعوة عن خدمة الأسرة، ولا التبتل عن التسوق…
صلاتنا على الرسول الكريم على الله عز وجل تبلغه، ويبلغه سلامنا، كما جاء في الحديث. فلنتأدب مع إمام الأنبياء وخيرة الخلق ﷺ. وأول هذه الآداب تعظيمه في أنفسنا، ومحبته الموصولة بمحبة الله لا تنفك. ومن الآداب أن نهدي ثواب صلاتنا عليه لروحه الشريفة. ومنها أن نكثر من الصلاة عليه يوم الجمعة.
ولنحذر أن نبعد عن رحمة الله إن ذكر عندنا اسمه الحبيب فبخلنا عن الصلاة عليه، ومن هذا البخل الشنيع صاد بعضهم الصماء.
ويمكن اعتبار كل مسلم ليس له نصيب من معاني الهجرة والنصرة أعرابيا بالمعنى القرآني. قال القاضي ابن العربي رحمه الله: «فمن دخل في الهجرة أو ترسَّم بالنصرة فقد كمُل له شرف الصحبة. ومن بقي على رسمه الأول بقيَ عليه اسمه الأول، وهم الأعراب.(…) إن كل مسلم كان عليه فرضا أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكونَ معه حتى تتضاعف النُّصرة، وتنفسح الدَّوْحَة، وتحتمي البيْضةَ.(…) وكان من سار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صار مؤَهَّلاً لحمل الشريعة وتبليغها، متشرفا بما تقلد من عُهْدَتها. وكان من بقي في موضعه خائبا من هذا الحظ، منحطا عن هذه المرتبة».
الهجرة عن عادات الجاهلية هي برهان الصدق وهي الحركة السلبية للإرادة التي تعدل عن الموقع العادي إلى الوضع الشرعي الإسلامي، وقد كانت الهجرة حادثة في عهد الرسول الكريم تاريخية من دار الكفر مكة إلى محضن الإيمان يثرب. طرح الرسول وصحبه أموالهم وأهلهم ورحلوا بإيمانهم. وتبقى الهجرة حركة إرادية دائمة في حياة المؤمن يطرح دائما عنه الرجس ويعدل إلى الحق.
لا سبيل إلى بناء القوة الاقتحامية المؤهلةِ لمناجزَةِ الجـاهلية، القادرةِ على مطاولتها وحصارها وخنقها وطردها، وفي قلوبنا مَثْوىً لأم الفتن. نهض الرجل الأشقر الأزرق الطويل القامة في ألمانيا الإمارات المآت، وتوحد الجِرْمانُ على ثقافة ولغة وجنس وقوم. فانظر ما أججوا من حروب، وما اقترفوا من جرائم ضد الإنسانية. النازية زهرة القومية ونموذجها المتطرف. المتطرفُ حقا! أليست الحمية، حميةَ الجاهلية، عنفاً كلُّها وجهلا كلُّها؟