12 فبراير 1949 | ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا
يجدد الله للناس آياته فيبعث فيهم دعاة قائمين على الحق يتخذهم سبحانه حجة على خلقه، من هؤلاء الرجال في عصرنا الشيخ حسن البنا، رجل مر في سماء المسلمين مر القمر المنير، أضاء لقوم الطريق، وكان فتنة للمترفين والفاسقين، فحاربوه رضي الله عنه حتى قتلوه، وقد ظهر البنا في فترة عمية، الإسلام أنكره أهله، والثقافة الجاهلية سممت فكر الولدان المغرورين، فكان علما اهتدى به جيل كان ولا يزال جيل التضحية من أجل دين الله وجيل الكرامة والعزة بالشهادة لله.
نموذج الحياة الجماعية
وبما أن قيمة كل حضارة تتحدد انطلاقا من معاملاتها لضعفائها (الأطفال، المرضى، اليتامى، الفقراء، المسنون، المستضعفون)، فإن الإحصاءات ستكذبنا إن ادعينا حاليا تحقيق أي إنجاز في هذا المجال. لكن النموذج الإسلامي المبتغى والنداء الإلهي يرسمان لنا الأفق، ويدلان على الطريق الموصلة إلى حياة جماعية أفضل وأعدل في حق هذه الأصناف من الناس.
بين يدي “وعد الآخرة”
في القرآن الكريم ما يُلقي على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المزدوج بالعصيان والتحري من سفك الدماء ضَوْءاً خاصا يكشف جانب القوة وجانب المضاء وجانب الفعالية أكثر مما يعرض جوانب الانتظار والاعتذار. قال الله تعالى يخاطب أولئك المؤمنين وكل المؤمنين: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا
أحاديث نبوية في الرحمة والتراحم
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ».
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَرَاحَمُوا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا رَحِيمٌ. قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ، وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ الْعَامَّةِ».
جهاد محمد بن عبد الكريم الخطابي بعيون الإمام ياسين
في جانب المجاهدين كانت الهِمَّةُ والشجاعة والذكاء والمهارة. كان الإيمان، والإيمان وحده الباعث. وكان العقل المدبِّرُ أيضا، والمهارة المكتسبة. تفوقت الهمة والذكاء على الأنظمة العسكرية المأجورة. تفوق حبُّ الله وحب الشهادة في سبيل الله على حب المال والرُّتَب العسكرية. فكانت النتيجة ما شهد به السياسيون المعارضون في البرلمانات، وما يشهد به التاريخ. أستغفر الله العظيم. النتيجة نرجوها للشهداء حياة كريمة عند الله الحليم الكريم..حوار الماضي والمستقبل ص 58.
الاقتصاد في السلوك إلى الله
إن الاقتصاد في السلوك معناه السير الحثيثُ المتواصل بين طرفي الإفراط في الحماس الكاذب الذي يظهر على المبتدئين في السير ثم يخبو ويضمحِلُّ، وبين التراخي المالِّ الـمُمِلِّ الآئل إلى التوقف والفشل. هذان الطرفان المذمومان يُعَبِّرُ عنهما النطق النبوي بـ”الشِّرّة” و”الفَترة”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لكل شيء شِرَّةً، ولكل شيء فَتْرَةً. فإنْ صاحِبُها سدد وقارب فارجوه. وإن أشير إليه بالأصابع فلا تَعُدُّوه”. أخرجه الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه ابن حبان.
حياة المؤمنة.. بر وإصلاح
أرأيتِ أختَ الإيمان كيف ذكرت أعمال البر مباشرة بعد الإيمان القلبي بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين، وقبل الصلاة والزكاة؟ من صلت صلاتها وزكت فرضها فهي مؤدية لواجب عيني تحاسب عليه. أما من تبرعت بمالها وحنان قلبها على المحتاج من قريب ومسكين وسائل فقد أسْهمت في القيام بفرض كِفائيٍّ متعلق بذمّة الأمة، فارتفعت بذلك مرتبة عملها إلى أعلى. المصلية المزكية فرضَها ما عدَت أنْ بنَتْ أركان بيت إسلامها. أما المحسنة إلى الخلق المجاهدة بمالها وحنانها فهي تبني في صرح دين الأمة. بذلك كان لها الفضل. غرسة المرحمة في قلب المؤمنة يُعرف تغصينها وإزْهارها وإثمارها مما تشيعه حولها، الأقربَ فالأقرب، من أنواع البِر والإحسان والألطاف والأَرفَاقِ. ما بينها وبين ربها عز وجل لا سبيل إلى الاطلاع عليه، ونعرف المرحمة بآثارها. تصلح في الأرض حين يفسد فيها المفسدون. تبذر بذور الحب والرحمة في مجتمع الكراهية. تَتَفَرَّغُ لسماع شكوى المعاني. تنصَح المتخبطات في المشاكل وتشفع النصيحة بالبذل والعطاء والسعي لدَى من بيدهم مفاتِح المشاكل. تحوط برعايتها وعنايتها المنبوذات والمحرومات والملفوظين من أطفال البؤس. تشكر ربها على نعمه أن هداها للإيمان، فتتفجر ينابيع الخير في قلبها، تترجم الشكر والخير عطاء من مالها وحنانها ووقتها واهتمامها ووقوفها بجانب اليتيم، والمسكين، والمقهور، والأسرة المكسرة أو المهددة بكسر، تصلح ذات البين، وتأسو الجراح، وتحتضن النّوائب، وتَجْمع مع أخواتها العون المادي والعاطفي لرَأب الصَّدْع في البيوت، والتخفيف مما في البيوت من مآس وما في الشوارع من حُطام بشري.
القدس مسرى النبي ﷺ
يا قٌدْسُ يا مَحَطَّ مَسْرَى النبي….آلامنا والحُزْنُ لا تُوصَفُ
حَلَّ بِكَ المُغْتَصِبُونَ ذُرىً ….لَهِيَ مِنْ شُهْبِ السَّما أَشْرَفُ
بارَكَ القُدسُ وما حولَهُ ….عَظَّمَه السَّلَفُ والْخَلَفُ
شَهادَةٌ طَفِقْتُ أقْرَأُهَا….بآية يصونُها المُصْحَفُ
والعَيْنُ تَبْكِي والفُؤادُ انْكَوَى….لآهَةِ القُدْسِ بِنَا تَهْتِفُ
في ذكرى الإسراء والمعراج
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف وما لاقى من عنت وشدة على يد المشركين، ولا ولي إلا الله ولا ناصر بعد موت أبي طالب ووفاة أمنا خديجة رضي الله عنها، أحوج الناس إلى رحمة من الله تجدد اليقين وتثبت الأقدام وتدفع لجهاد مستأنف. فكانت المعجزة السماوية والرحلة الخارقة بلسم الرحمة وباعث اليقين.
تربية على الجهاد
قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد بعد أن ألهب في النفوس حب الله ورسوله، حبا يفدي الإسلام الغاليَ العزيز بكل ما يملكه إن بَخِلَ المالكون. بدأت سرايا الجهاد ببعثة حمزة بعد ستة أشهر من الهجرة. كان قوامها ثلاثون رجلا. ثم السرايا والغزوات حتى بلغ الجند المؤمن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا في غزوة بدر، ثم قُرَابَةَ ثلاثين ألفا في غزوة تبوك. بدأ الجهاد مناوشات مع وثنيي العرب، ثم مواجهةً مع الشرك والكفر والنفاق كافة في غزوة الخندق، ثم تفرُّغاً لليهود
القيم المحورية لنظام الحياة المادية الاجتماعية
وقد صنفت في خصلة “البذل” خمس شعب من شعب الإيمان جعلتها للنظر في الجانب المادي للحياة وفهم التربية اللازمة لكيلا يستوعب الجانب المادي رغبات المسلم في المجتمع الإسلامي، ولكيلا يُظلم في الأرض مستضعَف في رزقه، ولكي لا يؤول فقر الفقير به إلى الكفر، ولكيلا يُطغيَ الغنى الأغنياءَ، فيُترفوا في النِّعم ويعيثوا في الأرض فسادا.
الكـتيبة الخضراء
بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة بعد البعثة يعاني اضطهاد قومه. ما كان له ولأصحابه شوكة يحتمون بها، ولا نزل الإذنُ بقتال المشركين. إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل واحد من أصحابه يتمتع بالوضع الاجتماعي القائم الذي كان يقضي أن تدافعَ العشيرة عن بنيها. أحيانا كانت حماية العشيرة لا تكفي كما حدث بعد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هجرة الطائف حين التمس جِوار المطعم بن عديّ، فلم يدخل مكة إلا في جواره. ونقرأ على أي مدى تتحرك عصبية العشيرة في صالح الإسلام بالتضامن القوي الذي أظهره بنو هاشم حين قاطعتهم قريش في الشِّعْبِ.
ألا هبي رياح النصر فينا
ألا هُبِّي، رياح النصر، فينا….ولا تُبقي جموعَ المجرمينَا
أفي صُبْحِ الإفاقةِ من خُمُولٍ….وصَحْوٍ عَمَّ دارَ المسلمينَا
تمُاَطِلُ في القيام إلى جهادٍ….لتُصبحَ من خيار المؤمنينا؟
ومثلُكَ من تَقَدَّمَ فاعتَلاهَا….ذُرىً، تَخْطُو بِخَطْوِ المحسنينَا
وَريثَ الصالِحِينَ أَتَتْكَ بُشْرَى….بِنَهْجِ خلافةٍ، خَبراً يقينَا
أتَتْك زمانَ تصدُق في جهاد….وموعدُهُمْ صباحُ المنذَرينَا
فصلِّ على بشير الحقِّ منا….وآلٍ والصحابةِ أجْمعينَا
شرط نصر الله تعالى للمستضعفين
اء الأمر العزيز بإعداد القوة، وهو اتخاذ الأسباب المادية الاقتصادية العسكرية التسليحية التصنيعية، بعد الأمر الموَجّه لمؤمنين ثبت إيمانهم أن يثبتوا في الميدان، وأن يذكروا الله كثيرا لعلهم يفلحون، وأن يطيعوا الله ورسوله، وأن لا يتنازعوا فيفشَلوا، وأن يصبروا ليكونوا في مَعيّة الله.
الثبات في الميدان، والصبر فيه، حركة جماعية، وسكونٌ واثق عازم، وإقبال مقتحم. لا ينفك ذلك عن ذكر الله الكثير. لا ينفك الدين والتعلّق بالله عن الصمود أمام العدو. ولا ينفك الصمود عن طاعة الله ورسوله. ولا ينفك الصبر، وهو مظهر شجاعة وقوة، عن الالتحام بين أفراد جماعة لا يتنازعون، بل يتناصرون.
حسنة الدنيا وحسنة الآخرة
أما أعمال المؤمنين، فإن كانت شبيهة في إعطاء النتائج السببية في الدنيا مع أعمال الكفار، فإن لها بقاء أبديا على صورة ثواب وجزاء ونعيم. أعمال المؤمنين سعي مَرْضِيٌّ في الدنيا إن حسَّنَه الإتقان، مرضِيٌّ في الآخرة إن زكّاه الإيمان وزكتهُ النية.
«الاحتقلال»
كلمة «الاحتقلال» التي عَنْوَنَّا بها هذه الفقرة هي من صياغة البطلِ الريفي المجاهدِ محمد بن عبد الكريم الخطابي. كلمةٌ مركبة تركيباً مزْجيّاً من «الاحتلال» و«الاستقلال». فهي بتركيبتِها وغرابَتها تدل على شك الخطابي في حقيقة ما حصَّل عليه المغاربة المفاوضون في إكس لبان، وتَدلُّ على إنكار الخطابي لاستحواذ الحزب الوحيد -الفارضِ وحدانيتَه بالعنف الذي قرأناهُ-، وعنفه.