قضايا الأمة ومسألة التغيير
قضية المسلمين على المدى الطويل هي الوحدة والقوة وإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة كما كانت الخلافة الراشدة على أسس الشورى والعدل والإحسان. وعلى وقع خطوات التاريخ الذي يكوره مكور الليل على النهار ومكور النهار على الليل تتعرف إلينا سنة الله الرحيمة بنا من خلال الفجوات التي بين مصالح العملاقين، ومن خلال ضغوط المصالح والظروف السياسية لكل دولة وكل تحالف، ومن خلال الثقل المهول الذي تتحمله كل دول العالم، بل كل فرد فرد من بني الإنسان، أعني ثقل التهديد النووي لمصير الإنسانية. وتتعرف إلينا سنة الله الرحيم بنا آخر المطاف من خلال البلاء الواقع على المستضعفين في الأرض وعلى المسلمين خاصة من جراء المجاعات والنقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين. ويسمي لسان العصر هذا النقص “تخلفا”، لأن العصر ينظر بمنظار التحليل الغربي المادي الماهر في إدراك الأسباب وتسلسلها وقيامها وقعودها، الغافل عن مسبب الأسباب جلت عظمته.
كيف تجدد المؤمنة إيمانها؟
نحط رِحالنا بباب المعلم الوالد رسول الله صلى الله عليه وسلم وندخل مجلسه الكريم لنسمعه يحذر صحابته الأبرار قائلا: «إِنَّ الإيمانَ يخلَق في القلب كما يَخلَق الثوب. فجددوا إيمانكم». في رواية: «إن الإيمان لَيخلَق في جوف أحدكم كما يخلَق الثوب. فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم». رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك.
المؤمنة مشرفة مكلفة
في مقابل الوعد الإلهي الكريم، ولتستحق المؤمنة المراتب العالية في درجات الآخرة، عليها أن تُوَثِّقّ اختيارها بتوبة تامة تلزمُ نفسها بعدها بما التزمت به المسلمات الداخلات في الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: بايعنه بَيْعة فخَمةً مشهودة صارمة بما أخبر الله عز وجل به في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
دلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم
نزلت علينا دلالة الله في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، وتنزلت فينا دلالة رسول الله ﷺ حية بيننا، نموذجا شاهدا حاضرا، معلِّما هاديا رؤوفا رحِيماً صاحبا أسوة: «ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم؟». لم تَكن دلالة الرسول ﷺ ودلالة إخوانه من قبله من النبيئين مجردَ تبليغ، وإن كان التبليغ ركنا من أركان الدلالة، وإنما كانت مُعَايشةً وسياسة وتلَطُّفا وخفضَ جناحٍ وقيادةً آلت إلى اتباع وإيمان، ورفع الاتباع إلى محبة الشخص الرسول، ورفعت محبة الرسول إلى محبة الله، وأوجبت محبة الله عبده المتقرب بالفرض والنفل، ومن الفرض الآكد اتباع الرسول وحبه، مراتب الاصطفاء والفلاح.
العلماء العاملون
من سمات الربانية الجمع بين العلم والعمل. أما العمل الضروري فهو الذكر والعبادة يستوي فيهما الصوفية والعلماء العاملون. وتفردت كل طائفة بعمل خاص، يربي الصوفية القلوب ويهذبونها بينما يوجه العلماء العاملون العقولَ وينفون عنها الجهل. وكلا العملين جليلٌ، ولكل طائفة مشاركة: لا يخلو الصوفية من مجالس علمية، وللعلماء العاملين تأثير ضمني على النفوس والقلوب والأخلاق.
حداثة رأسمالية مسلحة
فرغم اعتراف الحداثة بلسان ذويها من الاجتماعيين أنها جرافة تخلي الطريق أمام التقدم، محت الثورة الصناعية من المشهد الاجتماعي التضامن الحرفي والضيافة القروية المسالمة. وهكذا، اضطر الريفي الذي كان يعيش عيشة الكفاف المطبوعة بالمودة الإنسانية إلى مغادرة حضن أرضه الدافئ قاصداً المدينة حيث يغذي صناعة جماعية شرهة إلى اليد العاملة. هكذا ألقي بملايين الأشخاص بين مخالب البؤس البارد المخيم على الضواحي الصناعية لتزدهر رأسمالية تدين بدين الربح، دين حل تدريجيا محل اللاهوت الثوري (كائن روبسبير الأعلى) الذي طرد الكنيسة.
حقوق المواطنة
لا أتحدث عن الحال التي آلت إليها المجتمعات الإسلامية وهي في أطوار التفكك الأسري، والعمران الصناعي المفتِّت للجوار، وانصباغ الأخلاق بصبغة النماذج الغازية. أتحدث عن مثال، وعن مطلب تحققه تربية مجدِّدة. أتحدث عن نظام مجتمعي مبني على دعائمَ أخلاقية إيمانية. دعائمَ لا تستقر على أرضية التظالم والبغي. وهنا يعود مطلبنا الشوري ليلتقي في شطر مهم مع المطلب الديمقراطي.
شوق الرسول ﷺ إلى إخوانه
أخبرنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن له في آخر الزمان إخوانا. فهي كلمة يهتز لها كل ذي لب وشأن. ويُرشح نفسه لها بالصدق الدائم والجهاد المستمر من رفع الله تعالى همته ليكون من الذين ﴿اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾. سورة المائدة، 95. هذا تحد لمستقبلك أخي.
المؤمنات واستكمال الإيمان
استكملت الإيمان من ذاقت طعم الإيمان يومَ أصبح الله ورسوله أحبّ إليها مما سواهما، ويوم أحبت المؤمنات لا تحبهن إلا لله، ويوم كرهت ماضيَ غفلتها أو تيهتها كما تكره أن تقذف في النار. قلبُها مُفْعم بالشكر لله الحنان المنان الذي أنقذها من خِضم الفتنة وأتاح لها سفينة النجاة.
لا يتساكَن الإيمان المكتمل، الإيمان الذي له طَعم وحلاوة ومذاق، في قلب المؤمن مع الحسابات الصغيرة والضغائن الحقيرة والإحساسات المريرة من حقد، وحسد، وأنانية، وحب رئاسة، وحرص على الدنيا وهوىً في متاعها الفاني كما يتمتع اللاهون العابثون بأعمارهم.
خطاب الروح الصليبي وبطشه
يمور العالم من حولنا ويفور في سرعة مجنونة وتواصل إعلامي يقلص الزمن ويقصر المسافات، وتضطرب الأرض ومن فيها بأفكار وعداوات وتحالفات وحروب وأسلحة تسوق أو تحضر. وعالم غني مستكبر، وآخر فقير منهوب. ومنافسة عاتية بين جبابرة الاقتصاد الرأسمالي. وصناعات وأموال وبضائع. وعلوم ومخترعات وكشوفات مذهلة ثورية. وتلوث الأرض والماء والهواء. وتصحر أراضي المستضعفين في الأرض. وقوانين دولية يصول بها المستكبرون على المستضعفين، ويتحكمون في قرارات الحرب والسلم، وفي توازنات العالم، ويبرمون أو ينقضون من فوق رؤوسنا أمور البشر على سطح الكرة/القرية التي نتساكن فيها مع بني الإنسان.
وراثة النبوة
يستحقون هذه الوراثة ويمكن الله لهم في الأرض إن هم طابقوا، وطابقت أعمالهم، وطابق إيمانهم، الوصفَ الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذا البلاغ الإلهي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}.2
السياسة التعليمية مفتاح المستقبل
كانت مطالبُ السياسة التعليمية تُسْمَعُ من خصميْن. أحدهُما وِجْهتُه الفرنكوفونية المنفتحة وحْدَها على العالم وعلى المستقبل. وثانيهما له طموحٌ قومي وعلى كاهله ميراثٌ وطنيٌّ ومسؤوليةٌ وطنية، فهو يتمناها منذ الاستقلال عربيةً تُعَمِّمُ التعليم، وتمحو الأمية، وتسلِّحُ العقولَ بالمعارف الضرورية العصرية. وهو يريدها مِنحةً من الدولة خالصةً مَجانية.
الدين والسياسة
لو كان ذلك الانكسار في فجر تاريخنا خبرا مضى وقبر لما كانت بنا حاجة لنبشه. اضطرمت نار الفتـنة وبقيت مشتعلة قرونا طويلة، لا تخبو إلا بمقدار ما تستعيد قابليتها للاشتعال. واليوم ينهض المسلمون في فجر تاريخ جديد، وفي كيانهم، ثقافة وذكرى ومذهبا، آثار ذلكم الضرام. فهل يُنسينا بأسُ الجاهلية علينا اليومَ ما كان بينـنا من بأس؟ وهل تعود الأمة فتلتحم على وَهَجِ الجهاد الحاضر والمستقبل كما تصدعت في نار الفتـنة؟ نرجو من الله عز وجل ذلك.
طريقة الشكر
يمر المريد من حيث نوعيةُ معاملتِه مع الله سبحانه بثلاث مراحل، قد يقف عند واحدة منها لا يتجاوزها، وقد تُطوَى له طيّاً كما يحدث للمراد الذي تحمله القدرة الإلهية على رَفْرَف العناية واللطف فلا يعرف مجاهدة ولا مراحل ولا غيرها إلا بعد الوصول، فيرجع وبصيرته نيرة ليستوفي آداب الطريق ويطَّلِعَ على معالم التوفيق.
كيف نتعلم من سنة الله في التاريخ؟
التاريخ عندنا مستمر من بعثة نوح عليه السلام إلى آخر ما نشاهد من تقلبات بني آدم في الأرض. قانون إلهي واحد لا يتخلف: تطغى القرى الظالم أهلها، ويُعجب الناسَ تقلبُهم في البلاد، ويبتلَوْنَ بزينة عابرة ونجاح مؤقت. ثم يأتي أمر الله صيحة أو خسفة أو حاصبا أو طوفانا. معنا في هذا العصر آليات فكرية «سوسيو-سياسية»، وفلسفية، وجيو-استراتيجية، وتحليلية نقدية، وما إلى ذلك من الطرح الاقتصادي الثقافي العَالميِّ الآن وقد أصبحت الأرض رُقعة أرض في قرية. وأعتذر للغة العربية عن إقحامات راطنة بلغة هجينة.
نظام جديد للعالم
مما فتحه العزيز العليم عليهم من فنون الابتلاء في هذا الطور التاريخي تسارُع الأحداثِ وجريانها بما لم يكن في حُسبان الحاسبين. فبعد نهاية القرن الرابع عشر الذي عرف الغزو الاستعماري، وعرف حربين كونيين، وعرف استقرار العالم على ازدواج المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، وعرف بزوغ الصحوة الإسلامية، وعرف حركات التحرر الوطني، ها هو القرن الخامس عشـر يدُق طبولَ النصـر على رأس الرأسمالية المنتصرة في موكب أحداث تحمل بشائر تغيُّرٍ حثيث واسع هي في آخر المطاف بشائر النصر للإسلام. إن شاء الله العلي العظيم.
















