post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الإسلام جامعٌ مُوَحِّدٌ للمسلمين على معرفة الخالق المحيي المميت الباعث الديان سبحانه، وعلى طاعته. ومظاهر الفُرقة بين بني آدم ترجع إلى سبب عميق كامن تحت تصادم المصالح الاقتصادية والنزاعات السياسية والتنافسات القومية: هذا السبب هو جفاف القلوب من الرحمَةِ، وهي الرحِمُ الجامعة. نجد هذا السبب مطروحا واضحا إن قرأنا آيات الله عز وجل في القرآن وآياته في الكون وسنته في التاريخ قراءة ثُنائية قدَرية شرعيَّةً. القراءة التاريخية تشتغل بالنـزاعات في عالم الأسباب لا تتفتح عين قلبها لتُميّزَ مراتِب الـمُدْرَكَـات من آيات الله في الكون يقابِلُها ويكشف أسرارها آياتُه سبحـانه الشرعية الأمرية المنـزّلَة على رسله عليهم السلام. وإذاً فلا يكون القرآن دليلَ عمل لمن يقرأ هكذا. قال الله عز وجل: ﴿ لَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم ﴾1. إرادتُه سبحانه الكونيةُ غيرُ أمره الشرعي التكليفي. أمره الشرعي أن يكون الناس أمة واحدة موحدة على الإسلام الذي جاء به الرسل عليهم السلام. وقدره سبحانه الكوني أن لا يكونوا أمة واحدة، وأن يختلفوا ويتقطعوا زُبراً بما كسبت أيديهم وبما حادوا عن الفطرة وعَصَوْا ربهم. قال تعالى:﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾2، المشيئة القدرية أن يكون من الناس مؤمنون مطيعون، مخبتون لله رب العالمين، متوحدون على عقيدة الرسل المذكرين الجامعة. وأن يكون مخالفون مختلفون متقطعون زبرا. المتقطعون أخطأوا مَصَبَّ الرحمة، ولذلك خلقهم. وخلق الرحمن الرحيم الأمة الواحدة المستجيبة المطيعة لخلاف ذلك. والتكليف واحد، والعباد منهم سامع وأصَـمّ، مسلم وكافر، مطيع وعاص. تلك حكمته تعالى فيما خلق وقدّر وأمر. الإيمان بالقَدَر إيمانا لا يُخل بتحمُّل التكليف ولا يشُل فاعلية الـمُكلَّف ولا يعطل مسؤوليته هو عقيدتنا السليمة التي لا غِنى لنا عن استحضارها ونحن في غمار التاريخ. هي ذكر الله عز وجل وسط المعركة، فإن فكَّرْنا لوحدة المسلمين، وعملنا لها، وتوسطنا عالَم المتناقضات السببية غافلين عن معنى الكون والخلق والخلاف والكسب والقدر كنا من جملة الزُّبُر المتقطعـة ليس لها من عمق العقيدة والوعي ببلاء الله ما يمسكها وما يعطيها ميـزة الأمة الشاهدة الحاملة للرسالة المبلغة عن رب العالمين. جل وعلا. ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾1. قال قتادة عن المرحومين المقصودين في هذه الآية: «هم أهل رحمة الله، أهلُ الجماعة وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم. وأهلُ معصيته أهلُ فُرْقة وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم». الجماعة من التفرق رحمة من الله عز وجل وقدَر مقدر. وهي في حقنا معشـرَ المكلفين أمرٌ شرعيٌّ، إسلامُنا مَخرومٌ حتى يلتئم شملُنا ونكونَ أمة واحدة. الجماعة في حقنا مطلَبٌ شرعي ومكسَب يجب أن نشمر لتحقيقه ونجاهد ونخوض معارك مع القُوى المعاكسة المادية الخارجية والنفسية الذاتية والعدوة المعترضة. قال الله جلت عظمته يخاطب المؤمنين: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللِه جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾2 روى الإمام الطبري رحمه الله بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض». التمسك بهذا الحبل القرآني عِصمة من التقطع. ممدود من سماء الوحي إلى أرض الواقع، يمنع المجاهدين المعتركين سمُوُّ مَحتِدِه من السقوط. ممدود بالذكر الحكيم والتذكير من مولد الفطرة ومنشإها إلى فروعها، يمنع هذا الامتداد الفطري عن التسيُّب في «أصالة» قومية عرقية أو «معارضة» إيديولوجية يلتمس عندهما المتقطعون جامعا يلُمُّ شَعَثَهم. الأسباب التي فرقت هذه الأمة شيعا وقطعتها زُبراً ترجع إلى إفلات حبل الفطرة من يد المسلمين، وإلى ارتخاء أيديهم عن عروة القرآن. ولا بد أن نُجمل أسباب الفرقة ونحن على أبواب البحث عن الوحدة والعقيدة التوحيدية، لنقابِل الصلاح بالفساد وعوامل القوة والجمع بعوامل الضعف والتقطع. ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة المسلمين على الأخوة، وألَّف الله عز وجل بين قلوبهم رحمة منه جُلَّى. ثم سار المسلمون على منهاج النبوة مع الخلافة الراشدة. ثم انتقضت العروة العليا من عُرا الإسلام، وهي عروة الحكم، بالانقضاض الأموي… تابع القراءة في: عبد السلام ياسين، 



<a href="https://siraj.net/ar/books/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84:-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85/pages/237">العدل، الإسلاميون والحكم، ص: 236-239.</a>

قضايا الأمة

الرحم الجامعة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

تربية مستقبلية

هذه العلوم الكونية

الرحم الجامعة

الولد الصالح

مأْخذنا الجوهري على الديمقراطية

بذكر الحبيب المصطفى الكونُ يعْبَقُ