
قضية المسلمين على المدى الطويل هي الوحدة والقوة وإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة كما كانت الخلافة الراشدة على أسس الشورى والعدل والإحسان. وعلى وقع خطوات التاريخ الذي يكوره مكور الليل على النهار ومكور النهار على الليل تتعرف إلينا سنة الله الرحيمة بنا من خلال الفجوات التي بين مصالح العملاقين، ومن خلال ضغوط المصالح والظروف السياسية لكل دولة وكل تحالف، ومن خلال الثقل المهول الذي تتحمله كل دول العالم، بل كل فرد فرد من بني الإنسان، أعني ثقل التهديد النووي لمصير الإنسانية. وتتعرف إلينا سنة الله الرحيم بنا آخر المطاف من خلال البلاء الواقع على المستضعفين في الأرض وعلى المسلمين خاصة من جراء المجاعات والنقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين. ويسمي لسان العصر هذا النقص “تخلفا”، لأن العصر ينظر بمنظار التحليل الغربي المادي الماهر في إدراك الأسباب وتسلسلها وقيامها وقعودها، الغافل عن مسبب الأسباب جلت عظمته.
أطلق بعضهم اسم «الدائرة الصماء» على حَلْقةٍ من الدكاترة الجامعيين والكتاب الأدباء والصحفيين كانوا طليعة أنصار التغريب في مصر، مثل النصراني شبلي الشميل والنصراني سلامة موسى وزعيم القوم أحمد لطفي السيد وطه حسين وعلي عبد الرازق ومحمد حسنين هيكل ومنصور فهمي ومحمود عزمي وإسماعيل مظهر. طائفة من الشباب أُرْسِلوا إلى فرنسا وإنجلترا، فدرسوا في جامعاتها ردحا من الزمن ورجعوا مزهُوِّين بدبلوماتهم، أفندية يتيهون على أبناء الفلاحين الأزهريين، ويُشيدون بالحضارة البراقة التي احتضنت مُراهَقَتَهُم الشبابية ومراهقتهم الفكرية، ثم أرسلتهم دعاة مخلصين متعصبين للفكر الغربي والنمط الغربي للحياة.
ويفرح المؤمنون بنصر الله، ويكبرونه سبحانه، ويحمدونه على أن أظهر لنا وللعالم أن في الإسلام بقية بعد أن كان الجميع يظنون أن الإسلام قد أُنْهك واسْتُؤْصل، وأن ركب الحضارة الغربية قد انخرطت فيه الإنسانية كلها، وأن الكلمة كلمة الحضارة والصناعة وميزان القوى، وأن لا مكان تحت الشمس لهوية لا تنتمي إلى قيم الحضارة المادية العالية اللواء بمنتوجاتها، واختراعاتها، وطموحاتها إلى الفضاء، ورسوخ قدمها في الأرض.
في البداية كان المسجد الأقصى، ولا نهاية للمشكل بدون استرجاعه، كل شيء استبيح يوم تسلل الصهاينة إلى فلسطين ودخلوا ثالث الحرمين، التآمر الأمريكي، الاجتياح السوفياتي، الغطرسة الإسرائيلية، سقوط الجولان، احتلال سيناء والضفة الغربية، ثم تدمير لبنان، فتفتيت الوحدة، وضرب الأوطان بعضها ببعض.
أسمع في هذا الصباح -من شهر صفر 1403هـ – أخبار العالم: مجلس النواب الأمريكي يصوت على تمويل جيل جديد من الصواريخ النووية الهدف من صناعتها «ردع المنافسة الروسية» في هذا الميدان. النظام السعودي يقترح على فرنسا بضعة ملايير دولار قرضا لدعم الفرنك وإنقاذه. يقول المعلق: «لتطابق رأي الدولتين في قضية فلسطين». الدولة العنصرية في جنوب أفريقيا ووكلاؤها المكلفون بالتخريب والتآمر على الدول السوداء. عالم متحرك عنيف. مستقبل الإنسانية معلق على توازن الردع والردع المضاد النوويين. أموال المسلمين تصبح رشوة لمكافأة دول تؤيد العرب في صفقتهم الخاسرة. الأوربي المستعمر يعيث في الأرض فسادا. ولم تذكر الأخبار بحريق بيروت المهول وقد مضى عليه الآن أقل من خمسة أشهر. لم تذكر الأخبار فلسطين المحتلة والاحتلال الاستيطاني لـ«الأراضي المحتلة». هكذا سمي الجزء الذي لما تبتلعه عصابة اليهود كما ابتعلت بيت المقدس والأرض التي حوله، أرضا باركها الله وضيعها العرب فأصبحت تسمى إسرائيل.
لكن الدويلة المصطنعة المكشرة عن أنيابها يهددها شبح التدمير الذاتي. فهي ليست سوى عصابة من العشائر المتنافرة. كما تهددها ضخامة ترسانتها النووية التي قد تشعل فتيلها نزوة زعيم ذُهاني أو هيجان قادة عسكريين قد يحرضون الحكومة على التحرك، مما يعمق القلق الداخلي ويضاعف انزعاجنا.
مقدر على هذه الأمة أن تتناوشها عوامل الانحلال الخلقي والاجتماعي على قدر انسلاخها عن الدين وابتعادها عن مثله العليا واتباعها في ذلك سنن اليهود والنصارى. من تدخين الفتن على القلوب والعقول تحقق اللقاء بين سنة الله وفعله المتعالي عن كل تحليل وبين تحرك العصبية الجاهلية، وهي من نزغات شياطين الجن والإنس ومن كسب الناس، فأنتج اللقاء أمراضا وعاهات تردّت بالأمة في مهاوي الانحطاط.
قال المفسرون من القرون الماضية، ولم يكن أمام أعينهم ما نشاهده من باهر الحقائق: إن المقصود بالعباد الذين جاسوا خلال الديار هم بُخْتَنَصّر وجنوده، وقيل جالوت، وقيل جند من فارس، وقيل جند من بابل. وفسروا المرة الأولى التي أفسد فيها بنو إسرائيل في الأرض وعلوا علوا كبيرا هي حين قتلوا نبي الله أشعياء، وقيل حين حبسوا نبي الله أرْمياء، وقيل حين خالفوا أحكام التوراة.
هذا السبب هو جفاف القلوب من الرحمَةِ، وهي الرحِمُ الجامعة. نجد هذا السبب مطروحا واضحا إن قرأنا آيات الله عز وجل في القرآن وآياته في الكون وسنته في التاريخ قراءة ثُنائية قدَرية شرعيَّةً. القراءة التاريخية تشتغل بالنـزاعات في عالم الأسباب لا تتفتح عين قلبها لتُميّزَ مراتِب الـمُدْرَكَـات من آيات الله في الكون يقابِلُها ويكشف أسرارها آياتُه سبحـانه الشرعية الأمرية المنـزّلَة على رسله عليهم السلام. وإذاً فلا يكون القرآن دليلَ عمل لمن يقرأ هكذا.
ليست “قضية فلسطين” قضية محلية، بل هي قضية مصيرية. الآن أخذ العرب يدركون خطورة ما لا قِبل لهم به، واقترحوا تنازلاتهم للاعتراف بالكيان الصهيوني في “حدوده الآمنة”. والصهاينة اليهود والمهودون يحلمون بإسرائيل الكبرى، بإسرائيل ما بين النيل والفرات، بل بإسرائيل العالمية التي بشرت بها توراة اليهود.
ومر القرن التاسع عشر بتاريخ النصارى، خطا فيه اليهود خطوات عملاقة خارج الأسوار والعزلة، وهاجروا بأعداد كبيرة إلى العالم الجديد حيث تلقاهم “التَّسامح” و”النية السليمة” التي نعرف الآن مغزاها ومعناها. تلقاهم البروتستـانت الذين رأوا على هامة كل يهودي تاج “مجد الاضطهـاد”. ورأوا في هجرة شعب “إسرائيل” الحقيقي إلى الأرض الجديدة بركة من السماء توذن بقرب المملكة التي ستسيطر على العالم.
كان عليه السلام ريحانةَ جده، وساعِدَ أبيه. شاركه في حروبه إلى جانب أخيه الحسن. فلما ولِيَ الحسنُ الإمامةَ بعد أبيه دخل في طاعته، وآزره، وحضر الشرط المشروط على معاوية عند الصلح. وبعد أنْ سَمُّوا الإمام الحسن بدأ اضطهـاد آل البيت. فقُتل أنصارُهم أمثالُ حُجْرِ بنِ عَدِيٍّ الصحابي. وقُطِعت أرزاقُ العَلَويِّينَ. وطُورِدُوا حين التفّوا حول الإمام الحسين بعد مقتل أخيه. فلما تولى يزيد بن معاوية الأمر عن بيعة كان فيها الإكراه، وانفتحت لِغِلْمة قريش أبوابٌ كان يُغلقها
أسمع في هذا الصباح -من شهر صفر 1403هـ – أخبار العالم: مجلس النواب الأمريكي يصوت على تمويل جيل جديد من الصواريخ النووية الهدف من صناعتها «ردع المنافسة الروسية» في هذا الميدان. النظام السعودي يقترح على فرنسا بضعة ملايير دولار قرضا لدعم الفرنك وإنقاذه. يقول المعلق: «لتطابق رأي الدولتين في قضية فلسطين». الدولة العنصرية في جنوب أفريقيا ووكلاؤها المكلفون بالتخريب والتآمر على الدول السوداء. عالم متحرك عنيف. مستقبل الإنسانية معلق على توازن الردع والردع المضاد النوويين. أموال المسلمين تصبح رشوة لمكافأة دول تؤيد العرب في صفقتهم الخاسرة. الأوربي المستعمر يعيث في الأرض فسادا. ولم تذكر الأخبار بحريق بيروت المهول وقد مضى عليه الآن أقل من خمسة أشهر. لم تذكر الأخبار فلسطين المحتلة والاحتلال الاستيطاني لـ«الأراضي المحتلة». هكذا سمي الجزء الذي لما تبتلعه عصابة اليهود كما ابتعلت بيت المقدس والأرض التي حوله، أرضا باركها الله وضيعها العرب فأصبحت تسمى إسرائيل.
اء الأمر العزيز بإعداد القوة، وهو اتخاذ الأسباب المادية الاقتصادية العسكرية التسليحية التصنيعية، بعد الأمر الموَجّه لمؤمنين ثبت إيمانهم أن يثبتوا في الميدان، وأن يذكروا الله كثيرا لعلهم يفلحون، وأن يطيعوا الله ورسوله، وأن لا يتنازعوا فيفشَلوا، وأن يصبروا ليكونوا في مَعيّة الله.
الثبات في الميدان، والصبر فيه، حركة جماعية، وسكونٌ واثق عازم، وإقبال مقتحم. لا ينفك ذلك عن ذكر الله الكثير. لا ينفك الدين والتعلّق بالله عن الصمود أمام العدو. ولا ينفك الصمود عن طاعة الله ورسوله. ولا ينفك الصبر، وهو مظهر شجاعة وقوة، عن الالتحام بين أفراد جماعة لا يتنازعون، بل يتناصرون.
القضية مصير أمة هي الآن خارج التاريخ، طفيلية على التاريخ، لا مجرد تداوُل على السلطة بنظـام تسمونه ديمقراطيـة ونسميه شورى. إن كانت الديمقراطية تُخفي تحت أثوابها العداوة للدين، ونفض اليد من الدين، وتنقية الأدمغة من الدين، فهو حوارُ صُمّ، وكل فكر دخيل على الإسـلام لا يمتثل لكلمة الله وسنة رسوله شجرة خبيثة تجتث في فرق أرض الإسـلام ولو بعد حين. ولو بعد حين!
الحركة الإسلامية صاعدة بحول الله، منتصرة بعون الله، لائذة بجلال الله، لا يزيدها أذى الأعداء إلا ترسيخا، ولا تضرها وسائلهم الدنيئة الخسيسة إلا أذى خفيفا، ولا يزيدها بفضل الله مكر الماكرين إلا شعبية. والتمكين آت إن شاء الله. والتمكين وعد من الله العلي القدير وَقَّعَتْ عقده يد القدَر، وشهد بصحة العقد قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ […]