post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

مقدر على هذه الأمة أن تتناوشها عوامل الانحلال الخلقي والاجتماعي على قدر انسلاخها عن الدين وابتعادها عن مثله العليا واتباعها في ذلك سنن اليهود والنصارى. من تدخين الفتن على القلوب والعقول تحقق اللقاء بين سنة الله وفعله المتعالي عن كل تحليل وبين تحرك العصبية الجاهلية، وهي من نزغات شياطين الجن والإنس ومن كسب الناس، فأنتج اللقاء أمراضا وعاهات تردّت بالأمة في مهاوي الانحطاط.
كم نحن بعيدون حين نُسَايِرُ الفقه القرآني السني للتاريخ عن التحليل المادي الجدلي وعن العقلانية الأرضية ! ليس معناه أن مسايرتنا للحق واستنارتنا بضوئه تغيب عنا حقائق الأرض. بل تزيدنا التلمذة للقرآن والسنة بصيرة بهذه الحقائق، إذ تركز اهتمامنا على منبع الطاقة البشرية المحركة للتاريخ، ألا وهو قلوب بني آدم وما ينفعل فيها وما يتفاعل من نزوات حين تكون القلوب مظلمة جاهلية، أو مدخنة مفتونة، أو نائرة بالإيمان والإحسان. لسنا ونحن ننظر إلى سنة الله بمنظار القرآن والحديث مع التفسير المادي ولا مع التفسير السيكولوجي للتاريخ، لأن هذا الأخير يهمل الأسباب الأرضية، ويعطيها التفسير القرآني النبوي مكانتها من زاوية تأثيرها سلبا وإيجابا على شعور الناس وسلوكهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة: &#8220;سيصيب أمتي داء الأمم&#8221; فقالوا: يا رسول الله ! وما داء الأمم؟ قال : &#8220;الأشَر والبطر، والتكاثر والتّناجش في الدنيا، والتباغض والتحاسد، حتى يكون البغي&#8221;. أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
الأشَر والبطر بمعنى واحد. قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: &#8220;البطر دَهَش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها&#8221;. والتناجش المزايدة في الدنيا والتنازع عليها.
أرأيت كم تحمل الألفاظ من دلالات خلقية إيمانية في لغة القرآن والحديث ! للإنسان في الدنيا معنى واتجاه، ولأفعاله الأثر الأول في ما يصيبه ويصيب المجتمع من بَلْوى، وعلى قوة دوافعه القلبية في الحق وضعف هواجسه النفسية مع الباطل يتوقف مصيره الشخصي في الآخرة ومصير مجتمعه في الدنيا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يشخص الأطوار الأخيرة لداء الأمم، وظواهر هذا المرض ونتائجه: &#8220;يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكَلَةُ على قصعتها&#8221;. فقال قائل: من قلة نحن يومئذ؟ قال : &#8220;بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغُثاء السيل. ولينـزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوَهْن&#8221;. قيل: وما الوهْن يا رسول الله؟ قال: &#8220;حب الدنيا وكراهية الموت&#8221;. أخرجه أبو داود وأحمد بسند قوي من حديث ثوبان رضي الله عنه.
أينما نظرت في كتاب الله وسنة رسوله رأيت الحديث عن الإنسان وسعادته أو شقائه في الآخرة يدور حول ما يجري في قلبه. ورأيت أن المصير الدنيوي للقُرى والجماعات والشعوب والأمم يتقرر أيضا حسب ما في النفوس من تكذيب للرسل أو تصديق، من إسلام أو كفر، من إيمان أو نفاق.
سنة الله، ص: 41-42

قضايا الأمة

داء الأمم

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

التغيير بين الأوهام السياسية والعمق التاريخي

صور من محبة رسول الله ﷺ

الحضارة المادية وسؤال القيم

شتنبر 1987 | رسالة “العدل والإحسان”

قومة الرسول الداعي صلى الله عليه وسلم

داء الأمم

مقالات ذات صلة