مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

قواعد ذهبية في تربية النَّشْء

قواعد ذهبية في تربية النَّشْء

يُشجَّع الصبيان والغلمان والفتيات على كل حميد من الخلق وجميل من الأفعال مما يقربهم إلى الله ويبعدهم من غضب الله. الصلاة، والقرآن، والرحمة بالضعيف، والنظافة، والصدق، والحياء. الحياء أبو الفضائل، الحياء من أهم شعب الإيمان. الحياء وقاية ذات حدّين: حياء من الله وانكماش عن فعل يكرهه الله، وحياء توقير واحترام وأدب ولياقة. فتلك الفضائل. أو ينقلب الحياء على صاحبه فتصبح العافية داءً، وذلك الخجل، قاتل الفضائل.

يربى الصبيان والناشئون على حب الله، والحب في الله، والبغض في الله، والشجاعة في الحق، ونصرة المظلوم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعزة على الكافرين تزَينها الذلة على المؤمنين، وذكر الله المستديم، ودعاؤه سبحانه، والتوكل عليه إقداما وَعملا جادا، وامتلاك النفس عند الغضب، وحفظ اللسان. إلى سائر شعب الإيمان ومنورات الإحسان.
تلك نبذة من الوِقاية النفسية القلبية الروحية ليُحفظ النشء من بطش الملائكة الغلاظ الشداد يوم القيامة. والوقاية الجسدية حفظ للأرض التي تُنَمَّى فيها الغرسة. إنْ مَرِض الجسم، وأُهْمِل، وضربته العاهات، فماذا تربين؟ من الأمهات مَن يَرْعين الجسم أحسن رعاية ويتركن تربية النفس والخلق لغيرهن جهلا أو تجاهلا، أو بمنطق التكاثر الغثائي، ما لها وقت ولا قدرة على بذل غيرِ الضروري لحياة الأجسام وبقائها من غسل وتغذية وكدح لكسب لقمة العيش.

ومن الأمهات من لهن مال ووقت، لكن مَوَات الإيمان في قلوبهن، واكتئاب الإنسانية في نفوسهن، يؤدي بهن إلى إهمال التربية الخلقية الإيمانية في النشء، فيُهمل إهمال البهائم.

للوقاية الجسمية مكانها وأهميتها. تواكب الصحة الجسديةُ الصحةَ النفسية القلبية، أو يقع اعتلال النفس لاعتلال البدن. كما تتعاون الأمهات المؤمنات في مجال الدعوة، يتعاونّ في مجال تنشئة الصبيان. المنقطعة من الأمهات لا تجري إلى بيتها روافد المعرفة وفوائد التجربة. تقتني المعرفة ممن سبقنها بأمومة، وتحضر مجالس خاصة، ومحاضرات. وتقتني كتبا ومجلات لتكون مطلعة على أعلى مستوى مما تصل إليه الخبرة البشرية في علوم طب الأطفال وفن تربية الأطفال. فذلك قدْرٌ مشترك بين أمهات العالم. أعني تعهّد الجسوم وتطبيبها. وأعني مشاركة الأمهات المؤمنات واطّلاعهن على الأمور التطبيقية العملية، لا أن يصبحن في مرتبة الطبيبة المتخصصة التي ينبغي أن تتفضل في كل جلسة إيمانية تحضرها ببذل بعض ما عندها من علم.

صحبة بين أمهات، وطبيبة ناصحة من الأخوات المؤمنات، وكتب ومجلات، ليكون الحمل ووَحمه وغِذاء الحامل وراحتها وغثيانها وتوعكاتها مما تعلمه الأم الجديدة لا مما تتوهمه وتتوجس منه خيفة. وليكون الوضع وآلامه والعناية الأولى بالمولود أوضاعاً تدربت عليها. ثم ليكون الرضاع طبيعيا، والتلقيحات الطبية في مواقيتها مضبوطة، ثم لتعلم الأم الأهمية القصوى لنظافة حواس المولود وأعضائه ولباسه وأواني غذائه ومضجَعه وملعبه ولُعبه.

تصاحب الأم نمو المولود، وتراقب حركاته وهو يحبو، وجسمه ينمو، وعقله يتكون، ولسانه ينطلق. لقنيه لا إله إلا الله لتكون أول ما يلفظ به عسى بركتها تجري عليه مدى عمره.
تراقب الأم سلوك الطفل وعوارض مرضه لتتدخل الطبيبة المختصة إن كانت الأم طبيبةُ البيت قد تجاوزتها الأحداث.

تُعوِّدُ الصبيَّ نظافة الأسنان من لَدُنْ قيامها بذلك عنه يومَ بروزها إلى أن يستقل بتسويك نفسه مستقلا، وتلك سنة نبوية مؤكدة أشد التأكيد، من تخلى عنها صغيرا أو كبيرا تلِفَتْ مع أسنانه صحته، وتأذّى من بَخَرِه الملائكةُ والناس.

النظافة المبكرة تنتظر الأمُّ أن يحملها عنها المولود حملا متدرجا. فإذا بلغ السابعة فالطهارة والوضوء والصلاة ترغيبا وتحبيبا. وقاية الجسم مع وقاية الروح تجتمع. قاس أطباء فرنسيون المياه التي تُفاض على الجسم في وضوء المسلمين ثلاث مرات، فوجدوا أن الغسلة الثالثة لا تبقي من الجراثيم شيئا. وما يُخرجُهُ الوضوء من خطايا النفس لا يَقَع تحت مِجهر الأطبـاء. ويخبر عنه الوحي من كلام النبوة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أرايْتُم لو أنّ نَهْرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، ما تقولون ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنه؟ قالوا: لا يُبْقِي من دَرَنه (وسخه) شيئا. قال: فذلك مَثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا». رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة.

درَنٌ حسي يُغسل في النهر مثّل به رسول الله صلى الله عليه وسلم لدَرَن القلوب يغسلها الوضوء وتغسلها الصلاة.

تراقب الأم مولودها مراقبة دقيقة بعناية ودراية. المحبة بلا دراية كساعٍ إلى الحرب بلا سلاح. ومن لا دراية له ولا محبة فتوكيله على الأطفال كتوكيل الثعلب على الدجاج. الأطفال في أيدي الخدم كارثة. ومن أنواع الخدَم المأجورين محاضن رِبْحية تغدو الموظفة الكادحة بفلذات كبدها إليها لما ترى من زخرفة الإعلانات ولباس «المربيات» ولُعَب الساحة. من أهم ما تندب إليه المؤمنات أنفسهن إنشاء محاضن تعمل فيها أمهات متطوعات صالحات يُصلح حضورهن ومراقبتهن ومِثالُ إخلاصهن وإشعاع إيمانهن ما تميل الأيدي الأجيرة لإهماله وإفساده.
ومن أهم ما تندب الأمهات الصالحات والآباء الصالحون إليه أنفسهم إنشاء جمعيات من الطبيبات المحسنات والأطباء والفضلاء لرعاية الشباب وتوجيهه في طور المراهقة. طور يحتاج فيه الشاب وتحتاج الشابة من ينصح ويزود بمعلومات دقيقة عن كنه الثورة الجسدية وانقلاب الكيان البيولوجي. يحول الخجل وتحول العادة دون تلقين الأبوين معرفة البلوغ والمراهقة ومشاكلها. فالجمعيات الطوعية تنوب فيها أم عن أم في ترشيد البنت، وينوب أب عن أب في ترشيد الابن. ثم الكتب يؤلفها الطبيب المؤمن وتوضع في يد المراهقين تيسر وتبصر. من مآسي غياب التربية الجنسية الوقائية فظائع ليلة الزفاف. كان يغني عن المآسي كتاب، إن كَتَمَ العلمَ مُجَرِّبٌ وعَزَّ ناصحٌ وخَجِلَ الطالب والمطلوب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 2، ص 249-252.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد