مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

الذكرى الخامسة للإمام تسلط الضوء على سيرته وجزء من مسيرته العلمية

0
الذكرى الخامسة للإمام تسلط الضوء على سيرته وجزء من مسيرته العلمية

الذكرى الخامسة للإمام تسلط الضوء على سيرته وجزء من مسيرته العلمية

صبيحة يوم الأحد 28 ربيع الأول 1439هـ الموافق  لــ17 دجنبر2017م بسلا، وبحضور شخصيات علمية ودعوية وفكرية وسياسية وأدبية، من المغرب ومن الخارج، انطلقت فعاليات اليوم الثاني من إحياء الذكرى الخامسة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله.

  بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من القارئ نور الدين لشكر، رحب مسير الندوة الأولى الروائي عبد القادر الدحيمني بالحضور، وافتتح فقرات البرنامج بكلمة الأمين العام الأستاذ محمد عبادي، الذي اعتبر ذكرى رحيل الإمام تزيد المحبة والشوق والدعاء له، وتجدد الصلة به، معتبرا أن الهدف من الذكرى هو “تعريف الناس بمشروعه التجديدي، هذا المشروع الذي حيل بينه وبين الأمة في حياته،  لكثرة ما رمي به من سهام التضليل والتبديع والتخريف والتشويه، ولحصاره وحصار صاحبه لم ينتشر في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وقد لفت في كلمته انتباه الحضور إلى السياق العام الذي تعيشه الأمة، من استبداد يحرم الناس أرزاقهم ويدوس كرامتهم، واستكبار امتدت يده إلى فلسطين الحبيبة، ليتساءل: كيف نخرج من هذه الورطة التاريخية؟ كيف نخرج من مأزق الاستبداد؟

  نبه الأستاذ محمد عبادي إلى ضرورة البحث عن الكيف للخروج من الأزمة، والتعارف والتآلف والتحاور، دون نسيان مصير الإنسان الأخروي، كما أكد في كلمته على سعي الإمام ياسين إلى تحرير الإنسان في جانبه المادي وجانبه الروحي، بمنهاج كتبه بروحه وعقله، بعد سنوات من التهجد، والتدبر لكتاب الله تعالى، والاطلاع على التراثين الإسلامي والعالمي، منهاج تميز بخصائص الربانية والوسطية والإنسانية والتجديدية. وقد ختم كلمته بدعوة السلطات في المغرب إلى المراجعة، والأمة إلى المشاركة في مشروع العدل والإحسان، لكونه ليس حكرا على المغاربة فهو ملك للأمة، جانبه النظري “شعب الإيمان”، وجانبه التطبيقي سيرة الإمام التي جسدت شعب الإيمان صفات متحركة صارت جزءا من كيانه.

   وقد عرف البرنامج ندوتين تقديميتين لمؤلفين: الأولى قدمت لكتاب “عبد السلام ياسين الإمام المجدد” لكاتبه الأستاذ العربي أبو الحزم، والجلسة الثانية قدمت لكتاب “شعب الإيمان” للأستاذ عبد السلام ياسين الذي طبع لأول مرة سنة 2017م.

الندوة الأولى: تقديم كتاب “عبد السلام ياسين الإمام المجدد”

أبرز مُسير الندوة الروائي عبد القادر الدحيمني أهمية كتابة سيرة الإمام ياسين الذي خرق فكره الأسوار رغم محاولات كتم الصوت وطمس الأثر، معرفا بمؤطري الندوة، وهم تباعا:

– الدكتور أحمد محمود عيساوي، وهو أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم الإسلامية باتنة 1بالجزائر، وقد عنون مداخلته بسؤال: هل فهمت الشيخ؟ وأطرها في ثلاثة محاور: إشراقات جاذبة، ومعالم راشدة، وأبجديات للمشروع. وافتتح بالتعبير عن صلته الروحية بالشيخ، واستفادته من مكتبته، شاكرا الله على قدره الإلهي الذي يسر له التعرف عليه، متسائلا في حسرة: ماذا خسرت وخسرت الأمة إذا لم تعرف هذا الرجل؟

  اعتبر أن الإمام ياسين نخل التراث سليمه وسقيمه، بمخيال عميق، ورؤية استراتيجية، لحظ مرحلة التصدعات والانكسارات التي عرفها تاريخ الأمة، ودعا إلى فهم التراث بمعرفة حقيقة الإسلام الموروث، وتحديد الأطر المرجعية لتدبير الاختلاف، والتأسيس لرأب الصدع برؤية علمية وشرعية، وصناعة طليعة مجاهدة، تحقق الولاية الإيمانية، والفهم السليم للواقع والمشروع، وتمهد لمسار الأمة في تحقيق الخلافة على منهاج النبوة، تدرجا من مرحلة الجماعة القطرية، إلى الدولة القطرية إلى تحرير الأقطار بلوغا الخلافة الوارثة. ليختم مداخلته بإعادة طرح السؤال: هل فهمت الشيخ؟ تاركا الجواب للحضور.

– الأستاذ المقرئ أبو زيد الادريسي، وهو أستاذ جامعي، ومفكر إسلامي، قدم قراءة في السفر الجليل بحجمه الكبير عبر ومضات في السيرة، وفي صاحبها معتبرا أنها “سيرة عملاقة لمترجم له عملاق، ضخمة الحجم واسعة المناكب تشعبا وتشابكا وتركيبا وتحليلا في حياة الشخص وحياة العصر كما أشار مقدم السيرة سيدي محمد عبادي”، لما بذله كاتبها العربي أبو حزم طيلة سبع سنوات بحزم، متسائلا: فهل كان أبو حزم يكتب بعيدا عن ذاته؟ ليجيب بكون الكاتب التزم “سقف الموضوعية” التي لا تعني الحياد التام، سائقا قصد الكاتب من كتابته سيرة الرجل “أن أجمع الشهادات، وأرتبها بحجمها الطبيعي، وبعمقها الحقيقي دون بخس أو تفخيم”. كما لم يغفل المقرئ أبو زيد تقديم إضاءات عن حياة الإمام التي عدها “جِدا” بكل مراحلها، غطت بُعد التربية والدعوة وبُعد التأليف، لينتفع منه الجميع، ليختم مداخلته بالتأكيد على الحاجة إلى صناعة القدوة، والدعوة إلى قراءة سيرة الإمام، وتلخيصها وتقريبها ليعم نفعها.

المداخلة الثالثة: لمؤلف الكتاب العربي أبو حزم، وهو أديب وفنان وملحن:

بدأ كلمته بقولة للإمام في كتابه “مقدمات في المنهاج”: “العبرة أن نكتشف المنهاج النبوي في التربية، ذلك المنهاج الذي كان عملا باهر النتائج، خرج من مدرسته كبار الصحابة، عظماء الأمة، نخبة الإنسانية بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. العبرة أن نكتشف أسرار المنهاج النبوي الذي نتج عنه الجهاد الخالد الذي كانت ثمرته «المعجزة التاريخية» التي غيرت العالم أعمق تغيير وأوسع تغيير وأسرع تغيير”.

    اعتبر أبو حزم أن اكتشاف الإمام للمنهاج النبوي، وخطه كتابة، أعظمَ تجديد يُحسب له بجمعه فيه ما تفرق بعد الانكسار التاريخي الذي أصاب الأمة، وتمثله قبل أن يدعو إليه. كما أبرز الحاجة الماسة إلى هذه السيرة، والتحري فيها تحقيقا وتعليقا مساعدة في هذا الاكتشاف الذي دعا إليه الإمام المجدد رحمه الله، آملا أن يكون عمله موفقا مأجورا.

  وقد أعقبت كلمات مؤطري الندوة مداخلات الحضور، عبرت عن تأثير الرجل وكتاباته في شخصياتهم، لما تميزت به من روحانية عالية، وأسلوب أخاذ، وفكر وقاد، وبُعد عملي سلوكي، بانٍ للرجولة الإيمانية، وصانعٍ للشخصية الإحسانية العدلية الفاعلة.

الندوة الثانية: تقديم كتاب “شعب الإيمان” للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.

   سيرت الندوة الدكتورة نادية بلغازي، وافتتحت أشغالها بدعوة الحضور الكريم إلى متابعة شريط حول كتاب “شعب الإيمان” تضمن شهادات لمن أشرف على إعداده، ومن تشرف بالاطلاع عليه؛ فعده الدكتور عبد الصمد الرضى مكتوبا خرج من أسوار السجن بعد الرسالة الشهيرة “الإسلام أو الطوفان” التي وجهها الإمام ياسين إلى الملك الراحل الحسن الثاني، وأسس لمشروع نهوض الفرد والأمة، أما الدكتور عبد اللطيف آيت عمي، المشرف على تخريج أحاديث الكتاب، فقد وصف مسار العمل من مبتدئه إلى منتهاه تشاورا مع الإمام الذي نقحه قبل وفاته، واشتغالا عليه، حتى استوى على سوقه. ليذهب الدكتور إبراهيم الهلالي في شهادته إلى كون الإمام نسج فيه على غير منوال، وسلك فيه منهجا غير منهج من ألف فيها، كما عدد أسماءهم الدكتور حسن إزرال، بينما لحظ الشيخ عبد الرشيد الندوي مسألة الترتيب غير المسبوق لشعب الإيمان، على مدرجة خصال عشر تؤصل لأعمال وأخلاق الفرد والجماعة، التي تجعل الكتاب عملا مفيدا نافعا.

  بعد عرض الشريط رحبت مسيرة الندوة بالمؤطرين: الدكتور عبد العلي مسئول، أستاذ علوم القرآن بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، والدكتور محماد رفيع أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بنفس الجامعة، ورئيس مركز النظر المقاصدي، والخبير المحكم في عدد من المجلات العلمية. ثم أدارت الحوار مناصفة بينهما عبر مجموعة من الأسئلة المجلية لزمن تأليف الكتاب، ومقاصده العلمية والعملية، ومسار إخراجه.

– الدكتور عبد العلي مسئول: أكد على حُب الإمام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واقتدائه به، وأخذه بالعزائم في حق نفسه، وتيسيره على الأمة. فقد أحيى فيها سننا كادت أن تندرس: الجمع بين العدل والإحسان، وقول كلمة الحق، والسلوك الجماعي، ونبه على  كثرة نظره في كتب الحديث الشريف، وزياراته لأهل الحديث (مثل العلامة المحدث عبد الله بن الصديق وإجازته له في حديث الرحمة مسلسلا بالأولية). ولم يخل توظيفه للأحاديث في كتاباته من نقد بعض الأحاديث الموضوعة، بروح الشرع، والتطبيق النبوي، كما لم يفته التذكير بثنائه الدائم على أئمة الحديث لما بذلوه في سبيل خدمة السنة المطهرة، ليختم بتأكيده على أن الإمام رحمه الله كان رجلا قرآنيا نبويا.

وعن مسيرة تأليف الإصدار الجديد للإمام، أوضح د. مسئول عن كونه من أوائل ما كتبه الإمام بعد كتاب “الإسلام غدا” في معتقله بعد رسالته الشهيرة، معتمدا على ما كان بين يديه من كتب الحديث، ومنقحا لها زيادة ونقصانا بعد خروجه من السجن، وقد كان المشتغلون عليه في تواصل دائم معه، يطلعونه على مسار البحث، ويوصيهم بعدم العجلة في إخراجه قبل استوائه على سوقه. وقد بين الدكتور مسئول استفادة الإمام المجدد من الحليمي والبيهقي وسائر من ألف في شعب الإيمان، بما جمعوا وبوبوا وصححوا، لكنه لم ينح نحوهم، إذ نظر في الكتاب والسنة، ووضع ترتيبا راعى فيه مقاصد تربوية وعملية، تُهم سلوك المؤمن في جماعة، ترقيا في معارج الإيمان والإحسان.

– الدكتور محماد رفيع: استهل كلمته بالتذكير بكون الإمام ياسين جمع الناس، ونفعهم حيا وميتا، ليثني بالحديث عن كتاب “شعب الإيمان” الذي اتفق فيه الإمام مع أئمة في التأليف، واختلف معهم في المقصد، مشيرا إلى كونه يمثل الأساس المعرفي لبناء الفرد والجماعة والأمة، ومتسائلا عن علاقته بالمنهاج النبوي؟ ليجيب بكون منطلق المنهاج النبوي وأساسه الخصال العشر وشعب الإيمان التي “تشكل المعراج الإحساني الذي يترقى فيه الفرد والجماعة”. أما مقاصد تأليفه، فذهب د. رفيع إلى أن قصد الإمام من كتابته تربوي تنظيمي جهادي، يؤسس لنسق معرفي يتكامل فيه بناء الفرد مع بناء الجماعة، سبكها في كليات عشر سماها الخصال العشر، تتوزع على التربية والتنظيم، عبر كُليات أصلية (الصحبة والجماعة، والذكر والصدق)، وأخرى تبعية (البذل والعلم والعمل والسمت الحسن والتؤدة والاقتصاد والجهاد)، تنتظم مناحي الحياة الفردية والجماعية. فالقصد أن تنتج شعب الإيمان نماذج بشرية تتحلى بها، ونحتاج إلى العمق التربوي القائم على الصحبة تأثيرا وتأثرا، كما قام عليها نظام الكون والشريعة، تربية لجيل جديد على نهج وأثر الجيل الأول، فـ”القصد الأصلي للكتاب أن يكون علما موروثا ينفع الأمة”، تجاوزا للتشظي الذي تعرفه، وللمأزق الذي صير العلم تراكما معرفيا، يقصر عن العمل مستشهدا بقول الإمام: “العلم إمام العمل”.

        وقد تخلل الحوار كلمة للدكتور رشيد العموري، الذي ذكر بعدد أحاديثه 2501 حديثا، والمنهج المسلوك في العمل عليها؛ تخريجا لها، وشرحا لغريبها، وبيانا لمرتبتها صحة وحسنا، وذكرا للمصادر المعتمدة في ذلك.

   وتوج الحوار بكلمة نجلة الإمام دة. مريم ياسين، التي اعتبرت أن الإمام رحمه الله سجل نفسه ضمن خُدام الحديث، تعلم الإيمان من مشكاة النبوة، ومنَّ الله عليه برؤية منهاجية ونظرة شرعية، فبالكتاب نلتمس تنورا للقلب وتزكية للنفس وسلوكا قويما وإماطة للأذى عن الفرد والأمة.

   وأغنت مداخلات الحضور الندوة العلمية، بالتنبيه على أمور منها: ضرورة النظر إلى المنهاج العملي لفهم السُّنة عند الإمام لإحداث التغيير العميق، وحاجة المرأة المؤمنة لفقه التوازن التربوي…الخ،

وقد ختمت فعاليات الذكرى الخامسة لرحيل الإمام المجدد رحمه الله بكلمة للدكتور عبد الواحد المتوكل، جدد فيها الشكر للحضور الكريم على اقتطاعهم من وقتهم رغم مشاغلهم الكثيفة، وعبر عن الود في استقبالهم في مكان أرحب، كما شكر وسائل الإعلام على تغطية فعاليات الذكرى، مؤكدا على القصد من تنظيمها بقوله: “نسعى جميعا لتمثل العدل والإحسان، ونعوذ بالله أن نستأثر بذلك”، ومعبرا عن أمله في اللقاء وقد تحررت الأمة من الاستبداد، وفلسطين من الاحتلال، والقوى من الفرقة.

  وكان مسك الختام الدعاء، توجه به الأستاذ عبد الهادي بلخيلية إلى الله تعالى بتضرع وخشوع، ليقبل الجهد، ويجزل المثوبة للحضور، وينصر الأمة ويفك رقابها من الظلم والاستبداد، ويحرر مقدساتها من الغصب والاحتلال. والحمد لله رب العالمين

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد