post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h2 class="wp-block-heading">1- العالم الغافل</h2>



هؤلاء العالمون الغافلون، رغم امتلاكهم لأدوات العقل وعلمهم بظواهر الكون&#8230;، إن لم يوظفوا القلب لإدراك الحقائق، يصبح علمهم جهلا وحياتهم ضنكا ومصيرهم ظلما؛ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>. مما غيم على العقل الغافل عن الله في عصر مكتظ بالكيف الوصفي مثل عصرنا نسيان الكيف التدبري من جراء الركام، ومن جراء رثاثة الإيمان وعمى القلوب التي في الصدور. (عقول ماهرة بارعة في وضع أسئلة الكيف الوصفي الوظيفي، زاهدة يائسة من وضع سؤال لماذا. عقول بارعة ماهرة في الجواب المفصل المدقق المعزز بآلات الفيزياء وتفاعلات الكيمياء وأشعة الفحص وتاريخ الحقب وتجريب الوظائف). والله سبحانه وتعالى ينبئنا عن حال أولئك الذين يفكرون بسطحية، فيقول تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ . أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ <a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a>.



<h2 class="wp-block-heading">2-العالم العارف</h2>



العالم العارف هو الإنسان العالم الذي يعرف حدود إنسانيته ويكبح نزعاته ويصبح إنسانا حقا على الصعيد الخلقي، ويوظف بحثه العلمي والتكنولوجي توظيفا إيجابيا لصالح الفرد والأمة. فالسيطرة على النفس وهيمنة الهوى وتيارات العالم الخارجي تتم للذي يشعر بالكرامة الإنسانية وبالعلم كقيمة، يكتسب من خلالهما معرفة القوانين الطبيعية الحتمية والقوانين الخلقية، والربط بينهما. العالم العارف هو الإنسان العالم الذي يمتلك عقلا مشاركا في التسبيح والذكر، ينظم الحركات الجوارحية في الزمان والمكان والمقدار، ويحرك نسائم القلب، ويسجل هباتها خادما ساعيا بين يدي القلب أمينا على تدبير الطاعات وضوابط نزوات النفس. العالم العارف هو الإنسان العالم الذي يجعل حركات العقل وخلجات النفس لا تدور حول سؤال &#8220;كيف&#8221;، بل تتلقى الجواب عن سؤال &#8220;لماذا&#8221;، حتى تكون مهارته في وضع أسئلة الكيف العلومي البحثي المخبري مقارنة مسايرة تابعة لتدبره وحضوره وذكره معنى الوجود وخالق الكون ومحيي الأنام وباعثهم ليوم تخشع فيه الأبصار. قضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يميز الإنسان على سائر الخلق بالعقل. والعقل آلة ثمينة نفيسة وجوهر غال. لكن ما يسميه القرآن عقلا هو اندراج العقل الاصطلاحي في خدمة القلب وتوجهاته إلى الله تعالى. فمن كان عقله في خدمة النفس والشهوات سائرا في ركاب الشيطان والهوى فهو من الصم البكم الذين لا يعقلون. فالعقل مفتاح المعرفة لقراءة الكون المخلوق، الذي لا يمكن أن تفك شفرته إلا بالرقي بالعقل المعاشي &#8211; المشترك بين البشر- إلى العقل القلبي التفكري – الخاص بالإنسان المفكر. التفكر على وزن تَفَعُّل، يفيد وزن تفعل رجوعا على النفس وانعكاسا، يختلف عن التفكير المشترك بين أفراد البشر. فالتفكير نشاط العقل الاصطلاحي في تناول المعطيات الكونية في انقطاع عن كل اعتبار يُرجع الأمور إلى الله، بينما التفكر تناول الأشياء والمعاني من زاوية مرجعيتها إلى الخالق، ومن زاوية معنى وجود الإنسان، ومصيره بعد الموت، ومخلوقيته، ومسؤوليته في الآخرة. بالتفكير تفتحت عند الإنسان ملكاته العقلية على الكون بالدراسة والتحليل والتركيب وتأصيل العلوم الكونية. ومن هذا النشاط العقلي نشأت العلوم الكونية في مجال الفلك والجغرافيا والنبات والحيوان والإنسان&#8230; وراح عقل الإنسان على مدى التاريخ يدرس ويبحث، ويميط كل يوم لثاما ويكشف كل يوم مجهولا، حتى تحصل للإنسانية بمرور الدهور تراث ضخم من المعرفة، امتاز في العقود الأخيرة بالتسارع لدرجة مذهلة. فقد حصلت الإنسانية في القرن الأخير قدر ما حصلته في تاريخها الطويل. واليوم يقدر الباحثون أن المعرفة الإنسانية تتضاعف كل خمس سنوات. وقد خطِف بريق التقدم العملي أنظار الناس في عصر الثورة المعلوماتية الذي دخله العالم حديثا. على الإنسانية اليوم، مع مطلع القرن الواحد والعشرين، أن تستفيد من أخطاء القرن السابق الذي تميز بثورة صناعية ميكانيكية، كان هاجسها هو التنافس من أجل امتلاك ناصية العلوم في مجال الصناعة والتكنولوجيا&#8230; رغم أنها استطاعت أن تصعد بالإنسان إلى القمر – مخرجة إياه من الغلاف الجوي- بقي غائصا إلى أذنيه في الأوحال، وقسمت البشرية إلى عالم نام وآخر متخلف، دول شمال ودول جنوب، قطب شرقي وآخر غربي&#8230; مبعدة كل ما من شأنه توحيد الإنسان ومتجاهلة قيمه. هل الحضارة العلمية تسمح للإنسان أن يتجاهل القيم الحضارية ويدمرها؟ يقول &#8220;ج. برونوفسكي: &#8220;إن أبعد التغيرات أثرا التي رفعها القرن الحالي، من حيث المدى، هو تغيير وجهة نظرنا بخصوص الطبيعة، ووضع الإنسان بالنسبة لها&#8221;. على الإنسان، إذا ما أراد أن يحقق إمكانات طبيعته، أن يسير بخطى دائبة نحو المزيد من الوعي والإطلاع والوجدان والحرية، وهي الهدف والنتيجة لتطور العالم. فالحضارة ليس لها من مبرر إذا لم تعمل على تحسين الكائن الحي الإنساني. وعلى الإنسان العالم خاصة أن يكبح نزعاته ويصبح إنسانا حقا على الصعيد الخلقي في النطاق العلمي والتكنولوجي.



<h2 class="wp-block-heading">3- العالم الحاضر</h2>



رغم كل هذا، أصبح السعي لتحصيل المعرفة العلمية وتطوير واستخدام التقنيات لإثراء هذه المعرفة أمرا ضروريا للفرد والمجتمع، وهي عملية تمنح ومضات الإلهام ومحاولة كشف الأسرار والتحدي. يتسم الباحث العلمي بكل نواحي الضعف والقوة. وكون الشخص متعلما وبارعا لا يعني بالضرورة أن يكون حكيما رحيما. لعلم والتكنولوجيا يؤديان إلى إنتاج ثروات الإنسانية وتعزيزها من عدة نواحي. وبعض هذه الآثار ظاهرة والبعض الآخر خفي. بعض منها مباشر والآخر طويل ولكنه واسع الانتشار.البعض يلاقي قبولا عالميا والآخر يثير الشكوك العميقة التي كثيرا ما تكون لها آثارا أخلاقية بعيدة المدى. وتثير هذه الشكوك ردود أفعال تتسم باللاعقلانية التي يرى كثير من الباحثين أنها تتنافس تماما مع روح التفكير العقلاني الذي يرتكز عليه صرح المشروع العلمي بأكمله. وتجد هذه التناقضات تعبيرا عنها يتسم بالوضوح تارة وبالغموض والاضطراب تارة أخرى. الشيء الذي يولد عند عامة الناس حكما على الباحث العلمي الذي تراه صديقا في بعض الأحيان وعدوا في أحيان أخرى. من أجل تجاوز أي تعارض و الوصول إلى مرامي البحث العلمي الهادف لا بد من احترام المبادئ الثلاث التالية: 1- تعبر الجهود العلمية و التكنولوجية- في أسمى أشكالها- عن الجانب البناء لعقل الإنسان وروحه. وأي حضارة أو ثقافة تتجاهل هذا الجانب لا يمكن اعتبارها شاملة أو كاملة. 2- لا مكان للقنوط في الجهد العلمي، لأن الخضوع لمثل هذا الشعور سوف يكون خطأ سياسيا وروحيا فادحا. فتزايد اتساع وإلحاح احتياجات الإنسان ومعاناته يتطلب، قبل كل شيء، تصميما مضاعفا فيما يتعلق بالبحث عن المعرفة. وهي في المفهوم القديم للعلم تمثل &#8221; الحكمة&#8221; والدراية العلمية اللازمة لاحتواء تلك الحاجات ورفع المعاناة، وتحسين أحوال الإنسان. 3- تربية على امتلاك الشعور القوي بالهمة الجماعية في تعميق الإحساس وضرورة الاهتمام بمستقبل البشرية في أي مكان.



<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>سورة المومنون،84-89. <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>سورة الروم، 7-8.

تدوينات

العالِم بين الغفلة والمعرفة والحضور

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

أحمدنا مدرسة الصبر

ذ. نور الدين الملاخ | النفْس الزكية والنفَس العميق

ذكرى رحيل رجل تقي خفي

التفكر في خلق الله

في الذكرى السادسة لرحيل الأستاذ أحمد الملاخ رحمه الله

العالِم بين الغفلة والمعرفة والحضور

مقالات ذات صلة