post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h2>تقديم:</h2>
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين. أما بعد. 
ونحن نستشعر خطورة الحديث أو الكتابة في مثل هذه الموضوعات التربوية الدقيقة ونخشى أن تزل بنا الأقدام فنقول ماليس حقا، أو ندعي ماليس حقيقة، أو نتطاول على ساداتنا طيبي الأنفاس من الأولياء والصالحين، خاصة وأن موضوع السلوك لا يتطلب تعمقا فكريا ولا تحليلا فلسفيا. نحاول في هذا المقال تتبع المعالم العامة في تجديد السلوك إلى الله عند الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى رحمة دائمة واسعة ونفع الأمة به. ولا ندعي الإجابة عن جميع الأسئلة، فللباحث طلبته في مؤلفات الإمام وأبنائه، بقدر ما نكتفي ببيان كيف كان السلوك في العهد النبوي والخِلافي الأول وكيف تطور بعد ذلك وتقلص، ثم نحاول إبراز معالم التجديد المنهاجي في المسألة من خلال استقراء مجموعة من النصوص التي أثلها الإمام المرشد رحمه الله.
<h2>تعريف السلوك</h2>
<h2>1-السلوك لغة:</h2>
السلوك لغة من فعل &#8220;سلك&#8221; الذي يفيد نفوذ الشيء في الشيء، وفي لسان العرب &#8220;سَلَكَ طريقاً وسَلَكَ المكانَ يَسْلُكُه سَلْكاً وسُلُوكاً وسَلَكَه غَيْرَه وفيه وأَسْلكه إياه وفيه&#8230;سَلَكْتُ الطريقَ وسَلَكْتُه غَيْري&#8230;وأَسْلَكْتُه غيري وسَلَكَ يَدَه في الجَيْب والسِّقاء ونحوهما يَسْلُكها وأسْلَكَها أَدخلها فيهما، والسَّلْكَةُ الخَيْطُ الذي يُخاط به الثوبُ وجمعه سِلْكٌ وأَسْلاكٌ وسُلُوكٌ كلاهما جمع الجمع والمـَسْلَكُ الطريق &#8230; وأَمْرُهُمْ سُلْكى على طريقة واحدة .&#8221;، وفي تاج العروس: &#8220;والسّلْكَى: الأَمْرُ الـمُستَقِيمُ&#8230; وأَمْرُهُم سُلْكَى: على طَرِيقَةٍ واحِدَةٍ&#8230; والمسلَكُ: الطَّرِيقُ والجَمْعُ المسالِكُ &#8230; وسَلَّكَه تسلِيكاً: أَسْلَكَه &#8230; ومن المجاز : خُذْ في مَسالِكِ الحَقِّ.&#8221; 
يتبين من خلال هذا التعريف المعجمي أن دلالات السلوك تفيد معاني السير في طريقٍ (مَسلك) قاصدٍ نحو غاية محددة، ويكون السير فرديا أو جماعيا في مسالك شتى&#8230;
<h2>2-السلوك في القرآن والحديث</h2>
وقد وردت معاني &#8220;السلوك&#8221; في القرآن الكريم في آيات كثيرة تفيد أفعال الدخول والجعل والسير في الطريق، ماضيا وحاضرا ومضارعا، حسيا ومعنويا، فتدبر قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً (سورة الزمر:21)، أي أَدخله ينابيع في الأرضوأجراه عيونا فيها. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً (سورة طه، 53)، أي: جعل لكم طرقا تمشون في مناكبها <a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (سورة النحل:69)، أي ادخلي سُبل ربك، و فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ (سورة المؤمنون:27)، أي أدخِل فيها واحمل فيها الذكور والإناث وأهل بيتك إلا من كذَّب وظلم، واسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (سورة القصص:32)، أدخِلها، ونفس المعنى في: إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (سورة الجن:27)، ولِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً (سورة نوح: 20)، وفِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (سورة الحاقة:32)، أي أدخلوه واجعلوه، ووَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (سورة الجن:17)، ومَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (سورة المدثر:42)، بمعنى ما أدخلكم فيها؟ وكَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (سورة الحجر:12)، فالله تعالى يُسْلِكُ الكفَّارَ في جهنم أي يدخلهم فيها&#8230; 
وفي الحديث النبوي الشريف ورد السلوك في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: &#8220;من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة&#8221; <a id="_ednref1" href="#_edn1">[2]</a>الإمام أحمد (8299)، تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه[/ref] ، فعملية السلوك قوامها عناصر أربعة: سالك، وطريق تُسلَك حسيا أو معنويا، ثم غايةٌ تُقصد، وفي الطريق عراقيل وعقبات. 
وفي الاصطلاح التاريخي يدل مفهوم السلوك على معاني السير في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والاجتهاد في حمل النفس على الاستقامة صحبة شيخ عارف خبير بالطريق. ويشترك دلاليا مع مصطلحات قرآنية ونبوية أخرى كالمنهاج والاستقامة والسير والهداية والاتباع والاقتصاد&#8230;وهنا طرحت الأسئلة الكبرى في أنواع السلوك وشروطه وآدابه وضوابطه وموانعه، فاختلفت فيها الأجوبة وتعددت المدارس.
<h2>السلوك كان من البديهيات</h2>
لا شك أن المسارعة في الخيرات والمسابقة إلى مغفرة الله وجنته هي سير وسلوك وبذل للجهد واقتحام للعقبات في طريق مؤدية إلى الله تعالى، الأسوة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سار على منهاجه القرآني النبوي، و&#8220;السلوك إلى الله عز وجل، والسير إليه، عمل منصوص في الكتاب والسنة، كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الناس به، كان معنى القصد إلى قرب الله عز وجل بالتعبُّد، ومعنى طلب الحظوة عنده والزلفى لديه بالأعمال الصالحة علما مستقرا عندهم&#8221;) <a id="_ednref1" href="#_edn1">[3]</a>. 
ولعل هذا ما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله بقوله: &#8220;كان جميع الصحابة يعلمون السلوك بدلالة الكتاب والسنة والتبليغ عن الرسول، لا يحتاجون في ذلك إلى فقهاء الصحابة&#8221;)، ويضيف: &#8220;مسائل السلوك من جنس مسائل العقائد، كلها منصوصة في الكتاب والسنة&#8230; والصحابة أنفسهم&#8230; لم يتنازعوا في العقائد ولا في الطريق إلى الله تعالى التي يصير بها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين&#8221;) <a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a>. وذلك: &#8220;معناه أن السلوك كان من البديهيات ومما يعلم من الدين بالضرورة. معناه أنهم كانوا يتمثلون حق التمثل أن الدين إسلام وإيمان وإحسان، وأن الناس تتفاضل، وأن الأمر درجات يندب القرآن وتندب السنة إلى المسابقة إليها في مثل قوله تعالى: )سَارِعُوا (سورة آل عمران:133) وقوله تبارك اسمه: )سَابِقُوا (سورة الحديد، الآية: 21)، وقوله عز من قائل: )فَاسْتَبِقُواْالْخَيْرَاتِ (سورة البقرة:148)&#8220;) <a id="_ednref15" href="#_edn5">[5]</a>.
<h2>خصائص السلوك عند الصحابة رضي الله عنهم</h2>
ولقد تميز سلوك الصحابة رضي الله عنهم بكونه السلوك النموذجي الكامل الذي يصح الاقتداء به، واتخاذه معيارا لتقويم وتسديد &#8220;التجارب السلوكية&#8221; في تاريخ المسلمين، والاستناد إليه في تجديد معاني السلوك وقواعده للأجيال الآنية والآتية. فهو:
<h2>1-سلوك تأسٍّ واتباع:</h2>
ذلك أن ساداتنا الصحابة الكرام رضي الله عنهم تربوا في حضن النبوة المطهرة، يسدد المصحوب الأعظم صلى الله عليه وسلم خطاهم ويوجه ويرشد ويقوِّم. يزكيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة. والوحي ينزل، والتطبيق نبوي كامل، فيتأسون بالنموذج الحي الماثل بين ظَهْرانَيهم يحبونه ويهابونه ويوقرونه <a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a>، فأثمرت التربية النبوية أفضل الأجيال وأفضل الأعمال، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (سورة الأحزاب:21)
<h2>2-سلوك عملي جامع:</h2>
ذلك أنهم تلقوا تربية جامعة شاملة، إحسان يربط العبد بربه وينهضه لطلب الزلفى عنده سبحانه، وجهاد يحقق العدل تطبيقا في حياة الناس، فيتصل في فهم المؤمن وسلوكه مصيره الفردي بمصير أمته التاريخي، فيقترن مطلب العدل بمطلب الإحسان. و&#8220;مصير المؤمن المقبل على الله حقاًّ لا ينفك عن مصير أُمَّته. همّ ما بعد موته لا ينفك عن همّ انتصار دين الله واستمراره&#8221;) <a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a>، )عبر التخلق والتحقق بشعب الإيمان البضع والسبعين التي تجسد مضمون السلوك الجامع &#8220;طريقا إلى الله وحلا لمشاكل المجتمع والأمة، ومنهاجا للحكم وتنمية، وسياسة&#8221; ) <a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a>.
<h2>3-سلوك جماعي:</h2>
لم تكن علاقة الصحابة رضي الله عنهم برسول الله صلى الله عليه وسلم علاقة آحادٍ بالشخص الكريم فقط، وإنما كانت علاقة جماعة متحابة متعاونة متطاوعة بإمام مرب قائد تعلموا منه الإيمان والقرآن. &#8220;ورثوا الإيمان، وعُلموه قبْلَ القرآن، وأوتُوه بالصحبة والمحبة&#8221;) <a id="_ednref9" href="#_edn9">[9]</a>، بالصحبة والجماعة. يتتلمذون جماعة على المصحوب النبي صلى الله عليه وسلم تلمذةً تنقلهم أجمعين من حالٍ إلى حال، كلّ حسب استعداده وتقربه وفضله&#8230;ولكلٍّ غناؤه وحظه وسابقته. روى الإمام أحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;يأتي مِن أفناء الناس ونوازع القبائل، قومٌ لم تصِل بينهم أرحامٌ متقاربة، تحابُّوا في الله، وتصافَوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها، يَفزع الناس فلا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون&#8221; <a id="_ednref10" href="#_edn10">[10]</a>.
يتبع&#8230;
<a href="https://wp.me/p6RfNb-1Rz"> في معالم تجديد السلوك إلى الله عند الإمام رحمه الله 3/2 </a>
<a href="https://wp.me/p6RfNb-1U8"> في معالم تجديد السلوك إلى الله عند الإمام رحمه الله 3/3 </a>
<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير ابن كثير، دار طيبة، 1422هـ / 2002م 
<a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a> الإمام أحمد (8299)، تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه 
<a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a>عبد السلام ياسين، الإحسان، ج 2، مطبوعات الأفق، ط1، 1998م، ص: 373[/ref] 
<a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a>ابن تيمية أحمد، الفتاوي، ج 19، ص: 274 
<a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a>الإحسان، ج 2، ص: 374 
<a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a>ينظر: الإسلام غدا، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1393هـ/ 1973م، من ص: 188 إلى ص: 207 
<a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a>عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ط2، 1410ه/1989م، ص: 43 
<a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a>نفس المرجع، ص: 117 
<a id="_edn9" href="#_ednref9">[9]</a>عبد السلام ياسين، الإحسان، ج 1، مطبوعات الأفق، المغرب، ط1، 1998م، ص: 201 
<a id="_edn10" href="#_ednref10">[10]</a>رواه الإمام أحمد(22957)، والحاكم (7318)، وقال صحيح الإسناد.

العقل والوحي في نظرية المنهاج النبوي 3/1

معالم التربية والجهاد في ذكرى الإسراء والمعراج

التزكية والدعوة

العقل والوحي في نظرية المنهاج النبوي 3/1

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

الأستاذ أحمد الملاخ ثالث ثلاثة

همُّ الآخرة هو البداية الصحيحة

سيدي محمد العلوي ومفاتيح الصُّحبة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

في الذكرى 50 لرسالة الإسلام أو الطوفان

مقالات ذات صلة