post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h1 class="wp-block-heading">بين يدي خَصلة &#8220;الذكر&#8221; :</h1>



قال الإمام القشيري في قول الله عز وجل: ﴿ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كَثِیرࣰا ﴾<a href="#_ftn1" id="_ftnref1">[1]</a>: ( الإشارة فيه &#8220;أحِبّوا الله&#8221;، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم&nbsp;قال: &#8220;مَن أحبّ شيئا أكثرَ مِن ذِكره&#8221; )<a href="#_ftn2" id="_ftnref2">[2]</a>.



فلا تنفصل بِحالٍ محبةُ الشيء عن الولوع بذكره. ألا ترى إلى المحب إذا أظهر تَعَلُّق قلبِه بمحبوبٍ، ولم يجعله أنيسَه في الخَلوة، وحديثَه في الجَلوة، كان حرِيّاً أن يُتَّهَم بالادّعاء، ويُحذَف اسمُه من ديوان الاصطفاء.



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; إِلّا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; وَلا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; &nbsp;&nbsp;إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي



وقد جمع الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بين المحبة والذكر حين أخبر عن أهل المنابر يوم القيامة أنهم ( الـمُتحابُّونَ في اللهِ مِنْ قبائلَ شَتَّى يَجْتَمِعُونَ على ذِكْرِ اللهِ يَذْكُرُونَهُ )<a href="#_ftn3" id="_ftnref3">[3]</a>.



يقول الإمام الرفاعي قدَّس الله سِرَّه: ( ذكر الله يتبُتُ في القلب ببركة الصحبة؛ &#8220;المرءُ على دين خليله&#8221; )<a href="#_ftn4" id="_ftnref4">[4]</a>.



لذلك لم يكن بِدعا من الأمر أن تَستتبِع خَصلةُ الصحبة والجماعة هذا الركنَ العظيم من أركان التربية الإيمانية. ( بل هو العمدة في هذا الطريق، ولا يصل أحد إلى الله تعالى إلا بدوام الذكر )<a href="#_ftn5" id="_ftnref5">[5]</a>.



من خصائص &#8220;الذكر&#8221; أن الله تعالى ( لَمْ يَفْرِضْ عَلى عِبادِهِ فَرِيضَةً، إلّا جَعَلَ لَها حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أهْلَها في حالِ العُذْرِ، غَيْرَ الذِّكْرِ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ، ولَمْ يَعْذُرْ أحَدًا في تَرْكِهِ إلّا مَغْلُوبًا عَلى عَقْلِهِ، وأمَرَهم بِهِ في الأحْوالِ كُلِّها. فَقالَ تَعالى: &#8220;فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ&#8221; )<a href="#_ftn6" id="_ftnref6">[6]</a>. &nbsp;كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.



يشمل الذكر كلَّ ما يُقرِّب إلى الله بشرط الإخلاص والاتباع. مفتاحه صحبة ربانية تُحرك ما سكَن من الأشواق، وتوقظ الغافل استعدادا ليوم التلاقي، وتحيي القلب المَوات بذكر الحيّ الباقي. ( تذكر الله في ملأ عندما تؤذن للصلاة، وعندما ترفع شعار التوحيد بين المتنكرين لدينهم، وعندما تدعو هذا وذاك وهذه الجماعة وتلك إلى الله. تحاضر، وتحاج، وتخاصم في الله. كله ذكر. والورد المواظب عليه بآداب الذكر، ومنها الطهارة واستقبال القبلة والحضور القلبي، منه تأتي القوة التي تحملك إلى محافل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ).<a href="#_ftn7" id="_ftnref7">[7]</a>



الذكر بناء ما يلبث أن يتهاوى إن لم يقم على أساس متين من التقوى، وأداء الحقوق، وحسن الخلق، والتهمم الدائم بأمر الأمة.



تَصُبُّ في معاني هذه الخصلة شُعَبٌ وروافدُ تنقل العاملَ بها من تيه الغفلة والقعود إلى استقامة الذكر والجهاد. وينتقل بملازمتها من كلمات تجري على اللسان إلى حضور يغشى القلب، ويرتفع بالمداومة عليها من الطمع في ما عند الله إلى طلب المولى الحق.



وهذه الشعب – والتي سنبسط القول فيها إن شاء الله تِباعا &#8211; هي: لا إله إلا الله، ثم صلاة الفريضة، ثم النوافل، ثم تلاوة القرآن، ثم مداومة الذكر، ثم مجالس الإيمان، ثم التأسي بأذكار رسول الله ﷺ، ثم الدعاء بآدابه السنية، ثم التأسي بالأدعية النبوية، ثم الصلاة على النبي ﷺ، ثم التوبة والاستغفار، ثم الخوف والرجاء، ثم ذكر الموت وما بعده.



<h1 class="wp-block-heading">لا إله إلا الله :</h1>



عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة -وفي رواية البخاري: بضع وستون شعبة-؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان )<a href="#_ftn8" id="_ftnref8">[8]</a>. وفي روايات أخرى أفضلها وأرفعها.



لا يملك من لديه أدنى مستوى من استيعاب منطوق الكلام – عند اطلاعه على هذا الحديث -، إلا أن يُقبِل على الإكثار من قول لا إله إلا الله يقينا في موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعملا بوصيته، وطلبا للترقي في مدارج الإيمان.



ويزيد المعنى تأكيداً الأمرُ المباشر بهذا الإكثار، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( جددوا إيمانكم قيل: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله ).



بل وردت السنة العملية بذلك، فعَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ حَاضِرٌ يُصَدِّقُهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ؟» يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ. فَقُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ وَقَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً، ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللهُمَّ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرْتَنِي بِهَا، وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَاد )، ثُمَّ قَالَ: ( أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ )<a href="#_ftn9" id="_ftnref9">[9]</a>. &nbsp;&nbsp;



ما أسعدَهم، جاءتهم البشرى الصادقة بالمغفرة، على لسان من لا ينطق عن الهوى. وكذلك يَسعَدُ بشفاعته صلى الله عليه وسلم من اشتغل بالكلمة الطيبة خالصا من قلبه، كما أبلغنا بذلك السعيدُ – بحرصه على الحديث – سيدُنا أبو هريرة رضي الله عنه.



لا إله إلا الله مفتاح الجنة، والعاصمة من الدماء والأموال، والمُنجية من الخلود في النار.



لا إله إلا الله أفضل الحسنات، والبطاقة التي تطيش أمامها كلُّ السّجلّات.



كيف يزهد فيها المؤمن وهي أفضل الذكر، وخيرُ ما قال صفوةُ الخلق من الأنبياء والمرسلين.



وكيف لا يستهتر بها الذاكر وهي التي تُكثِر الوُلوج على ربها، فيستبشر بها وصالحُ خَلْقِه. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله : ( فَجُند الله زادُهم لا إله إلا الله، كلمةٌ مُجدِّدةٌ على اللسان، يُكثرون منها. والإكثار لم يُعَيَّنْ حَدُّه. ونرى أن المئات من المرات لا تكفي، يلزم حزب من لا إله إلا الله آلاف المرات بالعشي والإبكار وما بينهما، بالغدو والآصال، آناء الليل وأطراف النهار )<a href="#_ftn10" id="_ftnref10">[10]</a>.



يقول الأستاذ الشاعر منير الركراكي حفظه الله في قصيدته عن الكلمة الطيبة :



قُلْها أخي قُلْها فإن لها صدى



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; يمحو عن القلب الخبائث والصَّدا&nbsp;



قُلْها وأكثِر، فاز مِنّا مُكثر



&nbsp;&nbsp; &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;مِنْ قولِها أمضى الحياة مفرِّدا&nbsp;



جدِّد بها الإيمان من فرط البِلى



&nbsp;&nbsp;&nbsp; &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;أكرِم بها متصدِّقا متزوِّدا&nbsp;



هي كِلْمة ضرب الرسول لنَا بِها



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; مَثَلَ الأصيلة فرعُها يَطوي المدى&nbsp;



كالنخلة الهيفاء تؤتي أكْلها



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;دوماً بإذن الله يا نِعْمَ الجَدَا&nbsp;



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="#_ftnref1" id="_ftn1">[1]</a> &nbsp;سورة الأحزاب : 41.



<a href="#_ftnref2" id="_ftn2">[2]</a> &nbsp;القشيري، عبد الكريم بن هوازن، لطائف الإشارات، المجلد1، الطبعة الثالثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2000، ص 164.



<a href="#_ftnref3" id="_ftn3">[3]</a> &nbsp;رواه الطبراني رحمه الله.



<a href="#_ftnref4" id="_ftn4">[4]</a> &nbsp;الرفاعي، أبو العباس أحمد، البرهان المؤيد، طبعة مزيدة ومحققة1421هـ/2000م، مؤسسة السيروان- قطري بن الفجاءة، ص47.



<a href="#_ftnref5" id="_ftn5">[5]</a> &nbsp;القشيري، عبد الكريم بن هوازن، الرسالة القشيرية، دار جوامع الكلم، ص 253.



<a href="#_ftnref6" id="_ftn6">[6]</a> &nbsp;القاسمي، محمد جمال الدين، محاسن التأويل، ط 1، الناشر: عيسى البابي الحلبي، 1376 – 1957. ص4878.



<a href="#_ftnref7" id="_ftn7">[7]</a> &nbsp;ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، دار الآفاق، الطبعة الرابعة 1422هـ/2001م، ص:157.



<a href="#_ftnref8" id="_ftn8">[8]</a> &nbsp;رواه البخاري ومسلم رحمها الله.



<a href="#_ftnref9" id="_ftn9">[9]</a> &nbsp;رواه أحمد رحمه الله.



<a href="#_ftnref10" id="_ftn10">[10]</a> &nbsp;ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، دار الآفاق، الطبعة الرابعة 1422هـ/2001م، ص40.

التزكية والدعوة

الكلمة الطيبة “لا إله إلا الله”

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

نوافل الصلاة

الغيبة وحرمة المؤمن

الصلاة عماد الدين

الكلمة الطيبة “لا إله إلا الله”

البر وحسن الخلق

رعاية حقوق المسلمين والإصلاح بين الناس

مقالات ذات صلة