post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;دعا الله عز وجل الإنسان ذكرا وأنثى إلى اقتحام العقبة فقال عز من قائل:&nbsp;﴿فلا اقتحم العقبة ومآ أدراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة&nbsp;&nbsp;يتيما ذا مقربة&nbsp;&nbsp;اَو مسكينا ذا متربة&nbsp;&nbsp;ثم كان من الذين ءامنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة﴾&nbsp;&nbsp;(البلد: 11-17). إنه نداء رباني لسلوك سبيل الحق الموجب لرضا الرحمن، حيث يتم التجرد فيه من كل الشوائب الحائلة بين العبد وربه.&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;إن تخطي العقبة واقتحامها إيذان بالتحلي بالصبر واليقين، وباستنفاذ كل الأسباب المعينة على هذا الاقتحام أثناء السلوك إلى الله. ونخص بالذكر هنا سلوك المؤمنة إلى ربها وما يعترضه من عقبات. فما دلالات مفهوم اقتحام العقبة؟ وما العقبات التي تعترض سلوك المؤمنة الفردي والجماعي؟ وما المفاتيح المنهاجية&nbsp;&nbsp;لتجاوز هذه العقبات؟ وكيف نستلهم ذلك من خلال نساء صدقن في سيرهن نحو العلي الكريم مقتديات في ذلك بالصحابيات الجليلات. تحدين الصعاب وأصبحن رمزا للتضحية والصبر والاستماتة يقينا في موعود الله عز وجل، وبأن النصر صبر ساعة، وبأن اقتحام العقبة &#8220;تحرير وعدل وسيادة&#8221;<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn1">[1]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">1ـ دلالات مفهوم &#8220;اقتحام العقبة&#8221;</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;الاقتحام من فعل اقتحم يقتحم اقتحاما، وهو كما قال الراغب الأصفهاني: &#8221; توسط شدة مخيفة&#8221;<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn2">[2]</a>، وهو الدخول في الأمر الشديد. والعقبة هي طريق وعر في الجبل، فلا اقتحام بدون عقبة، وما وجدت تلك العقبة إلا ليكون الاقتحام. وهو مفهوم قرآنى له دلالته التربوية والفكرية والحركية، ولا شك أن هذه الدلالات تشكل السمات البارزة للفكر المنهاجي، وبهذا عُدَّ مفهوم &#8220;اقتحام العقبة&#8221; مفهوما محوريا داخل نظرية المنهاج النبوي على اعتبار أنه رأس المفاهيم المنهاجية، والباعث على حث السير، والتطلع إلى مشارف الإحسان باتقاء كل العوائق والعقبات التي تحول بين العبد وربه.



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;ولقد أظهرت روح التجديد التي أُضْفِيت على هذا المفهوم الجانب المشرق في سلوك المؤمنة إلى الله تعالى بتجاوز الأحكام التفصيلية إلى فهم عميق وشامل جعلها تطلب الكمال. تشربت من معيني الصحبة والجماعة، فتلاشت كل العوائق، واستنار الفهم فاقتحمت العقبة حيث اكتملت الرؤية لتشمل كل الجوانب المشكلة لهذه العقبة، واستجابت للنداء الرباني وأيقنت أن العبرة باستنهاض الهمم وطول النفس والصبر على المكاره وتخطي الصعاب والأخذ بالأسباب، فالطريق قاصد والمطلب عظيم. وفي معنى الاقتحام يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: &#8220;فأول ما نفهمه من العبارة تحرك سالك إلى مسلوك إليه، صعدا&nbsp;&nbsp;وارتقاء. تقرب العبد إلى ربه&#8221;<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn3">[3]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">2ـ عقبات فى سلوك المؤمنة الفردى والجماعى:</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;أول عقبة&nbsp;&nbsp;تعترض سبيل المؤمنة نفسها وما علق بها من شوائب نتيجة ما أسماه الإمام رحمه الله أنانيات مستعلية وذهنيات رعوية وعادات جارفة، وما ترسخ فيها كذلك من أثر الفقه المنحبس الذي شل إرادتها فحاصرها وصادر ما حباها الله تعالى به من عزة ورفعة وحظوة في نيل أعلى الدرجات والترقي في مدارج الإحسان والكمالات. وفي استشرافه لتجاوز الفقه المنحبس، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: &#8220;من لنا بفقه يستفيد من ذخائر أئمتنا دون أن يقف معها وينحبس في أفقها ويقلد طرائقها في التفريع وتفريع التفريع إلى أن يغيب عن النظر المشهد الكلي والأهداف الكلية والغاية النهائية!&#8221;<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn4">[4]</a>.



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;وفي ظل العولمة تتداخل الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتثقل كاهل المؤمنة، وتحول دون خلاصها المأمول. تُستهدف المؤمنة اليوم في عقيدتها وهويتها وفي بيتها. تطاول المغتربون على الأسرة وسعوا إلى زعزعة كيانها واستقرارها، وذلك من خلال تغييب دور المرأة المسلمة بوصفها الحاضنة والراعية والملهمة الرشيدة. سلطوا الضوء على نموذج المرأة المتحررة المنسلخة من جذورها فسخروها في الترويج لثقافتهم الهدامة القائمة على الحرية المطلقة والاستهلاك المفضي إلى تشييئ المرأة واعتبارها سلعة رخيصة، وهذا يوازي حضورها في المشهد السياسي الذي ينشد التغيير ويتوق إلى تحقيق مكتسبات على حساب طمس هويتها وتشويه فطرتها.



<h1 class="wp-block-heading">3. المفاتيح المنهاجية لتجاوز هذه العقبات:</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;أولى هذه المفاتيح &#8220;القوة الذاتية&#8221; التي يعرفها الإمام رحمه الله بقوله: &#8220;أقصد بالقوة الذاتية قوة الإيمان الفاعلة&nbsp;&nbsp;المعززة بأخلاق الإيمان وإرادة الإيمان المتوجهة الوجهة المرضية عند الله الواعية بصعوبة الطريق السعادي ووعورتها وعقباتها، السخية بالمال والنفس تبذلهما ثمنا بخسا لجزاء الغرفة والتحية والسلام والنظر إلى وجه الله الكريم&#8221;<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn5">[5]</a>.



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;ولا تعزز هذه الإرادة الإيمانية إلا بانخراط المؤمنة في المشروع التربوي المتكامل والذي تتحقق فيه شروط التربية: الصحبة والجماعة، والذكر والصدق لتندرج بعدها باقي الخصال العشر<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn6">[6]</a>&nbsp;ارتقاء وصعودا عبرها إلى مدارج الكمال الروحي والخلقي والعلمي والجهادي. هذا الارتقاء من أجل الكمال يستلزم وعيا بوعورة الطريق، وإصرارا على مواصلة المسير بعد التوكل على العلي القدير استعدادا وإعدادا و صبرا وإنجازا مع الجماعة وثباتا على الحق.



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;إن الارتقاء اقتحام على الدوام, وسلوك جامع بين الغايتين الإحسانية والاستخلافية، يزدوج فيه السلوك الفردي بالجماعي ليكتمل الاقتحام، فيعتبر الإمام رحمه الله أن عملية الاقتحام على وعورتها وتشابك مسالكها لدى النفس البشرية لا تقتصر على الجانب الفردي، لأنه سوف يرتب خللا عميقا في تحقيق الاقتحام من منظوره المتكامل، لأنه &#8220;ما لم ينضم الفرد للجماعة ويتعاون معها على إقامة&nbsp;&nbsp;شرع الله فإنه لم يقتحم العقبة&#8221;<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn7">[7]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">4 . المرأة الفلسطينية نموذج المؤمنة السالكة إلى ربها المقتحمة بثبات وصبر ويقين فى موعود الله:</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;حررت المرأة الفلسطينية إرادتها من كل الشوائب حين تعلق قلبها بالحق ولا شيء غير الحق. فاختارت السلوك الجهادي طاعه لله ورسوله&nbsp;ﷺ. تشرب كل من يحيط بها من همتها العالية التي لم تزحزحها قساوة الظروف المعيشية، ولا آلة الحرب العاتية، ولا خشونة العدو الصهيوني الذي أتى على الأخضر واليابس، فعلى العكس، لم يزدها ذلك إلا قوة وصلابة فباتت الشهيدة وأم الشهيد وزوج الشهيد وأخت الشهيد، وكان ذلك عنوان انتصارها ومبعث فخرها واعتزازها، فإما نصر وإما شهادة. اختفت كل العقبات بفضل صبرها وثباتها ويقينها في موعود ربها، لما تحصنت بكتابه عز وجل، وبملازمة ذكره، ولم تتوان في الأخذ بالأسباب دفاعا عن المسجد الأقصى وعن قضيتها وقضية كل مسلم، وما آلاء النجار منا ببعيد، عقبات وأي عقبات اقتحمتها آلاء لتحضن أشلاء أبنائها التسعة بصبر واحتساب.&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;وثمة نموذج آخر لامرأة خارج فلسطين، كانت الغيرة على بيت المقدس وعلى دين الله حافزها، حيث اقتحمت العقبة بل العقبات حين اعتلت منصة أكبر شركة لبرمجيات الحاسوب في العالم لتواجه مسؤوليها بتورطهم في حرب الإبادة الجماعية في حق أطفال غزة العزة وفلسطين عموما، وتبرئ ذمتها أمام الله تعالى؛ إنها المغربية ابتهال أبو السعد التي ستظل صرختها المدوية رمزا للجهر بكلمة حق في مواطن الخطر، وباعثا على استصغار كل عقبة مهما كبرت مادامت الغاية الله. وما خاب عبد كان ذلك مسعاه.



<h1 class="wp-block-heading">خاتمة:</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;لقد بات واضحا أن وجوب الاقتحام أصبح ضرورة في سلوك المؤمنة الفردي والجماعي، بل إن ارتقاء الأمة رهين بمدى فاعليتها وحضورها الوازن أثناء هذا الاقتحام. وهذا يبدو جليا في قول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله: &#8220;لو أصبح المسلمون فردا فردا على أتقى قلب واحد منهم، ولو اجتهدوا في الأعمال الصالحة ما اجتهدوا، ثم لم يؤلفوا قوة اقتحامية جماعية&nbsp;&nbsp;تكون المرأة&nbsp;&nbsp;فيها فعالة&nbsp;&nbsp;لفاتهم فردا فردا درجة الجهاد، ثم لفات الأمة ما فاتهم، ولترَدَّت الأمة بتردِّيهم عن الدرجة العالية، ولتبدد حاضرها وضاع مستقبلها بتبدد إرادتهم وتشتتها&#8221;<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftn8">[8]</a>.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref1">[1]</a>. ياسين، عبد السلام.&nbsp;&nbsp;الإسلام&nbsp;والقومية العلمانية، ص: 27.



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref2">[2]</a>. الراغب الأصفهاني، الحسين. معجم مفردات القرآن، ص: 440.



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref3">[3]</a>. ياسين، عبد السلام.&nbsp;&nbsp;مقدمات في المنهاج، ص: 36.



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref4">[4]</a>. ياسين، عبد السلام.&nbsp;&nbsp;تنوير المؤمنات، ج 2، ص: 85.



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref5">[5]</a>. المرجع نفسه، ج 1، ص: 16.



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref6">[6]</a>. وهي البذل والعلم والعمل والسَّمت الحسن والتُّؤدة والاقتصاد والجهاد.



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref7">[7]</a>. ياسين، عبد السلام.&nbsp;&nbsp;الإسلام غدا، ص: 24.



<a href="applewebdata://B5BE6639-6699-43B3-A142-FA177BE166ED#_ftnref8">[8]</a>.&nbsp;ياسين، عبد السلام.&nbsp;&nbsp;تنوير المؤمنات، ج 1، ص: 20.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;

المرأة والأسرة

المؤمنة واقتحام العقبة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

المؤمنة واقتحام العقبة

مقالات ذات صلة