post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h2>استهلال</h2>
<p>ونحن نحيي الذكرى الأولى لوفاة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله وأكرم نُزُله أتشرف بكتابة هذه السطور اعترافا بفضل الرجل الذي كان السبب في خروجي من ظلمات الغفلة والبعد عن الله إلى نور الهداية وطريق الحق. اقتلعني، ضمن الآلاف المؤلفة من المؤمنين والمؤمنات، من أرض الخمول ليعلِّق هممنا بالطلب العالي الغالي، طلب وجه الله الكريم، ثم رسخ أقدامنا في أرض التدافع نُصرةً لدين الله ولأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجزاه الله عنا أفضل ما يكون الجزاء وجعلنا في صحيفته من المحسنين. <br />قال الله تعالى في كتابه الحكيم على لسان نبيه هود عليه السلام مخاطبا قومه: <span class="quran">ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين</span>. [ref]سورة الأعراف، الآيتان 61-62.[/ref] <br />وقد كان هذا هو شعار وبرنامج ومَهَمة أنبياء الله، نصحوا لأقوامهم ولم يضرهم من خالفهم حتى أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة وماتوا على ذلك. وهكذا قضى الله عز وجل أمره إلى أن بُعث خاتم الأنبياء بخاتمة الرسالات: <span class="quran">اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا</span>. [ref]سورة المائدة، الآية 3.[/ref] فبُعث سيد الناصحين صلى الله عليه وسلم بأفضل النصيحة وأكملها. <br />ومن جوامع الكلم التي أوتي مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في ما رواه الإمام مسلم رحمه الله عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه: <span class="hadith">&#8220;الدين النصيحةّ – ثلاثا-، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم&#8221;</span>. الدين كله بما هو إسلام وإيمان وإحسان يجتمع في النصيحة التي بلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم وورّث أمانة تبليغها لأمنائه من بعده. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: <span class="hadith">&#8220;&#8230; وفضلُ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكَواكبِ إنَّ العُلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا دِرهمًا إنَّما ورَّثوا العِلمَ فمن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ&#8221;</span>. [ref]أخرجه الترمذي رحمه الله عن أبي الدرداء رضي الله عنه.[/ref] <br />وقد اجتهد العلماء أمناء النبي في أداء الأمانة وإسداء النصح على القدر الذي ناله كل واحد منهم من الإرث النبوي؛ فمنهم من أفنى عمره صادقا في النصح لله ولرسوله مكتفيا بذلك عن باقي المقومات الأخرى المكملة للنصيحة كما جاءت في الوصف النبوي، والتي لا ينال شرف تبليغها كاملة إلا الأمين <span class="citation">&#8220;الوارث الكامل المتحقق بتبعيته الشاملة للرسول صلى الله عليه وسلم، النادر حتى لا تجد إلا واحدا في الخلق بعد أن تصعد الحساب إلى آلاف الآلاف تعدها حتى ينقطع نفسك&#8221;.)</span> [ref]الإحسان 1 ص 218.[/ref] <br />ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نشهد أن الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله كان متحققا بتبعيته الشاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. تجلى ذلك في قيامه بواجب النصيحة على النحو الذي أخبر به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبالأمانة التي يقتضيها فعل ذلك. <br />ونعرض الآن إلى بعض ما قام به الإمام من واجب النصيحة. </p>
<h2>النصيحة لله تعالى</h2>
<p><span class="citation">&#8220;وأوصي كل ذي همة يقظة أن لا يكون له من دون وجه الله عز وجل مطلب يحجبه عن الله. طلب الثواب والأجر والجنة شرع من الشرع. وإرادة وجه الله، والسعي إلى مرضاة الله بما يرضي الله ويقربنا من الله مرمى الهمم العالية. بشرط العمل الدائب والنية المتجددة&#8221;.)</span> [ref]وصية الإمام عبد السلام ياسين.[/ref] <br />لقد عاش حياته رحمه الله لهذه الغاية العظمى: طلب وجه الله، بل أفنى عمره في الاشتغال بهذا الطلب ودعوة الناس وحفزهم للسعي نحوه. نصح لله حين عافت نفسه الدنيا فأقبل على مولاه طالبا مُجدا مُلحا باكيا، دائم الوقوف لا تفتر له عزيمة ولا تبرد له همة. ثم خرج يبحث عمن يدله على الله لمّا أيقن أن لا سبيل إلى معرفة الله إلا بصُحبة وارثة تأخذ باليد وتضع القدم على طريق السلوك الصحيح. ولما تحقق له المبتغى باللقاء الموعود مع الشيخ العباس رحمه الله تعالى، بذل بقية عمره في الدلالة على الله دلالة خبير حاز الوراثة الكاملة فضلا من الله ونعمة، فصدح بالنصيحة لله تعالى، مذكرا بالله، داعيا إلى الاشتغال بذكره آناء الليل وأطراف النهار. يقول رحمه الله تعالى في وصيته الأخيرة: <br /><span class="citation">&#8220;أوصي بذكر الله في الملإ والخلاء. وأوصي بالذكر كما هي مفصلة آحاده في خصلة «الذكر»&#8221;.)</span> <br />ومن حرصه على النصح لله تعالى أنه كان يُحذر من أن يُشغلنا هم إقامة الدين وهم نصرة الأمة عن التهمم بلقاء الله عز وجل <span class="citation">&#8221; ويحك! إن لم تصحح القصد وتصدُقْ في الطلب قيل لك يوم يكلَّل هامُ الأمة بتاج الخلافة في الأرض: قم، فقد استوفيت حقك، ونلت ما كتب لك، وأُعْطيتَ سُؤْلك، لم تطلب الله يوما. ومن فاته الله فاته كل شيء. ويحك! طلبت منه النصر والجنة، ما طلبت قربه والنظر إلى وجهه! وما طلبت مقعد الصدق عنده مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ضاع عمرك!&#8221;.)</span> [ref]الإحسان 1 ص 353.[/ref]</p>
<h2>النصيحة لكتاب الله</h2>
<p>لقد كانت للإمام صحبة ملازمة للقرآن، منه يبدأ وإليه يرجع في كل أموره. لا يرى دواء ولا حلاّ ولا مخرجا إلا في كتاب الله. تعلّمه وحرص على تعليمه حتى إنه رحمه الله لم يكن يدع فرصة يلتقي فيها بالمؤمنين والمؤمنات إلا وسأل عمن يحفظه، ثم يحفز ويرغب ويحث على التهمم بحفظه قبل الانتقال إلى الدار الآخرة وأن يكون كل واحد منهم <span class="citation">&#8220;مدرسة قرآنية تنتقل عبر الأجيال&#8221;)</span>. <br />ومن حرصه رحمه الله على خدمة القرآن أنه كان يوصي بتعلم اللغة العربية مفتاح معرفة كنوز الكتاب الحكيم، حيث لا سبيل لفهمه وسبر أغواره وتعلم أحكامه إلا باللغة العربية، ويوصي بتلاوته مع إمام المسجد، وبجعله مائدة الرباطات الطويلة لا يشغل المؤمنين عنه شاغل. <br />وتبقى أكبر شهادة على نُصح الإمام عبد السلام لكتاب الله، المؤتمر الدولي المنعقد بمدينة إسطنبول حول <span class="citation">&#8220;مركزية القرآن في المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين&#8221;)</span></p>
<h2>النصيحة لرسول الله</h2>
<p>إنه حفيد رسول الله، العاشق لجده المصطفى صلى الله عليه وسلم، والمتفاني في إحياء سنته والذود عنها بماله وولده ونفسه. نصح لحبيبه بخلافته في أمته بالرحمة والرفق النبويين، وبتجديد دينها على المنهاج النبوي. نصح لحبيبه بامتثال أوامره في أدق شؤونه وأعظمها، بالرجوع إلى منهجه في التربية والتعليم والتزكية. كان دائما يؤكد أنه لا يرضى بأقل من الجلوس على عتبة منبر رسول الله على الله عليه وسلم ينهل من مشكاة النبوة ما أضاء به حياته وحياة أهل بيته وجماعته وحياة الأمة جمعاء. </p>
<h2>النصيحة لأئمة المسلمين</h2>
<p><span class="citation">العلماء والأمراء)</span> <br />أما العلماء فلم يتوانى في دعوتهم إلى القيام بواجبهم في تبليغ دعوة الله. طاف عليهم داعيا إلى توحيد الكلمة وتركيز الجهد من أجل تعبئة الأمة وراء علمائها. ثم كاتبهم وخاطبهم مذكرا بالثغر الذي يقفون عليه وبالمسؤولية التي يحمل كل واحد منهم على عاتقه، وبواجبهم في أداء أمانة التبليغ كما أمر الله تعالى وعلى منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم. <br />وأما الأمراء فوالله ما عرفوا أفضل ناصح أمين منه، أحب لهم الخير فوجههم إليه وحثهم عليه، أرادهم لآخرتهم فقام وصدع بكلمة الحق لم يخف في الله لومة لائم ولا سطوة ملك غرّه ملكه وغرّه بالله الغرور. <br />كتب رسالة الإسلام أو الطوفان للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في مائة صفحة، ذكّره فيها بنسبه الشريف ودعاه إلى توبة عُمَرية وإلى استثمار خيرات الأمة في بنائها وخدمتها وحسن قيادتها. وبعد رحيل الملك عن الفانية، وجّه لابنه محمد السادس مذكرة إلى من يُهمه الأمر دعاه فيها إلى تصحيح أخطاء أبيه وإلى إرجاع مال الأمة المنهوب، ثم عرض عليه التوبة إلى الله والرجوع إليه والاعتبار بمن سبقه حتى لا يغتر بالبهجة الزائفة التي تخفي وراءها حقيقة المعضلات والويلات التي يعيش فيها الشعب المغربي المغلوب. <br />ثم نصح لقادة السياسة بدعوتهم إلى الكف عن التلاعب بمصير الأمة وبتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية، ودعاهم إلى صياغة ميثاق وطني على أعين الشعب وتنخرط فيه كل مكونات المجتمع لتحقيق النهضة المرجوة. </p>
<h2>النصيحة لعامة المسلمين</h2>
<p>إنها أمة حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كتب لها بدمه وخاطبها بقلبه وروحه. قضى عمره داعيا إلى الله وإلى سنة رسوله الكريم، مشفقا محبا رحيما صابرا محتسبا، دائم الوقوف بالليل والنهار على باب الكريم راجيا مولاه أن يرحم الأمة وأن يلطف بها. <br />لقد نصح بمواقفه، بكلامه، بكتاباته، بعلمه وبسلوكه. لم يدع طول حياته فرصة لأداء واجب النصيحة كما أمر بها النبي على الله عليه وسلم باذلا جهده وماله وأهله وراحته وروحه. فنعم الناصح الأمين إمامنا المرشد الحبيب سيدي عبد السلام ياسين! <br />وستظل الوصية الأخيرة التي كتبها سنوات قبل انتقاله إلى جوار ربه أكبر نصيحة جامعة مانعة تركها للجماعة ولعامة المسلمين. نسأل الله تعالى أن نقدرها قدرها وأن نوفق في تنفيذها.</p>


التزكية والدعوة

الناصح الأمين

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الناصح الأمين

مقالات ذات صلة