post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بيت المودة والرحمة | 
قال الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾.[1] وقال عز شأنه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.[2]
الزوج في اللغة هو الرجل، ويمتد معناه إلى المرأة أيضا؛ فهو زوج وهي زوج وهما معاً زوج.[3] فلا ينفك أحدهما عن صاحبه، شأنهما في ذلك شأن السماء والأرض والشتاء والصيف والليل والنهار، ومن كل شيء خلق الله زوجين اثنين، فتبارك الله أحسن الخالقين.
تقف العلاقة الزوجية على قدمي المودة والرحمة وتسري في دمائها روح التساكن، مودة فطرية وبهجة جسدية وميل طبيعي تتكامل مع الرحمة القلبية والرضى العقلي وتساكن الأرواح، كل ذلك أساس بناء البيت وعماده.
فعلى هذه الأسس يقوم <a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d8%b1%d9%88%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%88%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d8%b5%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d9%8a/">بيت الزوجية</a> ليكون حصنا منيعا أمام رياح الفتن ومعاول الهدم، وعلى كاهل الزوجين المؤمنَين معا تقع مسؤولية الحفاظ على منعة الحصن وقوته. من أجل ذلك &#8220;تنفق المؤمنة من كنوز المحبة، واحتياطي المداراة، وملطفات الأجواء بالخدمة واللياقة واللباقة، ومنْجِدات التحمل والصبر. وصْلُ ما أمر الله به أن يوصل من عُرا القرابة إصلاحٌ في الأرض، وإصلاحٌ للعمل. لا تأْلو المؤمنة جُهداً في تلافي ما يفصل ويقطع ويوحش&#8221;.[4]
الصبر أساس العلاقة الزوجية والمحبة غذاؤها. يصبر كلا الزوجين على طبع صاحبه وما تربى عليه، ويعالجان المشكلات أولاً بأول، فإن تراكمها أهم أسباب الفشل.  ولا يستنكف الزوجان عن الاستماع إلى بعضهما وإزالة اللبس وسوء الفهم عن كل سلوك برز من أحدهما، والمبادرة إلى رأب الصدع من قريب، فيكون اللسان رطبا بالكلمة الطيبة وتكون اليد مبسوطة بالهدية على قدر المستطاع. 
تمر أيام الزواج الأولى وينقضي «شهر العسل» فتنقشع عن قيس وليلى سحب المراهقة الزوجية، وتنكشف لهما طباع شخصيتيهما، فتبرد الحماسة وتنطفئ لوعة الشوق وتنتقض قصيدة الشِعر وتموت الكلمات العذبة أو تكاد، فيشرع داء الملل في التسرب إلى أساسات العلاقة الزوجية، وتتحطم سفينة المثالية على صخور الظروف الاقتصادية والواقع الاجتماعي.
وأول ما يعترض الأزواج في بداية مشوارهما عقبة الارتباط بالأهل والعائلة، وصعوبة رفع السلطة الأبوية. فكيف تصافي الحماة وتتقبل من «سرقت» منها ابنها، وهي التي حملت وأرضعت وغذت واحتضنت وسقت عوده حتى اشتد&#8230; ثم تأتي من أقصى المدينة من تقطف الثمار وتستظل تحت عطفته.
وقلّما تجد المؤمنة حماة عاقلة تخشى الله عز وجل وتعمر قلبها بتقواه، فتعاني الزوجات الشواب مع الأحماء اللائي تأبين قطع حبل المشيمة، وتقاوم لتمنع عن بيتها التدخل في خصوصيات بيت الزوجية. فإن &#8220;كان الأحماء من طينة بشرية غيرِ ما تعهَد المؤمنة، وإن كانت المفاجآت وخيبات الأمل فوق ما كانت تتوقع أو فوق ما تحتمل، فذاك البرهان على أن المؤمنة لا تزال غِرّة في الحياة، وأنها لم تستشر قبل الزواج، ولم تُغَلب العقل على العاطفة، والتريث على العَجَلة. أو أنها قاسَت قياسا فاسدا فظنت العسَلَ ليس حولَه نحْلٌ، وأن الرجل الصالحَ لا تكون له فُروع لها طعم غير طعمه. وعندئذ فليس ما دون المصابرة من مَقيلٍ إلا أن يوسع الله الرزق، وترضَى الراعِيَة المسؤولة في بيت زوجها، ويرضى الزوج، وتُرَضَّى الرعيَّة من الأجيال المنازعة بالسَّكَن المستقِل&#8221;.[5]
عقبات كثيرة أمام الزوجين تحول دون توفر البيئة المثالية التي يسعيان إلى تحقيقها، عقبة طباعهما وتعلق الأحماء وقسوة السلطة الأبوية وحقائق الواقع الاجتماعي البئيس وضغوط الحياة اليومية ومتطلباتها التي تثقل كاهل رب الأسرة. فإن لم يكن للوازع الإيماني مكان في بيت الزوجية صارت الأمور إلى انصهار في أتون العادات الموروثة وانجراف نحو تيار الاستهلاك اليومي وتأفف متواصل من واقع العيش النكد.
مفتاح السعادة الزوجية في بحث الزوجين الدائم عن سبل بلوغ الحياة الطيبة. نجلس لنتتلمذ ونسمع صوت الحق، نجلس لنستمع إلى الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله يحدثني وإياك عن الحياة الطيبة وما ينبغي للأزواج أن يسعوا إليه، فيكون للصلة بين الزوجين معنى ويكون الزواج وصلة إيمانية تقربهما من ربهما عز وجل. 
يقول الإمام رحمه الله: &#8220;الحياة الطيبةُ جزاءُ المؤمن والمؤمنة هنا إن عملا صالحا وأقاما شرع الله في علاقاتهما. والحياة الطيبة في الجنة هي الجـزاء الأوفى الأبقى. يتغير كل شيء في فكر المرأة والرجل وسلوكهما إن آمنا باليوم الآخـر. وتنقلب دولتهما النفسية العقلية إن قويَ هذا الإيمان فصـار يقينا. [&#8230;] في الدنيا يتواصَلُ المؤمن والمؤمنة بكلمة الله، فتلك الحياة الطيبة. ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾. المرأة الصالحة للرجل الصالح نعمة ما مثلها نعمة: يتعاونان على دنياهما وأخراهما. «الدنيا متاع [أي امتداد قصير]، وخير متاعها المرأة الصالحة». حديث نبوي رواه مسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو.
طابت حياته وحياتها هنا لِمَا يَتَيَقَّنان من أنها عبورٌ إلى دار البقاء، فيأخذان نصيبَهما من نَعمة الدنيا دون أن يستعجلا ما هو من شأن الآخرة: النعيم المقيم. وباليقين المسبق والجزاء المحقق تطيبُ آخرتهما&#8221;.[6]
عن هذه المعاني يبحث المؤمنون والمؤمنات ويتعاونون فيما بينهم حتى يندرج مشروع الزواج وصرح العمران في هذه الحياة ضمن مشروع تغييري، تغيير في الأنفس والآفاق، يصلح الله تعالى بهما وبذريتهما الأرض مع أهل الخير طالبي العدل المتطلعين إلى مقامات الإحسان والقرب من الملك الوهاب سبحانه.
&nbsp;
[1] . سورة الأعراف، الآية: 189. [2] . سورة الروم، الآية: 20. [3] . انظر مادة: [زوج] في لسان العرب وغيره من المعاجم. [4] . ياسين، عبد السلام (2018) تنوير المؤمنات، ج2، (ط. 4). بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر. <a href="https://siraj.net/ar/read?id=1063&amp;page=206">ص. 206.</a> [5] . تنوير المؤمنات، ج2، ص. 206. [6] . ياسين، عبد السلام (2018) العدل: الإسلاميون والحكم، (ط. 3). بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر. ص. 280-281.

بيت المودة والرحمة

الأطفال والشباب في سياق رقمي رؤية منهاجية

القوامة والحافظية

معالم السياق العام لقضية المرأة في نظرية المنهاج النبوي

المسؤولية التربوية في نظام الأسرة

الزواج بآدابه الإسلامية وحقوقه

الإحسان إلى الوالدين وذوي الرحم والصديق

المرأة والأسرة

بيت المودة والرحمة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

بيت المودة والرحمة

مقالات ذات صلة