مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

جوانب من البعد الإنساني في فكر الامام: قضية المرأة نموذجا

0
جوانب من البعد الإنساني في فكر الامام: قضية المرأة نموذجا

جوانب من البعد الإنساني في فكر الامام: قضية المرأة نموذجا:

مقدمة 

إن المطلع على فكر الأستاذ عبد السلام ياسين، والمتتبع لكتاباته ومواقفه، يلحظ انفتاح خطابه على الانسان من حيث إنسانيته في مشارق الأرض ومغاربها، بغض النظر عن أصوله التاريخية والثقافية ودون التقيد بحدوده الجغرافية، وبغض النظر عن جنسه ذكرا أم أنثى بل في حركاته وسكناته يلامس هموم الانسان عبر الزمان والمكان، إيمانا منه بأن كل ما في الكون يكتسب صلاحيته ومنطقه ووظيفته ومعناه من الانسان.

ولعل سر هذا الجمع هو حرص الأستاذ المرشد على الاستمداد مباشرة من المرجعية القرآنية شِرعةً والسير على خطى النبوة منهاجا، لإعادة بناء ما انخرم من حصون في كيان الأمة المسلمة عبر محن التاريخ التي مرت بها، فـ”الشرعة خاطبت الإنسان، والمنهاج حقَّق النموذج الإنساني” [ref]- عبد السلام ياسين، محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى، مؤسسة التغليف والطباعة والتوزيع للشمال، طنجة، ط1، 1994، ص35.[/ref] في الأرض عدلا وإحسانا مجتمعين ومتكاملين، يقول رحمه الله: “اقترحنا على أنفسنا وعلى الانسان الرخاء في الأرزاق والعدل في القسمة ومعهما الاحسان والأخوة الإنسانية”، [ref]- عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1994، ص219 [/ref]مقترحٌ متكاملٌ يتناسب مع الفطرة التي فطر الله عليها بني آدم، لأن العدل عماد العمران واستقامة في حقوق الله وفي حقوق العباد، والإحسان روح الحياة الإنسانية المثلى بمعانيه العبادية والأخلاقية، الدنيوية والأخروية. فالله عز وجل خلق الإنسان وهيأه لكرامته في الدنيا باعتبار آدميته كما هيأه للخلود في الآخرة جزاء كسبه هنا.

يقترح الإمام رحمه الله لبناء كيان الأمة مستقبلا مشروع “العمران الأخوي”، و”العمران الأخوي يريد الاستخدام الأمثل للقدرات، واستيعاب كل أفراد الأمة”[ref] – المرجع نفسه، ص183 [/ref]بنسائها ورجالها، متخطيا الرؤية المتقلصة التي تهمِّش المرأة في ركن بعيد ومعزول عن قضايا الأمة، ولا قضية مجردة من كل أبعادها الإنسانية. فكيف تفاعل فكر الإمام مع قضية المرأة؟ وأية علاقة بين مصيرها الفردي ومصيرها الإنساني؟

هذا ما سأتناوله بالدراسة من خلال مبحثين أساسيين أخصص الأول منهما للتكريم الإنساني للمرأة، تاركة الحديث عن الروابط بينها وبين المصير الإنساني للمبحث الثاني.

المبحث الاول: التكريم الإنساني للمرأة

يؤكد الأستاذ رحمه الله على اشتراك المرأة والرجل في حقيقة التكريم الإلهي، فالله عز وجل كرم الإنسان وسخر له كل المخلوقات رجلا كان أو امرأة، وكلاهما يناديه القرآن الكريم وعلى السواء للعمل الصالح والجزاء الوفاق في الدنيا والآخرة، قال تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَىٰ وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”(النحل:97). لذلك من حق المرأة أن تحظى بالتكريم، وأن تتمتع بحقوقها كاملة غير منقوصة، وأن تهيأ لها السبل للقيام بوظائفها المجتمعية من موقعها كامرأة كما كانت عهد النبوة مكرمة بنتا وأما وزوجة، فاعلة مؤثرة في محيطها ومجتمعها.

الانتصار لقضية المرأة نصرة للمستضعفين.

من أخطر الانزلاقات في معالجة قضية المرأة الزج بها في صراع مفتعل بين التقليد والحداثة، والأجدى أن تعالج على ضوء التدافع بين الاستكبار والاستضعاف، بين الجور والعدل، بين القيم المادية المجردة وقيم التكريم الإنسانية. من هذا المنطلق يمكن القول أن الأستاذ رحمه الله انتصر لقضية المرأة لما عهد عليه من نصرة المستضعفين والوقوف في صف المقهورين والمظلومين في كل مكان، حيث استنكر العديد من مظاهر الظلم النفسي والاجتماعي التي تتعرض له المرأة سواء بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية ولاجتماعية أو ما يرتكب في حقها باسم القوامة والدرجة، فقد اعتبر الأستاذ عبد السلام ياسين من يعنف المرأة رجلا عاريا من المروءة ناقصا في الدين، [ref]- عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، 1996، 1/219 [/ref]أما عن التعدد فقد قال: “تعدد الزوجات في شريعة الإسلام حل استثنائي لحالات استثنائية، ما هو أصل وقاعدة… التعدد ضرورة لحل مشاكل خاصة، ضرورة لوقاية النشء وكفالته”،[ref] – المرجع نفسه، 2/189[/ref]كما أكد على حريتها في الاختيار طالما أنها في فضاء الشرع، فهي حرة في اختيار زوجها وإلزام خاطبها بشروط تضعها هي (بما فيها عدم التزوج بأخرى) وطلب الطلاق، والعمل، وتحمل عدة مسؤوليات اجتماعية ومهنية، وكذا التصرف باستقلالية في مالها .[ref]- عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، مطبوعات الهلال، وجدة، ط1، 2000، ص210[/ref]

يستنكر الأستاذ ياسين رحمه الله بشدة ما آلت إليه أوضاع المرأة من انحطاط عبر التاريخ كان ولايزال مرتبطا بالتحولات السياسية والاقتصادية والفكرية التي حولت الانسان عموما والمرأة على وجه الخصوص إلى آلة استهلاكية وموارد مادية مجردة من كل قيم إنسانية. لذلك ما فتئ يؤكد في معظم كتاباته وبطرق مختلفة أن المرأة انحطت بانحطاط المسلمين، بدءا من تدهور نظام الحكم من خلافة على منهاج النبوة إلى ملك عاض وراثي بمقتضاه ينتخب الوالد ولده ويعهد إليه أمر المسلمين يورثه إياه كبعض ما يورث من المتاع. ولم تلبث المرأة أن أصبحت سلعة في السوق وجارية في القصور ومحظية وكما ومهملا، حتى إذا جاء عصر اللائكية عصر وكلاء الاستعمار يبشرها بأنها دخلت عصر الحرية لتكون كمثيلاتها الكاملات في الغرب سيدة جسدها، انتحلت المتغربات نحلة الغالب فهن داعيات مناضلات بجنب حقوق الإنسان، أي حقوق المرأة في أن تنعتق من ربقة كانت فيها كما مهملا وسلعة”، [ref]- للمزيد من المعلومات انظر تنوير المومنات، مرجع سابق، 2/ 25-355[/ref] إذن فهي ضحية معاناة من انكسار تاريخي وفقه منحبس واحتلال وتقاليد بالية… كلها أسباب أوصلت المرأة إلى ما أصبحت عليه اليوم.

تحرير للمرأة مقدمة لتحرير المجتمعات

ولعل من أهم ما أكد عليه الأستاذ عبد السلام ياسين أن الصحابيات كنَّ محررات الإرادة، يجالسن المومنيين ويؤاكلنهم ويستضفن ويصحبن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشمرن ساعة الجد يطلبن العلم ويأخذن المبادرة، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس، فقلت للجارية استأخري عني، قالت إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت إني من الناس”، [ref]- مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 4254 [/ref]فلا يمكن أن يتحقق ذلك ما لم يكن الهم الأول لكل مؤمن ومؤمنة نيل رضى الله، مع المطالب بتحرير الإرادة للقيام بالمهام المنوطة بها ورفع الظلم عن نفسها ومجتمعها. قدوتها في ذلك خريجات المدرسة النبوية، النماذج الكاملة من النساء، فكما أن شرع الله انتشل من قبل المرأة العربية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من غياهب القهر والمعاناة، أصبح من العاجل اليوم أن تستنقذ المرأة المسلمة المعاصرة ـ التي فاقت اختها الجاهلية سقوطا ـ من براثن الظلم والإهمال.[ref]- عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، مرجع سابق، ص209[/ref]

هكذا كانت النساء عهد النبوة من أمثال أم عمارة، وأسماء الصديقية، وخولة بنت ثعلبة، وأم سلمة وغيرهن من النساء اللواتي انبهر الأستاذ رحمه الله كما انبهر غيره من شجاعتهن وأخلاقهن وعطائهن. فتحرير الإرادة إذن هو وسيلة المرأة لاسترجاع كرامتها الآدمية، يوازيه تحرر من العجز والتبعية الاقتصادية، فيعطلها حق النفقة زوجة وأما، ويعطاها حق المتاع مطلقة، وأجرة كريمة عاملة وأن تهيئ لها ظروف الاستقرار في بيتها، لأن عليه يتوقف استقرار المجتمع والدولة.[ref]- عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط 1، 2009، ص117[/ref]

يريد الأستاذ عبد السلام ياسين للمرأة أن تكون فاعلة، نموذجا مناقضا تمام المناقضة للمرأة “الحرمة”؛ ذلك الكائن الساكت يمر من الحياة كأن لم يمر منها على حد تعبيره. وألا تكون نسخة من المرأة الغربية التي أصبحت لها وظيفة تقنية وكأنها مجرد قطعة لتأتيت المشهد الاقتصادي والسياسي. بل يريد لها أن تنهل مباشرة من المدرسة النبوية مدرسة السلوك الجهادي الجامع.

كان يريد رحمه الله إنصاف كل النساء وليس النخبة فقط لذلك عدد تجليات المظلومية التي تشترك فيها أغلب النساء وهن القاعدة، ويهيب بها أن تتسلح إلى جانب الإرادة بالعلم كسلاح لخوض معركة التغيير. يقول: “حقوقك التي كفلها الشرع تنتزعينها من تعسف الرجل، وتتقدمين عليه بالعلم كي لا يحتكر هو الاجتهاد ويميل به إلى سوء استعمال الدرجة، ثم واجباتك في صد العدوان على الدين مما يليك علما يشرق في القلوب إيمانا وتصديقا وفي العقول تدبيرا وتطبيقا”.[ref]- عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، مرجع سابق، 1/213[/ref]

هكذا تتحرر المرأة إذن حرية تتناسب مع كرامتها الإنسانية والفطرة التي فطر الله عليها بني البشر، حرية لا تحققها بمفردها بل بمواساة إخوانها طبقا لمقتضيات الرحم الإنسانية الجامعة. وذلك معناه أن للمرأة حق المواساة كما عليها، فقضيتها يجب أن تحظى بالاهتمام نصرة للمستضعفين، وليس من الحكمة القول بأن مظلومية المرأة مفتعلة وطارئة لتدبير بعض التوازنات الثقافية، ذلك أن شرف المرأة وكرامتها وحريتها تقتضي أن تُعبد لها الطريق وتوفر لها الوسائل لتنال حقوقها كاملة غير منقوصة.

وكل حق من حقوق الانسان رغم أهميته في تكريم الإنسان، إلا أنه يظل في حاجة إلى حق معرفة ربه، وواجب وجوده وسعيه في الأرض. فـ”ماذا يعني أن تختار المرأة الآخرة على الدنيا، وأن تستحبَّ مرضاة الله تعالى على مرضاة هواها؟ أهي البِطالة والعَطالة والاستقالة من أعباء الدنيا، والخروج من دائرة النشاط الحياتي؟ نذكر بهذا الفهم الزَّهاديِّ لنؤكد في منظور القومة ومستقبل بناء الأمة أنَّ اختيار الحياة الطيبة على الحياة الدنيا يعني مزيدا من العمل الصالح المثمر الذي تزكيه النية الجهادية والتعاون الجماعي على البر والتقوى، فيصدر من كل مؤمن ومؤمنة مساهمة فعالة منتجة تقتحم العقبات وتتقدم ولا تُحْجِمُ.[ref] – عبد السلام ياسين، العدل، الإسلاميون والحكم، مرجع سابق، ص314[/ref]

المبحث الثاني: تحرير المرأة ودورها في بناء الأمة والحركة الانسانية:

يقترح الأستاذ عبد السلام ياسين مشروع العمران الأخوي الذي يحفظ للإنسان كرامته الآدمية، ويسعد فيه باكتشاف معنى وجوده، وينال فيه حقه الأسمى في معرفة خالقه المحرر له من عبودية الخلق وهذا ما أكده البيان النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم: “لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. [ref]- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، كِتَاب الْإِيمَانِ، بَاب مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ، رقم الحديث: 12[/ref] أخوة يحصرها البعض في الأخوة الإيمانية فيكون بذلك قد ضيق واسعا، وحبس مداها الممتد للأخوة الإنسانية الجامعة كما بين الأستاذ عبد السلام ياسين غير ما مرة.

المرأة والانسانية مصير مشترك. الإسلام يُعنى بفطرة الإنسان وكرامته وحرماته وحريته وحقوقه، لإسعاده وتوجيهه إلى الخير، لتحقيق أكبر منفعة للإنسان، لخدمته والسمو به،[ref]- للمزيد من المعلومات انظر يوسف القرضاوي، البعد الإنساني في الإسلام، برنامج الشريعة والحياة، قناة الجزيرة بتاريخ: 12-11-2006.[/ref]قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وبَاطِنَةً}، وقال أيضا: {وآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وإن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}(لقمان:20)

يعتبر الأستاذ قضية المرأة المسلمة وقضايا المسلمين الأخرى شأن واحد. والحديث عن تحرير المرأة وإنصافها، وعن تاريخ بلائها دون ربط ذلك بالسياق التاريخي السياسي الاقتصادي الفقهي الاجتماعي فصلٌ اعتباطي لما لا ينفصل،[ref]- عبد السلام ياسين، تنوير المومنات،1/26. [/ref]والوعي المصيري يفرض العمل الجماعي على قاعدة البدل والعطاء والبر، ويتحرك كيان المرأة نحو الكمال في حركة متناسقة ومتكاملة نحو كمال فردي أخلاقي ونحو مشروع مجتمعي متكامل خدمة للإنسانية والمستضعفين، وتحقيقا للعدل الذي يبنى على منطق التدافع بين الاستكبار والاستضعاف، بين الجور والعدل، بين البهيمية وقيم التكريم الإنسانية. وبذلك يكون للمرأة دورها في بناء الأمة والحركة الإنسانية.

وذلك أن المؤمنة من حيث هي مؤمنة -لا مجرد ربة بيت وراعية أسرة- تعلم أن رخاء ذويها مَنوط برخاء الإنسانية على وجه الأرض، وأن رخاء الإنسان والسلام في العالم يكونان الجو الأنسب لبث دعوة الإسلام [ref]- المرجع نفسه، ص 130.[/ref]التي هي رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين (والتي وللأسف أصبحت دين اقلية في زمن العولمة التي جعلت من القيم الغربية دينا عالميا). لذلك لابد أن يكون للمرأة مكانتها في بناء وترسيخ قيم العدل والحرية والكرامة. مسؤولية جسيمة هي إزاحة الباطل من مواقعه قدما قدما ثم بناء الحق لبنة لبنة، صبر وجلد وتحمل وطول نفس، ورفق مع ذلك لا عنف، آن أن توقظ المؤمنات بنات جنسهن ليقدن جهادا مختلف الأشكال، متنوع الوجوه، شاملا لكل مرافق الحياة، جهاد التعليم والتتويب والتوعية ومحو للأمية العقلية والسياسية، المسؤولية السياسية تلزم المرأة بالعمل الدؤوب لتحقيق العدل، هكذا ينظر رحمه الله للنساء وعلى هذه المبادئ يربي جيلا من النساء والرجال جندية وفاعلية ومسؤولية، تدرج ورفق، فإذا ساد العدل عم الإنصاف الرجال والنساء وتغيرت العقليات وولد الإنصاف ولادة طبيعية من رحم المجتمع. لا ولادة قيصرية تفرضها نصوص قانونية بإملاءات دولية لتزيين الواجهة الخارجية.

مسؤوليات المرأة

ما على المرأة المسلمة جهاد في الساحات الدموية إلا أن يكون النفير العام عندما يطأ الأعداء الحمى. وهم في العصر الحاضر وطِئوه واحتلوه زمانا بجسومهم حتى باضوا وفرخوا. فالنفير عام لجهاد تتقدم فيه المؤمنات ولا يتأخرن. جهاد آلته العلم وسلاحه الحكمة، لا الخناجر. فإنما تقتل الخناجر أفراداً يخلفهم من الطغاة احتياطي صُنع هناك ويصنع.[ref]- المرجع نفسه، ص 214.[/ref]

الجهاد كلمة قرآنية جامعة تلخص مسؤولية المرأة، جهاد متعدد الواجهات، متعدد الوسائل، جهاد ممتد في الزمان والمكان، جهاد عمرٍ آلته العلم وسلاحه الحكمة، جهاد تربية وتعليم وتعبئة، وتدافع. جهاد لاقتحام عقبات الفكر، العادات، الفقه المنحبس… فإذا كانت المرأة الغربية انتزعت بعض الإنصاف بنضال وتطور اجتماعي لم يرق حتى اليوم إلى ما حققته عهد النبوة، فالمرأة المسلمة لا تقل عنها كفاءة. جهادٌ قاعدي بنائي ينطلق من الأسرة لبناء جيل مؤهل عالي الهمة محرر الإرادة حاملا لا محمولا، فاعلا لا مفعولا به.

إن “الاسرة القوية عماد الأمة القوية، والأم المربية المصلحة عماد الأسرة”، [ref]- المرجع نفسه، ص130.[/ref] و”الأم المريدة وجه ربها الخائفة منه المتشوقة إلى لقائه، الواثقة بوعده، المتعلمة، العالمة بما لها وما عليها مما رسمته لها شريعته العاملة على ذلك، هي الأس ومنها البناء”، [ref]- المرجع نفسه، ص229. [/ref]لذلك على المؤمنة واجب “ألا تضع غثاء، ولا تتسبب في التكثير الأرنبي بينما غيرها يربي صقورا ونمورا”، [ref]- المرجع نفسه، ص228.[/ref]وموقعها الاجتماعي بصفتها أما مؤمنة يلزمها العمل على تربية أطفالها نفسيا وعقليا ليتأهلوا في مهنة الاندماج الاجتماعي، ومهنة الإنتاج الاقتصادي [ref]- المرجع نفسه، 2/220.[/ref] كل ذلك لا يعفي المرأة من دورها في المشروع التجديدي لإعادة بناء كيان الأمة، فموقع المؤمنة السياسي يحتم عليها العمل على إنجاح المشروع التغييري الإسلامي، وقبل ذلك المرأة الصالحة مدعوة لكسب الفضائل ومقاومة الرذائل، وامتلاك القوة الإيمانية الإرادية للترقي صعدا في معارج الكمال الروحي والكمال الخلقي والكمال الجهادي، [ref]- المرجع نفسه، 1/15. [/ref]قوة ذاتية شرط في تنزيل نصر الله.

خاتمة:

هكذا تحدث الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله عن المرأة التي احتلت مكانة عظيمة في فكره كتباً وحديثاً وممارسةً، تلك المرأة الانسان التي شُيئت واستُعملت عبر مدار التاريخ ولاتزال كقطعة لتأتيت المشهد السياسي والاقتصادي حتى جردت من كل قيمة إنسانية، أو ركنت بين الجدران باسم الدينِ والدينُ بريء من ذلك، فهي شقيقة الرجل، يشملها ما يشمله في إطار الشرع برحمته وحكمته، ومعنية باستكمال إيمانها تحقيقا للعبودية الكاملة له سبحانه، فاعلة في تغيير واقع أمتها المتردي وبناء أمة قوية تنعم بالرخاء والازدهار، مستقلة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وفكريا، لتكون خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحمل رسالة الإسلام، رسالة العدل الشامل في الأرض، كي تنعم بالحياة الطيبة السعيدة في الدنيا والآخرة، رسالة إنسانية تنطلق من الانسان ومن أجل الانسان تكريما لآدميته بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه..

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد