post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

حسن الخلق، وفضائله؛
       أولى الإسلام الأخلاق المنزلة العالية، واعتبرها المقصد الأسمى، فحث عليها، وأعظم أجرها، فالأخلاق هي ثمرة الإيمان والعبادات والعقيدة، فإن حسنت وكملت، حسنت الأخلاق وكملت، وإذا انهارت العقيدة والعبادات، انهارت الأخلاق.
<h2>أولا: مفهوم حسن الخلق:</h2>
1- تعريف الأخلاق:
&#8211; لغة: الطبع والسجية والدين والمروءة.
&#8211; اصطلاحا: قال الجرجاني: &#8220;عبارة عن هيئة للنفس راسخة، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة، كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا&#8221;، والأخلاق في نظر الإسلام، هي مجموعة القواعد والمبادئ المنظمة للسلوك الإنساني، التي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان، وتحديد علاقته مع غيره، على نحو يحقق الغاية من وجوده على أكمل وجه[1]. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته، الدعوة إلى مكارم الأخلاق، فقال عليه السلام:&#8221; إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق&#8221;[2].
      والخلق في الإسلام ليس مجرد سلوك عابر أو أمر ثانوي، بل هو عبادة يؤجر عليها ومجالا للتنافس بين المسلمين، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرب الناس إليه يوم القيامة من اتصف بمحاسن الأخلاق، فمن أهم العوامل التي تساعد على إنهاء الخلافات والعدوات بين الناس، هو حسن الخلق، فكم من عداوة انتهت وحلت مكانها المودة، وكان السبب هو حسن الخلق[3].
<h2>2- معنى حسن الخلق:</h2>
      إن معاملة الناس بالأخلاق الحسنة تكون من خلال معاملتهم بما يحب الإنسان المسلم أن يعاملوه، وذلك مما هو مباح شرعا، وان يحمل نفسه على معاشرتهم بكل ما هو جميل في المعاشرة، وذلك من خلال طلاقة الوجه، ولين ولطف الجانب، والتلطف في سياستهم، ومقابلة السيئة بالحسنة، وغير ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن&#8221;[4]. قال المناوي في فيض القدير:&#8221; أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة وجه، وحلم، وشفقة وخفض جانب، وعدم ظن السوء بهم، وتودد إلى كل كبير وصغير، وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم. يقال فلان يتخلق بغير خلقه، أي يتكلف وجمع هذا بعضهم في قوله: وأن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك، فتجتمع القلوب وتتفق الكلمة، وتنتظم الأحوال وذلك جماع الخير وملاك الأمر&#8221;
      وفي شرح الأربعين نووية: (وقوله: &#8220;وخالق الناس بخلق حسن&#8221;، معناه: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:&#8221; إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وحسن الخلق من صفات النبيين والمرسلين وخيار المؤمنين، لا يجزون بالسيئة السيئة بل يعفون ويصفحون ويحسنون مع الإساءة إليهم)[5].
<h2>3- أخلاق النبوة:</h2>
       التحلي بحسن الخلق فيه اقتداء بخير البرية صلى الله عليه وسلم، فقد كان خلقه القرآن، يحكم بين الناس بالعدل، ولا يسأل شيئا إلا أعطاه، وكان أشد الناس تواضعا، يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين لا يجفو على أحد ويقبل معذرة المعتذر إليه، ولم يكن فظا ولا غليظا، ولا يجازي السيئة بالسيئة بل كان يعفو ويصفح.
      وانعكس حسن خلقه صلى الله عليه وسلم في بيته، فقد كان يخصف النعل ويرقع الثوب ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم معهن، ويساعدهن في أعمال المنزل، ولم يضرب امرأة أبدا ولا حتى خادما. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: &#8220;ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى&#8221;[6]. وقال رسول الله صلى الله عيه وسلم: &#8220;خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي&#8221;[7].
<h2>ثانيا: فضائل حسن الخلق، وأهميته:</h2>
      تكمن أهمية الخلق الحسن، وتتجلى فضائله فيما يلي[8]:
* يعتبر حسن الخلق من أعظم روابط الإيمان، ومن أعلى درجات العبادة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: &#8220;أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا وخيارُكم خيارُكم لأهلِه&#8221;[9].
* يؤدي حسن الخلق لنيل محبة النبي صلى الله عليه وسلم، والقرب من مجلسه عليه السلام يوم القيامة.
* يجذب الناس إلى الدين الإسلامي والهداية والطريق المستقيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ملازما للخلق الحسن في جميع أحواله وأوقاته، كما كان متخلق بأخلاق القرآن، الأمر الذي دفع العديد من الناس للدخول في الإسلام بعد أمر الله عز وجل.
* يؤدي إلى الفوز والنجاح في جميع الأمور، سواء أكانت خاصة، أو عامة.
* يحبب صاحبه إلى جميع الناس، بما في ذلك الأعداء، بينما ينفر الناس من صاحب الخلق السيئ، ويبتعدوا عنه.
* ينير قلب المسلم، ويوسع مداركه، ويهتدي إلى مواطن الحق.
* يزيد الأعمار، ويعمر الديار[10].
* يستر العيوب، حيث يغطي على الكثير من القبائح، فقد يبتلى الفرد بالعيوب الخلقية من دمامة وغيرها، ويكون معرضا للسخرية والذم، ولكن حسن الخلق يجمل هذه الأمور[11].
      وقد وردت آيات قرآنية وأحاديث شريفة كثيرة تحث المسلم بالتحلي بحسن الخلق منها:
* قوله تعالى:&#8221; وإنك لعلى خلق عظيم&#8221; (القلم:4).
* &#8220;وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا إياه وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون&#8221; (البقرة:83)
* &#8220;ولا تستوي الحسنة السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم&#8221; (فصلت:34).
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:&#8221; أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم لنسائهم خلقا&#8221;[12].
* عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:&#8221; إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم&#8221;[13].
* عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن قال:&#8221; أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل&#8221;[14].
ثالثا: من كلام الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى عن &#8220;حسن الخلق&#8221;
       يقول الإمام عبد السلام ياسين: &#8220;هذه الشعب من شعب الإيمان، وسائر شعب الإيمان البضع والسبعون، ركائز سلوكية لا يمكن لطامح في مقامات الإحسان وسلوك طريق العرفان أن يتجاوزها أو أن يتنكبها، وإلا كان كمن يبني على غير أساس&#8221;[15]. وقال رحمه الله: &#8220;المؤمنون أبرار، والبر حسن الخلق، فمن لاحظ له فيه يستعان بما لديه من خير لكن لا يعول عليه، وغياب هذه الشعبة من مجموع المؤمن تسقط أهليته للعضوية، لأنه لا صحبة مع سوء الخلق والانفعال الغضبي، ومعها تسقط كل شعب هذه الخصلة&#8221;[16].
      ولقد أعطى الإمام عبد السلام ياسين لمفهوم الأخلاق بعدين متكاملين، أحدهما شرعي تعبدي والآخر إنساني مروئي، فالأخلاق وفق المنظور الأول ليست مجرد تجمل ظاهري، ولا مصانعة للواقع وتملق مصلحي، بل هي أمر تعبدي واستجابة شرعية، وهي وفق المنظور الثاني، في ارتباطه بالعبد الأول، ليست معاملة مقصورة على فئة دون غيرها، بل يتسع مجالها ليشمل عامة الموجودات وكافة الناس، المسلم وغير المسلم، والصديق والخصم، يقول رحمه الله :&#8221; نخلص من هذا أن الخلق والدين مقرونان في اعتبار الشرع، وأن المروءة إنسانية وخلق وعقل وحرفة&#8221;[17]. فكمال الأخلاق من كمال الدين ومن تمام الأيمان. وفي هذا السياق يقول الإمام عبد السلام ياسين: &#8220;وامتلاك النفس وحملها على مكاره الشهوة والهوى ومحاب الله ورسوله، رأس الخلق، وكمال الأخلاق من كمال الدين&#8221;[18].
      الخلق الحسن معيار أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة، وأوصى به وألح في الوصية كي لا يظن المسلمون أن الله يقبل تدينا رهبانيا &#8220;سماويا&#8221; حتى يكون تعاملنا مع الناس في الأرض مقوما بقيم أهل الأرض. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:&#8221; أتدرون ما المفلس؟&#8221; قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال:&#8221; إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.&#8221;&#8221; أردى المفلس سوء خلقه في النار، فمعيار الخيرية وميزان الأهلية الخلق. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:&#8221; إن أحسن الحسن، الخلق الحسن&#8221;. وقال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى:&#8221; إن البكائين في المساجد العاكفين على التلاوة والذكر لن يكونوا هم أهل النور والربانية إلا إن كان سلوكهم العملي مع الناس، الأقرب فالأقرب، سلوكا أخلاقيا مروئيا يزنون بميزان العقل واللياقة والكفاءة والجدوى وحسن الأداء كل أعمالهم&#8221;[19]. وعن أنس رضي الله عنه قال: قالت أم حبيبة: يا رسول الله، المرأة يكون لها زوجان ثم تموت، فتدخل الجنة هي وزوجاها، لأيهما تكون للأول أو للآخر؟ قال:&#8221; تخير فتختار أحسنهما خلقا كان معها في الدنيا، يكون زوجها في الجنة، يا أم حبيبة، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة&#8221;[20].
<h2>خاتمة:</h2>
      إن شمولية الأخلاق ينبغي أن تكون دافعا للمسلمين إلى العودة إلى الأخلاق الإسلامية لينهضوا من جديد، ويعلموا أن لديهم اكتفاء ذاتيا في مجال الأخلاق، بالتالي لا يحتاجون إلى التخلق بأخلاق الآخرين. إنما نحتاج إليه هو أن نعلم أن الأخلاق الإسلامية اعتقاد بالجنان، لا قول باللسان فقط. إن المسلمين جميعا مطالبون اليوم بالاجتهاد في تطوير الأخلاق الإسلامية ونشرها، حتى تصبح قادرة على مقارعة &#8221; الغزو الثقافي&#8221;، فالأخلاق هي التي تسموا بالإنسان وترفعه درجات، وتدفعه إلى العمل والبناء وتشييد الحضارة.
       وإن لحسن الخلق مكانة كبيرة في حياة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قائلا:&#8221; اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي&#8221;.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أقرب الناس مجلسا من المصطفى عليه الصلاة والسلام بحسن أخلاقنا مع الله، ورسوله، ومع جميع خلقه.
[1] &#8211; الجرجاني، &#8220;التعريفات&#8221;. الصفحة: 101. [2] &#8211; رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن ابن هريرة. ج:24 / ص:333. [3] &#8211; غالب، عبد السلام. &#8220;الأخلاق أهميتها وفوائدها&#8221;. [4] &#8211; رواه الإمام أحمد في مسنده، مسند . [5] &#8211; رواه أبو ثعلبة الخشني، &#8220;مجمع الفوائد&#8221;. ج:8 / ص:24. المحدث الهيثمي. [6] &#8211; سنن ابن ماجة. حديث رقم: 1627. [7] &#8211; رواه الإمام الترمذي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها. [8] &#8211; يُـنظر: سعيد بن علي وهف القحطاني. &#8220;فضل حسن الخلق&#8221;. [9] &#8211; رواه الإمام المنذري في &#8220;الترغيب والترهيب&#8221;. ج:3 / ص:358. [10] &#8211; مسعد، حسين محمد. &#8220;حسن الخلق&#8221;. (الطبعة: الثالثة: 2014م). ج:1 / ص:47. بتصرف. [11] &#8211; مسعد، حسين محمد (2014)، &#8220;حسن الخلق&#8221;. ج:1 / ص:47. بتصرف. (مرجع سابق). [12] &#8211; الترمذي، الجامع الصحيح. حديث رقم: 1162. [13] &#8211; سنن أبي داود. حديث رقم: 4798. [14] &#8211; شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، كتاب: الجامع. باب: حسن الخلق. الصفحة: 395. [15] &#8211; ياسين، عبد السلام الإحسان، ص255. [16] &#8211; ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي&#8221;. الصفحة: 149. [17] &#8211; ياسين، عبد السلام. &#8220;رسالة حسن الخلق&#8221;. (مارس: 1989). [18] &#8211; ياسين، عبد السلام. تنوير المؤمنات. (الطبعة الأولى، مصر). ج:2 / ص:51. [19] &#8211; ياسين، عبد السلام. &#8220;رسالة حسن الخلق&#8221;. (مرجع سابق). [20] &#8211; رواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير. باب: &#8220;مَا أَسْنَدَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ&#8221;. حديث رقم: 18121.

التزكية والدعوة

حسن الخلق، وفضائله؛

أضف تعليقك (4 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

حسن الخلق، وفضائله؛

مقالات ذات صلة