post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h1 class="wp-block-heading">مقدمة</h1>



الحمد لله الذي بعث فينا خير رسله، وأنزل علينا أفضل كتبه فجعله ربيع قلوب المؤمنين ونور صدورهم وجِلاء أحزانهم وذهاب همومهم. والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد، من جمع الله القرآن في صدره وأجراه على لسانه وفهمه له تفهيما، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾<a href="#_ftn1" id="_ftnref1">[1]</a>، وقال الله سبحانه وتعالى معرفا كتابه: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾<a href="#_ftn2" id="_ftnref2">[2]</a>. فهو النور المنَزّل على من أرسله الله سراجا منيرا صلى الله عليه وسلم ليخرج العباد من الظلمات إلى النور: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِن الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾<a href="#_ftn3" id="_ftnref3">[3]</a>، إنه كلام الله وكفى،&nbsp; وأنّى لنا أن نتلوه أو نحفظه لولا أن يسّره المولى عز وجل لذلك: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْر فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾<a href="#_ftn4" id="_ftnref4">[4]</a>. قال ابن عباس رضي الله عنهما: &#8220;لولا أن الله يسره على لسان الآدميِّين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل&#8221;<a href="#_ftn5" id="_ftnref5">[5]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">اقرأ وارق</h1>



حثنا الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم على الإقبال على الحفظ فقال: &#8221;اقْرَؤُوا القُرْآنَ ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ&#8221;<a href="#_ftn6" id="_ftnref6">[6]</a>. ويزيد صاحب المقام المحمود وحامل لِواء الحمد صلى الله عليه وسلم واصفاً كرم الله لصاحب القرآن يوم القيامة فيقول: &#8221;يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً&#8221;<a href="#_ftn7" id="_ftnref7">[7]</a>.



ومَثّل خيرُ خلق الله صلى الله عليه وسلم حافظَ القرآن بالملائكة الكرام، وبشَّر المجتهدَ في تعاهده مع ما يَجد منه من شِدّة التَّفَلُّت بالأجر المضاعف فقال: &#8221; مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ&#8221;<a href="#_ftn8" id="_ftnref8">[8]</a>.



ولقد كان الإمام ياسين رحمه الله يحث على حفظ كتاب الله تعالى وفهمه وتدبره والعمل به، <a></a><a></a><a></a><a></a><a></a><a>يقول رحمة الله عليه: &#8220;ويكون للمؤمن ورد للحفظ، يبدؤه بالسور والآيات الفاضلة القصيرة، مثل آية الكرسي، وسور يس، والسجدة، والملك، وسور المفصل. فما حفظ أكثر من تلاوته والقيام به لئلا يتفلت. ثم يعمد إلى الزهراوين البقرة وآل عمران، ويعقد مع الله تعالى عقدا أن يحفظ القرآن كله قبل موته، ويستعينه على ذلك، ويبذل كل الجهد. فإنه إن مات دون غايته وقد بذل الجهد، يبعثه الله إن شاء الله على نيته يوم يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق. يوم التغابن والحسرة إذ يقرأ المجاهدون فيرقون أمام أعين من فاتهم الحفظ&#8221;</a><a href="#_ftn9" id="_ftnref9">[9]</a>. ويقول أيضا رحمه الله: &#8220;القرآنَ! القرآنَ! القرآنَ! ما أروع أن يَشُدَّ المؤمن والمؤمنة معاقد العزم ليحفظ القرآن ويجمعه ويحافظ عليه. ما أحسن أن يبسُط المرء ساعد الجِد والإرادة إلى كسل نفسه وغفلة حسه يخاطبها ويؤنبها ويدفع بها: &#8220;هذه السَّنَةُ سَنَةُ القرآن&#8221; &nbsp;فعل ذلك فلان من الجماعة وفلان، أفراد ونحن نريد من أولي العزم في الحفظ والفهم والعلم والعمل جماعات. وليصبرْ على الهوان والضَّعَة والضياع من لا يحرك همتَهُ قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتّل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»(1). رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن. حسبه يومئذ من الخيبة والخسران أن يُحَمْلِقَ في القراء العالمين العاملين وهم إلى صُعُدٍ وهو في مُستقر انحطاطه&#8221;<a href="#_ftn10" id="_ftnref10">[10]</a>.&nbsp;



ولا بد هنا من التأكيد على وصيتين أساسيتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتعين الأخذ بهما لكل مقبل على الانخراط في عزمة حفظ القرآن الكريم:



<ol>
<li>أخْذُ القرآن عن أهله:</li>
</ol>



إن حفظ القرآن الكريم وأخذه عن مُقرِئ متصل السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلٌ يجب ألا تُثْنينَا عن طلبه عقبةٌ ولا يَشغَلنا عن تحقيقه شاغل. فما أشرفه من انتساب إذا أُدْرِجَ اسمك في تلك السلسلة النورانية الممتدة من مُقرئك المتواصلة عبر أهل القرآن وأصحاب مدارس الإقراء والتابعين رحمهم الله والصحابة رضي الله عنهم الآخذين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عَمرٍو رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: &#8221; خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ&#8221;<a href="#_ftn11" id="_ftnref11">[11]</a>.



<ul>
<li><a></a><a></a><a></a><a></a><a></a><a></a><a>التعهد :</a></li>
</ul>



لقد اهتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعهد القرآن الكريم منذ بَدَأ الوحي يتنـزّل عليه، فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: &#8220;كان صلى الله عليه وسلم لا يفتُر من القراءة مَخافةَ أن ينساه، فقال الله ﴿<a href="http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura75-aya16.html">لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ</a> إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ أنْ نَجمعه لك ﴿وَقُرْآنَهُ﴾<a href="#_ftn12" id="_ftnref12">[12]</a> أن نُقرِئك فلا تنسى&#8221;<a href="#_ftn13" id="_ftnref13">[13]</a>، ولِحِرْصه صلى الله عليه وسلم علينا أوصانا بتعهد القرآن فقال:&#8220;تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ عُقُلِهِ&#8220;<a href="#_ftn14" id="_ftnref14">[14]</a>. وعن عبد الله ابنِ عمرَ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: &#8221;إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ&#8220;<a href="#_ftn15" id="_ftnref15">[15]</a>. المعقّلة هي: الإبل التي شُدّت بالعِقال لئلا تَهرُب، والعِقال حَبل صغير يُشدّ به ساعد البعير إلى فخْذه مَلوِيّ، قال الحافظ ابن حَجَر في شرحه لهذا الحديث: &#8220;ما دام تعهد القرآن موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعِقال فهو محفوظ. وخصَّ الإبل بالذكر لأنها أشدُّ الحيوان الإنسيِّ نفوراً، وفي تحصيلها بعد استمْكان نفورها صعوبة&#8221;<a href="#_ftn16" id="_ftnref16">[16]</a>.



ومهما تعددت طرق حفظ القرآن الكريم وآلياتُه يبقى التعهد، وصيةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، شرطا واجبا لعدم هُجران القرآن ومفتاحا مقتحما لعقبة النسيان وضامنا للمداومة على الحفظ ومعينا على الإتقان.



<h1 class="wp-block-heading">ـ حفظ القرآن الكريم مع الفهم والتدبر والعلم والعمل</h1>



قال أبو عبد الرحمن السلمي: &#8220;حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل&#8221;، قالوا: &#8220;فتعلمنا القرآن، والعلم، والعمل جميعاً&#8221;<a href="#_ftn17" id="_ftnref17">[17]</a>.



إن تهمُّمَنا بحفظ القرآن الكريم يجب ألا ينفك عن تهممنا بتدبره والاتعاظ به والعمل به، ممتثلين قول الحق عز وجل ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾<a href="#_ftn18" id="_ftnref18">[18]</a>، فقد كان قدوتُنا صلى الله عليه وسلم ومَن أُمِرنا باتباعه أفضلَ العاملين به، فشهدتْ بذلك أقربُ الناس إليه، أمنا عائشة رضي الله عنها، قائلة &#8221;كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ&#8221;.



<h1 class="wp-block-heading">خاتمة</h1>



إنّ تعلم القرآن الكريم وحفظَه مشروع متكامل وشامل، يبدأ بصُحبة أهل القرآن، مُقرئاً كان أو قوماً أحَبُّوا القرآن واجتمعوا عليه فأكرمهم المولى عز وجل بسَكينَة من عنده وغشِيَهم برحمته وشَرّف اجتماعهم ورفع ذكرهم. ويُثمر المشروع ويُؤتِي أُكله بالمداومةِ على الذِّكر والإكثار منه، فبِه يُعدّ القلب لتلقي أنوار التنزيل. ويثْبُت مشروع الحفظ ويدوم بالصِّدقِ في الطلب وتحسين النية والاجتهاد في الدعاء والتذَلُّل للمولى الكريم المنّان. ثم يأتي بذلُ الوقت والجهدِ، والقصدُ والتوازنُ في وضع البرنامج لتعلم القرآن وتعليمه. وعُربونُ نجاح مشروع حفظ القرآن هو العملُ به والتخلُّقُ بأخلاقه سَمْتاً حسَنا وتُؤَدَةً وزهدا في الدنيا وما فيها. وصاحب القرآن فوق هذا كله هو الأَولى بجهاد النفس والصَّدْع بكلمة الحق.



فاللهم أعنّا على حسن تعلم القرآن وتعليمه وحسن العمل به. وصلِّ اللهم وسلم على قدوتنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه. والحمد لله رب العلمين.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="#_ftnref1" id="_ftn1">[1]</a> &#8211; سورة القيامة (16 ـ 18)&nbsp;



<a href="#_ftnref2" id="_ftn2">[2]</a> &#8211; سورة فصلت (40 ـ 41)



<a href="#_ftnref3" id="_ftn3">[3]</a>&#8211; سورة إبراهيم (1 ـ 2)



<a href="#_ftnref4" id="_ftn4">[4]</a>&#8211; سورة القمر (17)



<a href="#_ftnref5" id="_ftn5">[5]</a>&#8211; تفسير ابن كثير، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1999م، 7/ 478



<a href="#_ftnref6" id="_ftn6">[6]</a>&#8211;&nbsp; صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة، رقم: 804



<a href="#_ftnref7" id="_ftn7">[7]</a>&#8211;&nbsp; سنن الترمذي، أبواب فضائل، رقم: 2915



<a href="#_ftnref8" id="_ftn8">[8]</a>&#8211;&nbsp; صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة عبس، رقم: 4937



<a href="#_ftnref9" id="_ftn9">[9]</a> &nbsp;ـ المنهاج النبوي، عبد السلام ياسين، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول، الطبعة الخامسة 2022م، ص: 181



<a href="#_ftnref10" id="_ftn10">[10]</a> &nbsp;ـ الرسالة العلمية، عبد السلام ياسين، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول، الطبعة الثانية 2022م، ص: 13 ـ 14



<a href="#_ftnref11" id="_ftn11">[11]</a>&#8211;&nbsp; صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 4999



<a href="#_ftnref12" id="_ftn12">[12]</a>&#8211; &nbsp;سورة القيامة: 16



<a href="#_ftnref13" id="_ftn13">[13]</a>&#8211;&nbsp; تفسير ابن كثير، 8/279



<a href="#_ftnref14" id="_ftn14">[14]</a>&#8211;&nbsp; مسند الإمام أحمد، &nbsp;سند الكوفيين، رقم الحديث: 19685



<a href="#_ftnref15" id="_ftn15">[15]</a>&#8211;&nbsp; صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، رقم: 5031



<a href="#_ftnref16" id="_ftn16">[16]</a>&#8211;&nbsp; فتح الباري لابن حجر، دار المعرفة &#8211; بيروت، 1379ه،&nbsp; 9/79



<a href="#_ftnref17" id="_ftn17">[17]</a> &nbsp;ـ المحرر الوجيز، ابن عطية، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد،&nbsp; دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى 1422ه، 1/9



<a href="#_ftnref18" id="_ftn18">[18]</a>&#8211; &nbsp;سورة ص : 28

التزكية والدعوة

حفظ القرآن الكريم وأثره

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

حفظ القرآن الكريم وأثره

مقالات ذات صلة