post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h4>الأستاذ الدكتور إدريس مقبول، المفكر والباحث الأكاديمي المعروف، صدر لكم في الآونة الأخيرة كتاب فريد موسوم بـ&#8221;سؤال المعنى في فكر عبد السلام ياسين&#8221;، يسر موقع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله أن يجري معكم هذا الحوار في مضمون الكتاب.<br />
</h4>
<h4>ما هي دواعي التأليف في هذا الموضوع بالضبط؟ ولماذا وقع الاختيار على شخصية الإمام رحمه الله؟ وعلى سؤال المعنى في فكره؟<br />
 </h4>
<p>بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على النبي الكريم، شكرا لاستضافتكم الكريمة ورمضان مبارك سعيد، في الحقيقة يأتي هذا العمل في سياق إنصاف الرجل رحمه الله، والاشتغال على فكره بما يتطلبه الأمر من معرفة علمية تقرأ أفكاره وفلسفته على ضوء ما تأثر به من أصول فكرية ومدارس وتيارات فلسفية تقاسم معها الأستاذ ياسين موضوعات وانشغالات معرفية دقيقة للغاية، كما يأتي أيضا للتنبيه على جانب من جوانب الإشعاع الفلسفي لدى الرجل رحمه الله الذي أجرمت عمليات التنميط في حقه بسبب تسيد الجهالات في المشهد الثقافي لدينا، فالرجل عرف عنه مواقف قوية وجذرية من الظلم والاستبداد جرت عليه حصارا شديدا وعزلة واغترابا، فكان كما قال الشاعر:<br />
<br /><span class="mce-poem">أعاذَ كأُنسُ المجد من كل وحشة *** فإنك في هذا الأنام غريبُ</span></p>
<h4>اعتبرت أن الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله أثَّل نسقا معرفيا مخالفا لباقي الأنساق الفكرية المعروفة في تاريخ الفكر الفلسفي لكونه خط مسارا يعتمد بالإضافة إلى العقل والحس والتجربة على ما أسميته بالوعي الكوني (الإيمان العظيم) فما هي معالم هذا النسق معرفيا على الأقل؟</h4>
<p>يتموقع الوعي الكوني ضمن سيرورة تبدأ بإعادة صياغة العلاقة بالمطلق، أي بالخالق، وبعده بالوجود كله في إطار رؤية للعالم تتوزع فيها العلاقات بين التدبير والتسخير والعمارة والسعي، وهي مفاهيم تدور حول فعالية هذا الوعي وتنتج بنشاطه وقوته، والأستاذ ياسين يلح على مركزية هذا الوعي في تأطير الرؤية وفي بناء السلوك وفي اتخاذ المواقف وفي توقع المستقبل، وذلك راجع للقيمة التي يمنحها هذا الوعي للوجود من حيث يرفعه من مستوى الكينونة المنفعلة إلى مستوى الكينونة الفاعلة والمسؤولة، وأحد معالم هذا النسق هو الإنسان هذا الكائن الفخارة كما يسميه عبد السلام ياسين أو القصبة الفارغة كما يسميه باسكال في تأملاته، هذا الكائن باعتباره كائنا منصتا لنداء السماء، تتحقق إنسانيته بقدر تحققه بالسمع الذي تحدث عنه القرآن، السمع الذي يتجاوز حدود المرئي ليتلقف خبر الوحي، وثاني هذه المعالم هو العلم في ذاته ما هو؟ هل هو فقط ما يقع تحت البصر مما ترجحه الوضعية البئيسة، أم يتجاوز المرئي لما وراءه؟ فالعلم الواسع والحق هو علم السمع ابتداء، العلم بالله وبالآخرة وبالمصير، ثم تأتي العلوم الأخرى تباعا.</p>
<h4>كيف استطاع في نظرك الإمام ياسين أن يجمع بين مهامه التربوية والتعليمية والتنظيمية والسياسية لكونه مؤسس ومرشد مدرسة تربوية منتشرة في العالم وبين إرساء دعائم نظرية متكاملة في التغيير؟</h4>
<p>الرجل رحمه الله اشتغل بالفكر وبقضاياه المتشعبة، لكنه أدرك أن الفكرة وحدها غير كافية على الرغم من أهميتها، فمهما كانت عميقة ومتسقة وجذابة وصادقة، فهي تحتاج لمن يحملها ويؤمن بها ويدافع عنها ويجد الطريق لتطبيقها، ومن هنا جاء المشروع المنهاجي تبيانا عمليا للفكرة، والفكرة لما كانت تستهدف بحث سبل التغيير في الأنفس وفي الآفاق فقد ارتكزت على المعرفة القرآنية بقوانين التحول والتداول والنهوض والأفول، وحاولت أن تستفيد من الخبرة الإنسانية والتاريخية بما هي كتاب مفتوح لأولي الألباب المأمورين بالسير في الأرض والنظر فيها وفي ما يجري عليها من حوادث..والمنهاج من هذا الوجه خارطة طريق لتغيير الإنسان كل إنسان أينما كان، وتوجيه بوصلته وتسديدها في الاتجاه الصحيح.</p>
<h4>انتقد الإمام فلسفة الحداثة وميتافيزيقا التقنية ونظريات المعرفة الغربية وفلسفات الفوضى والعبث كما انتقد الداروينية والماركسية والليبرالية ليس من حيث الجدوى طبعا وإنما من حيث المعنى. ألا نجده أحيانا يشيد بإنجازاتها ومزاياها؟ كما نجده أحيانا أخرى ينفي عنها الجدوى بل يهاجمها بنعوت قادحة؟كيف تفسر ذلك؟</h4>
<p>النقد الذي وجهه الأستاذ ياسين للفلسفات الغربية هو من قبيل النقد المعرفي الذي يتجاوز حدود النقد الانفعالي أو الإنشائي، نقده يتميز بمعرفة دقيقة بتفاصيل الخلفيات التي رفدت هذه الفلسفات، لكنه في بعض الأحيان يوجه سهام نقده للأدوات التي تقترحها هذه الفلسفات في الفهم والتحليل، وشأن النقد ذي الطبيعة المعرفية أن يكون منصفا من حيث لا تتحكم فيه النظرة الإيديولوجية الضيقة، فهو يفكك المفاهيم ويتناولها بالدراسة ولا يجد حرجا في التنويه بالجوانب الإيجابية إذا حصلت في أي نسق كما يبين حدودها التفسيرية، بل ويقترح بدائل باستمرار لاستدماجها بقصد الإفادة من حسناتها.</p>
<h4>في إطار بيان &#8220;المعنى&#8221; في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تم التركيز على قيمتي السعادة والحرية. لماذا اخترتم هاتين القيمتين دون غيرهما؟</h4>
<p>القيمتان مركزيتان في البحث الأكسيولوجي والأخلاقي، وقد شغلا بال الفكر الفلسفي عبر تاريخه الطويل منذ أفلاطون في العصر اليوناني، لأن لهما صلة شديدة بالوجود الإنساني وشروطه، وقد اهتم بهما كثيرون منهم رائد الشخصانية الإسلامية محمد عزيز الحبابي رحمه الله في أعماله، ومن خلال قراءتي في تراث الأستاذ ياسين ظهر لي الحضور القوي للقيمتين، وهي مسألة رؤية وقراءة خاصة لا تنفي ورود رؤى أخرى مختلفة، وهذا مطلوب جدا في قراءة هذا التراث، لأن الاختلاف بصدده يورثه قوة ويمنحه الحيوية المطلوبة للمستقبل، وقيمة الحرية والسعادة من القيم الغايات التي يسعى الكائن الإنساني لتحصيلهما عبر رحلته الطويلة على هذه الأرض، وفي سبيلهما نشأت حضارات وانهدمت أخرى..وبينهما من التعالق الوجودي ما يجعل السعادة في أحد أطوارها لا تحصل إلا بتحصيل الحرية، ولنقرأ على سبيل المثال <span class="citation">&#8220;رحلتي الطويلة من أجل الحرية&#8221;)</span> لنلسون مانديلا لنفهم هذا الترابط، فلا سعادة إلا إذا عاش الإنسان حرا من كل سيطرة سواء على جسمه أو عقله أو وجدانه، وفكر الأستاذ ياسين المجسد في نظرية المنهاج النبوي جاء لتحقيق الغايتين: الحرية وطريقها مغالبة سلطاني الشهوة والاستبداد الذين يصادرانها، والسعادة أو تحديدا ما أسميه سعادة السماع والتي تصل ذروتها بمعرفة الله والتصالح مع فكرة &#8220;الموت&#8221;، فرجل الأخلاق كما يقول أفلاطون في &#8220;محاورة فيدون&#8221; لا يهاب الموت، ولكي تحيا وتفكر حياة وفكرا حقيقيين معناه أن تستعد دائما للموت.<br />
<br />وفي مجال التنظيمات والدول على قدر ما ينعم الناس بالحرية والسعادة يكون الحكم راشدا، وعلى قدر ما يفتقرون إليهما يكون فاسدا..وهي فكرة شغلت الاجتماع السياسي من خلال بحث مهمة الدولة هل هي تحقيق السعادة أم الحرية أم هما معا؟</p>
<h4>بعد القراءة الأولى للكتاب يتبين أنه شرح وتوضيح للمنهاج النبوي على المستويات المعرفية والإنسانية والتاريخية والجمالية، فهل كان فعلا هذا هو القصد من التأليف؟</h4>
<p>الكتاب كما أسلفت هو قراءة في تراث الأستاذ ياسين، وهو لا يدعي الإحاطة بموضوعه من كل الزوايا، لكنه يستهدف إعادة تركيب بعض عناصره على ضوء خيط ناظم ومحوري، ويمكن اعتباره على نحو ما قراءة لنظرية المنهاج من زاوية فلسفية، لأنها تناولت البعد المعرفي في بعض تصورات المنهاج النبوي، وهي واحدة من الحاجات التي بدت لي شخصيا ذات أهمية من حيث رهانها وسياقها والمخاطبون بها، وهي لا تلغي ولا تغني عن غيرها من القراءات الأخرى التي تتناول المنهاج النبوي من زوايا موضوعية ومنهجية أخرى، فلعلها تتكامل.</p>
<h4>في فصل فلسفة الإنسان أوردتم جملة من المفاهيم الفلسفية التي نحثها الإمام أو جدد دلالاتها لتواتي التصور المنهاجي من قبيل &#8220;أنسنة الإنسان&#8221; و&#8221;التحويل الثقافي&#8221; و&#8221;المواطنة القلبية&#8221; و&#8221;العمران الأخوي&#8221; و&#8221;الفاعلية الآفاقية&#8221; و&#8221;الرحم الإنسانية&#8221;&#8230;الخ فما هو الخيط الرابط بين هذه المفاهيم في تأسيس المعنى؟</h4>
<p>البعد الإيماني التراحمي هو ما اعتبره خيطا ناظما، وهو جوهر الإنسان وحقيقته، البعد الإيماني الذي يصنع الإرادة ويُفَعِّلها ويضعها على خط التاريخ لتصنع واقعها ومستقبلها بمسؤولية وإصرار، إن الأزمة هي أزمة إرادة ومنهاج وأزمة عقل ونقل كما يرصدها فكر الأستاذ ياسين، أو هي أزمة الإرادة والوجدان المسلم كما كتب الأستاذ عبد الحميد أبو سليمان.</p>
<h4>في سياق نقد فلسفات التاريخ التقليدية قلتم في ص 140: &#8220;وجدنا في دراستنا لفكر وفلسفة الأستاذ عبد السلام ياسين خير نموذج معرفي للتفكيك والتركيب&#8221; تفكيك ماذا وتركيب ماذا أستاذ مقبول؟</h4>
<p>تفكيك الأنساق الفلسفية والفكرية التي تعرضت لمفهوم الإنسان والمعرفة والتاريخ والجمال، فلسفات الإنسان المقطوعة بتعبير سعيد النورسي رحمه الله التي تقابل حكمة القرآن.</p>
<h4>من خصائص الفقه المنهاجي أنه فقه سنني يراعي سنن الله في الأنفس والأحداث والأكوان والأزمان ويعتبر بها في فهم المعنى العميق والحكمة البالغة وراء انتظامها وتعاقبها وتكاملها. فهل ينفي ذلك مسؤولية الإنسان في صناعة التاريخ ويبرر استغراقه في التواكل؟</h4>
<p>نظرية المنهاج النبوي جاءت لتقلد الإنسان المسلم المسؤولية من جديد تجاه أسئلة عصره ومشكلات زمنه بعدما تنصل منها أو تجاهلها، فلهذا كانت مختلفة في قراءتها للتاريخ كما للمستقبل، جاء المنهاج النبوي ليقدم قراءة تبني وتنشئ المسؤولية فيما جاء من طريق السمع، ولا تكتفي بالخبر مع إرادة مستقيلة تسقط معها المسؤولية بمنطق جبري وانتظاري.</p>
<h4>ما هي أهم الخلاصات التي انتهيتم إليها من خلال البحث والكتابة في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى؟</h4>
<p>هناك خلاصات متعددة بتعدد المباحث والقضايا التي بحثها هذا العمل، لكن يمكن أن نتحدث عن أهمها وهو المتصل بالحاجة الضرورية لإقامة بعض الارتباطات من أجل إعادة تركيب وهندسة الرؤية المعرفية على نحو منتج ويخرج بالكائن الإنساني من حالتي الجمود والهبوط التي تؤدي في الزمن إلى حالة انهيار كلي وشامل، هناك حاجة لربط الدين بالعلم وربط الأخلاق بالدين ولربط القيم بالظواهر، وربط التقنية بمفهوم الصلاح، وربط النسبي والجزئي بالمطلق والكلي، وربط الدنيا بالآخرة، وأخيرا ربط الأرض بالسماء، هذا الربط هو الذي من شأنه أن يجعل الدين منتجا للتقدم والعلم منتجا للإنسانية.</p>


حوار مع الدكتور إدريس مقبول حول “سؤال المعنى في فكر عبد السلام ياسين”.

التربية والتعليم في تراث الإمام عبد السلام ياسين

الدكتور عبد الحليم آيت أمجوض

د.آيت أمجوض | الإمام ياسين سما بالحوار عن الجدل والاستهلاك إلى أفق العمل الميداني النافع

شهر رمضان “الأحكام الفقهية والمقاصد التربوية”

التربية الإيمانية الإحسانية..حوار تربوي مع الأستاذ حسن قبيبش

د.-عبد-الرحمن-حسين-عبيد-

د. عبد الرحمن حسين عبيد: الإمام عبد السلام ياسين كان واسع الاطلاع على ثقافة الآخر

د. خالد العسري: مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين مشروع إنساني لأجيال متتالية

حوارات

حوار مع الدكتور إدريس مقبول حول “سؤال المعنى في فكر عبد السلام ياسين”.

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

كورونا أو في الحاجة إلى أخلاق كوكبية

معنى السعادة عند الإمام ياسين

إضاءات على نظرية المنهاج

عبد السلام ياسين الرجل المجدد

حوار مع الدكتور إدريس مقبول حول “سؤال المعنى في فكر عبد السلام ياسين”.

محيي الدين.. عبد السلام ياسين

مقالات ذات صلة