دة. وفاء توفيق.. تحرير عقل المرأة وقلبها أسمى محددات التحرير
قاربت الدكتورة وفاء توفيق في مداخلتها “حرية المرأة في الفكر المنهاجي” وضعية المرأة عبر التاريخ البشري، وضع كانت المرأة فيه -وما زالت- مستضعفة المستضعفين ومظلومة المظلومين عبر تاريخ البشرية اللهم إلا من بعض الاستثناءات في بعض العصور أو عند بعض الأقوام أو لدى بعض الرجال ذوي المروءة؛ ومن ذلك العصر النبوي الشريف وفترة الخلافة الراشدة.
وبلغت المرأة أسوء دركات الانحطاط إبان عهد الاستعمار والنزعة اللائكية والحداثة والإباحية؛ ففي ظل هذا الواقع المستبد المنحط المهين، هجمت علينا واقتحمت ديارنا رياح التغريب والإباحية واللائكية ، نزعات تدعي تهممها بالواقع المزري الذي ترزح المرأة تحت وطأته، بل تزعم تحريرها من ربقة دين هي فيه كمّ مهمل وأداة ترفيه ومتعة، مقنعة المرأة أن المدخل الأوحد إلى ذلك هو التنكر للدين وأحكامه، والتمرد على المجتمع الذكوري الذي قهر المرأة المسلمة فعلا.
ويجد المطّلع على كتابات الأستاذ ياسين رؤية مزايلة لكل ما سبق؛ فيعتبر الإمام رحمه الله أن أول وأولى محدد لحرية المرأة (والرجل معا)، هو تحرير عقلها وقلبها وروحها لمعرفة خالقها وفهم معنى وجودها واليقين بالبعث والاستعداد للحياة الأخرى… فذاك هو أس كل الحريات ومجمعها، وما سواها تابع. وتلكم هي أصل الحريات وما عداها نابع منها أو مغذي لها… وبدون تحقيق وتحقق هذه الحرية الأصل، يكون الحديث عن حرية المرأة (والرجل معا) أبترا ناقصا.
وبذلك يكون الإيمان بالله تعالى السبيل الأوحد لانعتاق رقبة المرأة من أن تدين للفلسفة المادية الإلحادية التي تنكر روحانيتها وتحرمها من حقها الأسمى الذي هو الإيمان بالله تعالى، وفهم معنى وجودها. تلك الفلسفة الحضيضية التي تُلصق جسم المرأة (والرجل على السواء) بأصله الطيني وتحبسه في سجنه الأرضيِّ وتُقعسه بالانغماس في مطالبه المادية، وتحول دون ارتقائه من بهيميته إلى إنسانيته؛ ذلك أن تلك الإيديولوجيات تعتبر الإنسان آلة منتجة ودابة مستهلكة، عدا ذلك عن جوهر الإنسان وحقيقة وجوده وما بعد موته فلا خبر.
وتشير الدكتورة توفيق إلى أن الأمام رحمه الله يرى أن استرجاع المرأة المسلمة حريتها الحقيقية والكاملة، واستردادها مكانتها الريادية التي مكنها منها الشارع الحكيم… لن يكون إلا بالوقوف على الأسباب الحقيقية والجوهرية التي كانت وراء انحدارها دركا دون درك، والتي يمكن اختزالها في معولين اثنين قاصمين لظهر الأمة ومعه بشكل أفظع ظهر المرأة. يتمثل المعول الأول في الانكسار التاريخي الذي ابتليت به أمة رسول الله ﷺ، وما خلفه من وهن وهبوط وظلم وتحجير واستعباد للأحرار والحرائر وتضييق في الأرزاق وتحكم في شرايين الحياة كلها. كما ابتليت الأمة في العصر الحديث بمعول ثان هو الاستعمار الغربي -خاصة في وجهه الثقاف-ي الذي استغل مظلومية المرأة ودونيتها، فأوهمها دعاة التغريب من اللائكيين والحداثيين حرصهم على عتق رقبتها مما تكابده، وبشروها بنيل حريتها المنشودة وبضمان حقوقها المهضومة.
أضف تعليقك (0 )