قرين الفتى في القبر
لكل دعاء سره ووقته
الصلاة في أول وقتكم
الصلاة الصلاة…الصلاة أو البلاء
الصلوات المسنونات
صوم أيام الليالي البيض
باب الدعاء باب الرحمة
من ابتلي بالوسوسة
الكلام اللغو
ما تضمنه للنبي ﷺ ليضمن لك الجنة؟
سير القلب
إلى الإخوة والأخوات طلبة مدينتي
فاس و مكناس بمناسبة زيارتهم بالدار- سلا
الأربعاء- الخميس 29 – 30 محرم 1424 هـ
قرين الفتى في القبر
أبجد العلوم، للقنوجي رحمه الله
قال الشيخ بهاء الدين العاملي في بعض مؤلفاته: روي عن قيس بن عاصم، قال: وفدت مع جماعة من بني تميم على النبي ﷺ فدخلت عليه، وعنده الصلصال بن الدلهمس، فقلت: يا نبي الله، عظنا موعظة ننتفع بها، فإنا قوم نغير في البرية! فقال رسول الله ﷺ: “يا قيس، إن مع العز ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء رقيبا، وعلى كل شيء حسيبا، وإن لكل أجل كتابا، وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وهو ميت، فإن كان كريما أكرمك، وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا تحشر إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لا تستوحش إلا منه، وهو فعلك”. فقال: يا نبي الله، أحب أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر، نفخر به على من يلينا من العرب وندخره. فأمر النبي ﷺ من يأتيه بحسان، فاستبان لي القول قبل مجيء حسان، فقلت: يا رسول الله، قد حضرني أبيات أحسبها توافق ما تريد، فقلت:
لكل دعاء سره ووقته
العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: “إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة” الحديث. وقوله: “فقولوا” يعني عقب كل كلمة قالها، لأن الفاء للتعقيب وبه قال جماعة من العلماء. والله تعالى أعلم.
وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا: “من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة النافعة، صل على محمد وارض عنا رضا لا سخط بعده استجاب الله دعوته”. وروى أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا: “من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول فله مثل أجره”. وفي رواية: “من قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له شفاعتي يوم القيامة”. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ) أن نجيب المؤذن بما ورد في السنة ولا نتلاهى عنه قط بكلام آخر ولا غيره أدبا مع الشارع ﷺ، فإن لكل سنة وقتا يخصها؛ فلإجابة المؤذن وقت، وللعلم وقت، وللتسبيح وقت، ولتلاوة القرآن وقت، كما أنه ليس للعبد أن يجعل موضع الفاتحة استغفارا، ولا موضع التسبيح للركوع وللسجود قراءة، ولا موضع التشهد غيره وهكذا فافهم. وهذا العهد يخل به كثير من طلبة العلم فضلا عن غيرهم، فيتركون إجابة المؤذن، بل ربما تركوا صلاة الجماعة حتى يخرج الناس منها وهم يطالعون في علم نحو أو أصول أو فقه، ويقولون العلم مقدم مطلقا! وليس كذلك، فإن المسألة فيها تفصيل، فما كل علم يكون مقدما في ذلك الوقت على صلاة الجماعة كما هو معروف عند كل من شم رائحة مراتب الأوامر الشرعية.
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله إذا سمع المؤذن يقول حي على الصلاة يرتعد ويكاد يذوب من هيبة الله عز وجل، ويجيب المؤذن بحضور قلب وخشوع تام رضي الله عنه. فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك.
الصلاة في أول وقتكم
العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله
روى الشيخان وغيرهما أن عبدالله بن مسعود قال: يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: “الصلاة لوقتها” الحديث. وروى الطبراني مرفوعا: “عليكم بذكر ربكم وصلوا صلاتكم في أول وقتكم فإن الله عز وجل يضاعف لكم”. وروى الترمذي والدارقطني مرفوعا: “الوقت الأول من الصلاة رضوان الله. والآخر عفو الله”. وفي رواية للدارقطني: “وسط الوقت رحمة الله”. وروى الديلمي مرفوعا: “فضل أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا”.
وروى الإمام أحمد والطبراني واللفظ للطبراني مرفوعا: يقول ربكم عز وجل: “من صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ولم يضيعها استخفافاً بحقها فله علي عهد أن أدخله الجنة”.وروى الطبراني مرفوعا: “من صلى الصلوات لوقتها وأسبغ لها وضوءها وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني، ومن صلاها لغير وقتها ولم يسبغ لها وضوءها ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني، حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه”. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ) أن نستعد بالوضوء قبل دخول الوقت للصلاة أول الوقت، فمن لم يستعد لذلك فربما فاتته فضيلة جماعة الوقت. وهذا العهد يخل به كثير من سكان المساجد فضلا عن التجار والصنايعية، فيفرطون في الوضوء أول الوقت حتى تفوتهم صلاة الجماعة، ويقال لأحدهم قم توضأ فيقول الوقت متسع.
وقد وقع لي ذلك مع شخص من طلبة العلم في جامع كثير الجماعة، فرأيت الصلاة تقام للعصر وهو جالس يلغو، فقلت له: قم للصلاة! فقال: الوقت متسع. فقلت له: ولو كان متسعا، فهل تقدر تجمع لك في صلاتك جماعة مثل هؤلاء؟ فقال: السبع والعشرون درجة حاصلة لي ولو صليت مع واحد! فقلت له: تجادلني في شيء ينقص أجرك؟ وانصرفت وتركته. فمثل هذا ربما يعد من جملة الأئمة المضلين عن السنة. وربما جرهم ذلك إلى ترك واجب يعذبون عليه يوم القيامة فإن حقيقة الإضلال ليس هو إلا ترك الأئمة للأوامر الشرعية، فيتبعهم الناس على ذلك فيصيرون قدوة في الضلال. فلا يرجى لمثل هؤلاء خير ولو كان معهم من العلم كأمثال الجبال.
وكان سيدي إبراهيم المتبولي رحمه الله يقول: إذا قرأتم العلم فاقرؤوه على العلماء العاملين، وإياكم أن تقرؤوه على أحد من المجادلين الذين لا يعولون على العمل بما علموه، فإنكم تخسرون بركة علمكم، فإن إبليس لهؤلاء بالمرصاد لكونهم حملة الشريعة، بقاؤها ببقائهم، فإذا تلفت حالهم تلف حال الشريعة لعدم الأعمال التي يفعلونها حتى يقتدي الناس بهم فيها، فكأن الشريعة لم تكن موجودة لأنه لا وجود لعينها إلا بالعمل بها. وكان رضي الله عنه يقول: حكم الفقيه الذي لا يعمل بعلمه حكم الشاطر الذي تعلم آلات القتال كلها ثم خرج على نية القتال في سبيل الله، فلقيه إبليس في الطريق فقال له: اقطع الطريق فإنك تعرف تدافع وتخادع وما كل أحد يعرف ذلك! فمر به إنسان معه أمتعة فضربه حتى صرعه وأخذ متاعه ورجع إلى بيته بلا جهاد. فكذلك الفقيه المذكور يتخذ علمه سلاحا يقاتل به العامة، وإن رأى علمه عليه في واقعة، قلد مذهب غيره ممن ليس هو عليه ويقول: يجوز لي التقليد للضرورة. وإن نازعه أحد في أن تقليده لغيره ضرورة أقام الأدلة والبراهين على الضرورة. فمثل هذا ربما يكون علمه زاده إلى النار.
فالزم يا أخي أدب الشريعة ولا تجادل من نصحك فربما تخسر دينك والله يتولى هداك.
الصلاة الصلاة … الصلاة أو البلاء
العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: “بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة… ” الحديث.
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: “لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيءٌ؟”. قالوا: لا يبقى من درنه شيءٌ. قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا”. والدرن هو الوسخ.
وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: “الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفاراتٌ لما بينهن ما لم تُغْش الكبائر”.
وروى الطبراني مرفوعا ورجاله محتج بهم في الصحيح إلا يحيى بن إبراهيم القرشي: “إن لله تعالى ملكا ينادي عند كل صلاةٍ: يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها”. وفي رواية للطبراني مرفوعا: “يبعث الله عز وجل منادياً عند كل صلاة فيقول: يا بني آدم قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم. فيقومون ويتطهرون ويصلون الظهر فيغفر الله لهم ما بينهما، فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت العتمة فمثل ذلك، فينامون، فمدلجٌ في خيرٍ ومدلجٌ في شر”.
وروى الطبراني مرفوعا: “المسلم يصلي وخطاياه مرفوعةٌ على رأسه كلما سجد تحاتّت، فيفرغ من صلاته وقد تحاتّت عنه خطاياه”. قلت المراد بهذه الخطايا غير خطايا الوضوء التي كفرت بالوضوء نظير ما ورد في سائر المأمورات الشرعية، فإن كل مأمور يكفر منها خاصا به، وفي ذلك رفع التعارض بين الأحاديث الواردة في ذلك. والله أعلم.
وروى الطبراني بإسناد لا بأس به مرفوعا: “أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ينظر في صلاته فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله”. وفي رواية أخرى له: “فإن صلحت فقد أفلح، وإن فسدت فقد خاب وخسر”.
قلت: إنما كانت سائر الأعمال تصلح إذا صلحت الصلاة لأنها إذا صلحت وقع الرضا من الله على صاحبها، فانسحب الرضا على سائر أعماله، وإذا فسدت وقع السخط من الله على فاعلها فانسحب ذلك على سائر أعماله.
وروى الطبراني أيضا مرفوعا: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهر له، ولا دين لمن لا صلاة له. إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد”. والأحاديث في ذلك كثيرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ) أن نبين لتارك الصلاة من الفلاحين والعوام وسائر الجهال ما جاء في فضل الصلوات الخمس وفضل من يواظب عليهن ويخص ذلك بمزيد تأكيد كما أكده رسول الله ﷺ. وقد أغفل ذلك غالب الفقراء وطلبة العلم الآن، فترى أحدهم يخالط تارك الصلاة من ولد وخادم وصاحب وغيرهم، ويأكل معهم ويضحك معهم ويستعملهم عنده في العمارة والتجارة وغير ذلك، ولا يبين لهم قط ما في ترك الصلاة من الإثم ولا ما في فعلها من الأجر وذلك مما يهدم الدين.
فبين يا أخي لكل جاهل ما أخل به من واجبات دينه، وإلا فأنت أول من تسعر بهم النار كما ورد في الصحيح، فإنك داخل فيمن علم ولم يعمل بعلمه، وإن كنت لم تسم فقيها في عرف الناس، وإنما قالوا إن الفقهاء يعرفون ويحرفون لكونهم هم المقصودون ببيان العلم للناس دون العوام عادة، وإلا فكل من عرف شيئا من أحكام الشريعة ولم يعمل به فهو كذلك يعرف ويحرف.
واعلم يا أخي أن البلاء يرتفع عن كل مكان كان أهله يصلون، كما أن البلاء ينزل على كل مكان يترك أهله الصلاة. فلا تستبعد يا أخي وقوع الزلازل والصواعق والخسف على حارة يترك أهلها الصلاة أبدا، ولا تقل: إني أصلي فما علي منهم! لأن البلاء إذا نزل يعم الصالح مع الطالح لكونه لم يأمرهم ولم ينههم ولم يهجرهم في الله.
﴿والله على كل شيء شهيد﴾.
الصلوات المسنونات
العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله
روى مسلم وغيره مرفوعا: “الصلاة نور”.
وروى الإمام أحمد مرفوعا بإسناد حسن: “إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله فتتهافت عنه ذنوبه كما يتهافت هذا الورق عن هذه الشجرة وأخذ بغصن منها فجعل ذلك الورق يتهافت”.
وروى مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن معدان قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله ﷺ فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة! أو قال: قلت: أخبرني بأحب الأعمال إلى الله تعالى! فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسول الله ﷺ فقال: “عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئةح”. وروى ابن ماجه مرفوعا بإسناد صحيح: “استكثروا من السجود”.
وروى مسلم عن ربيعة بن كعب قال: أتيت النبي ﷺ بحاجة فقال: “سلني!” قلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: “أو غير ذلك؟” قلت: هو ذلك. قال: “فأعني على نفسك بكثرة السجود”.
وروى الطبراني مرفوعا: “ما من حالة يكون العبد عليها أحب إلى الله تعالى من أن يراه ساجداً يعفر وجهه في التراب”. أي يضع وجهه على التراب من غير حائل.
وفي رواية أيضا مرفوعا: “الصلاة خير موضوع، فمن استطاع منكم أن يستكثر منها فليستكثر”.
وفي رواية بإسناد حسن أن النبي ﷺ مر بقبر فقال: “من صاحب هذا القبر؟” فقالوا: فلانٌ. فقال: “ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم”. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ) أن نكون منشرحين لتقديم ما جعله الشارع أفضل على ما جعله مفضولا، وذلك لأن معظم الفضل والثواب في الاتباع، فلا تقدم على صلاة التطوع شيئا إلا إن صرح الشارع بتقديمه عليها. ومثل هذا العهد يخل به كثير من الناس، بل رأيت من هو جالس في جامع كثير الجماعة، وقد قامت الجماعة العظمى بصلاة العصر وهو جالس يطالع في علم المنطق، وهذا من شدة عمى القلب، فإن الشارع جعل لكل عبادة وقتا تفعل فيه مقدمة على غيرها وإن كان هناك أفضل منها، فليس لنا أن نكرر صلاة العصر مثلا بدل سنتها بل قال ابن عمر: “نهانا رسول الله ﷺ أن نصلي صلاة العصر في يوم مرتين”، يعني إذا كانت الصلاة الأولى صحيحة إلا أن يصلي الثانية في جماعة، والعبد تابع للشارع لا مشرع لنفسه حكما فعلم أن الشارع ما سن تلك السنة في ذلك الوقت ذاهلا عن كون أن هناك أفضل منها، وإنما ذلك مع علمه بأن فعل المفضول في الوقت الذي شرع فيه مطلوب، كما أن فعل الأفضل في الوقت الذي شرع فيه مطلوب أيضا.
فلا ينبغي لطالب العلم أن يترك النوافل المؤكدة ويشتغل مكانها بعلم إلا إن تعين ذلك عليه بالطريق الشرعي بشرط الإخلاص فيه، وذلك لئلا يؤدي إلى ترك الاشتغال بالسنن كلها ويفوتها حتى كأنها لم تشرع في حقه أبدا، هذا مع أنه كثيرا ما يجلس في لهو ولعب وغيبة ونميمة وحسد وفخر وكبر وعجب، ولا يقول لنفسه قط: الاشتغال بالعلم أولى. فلا تلبس على نفسك يا أخي وتقول لمن أمرك بالاشتغال بسنة من السنن المضروب لها وقت: الاشتغال بالعلم أفضل! مع علمك بعدم إخلاصك فيه، فإن مثل ذلك ربما يكون حجة في قلة الدين. وتأمل طالب العلم إذا ترك فعل السنن والفضائل وأكثر من الجدال وترك الأوراد السنية كيف يذهب منه الأنس ولا يكاد يعتقد فيه أحد ولا يقول له ادع لي أبدا، بخلاف من أكثر من فعل السنن والأذكار من طلبة العلم يصير الناس يعتقدونه ويسألونه الدعاء. وقد قال النبي ﷺ: “أنتم شهداء الله في الأرض، فمن أثنيتم عليه خيراً فهو خيرٌ، ومن أثنيتم عليه شراً فهو شرٌ”. وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رضي الله عنه يقول: إذا كان الفقيه تاركا للسنن والأوراد وآداب القوم فهو كالخبز الحافي اليابس.
فأكثر يا أخي من الصلوات المسنونات المؤقتة، ولا تخل بها في يوم من الأيام واجعل الاشتغال بالعلم في غير أوقاتها. وإن سمعت مني شيئا فاجعل بدل كل مجلس تريد تلغو فيه مجلس علم واترك اللغو فإن المؤمن لا يشبع من خير. ومن فعل الأوراد الشرعية كفته في الاشتغال بالخير الذي أمره به الشارع حتى لا يكاد يجد له وقت بطالة أبدا ما عدا أوقات الملل الذي يطرق البشر وذلك معفو عنه إن شاء الله تعالى. فاعلم ذلك واعمل عليه، والله يتولى هداك.
صوم أيام الليالي البيض
العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله
روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال: “أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام”. وروى مسلم ذلك أيضا عن أبي الدرداء ولفظه: “أوصاني حبيبي بثلاث لا أدعهن ما عشت” فذكرهُ بمعناه. وروى الشيخان مرفوعا: “صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر”.
وروى الطبراني والبيهقي وقال في إسناده لم أقف فيه على جرح ولا تعديل مرفوعا: “صام نوح عليه السلام الدهر، إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود عليه السلام نصف الدهر، وصام إبراهيم عليه السلام ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر”. زاد في رواية للإمام أحمد والبيهقي والنسائي وابن ماجه وغيرهم: “وأنزل الله تعالى تصديق ذلك في كتابه ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾[1]اليوم بعشرة أيام”.
وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والبزار ورجاله رجال الصحيح مرفوعا: “صوم شهر الصبر
-يعني رمضان- وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر”. وفي رواية لمسلم وأبي داود والنسائي مرفوعا: “ثلاثة من كل شهر، ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله”. ووحر الصدر: هو غشه وحقده ووسواسه. وروى الطبراني عن ميمونة بنت سعد قالت: يا رسول الله، أفتنا على الصوم! فقال: “من كل شهر ثلاثة أيام، من استطاع أن يصومهن فإن كل يوم يكفر عشر سيئات وينقي من الإثم كما ينقي الماء الثوب”. وروى النسائي مرفوعا: “ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر”.
وروى الشيخان وغيرهما أن النبي ﷺ قال لعبد الله ابن عمرو بن العاص: “بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل
-أي كله- فلا تفعل، إن لجسدك عليك حقا، ولعينيك عليك حقا، وإن لِزَوْرِك عليك حقا، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر كله”. وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن عن أبي ذر قال: “قال لي رسول الله ﷺ: إذا صمت من الشهر ثلاثا فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة”.
وفي رواية لأبي داود والنسائي عن قدامة رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا بصيام أيام البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة: وقال ﷺ: “هو كهيئة الدهر”. وزاد في رواية: الحسنة بعشر أمثالها. وروى الطبراني ورواته ثقات أن رجلا سأل النبي ﷺ عن الصيام فقال: “عليك بالبيض ثلاثة أيام من كل شهر”. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ) أن نصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا سيما أيام الليالي البيض، ولا نترك صيامها إلا لعذر شرعي لا إيثارا لشهوة الأكل، فإن اللوم إنما هو على من ترك الصوم إيثارا للشهوة، وهذا يجري معنا في سائر الأعمال. ﴿والله غفور رحيم﴾. ومن فوائد صومها أنها تزيل من صاحبها ما في قلبه من الحقد والغش وسوء الظن وغيرهما من الكبائر الباطنة.
باب الدعاء باب الرحمة
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: “من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة، ولا يسأل اللهَ عبدٌ شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية”. أخرجه الحاكم في مستدركه.
من ابتلي بالوسوسة
الأذكار للإمام النووي رحمه الله
روينا في سنن أبي داود بإسناد جيد، عن أبي زُمَيْل قال: قلت لابن عباس: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: واللّه لا أتكلم به! فقال لي: أشيء من شكّ؟ وضحك وقال: ما نجا منه أحدٌ حتى أنزل اللّه تعالى: ﴿فإنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أنْزَلْنا إلَيْكَ﴾[2]. فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[3].
وروينا بإسنادنا الصحيح في رسالة الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه اللّه، عن أحمد بن عطاء الروذباري السيد الجليل رضي اللّه عنه قال: كان لي استقصاء في أمر الطهارة، وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببتُ من الماء ولم يسكنْ قلبي، فقلت: يا ربّ عفوك عفوك. فسمعتُ هاتفاً يقول: العفو في العلم. فزال عني ذلك.
وقال بعض العلماء: يستحبّ قول “لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ” لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء أو في الصلاة أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس: أي تأخر وبعد، ولا إِله إِلاَّ اللَّه رأسُ الذكر، ولذلك اختار السادة الأجلّة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول: لا إِله إِلاَّ اللّه لأهل الخلوة وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإِقبال على ذكر اللّه تعالى والإِكثار منه.
وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري -بفتح الراء وكسرها- شكوتُ إلى أبي سُليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأيّ وقت أحْسَسْتَ به فافرح، فإنك إذا فرحتَ به انقطع عنك، لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك. قلت: وهذا مما يُؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يُبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللصّ لا يقصد بيتاً خرباً.
الكلام اللغو
العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا عن أبي موسى قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل قال: “من سلم المسلمون من لسانه ويده”. قلت: قال سيدي علي الخواص رحمه الله، وهذا من شرط كل داع إلى الله عز وجل، فمن ادعى مقام المشيخة ولم يسلم الناس من لسانه ولا من يده فهو كاذب، لأنه إذا لم يسلم له كمال مقام الإسلام فكيف بمقام الإيمان، فكيف بمقام الإحسان الذي يدعيه؟ فإن شرط الداعي أن يقف في محل القرب يدعو المطرودين عن حضرة الله إلى حضرة الله. والله أعلم.
وروى الشيخان مرفوعا: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ينزل بها في النار أبعد ما بين الشرق والغرب”. وفي رواية لابن ماجه والترمذي: “إن الرجل ليتكلم بكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا”. وقوله ما يتبين: أي ما يتفكر هل هي خير أو شر. وروى البيهقي مرفوعا: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يتكلم بها إلا ليضحك بها المجلس يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض، وإن الرجل ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدميه”.
وروى الترمذي والبيهقي مرفوعا: “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي”. وروى مالك بلاغا أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام كان يقول: “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، وإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون”. وروى الترمذي وابن ماجه وغيرهما مرفوعا: “كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله”. وروى أبو الشيخ مرفوعا: “أكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاما فيما لا يعنيهم”. وروى الترمذي مرفوعا ورواته ثقات: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”. أي ما لا تدعو إليه ضرورة دينية أو دنيوية، والأحاديث في ذلك كثيرة. والله أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ) أن لا نتهاون بترك وقوعنا في الكلام اللغو خوفا أن يجر إلى مكروه أو حرام، ونعود لساننا أن لا نجيب عن الكلام إلا بعد تأمل وتثبت. وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الحجاج إذا رجعوا من الحج فيصير يحكي ما وقع له من غير أن يسأله الناس عنه، فيصير الناس الذين يسلمون عليه متقلقلين (متقلقين؟؟) لأجل حوائجهم التي وراءهم من سلام على حجاج آخرين أو غير ذلك وهو يهدر لهم كالشاعر.
ما تضمنه للنبي ﷺ ليضمن لك الجنة؟
العهود المحمدية للإمام الشعراني رحمه الله
روى الحاكم والبيهقي مرفوعا: “يا شباب قريش، احفظوا فروجكم لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة”. في رواية للبيهقي مرفوعا: “يا فتيان قريش لا تزنوا، فإنه من سلم له شبابه دخل الجنة”. روى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: “إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت”.
وروى البخاري واللفظ له والترمذي مرفوعا: “من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة”. والمراد بما بين لحييه اللسان، وبما بين رجليه الفرج. قاله الحافظ البيهقي. وفي رواية للترمذي وحسنه مرفوعا: “من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة”. وفي رواية للطبراني بإسناد جيد مرفوعا: “من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة”. والفقمان: هما اللحيان، واللحيان: هما عظم الحنك.
وروى الإمام أحمد وابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: “اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم”. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ) أن نحفظ فروجنا عما لا يحل لنا مباشرته من فرج ومفاخذة لذكر أو أنثى أو تقبيل لذلك بشهوة محرمة، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيما حرم عليه، ومن هنا حرم غالب العلماء الاستمتاع بما بين السرة والركبة للحائض، وحرموا قطرة الخمر وإن لم تسكر، وحرموا على الصائم تناول مقدار أقل من سمسمة وإن لم تؤثر فيه ثوران شهوة، وحرموا عليه القبلة ولو شيخا، ويسمى ذلك تحريم الحريم والاحتياط، ونعم ما فعلوا.
وقد حكى لي من أثق به قال: كنت أقرأ على فقيه في جامع الأزهر وأنا شاب فكان يرسلني إلى عياله بالحاجة فكانت تكلمني بالكلام الحلو فأنفر منها، فما زلت كذلك حتى صرت أستحلي كلامها فعرضت لي يوما بأني أدخل معها البيت فنفرت منها، فما زالت بي حتى دخلت وصارت تظهر لي دينها وورعها حتى ملت إليها…[ويذكر المؤلف باقي تلك القصة، وكيف أن الله تعالى ابتلى ذلك الشاب بالمحن بعد ذنبه إلى أن تاب، فحذفنا ذكر تفاصيلها لعدم الضرورة إليها. دار الحديث]. فألهمني الله التوبة الخالصة من ذلك الوقت، فكره الله إلي الزنا والخلوة بالأجنبية أو القرب منها. قال: وأصل ذلك كله قربي من امرأة الفقيه، ولو أني لم أقرب منها ولا قضيتها حاجة لم أقع في ذلك”.
وقد عدوا استحلاء كلام الأجنبية من زنا الكلام المحرم، فاعلم أنه لا ينبغي القرب من نساء أصحابنا اللاتي يخشى منهن الفتنة ولو بطيبة أنفس أزواجهن، لأن ما حرمه الله لا يباح بالإباحة، فهم في الحكم كالذي يقر أهله على مقدمات الزنا. وهذا الأمر يقع فيه كثير من الفسقة الذين يتصاحبون على الفساد فيطلب كل منهما التقرب لصاحبه بتمكينه من محادثة زوجته والنظر إليها، ويقول لهم إبليس أنتم الآن صادقون في الأخوة والمحبة، وقد وقع مثل ذلك لبعض إخواننا، ورأى صاحبه يفعل الفاحشة في زوجته.
وقد قال الله تعالى لأصحاب رسول اللهﷺ في حق أزواج رسول الله المطهرات الطاهرات المبرآت من فوق سبع سماوات ﴿وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾[4]. فإذا كان هذا في هؤلاء مع علو مقامهم فكيف بمن نفسه عاكفة على الشهوات المحرمة كعكوف الذباب على العسل. فاترك يا أخي جميع الأبواب التي تتوصل منها إلى الزنا ولا تدخل منها وتطلب السلامة فإن ذلك لا يكون. والله يحفظ من يشاء كيف شاء.
سير القلب
شرح الحكم العطائية للشرنوبي رحمه الله
رب عمر اتسعت آماده، وقلت أمداده. ورب عمر قليلة آماده، كثيرة أمداده.
أي رب عمر لشخص اتسعت آماده -بالمد جمع أمد كسبب وأسباب- أي اتسع زمنه حتى طال، وقلت أمداده -بفتح الهمز جمع مدد- أي فوائده، بأن كان الشخص من الغافلين. ورب عمر لشخص آخر قليلة آماده كثيرة أمداده؛ بأن كان من الذاكرين. كما وضح ذلك بقوله:
من بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تلحقه الإشارة.
يعني أن من بورك له في عمره بأن رزق من الفطنة واليقظة ما يحمله على اغتنام الأوقات، وانتهاز فرصة الإمكان خشية الفوات، فبادر إلى الأعمال القلبية والبدنية، واستفرغ في ذلك مجهوده بالكلية، أدرك في يسير من الزمن من المنن الإلـهية والمعارف الربانية ما لا يدخل تحت دوائر العبارة لقصورها عن الإحاطة به، ولا تلحقه الإشارة إليه لعلوه في مقامه ومنصبه، فيرتفع له في كل ليلة من لياليه من الأعمال الصالحة ما لا يرتفع لغيره في ألف شهر، فتكون لياليه كلها بمنزلة ليلة القدر. كما قال أبو العباس المرسي: أوقاتنا والحمد لله كلها ليلة القدر. فالعبرة بالبركة بالعمر لا بطوله. وعلى هذا يحمل حديث: “البر يزيد في العمر” فإن المراد البركة فيه، بحيث يفعل فيه من الخيرات ما لا يفعله غيره في الأزمنة الطويلة الخالية من البركات.
الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه، وتقل عوائقك ثم لا ترحل إليه.
يعني أن الخذلان التام المؤكد أن تتفرغ من الشواغل، بأن كان عندك ما يكفيك من الدنيا الدنية، ثم لا تتوجه إليه بالاشتغال بما يقربك إلى حضرته القدسية. وتقل عوائقك التي تنقلك عن الإقبال عليه، ثم لا ترحل بكامل توجهاتك إليه.
قال الإمام القشيري: فراغ القلب من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر عبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجر في قياد الشهوات، شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجد من صفاء لبه.
الفكرة سير القلب في ميادين الأغيار.
يعني أن الفكرة المأمورين بها إنما هي سير القلب -أي جولانه- في مشاهدة الأغيار -أي المخلوقات الشبيهة بالميادين في الاتساع- قال تعالى: ﴿قُلُ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾[5]. ونحو ذلك من الآيات الدالة على التفكر والنظر في عجائب المخلوقات. وأما التفكر في ذات الله فإنه منهي عنه، لأنه لا تحيط به الفكرة. فإذا تفكر العبد في وجود المخلوقات هداه ذلك إلى وجود موجدهم، وهذا تفكر العامة. وإذا تفكر في الدنيا وقلة وفائها للطالبين ازداد تباعداً عنها، وهذا تفكر الزاهدين. وإذا تفكر في الحسنات وما يترتب عليها فعلها وازداد رغبة فيها، أو في السيآت وما يترتب عليها تركها ظاهرها وخافيها، وهذا تفكر العابدين التجار. وإذا تفكر في توارد النعم ازداد محبة في المنعم بها، وهذا تفكر العارفين الأحرار.
[1] الأنعام، 160.
[2] يونس، 94.
[3] الحديد، 3.
[4] الأحزاب، 53.
[5] يونس، 101.
أضف تعليقك (0 )