post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

زفراتٌ في ذكراك..
وكأنّني لست أنا ذلك الذي شَرَد لحظات وهو يحاول أن يستوعب الخبر ويدقق في إمكانية حصوله، وكأن الأمر كان يعني شبحا غيري، لا أنا المفجوع الأول في الحكاية، ترددت في السفر لتوّي تحسّبا لترتيبات تسند إليّ بخصوص الخبر الصاعقة، حاولت لملمة أشتاتي والعودة إليّ، لكنني حرِنت، رغم مكوثي إلى حين التأكد من عموم البكاء وانكشاف تفاصيل ما بعد ضربة الخبر الأولى.. سافرت كأنني محلّق رفقة صديق متعاطف، لم أكن أنا الذي أتفحّص الوجوه المندهشة، ولا أنا المجنون الذي يبحث في المآقي عن بقايا دمع، وعلامات انكسارٍ ما، لا تخفيه العيون ولا الملامح، ينعكس هَوْلُهُ على أرواح جريحة تبكي في صمت، كأنني كنت معلّقا في الفضاء، أفتّش عنّي فيَّ فلا أجدني، أسعى بين الحشود كأنّي ضائع في صحراء بلا وجهة ولا بوصلة، أتحدّث وأراقب رجالا تجمّعوا كخلايا نحل أوحى لها ربّها أن تسلك سبل الألم في صمت وخشوع وذكر، أحاول عبثا أن أستيقظ من تيهي وانشطاري كأنني في قعر بئر، ويشقّ عليّ أن أفكّر في الرجوع من الرباط خاويا منّي، كنايٍ يعوي نائحا في فلاة الضياع.. لم أكن أدري يا سيّدي أنني سأدفع مقابل شرودي جبالَ الحزن أقساطا توزّعها الذاكرة على دقائق العمر ونبضات الحياة، فتفيض كلها شوقا وفقدا وحنينا أليما.. آه يا سيدي، عندما يستيقظ عاشق ويجد القافلة قد غادرت وبقي بلا مركب ولا دليل! ماذا بإمكان المواساة أن تفعل إزّاء انهياره وتصدّع بنيانه؟! آه يا سيّدي! عندما تكبر شجرة الفقد وتمتد عبر الشرايين، وتُنْبِتُ شوكَ الحنين، فيعشّش فيه ذلك الإحساس الفظيع بالغبن والحسرة والكثير من الأنين!.. لولا فيض لطف، ووعد كرم، وموعد مضروب.. آه يا سيدي! من جراح الغياب حين تظلم الأوقات وتضيق الصدور، ولا تنقذنا إلا بسمة تطل من طيفك الطاهر فتنعش الروح برشفة ودّ.. وأعرف أن نورا مثلك لا يغيب، وإنما يحتاج القلب إلى تلميع وصقل كي يصل ويتّصل ويواصل.. ولكنّ الذاكرة يا سيدي تمارس سطوتها، والحنين لا يتنازل عن سياطه، والقلب الكسير يصرّ على المرور بأسىً، من نفس النظرة ونفس الكلمات ونفس اللحظات، دروب لا فكاك عنها لكل نبض كنت له النسغ ودفقة الحب الأزلية، كأن ثمّة تواطؤ محكم بين الزمن الرماديّ في هذا الوطن، وبين أُوار الوجد المستعر بلا رحمة.. وها أنذا كما ترى.. أرقن زفرتي في ذكراك السابعة ها هنا، عساها تخبو قليلا نيران جوانحي، أو أشكو لها منها عبثا، قبل أن تستمر أعراس الحنين ويرتفع لهيب الأشواق في وجد تضاعفه السنين ويحرّضه تقدّم العمر ويسنده اتصال أمداد الوداد بدلو الشوق والأوراد رغم البعاد.. لكنّ لي في أبنائك المنّ والسلوى، وفي حضرة جَمْعِكَ النور والبركة، وفي موائد السعي والصّدع والبذل والصّبر.. غُنية ومغنى، وآيات ومعنى.. والحمد لله رب العالمين.
عبد القادر الدحمني سوق أربعاء الغرب في: 14 دجنبر 2019.

ذ. عبد القادر الدحمني | زفراتٌ في ذكراك..

عبد الصمد فتحي | أتمدحه أم تذمه؟..

تدوينات

ذ. عبد القادر الدحمني | زفراتٌ في ذكراك..

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الفتوة قوة واقتحام

حوارات | في الأدب وقضاياه مع الروائي عبد القادر الدحمني

ذ. عبد القادر الدحمني | زفراتٌ في ذكراك..

مقالات ذات صلة