post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بمناسبة مرور 16 سنة على وفاة سيدي محمد العلوي رحمه الله وأسعده بلقائه (توفي يوم فاتح دجنبر 2008م)، شاهدتُ شريطا مرئيا قصيرا يتحدث فيه -بعفويته وعمقه- عن بعض معاني الصُّحبة، وهو في مقام التذكير والتوجيه، نبَّه إلى أن الصحبة والسلوك إلى الله ليس كلاما مجردا ولا فكرة خيالية، ولا أماني معسولة ولا شكوى عاجزة، وإنما هي محبة خالصة وفهم سليم وعمل صالح وسلوك قويم، يؤتاه العبد توفيقا من الله تعالى، فيتمثله اجتهادا في السير وجهادا للنفس مع الأنفس وصبرا ومصابرة ومرابطة. وذكر رحمه الله أن للصحبة علامات، سماها &#8220;المفاتيح&#8221;، والمفتاح والمفتح ما به تُفتح المغاليق والسبب الذي يوصل به إلى المستغلقات التي يتعذر الوصول إليها، وعدد من المفاتيح عشرة:



<ol class="wp-block-list">
<li>الأخذ بالأسباب:&nbsp;درءا لآفات التواكل والقعود والتخلُّف، وكي لا يتوهم أحد أن السلوك إلى الله يناله الكسالى والبطالون والانتظاريون. ولتعطى الصُّحبة معناها المنهاجي الذي يقتضي مما يقتضيه القيام بالواجبات الشرعية بهمَّة وإخلاص ومداومة.</li>



<li>قراءة المنهاج:&nbsp;لدرء آفات الاعوجاج، ولمعرفة أن الواجب في حق الفرد المؤمن والجماعة المؤمنة صدقٌ في طلب وجه الله ونيل ما عنده من فضل، وسيرٌ حثيث وقاصدٌ على خطى واضحة اقتحاما لعقبات ممانعة نحو غايات كلية متكاملة. والمنهاج مفتاح.</li>



<li>الإحسان بالوالدين:&nbsp;إذ الدين المعاملة، ولا صحبة ولا سلوك لعاق، ولا مكان بين الصالحين والصالحات لسيئي الأخلاق وفاسدي المزاج، وكيف يجتمع الإيمان مع العقوق؟ وكيف يصحب أهل الله من أساء المعاملة مع والديه أقرب الناس إليه؟</li>



<li>الصلاة في وقتها: لأن &#8220;الصلاة عمود الدين وعماده. فسطاط الدين وأوتاده. إقامة الصلاة دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام لنفسه ولذريَّته قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾&#8221;.</li>



<li>القرآن الكريم:&nbsp;لأن الصحبة على منهاج النبوة لا تكون إلا قرآنية، إذ القرآن هو النور والعلم والمنهاج والذِّكر. إليه نحتكم وبه نرتقي ونموذجه نتمثل ودولته نريد.</li>



<li>الذلة على المومنين:&nbsp;بالمحبة في الله تعالى ينال المتحابون فيه محبة الله تعالى لهم، ويتماسك الصف وتجتمع الفضائل وتتآزر القوى وتعالج الأدواء (الأنانية والكبر والجبن والبخل والكسل والعجز&#8230;) في محضن التحاب والتناصح والتشاور والتطاوع والتصابر والاقتداء.</li>



<li>قيامُ الليل:&nbsp;تعرضا لنفحات الله تعالى، والناس نيام، وحملا للنفس على الوقوف بين يدي الله بالاستفتاح والسؤال والاستخارة وعرض الحاجة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}(الذاريات:15-17)</li>



<li>الدعاءُ والتضرع: فالدعاء مخُّ العبادة، وأمرُ المؤمن والمؤمنة كله عبادة، ولا فلاح للعبد من غير توفيق من الله، فهو الهادي والمعطي والوهاب والكريم سبحانه، وحتى لا يعتد أحد بإتقان عمله أو بكثرة رهطه أو بقوة حجته. قال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(السجدة:16-17).</li>



<li>الاستغفارُ بالأسحار: المؤمن يراقب عمله ويحاسب نفسه، وينتهز أوقات استجابة الدعاء ليستغفر لذنبه ويتوب من غفلته، وهو يوقن بأن ربنا ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل، فيقولُ: هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له، هل من سائلٍ فأُعطيَه، هل من تائبٍ فأتوبَ عليه&#8230;</li>



<li>ذكر الله الكثير، في الملإ والخلاء، وهنا تذَكَّر سيدي محمد العلوي رحمه الله واقعة وقعت له مع سيدي الحاج العباس رحمه الله، لما سأله &#8220;ادعُ لي سيدي فإنني لا أذكر الله كثيرا&#8221;، فطرق الحاج العباس هنيهة ثم قال له: &#8220;يا ولدي، أنا في هذه السّن، وإذا لم أذكر الله تعالى أشعر كأن عورتي مكشوفة. لا يستُرها إلا ذكر الله تعالى&#8221;.&nbsp;</li>
</ol>



وفي هذه المعاني قال الشاعر:



صحبتي مفتاح<a href="applewebdata://793D3B07-714E-4714-87C8-ECFB63B7732C#_ftn1">[1]</a>



صحبتي فوز بخلِّ حبّه معراج فضلِ



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;صحبتي للذكر أصل وهْي بالصّدق تُحَليّ



صحبتي بذل وعلم يبتغي إحسان فعل



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;صحبتي تدعو لسمت حَسَن يغري بوصل



صحبتي صبر وحلم واقتصاد دون بخل



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;صحبتي مفتاح غزو يملأ الدنيا بعدل



صحبتي منهاج سير وهْي نبراسٌ مُجلّ



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;صحبتي يا ناس فتح بل مفاتيح التَّجلّي



قاب قوسين وأدنى من تدنّ وتدلِّ&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&#8212;&#8212;&#8212;&#8212;-



خلّص الصّحبة تظفر صحبة الأخيار تُعلي



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;مدد المصحوب ورد لا تنم عن ورد خلّ



نم على أفضل عزم ثمّ قم في ثلْث ليل&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;اذرف الدّمع هَتُونا قل إله الخلق: كُن لي



خفّف اللّهمّ عنّي فلقد ضقت بحِمْلي



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;ونهارَ السبح حاذر فتنة تُدْسي وتُبلي



صحبة الأطهار تُعدي بالتّحلّي والتّخلّي



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;أعطها الحقّ وفاء لا تخن خلّك مثلي



إن تكن للخلّ دلوا تُضح بالخير تُدلي



&#8212;&#8212;&#8212;&#8211;



بئس قُفل القلب قفلا يُقفل القلب بغِلّ&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;وذنوب وسواد واغترار وتَألِّ



والدّعاءَ الرّابط اغنم فهْو حبل خير حبل&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;صِل به من كان أهلا مَلَك يدعو بمثل



كابن معدان أخي كن شوقه للصّحب يَغلي



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;كلّما آوى فراشا قال: هم أصلي وفصلي



وإليهم حنّ قلبي ربّ فاجمعني بأهلي



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;في جنان ونعيم نظرة في الوجه سؤلي



وعلى الهادي سلام وبه أختم قولي.



رحم الله سيدي محمد العلوي وأسكنه فسيح جناته ونفعه بما قدم لحياته، فقد كان قرآنا يمشي بسَمته وموعظته وفهمه ودعوته ودمعته ودعائه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والوارثين من أمته ومن اهتدى بهديه. والحمد لله رب العالمين



01 دجنبر 2024م



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="applewebdata://793D3B07-714E-4714-87C8-ECFB63B7732C#_ftnref1">[1]</a>&nbsp;&#8211; قصيدة للأستاذ الشاعر الأديب سيدي منير ركراكي حفظه الله

التزكية والدعوة

سيدي محمد العلوي ومفاتيح الصُّحبة

أضف تعليقك (1 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سيدي محمد العلوي ومفاتيح الصُّحبة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

في الذكرى 50 لرسالة الإسلام أو الطوفان

الهجرة النبوية: الصُّحبة شرطها

عيد الأضحى: آداب ومقاصد

خطبة الــوداع

مقالات ذات صلة