يسر إدارة مواقع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تخليدا للذكرى 12 لرحيله، إجراء حوار مع الدكتور البشير قصري الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر في موضوع: الرؤية المنهاجية لمكانة الشباب وأدواره.
1- حظي الشباب في عهد النبوة والخلافة الراشدة بمكانة متميزة، وخلَّدت السيرة النبوية ذكر نماذج شبابية، هلا حدثتنا عن هذه المكانة وذكَرْت لنا بعض هذه النماذج؟
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن انتمى له، بداية أتوجه بالشكر الجزيل إلى السادة الأفاضل القائمين على إدارة مواقع الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله عز وجل، ونفع الأمة بعلمه وعمله.
نعم، للشباب في الإسلام مكان لا يزاحم، واهتمام ما بعده اهتمام، إنهم نصروا سيد الخلق حين خذله الشيوخ، وهاجروا لما قعد من قعد، فهم أقرب إلى الاستجابة، وأسرع إلى الإنابة، فالذين استجابوا لله ورسوله ﷺمن السابقين الأولين كانوا في كثرتهم الكاثرة من صميم أبناء بيوت قريش وبطونها، وعلية شبابها، معروفين بأسمائهم وأنسابهم، وبيوتهم، وقبائلهم، وكانوا اللبنة الأولى في بناء صرح هذا الدين القيم.
وجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن مقولة “أن الإسلام يتملق الضعفاء والأرقاء والمحرومين والصبيان ليستنصر بهم في نشر دعوته” تحتاج إلى تمحيص وتدقيق، فقد كانت دار الأرقم مجمع أهل الصدق السابقين إلى الإيمان من شباب قريش وغير قريش، فنور محمد صلى الله عليه وسلم اجتذب منهم زهرات شبابهم، ومصدر قوتهم، وعدة مستقبلهم، وأصبحوا جند دعوته وحملة رسالته متحملين شظف العيش، وفقر الحياة، مع أننا لا ننكر، بل نحتفي ونفخر بما في شرائع الإسلام من أحكام تؤسس للعدالة الاجتماعية ونصرة المظلوم، وإتاحة العيش الكريم لكل إنسان على وجه الأرض.
وبناء على ذلك حظي الشباب في زمن النبوة والخلافة الراشدة، -وهي حقبة تاريخية تأسيسية اقترب فيها المثال بالمثل، والواقع بالمبدأ، والتنظير بالممارسة- بمكانة متميزة، أثلها القرآن الكريم، وترجمتها السيرة النبوية، وتمثلت في حياة الصحابة وإليكم بعض البيان مجملا في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الإشادة القرآنية بالفتوة في ارتباطها بالإيمان ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ اٰمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَٰهُمْ هُديٗۖ﴾، وتعلقها بأخلاق القوة والشجاعة ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا فَتيٗ يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبْرَٰهِيمُۖ﴾، وبالخدمة والتضحية وإنكار الذات ﴿وَإِذْ قَالَ مُوس۪يٰ لِفَت۪يٰهُ لَآ أَبْرَحُ حَتَّيٰٓ أَبْلُغَ مَجْمَعَ اَ۬لْبَحْرَيْنِ أَوَ اَمْضِيَ حُقُباٗۖ﴾، واقترانها بالعفة ﴿وَقَالَ نِسْوَةٞ فِے اِ۬لْمَدِينَةِ اِ۪مْرَأَتُ اُ۬لْعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَت۪يٰهَا عَن نَّفْسِهِۦ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاًۖ﴾، وبالمبادرة ﴿اِذَ اَوَي اَ۬لْفِتْيَةُ إِلَي اَ۬لْكَهْف﴾، وغيرها، فهؤلاء كلهم كانوا فتية أي شبان، يعني في مرحلة عمرية بتوصيفات نفسية وعقلية واجتماعية معينة تعقب الطفولة المتأخرة (أو تلي سن المراهقة في قول)، ويمكن أن نقول هي مرحلة بلوغ الأشُد كما جاء في سورة الحج ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاٗ ثُمَّ لِتَبْلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمْۖ وَمِنكُم مَّنْ يُّتَوَفّ۪يٰ وَمِنكُم مَّنْ يُّرَدُّ إِلَيٰٓ أَرْذَلِ اِ۬لْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنۢ بَعْدِ عِلْمٖ شَئْاٗۖ﴾.
وقف أهل العلم بالتفسير على اختلاف التعبير في قوله تعالى (ثم لتبلغوا أشدكم) عن سابقه ولاحقه، فقالوا أي لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل والتمييز، وذُكرت لام التعليل هنا لبيان أهمية مرحلة بلوغ الأشُد، فهي المرحلة التي يصبح فيها الإنسان مكلفا ومسؤولا، ولهذا أُسنِد فعل البلوغ إلى المخاطبين تذكيرا لهم بأهمية مرحلة التكليف، وأنه أصبح لهم استقلال وكسب واختيار، وبعد مرحلة بلوغ الأشُد -إن لم يمت الإنسان قبلها أو بعدها- فسيرد إلى أرذل العمر.
- الأمر الثاني: الحضور الشبابي الفعال والكثيف والمسؤول في أهم القضايا والأحداث التي انطبع بها زمن النبوة والخلافة الراشدة، بدءا بالسبق إلى الاستجابة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول في الإسلام، ثم الهجرة سواء إلى الحبشة أو إلى المدينة، ثم الجهاد والغزو في سبيل الله، والإقبال على العلم والمعرفة، وعدم التنازل عن الحق والنصيب من الذكر والصحبة للحبيب صلى الله عليه وسلم، وخدمته والذود عن سنته.
وفي زمن الخلافة الراشدة واصل الشباب انخراطهم في مشاريع بناء الأمة، ومشاركتهم الحقيقية بالأصالة لا بالتبع، فشاركوا في أمر ترشيح الخلفاء وانتخابهم أو تعيينهم، وأبلوا البلاء الحسن في حروب الردة والفتوحات، وكان لهم الدور البارز في جمع القرآن وتعليمه، وفي العلم تحملا وأداء، وفي توحيد الأمة وحقن دمائها بتنازل خير شباب أهل الجنة الحسن بن علي وتضحيته بمنصب الخلافة لمعاوية في آخر أيام الخلافة الراشدة رضي الله عن الجميع.
- الأمر الثالث: الصحابة الشباب حول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم عصبة مؤمنة صغار السن كبار القدر والهمة، تربوا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم وتخرجوا من جامعته وهم أقدر على مواجهة التحديات، وأقوى على أداء المسؤوليات، وأثبت على التزام مبادئ الإسلام، لا يميلون مع رياح الفتنة، ولا يستسلمون لإغراء الفساد، ولا يعتريهم اليأس، ولا تنزلق أقدامهم في مهاوي الانحلال والانحراف والاقتراف والانجراف. حازوا شرف الإسلام والإيمان والإحسان، والهجرة والنصرة، والدعوة والجهاد.
فمن أوائل من أسلمَ نجد أبا بكر الصديق أسلم وعمره آنذاك 38 سنة، وعليا بن أبي طالب في 10 سنين، وعمر بن الخطاب 26 سنة، وسعدا بن أبي وقاص 17 عاما، ومثله طلحة بن عبيد الله، وصاحب البيت الذي احتضن اجتماعات الإسلام التأسيسية الأرقم بن أبي الأرقم لم يتعد آنذاك الخامس عشرة سنة، ونجد في مقدمة المهاجرين الشاب الصحابي الجليل الابن المدلل الوسيم سفير الدعوة مصعب بن عمير، ونذكر أيضا الشابة الفتاة المؤمنة الشجاعة ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر خدمت النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبَه في الهجرة، ونذكر قيادة ابن السابع عشرة سنة أسامة بن زيد لجيش فيه كبار الصحابة، وغيرهم كثير.
فانتشار الدعوة الإسلامية في أجواء الإنسانية، وارتفاع راية الإسلام شرقا وغربا، ودخول الناس في دين الله أفواجا لم يتحقق إلا على عزائم الشباب، وتضحياتهم، وجهادهم واستشهادهم، فاللهم هيء لهذه الأمة اليوم وغدا شبابا يكونون كسلفهم إخلاصا وعزيمة وتضحية وجهادا.. ولعل ما أبلاه الشباب في طوفان الأقصى المبارك بشرى خير وبارقة أمل على درب البناء والتحرير إن شاء الله تعالى.
2- ما الوظائف التي اضطلع بها الشباب في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الأمة الإسلامية؟
نغض النظر عن الاختلاف في المدلول اللغوي والاصطلاحي للفظة الوظيفة، ونكتفي بمعناها المتداول الذي يفيد الحرفة أو المهمة الدائمة أو المهنة التي تعود على صاحبها بأجر مادي أو معنوي، والمطلع على يوميات وحياة الصحابة الكرام يمكنه تقسيم الوظائف التي اضطلعوا بها إلى ثلاث:
أولا: وظائف دينية وقام بها الجميع، كل بحسب طاقته ومؤهلاته، وهي الدعوة إلى الله عز وجل، والجهاد في سبيله، قد كانوا يتنفسون الدعوة.
ثانيا: وظائف عامة: ترتبط بالمسؤوليات داخل أجهزة الدولة (والدعوة أيضا قبل قيام الدولة)، وقد أوكل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضي الله عنهم إلى شباب الصحابة عدة مهام تبعا لما يتحلون به من مهارات وكفاءات، ومن ذلك الوزارة والاستشارة اضطلع بها علي والحسن والحسين وعمار وبلال وحذيفة، إضافة طبعا إلى أبي بكر وعمر رضي عنهم وأرضاهم، والأمانة العامة في شخص أبي عبيدة بن الجراح ، والقضاء علي بن أبي طالب، ورئيس الشرطة لقيس بن سعد بن عبادة، والأذان لبلال بن رباح، والترجمة والنسخ لزيد بن ثابت رضي الله عنهم، والعلاقات الخارجية كلف بها معاذ بن جبل، وعبد الله بن حذافة السهمي، ومهمات خاصة يُعين لها أهلها قوة وأمانة.
ثالثا: وظائف حياتية خاصة
لقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عموما، والشباب منهم خصوصا يسعون على أرزاقهم، ويسلكون طرق الكسب في غير كسل ولا تواكل، فاشتغلوا على التجارة والصناعة والزراعة والحرف والخدمات، فكان منهم الحداد والراعي والفلاح والخياط، والبزاز والصانع والبناء، والجزار والحلاق، إضافة إلى ذوي الخبرة في فنون مختلفة.
وهذه الأعمال جعلتهم أهل عفة وكرامة واكتفاء، وأصحاب فضل ونفع للآخرين، وجعلتهم أيضًا في غنى عن الحرام، وفي وقاية من طرق الكسب غير المشروع كالربا والرشوة، ورم الله القائل “العاجز عن الكسب ساقط الشرف” طبعا من غير ذوي الأعذار الذاتية أو الموضوعية.
قَالَ معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي الناس، فقَالَ: خلق الناس أخيافاً: فطائفة للعبادة، وطائفة للتجارة، وطائفة خطباء، وطائفة للبأس والنجدة، ورجرجة فيما بين ذلك، يكدرون الماء، ويغلون السعر، ويضيقون الطرق.
3- دعا الإمام عبد السلام ياسين -رحمه الله- الشباب إلى التجند لمعركة العلم استعدادا للاندماج الاقتصادي والاجتماعي، ما مفاتيح نجاح الشباب في مسارهم الدراسي وتأمين مستقبلهم المهني؟
في إحدى وصاياه إلى الطلبة قال رحمه الله: “وصيتي الأخيرة لكل الطلبة أن لا يألوا جهدا في الدعوة، وأن يقتحموا عقبات الدراسة بكل همة وإقبال، فإن جند الله لا بد لهم من سلاح ماض، وإن سلاح العلم هو أمضى سلاح بعد سلاح الإيمان” ويؤكد المرة تلو الأخرى على أن “التحصيل العلمي جهاد في حد ذاته مهما بدت الآفاق منسدة”، ليقينه أن هذا الدين لن يفارق العلم، ولأنه يريد أن يدخل على المستقبل من باب العلم، وواجب مرحلة الشباب التعليم والتكوين أولا، ورحم الله الإمام الشافعي القائل:
ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعا لوفاته
وقبله قال عمر رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا.
إذن الإمام رحمه يضع للحضور الشبابي الفاعل والشاهد شرطين، تربوي ومعرفي، لأن قلة الإيمان وقلة المعرفة سيان في النفع والإضرار.
لكن، لو رمنا تدقيقا أكبر، نتساءل عن أي علم ومعرفة نتحدث؟ أي ما هو العلم الذي يرفع من قيمتنا طلبُه؟ وماذا يُقصد بالنجاح في المسار الدراسي؟ هل هو جمع للمعلومات ينتهي بشهادة جامعية، تفتح أبواب العمل والاندماج الاقتصادي والاجتماعي، بقدر ما تُخرجك من مجتمع البحث العلمي والمعرفة (بتعبير دارج على ألسنة الخرِّجين “كمَّلت قرايتي”)؟
لقد تناول هذه الأسئلة وغيرها صاحب مشروع التفكير المنهاجي في عدة كتب، والمجال المتاح هنا لا يسمح بالتفصيل، لذلك أكتفي بإشارات:
- جل المعارف المتاحة اليوم في المدارس والثانويات والجامعات شريفة مشروعة إن توجهت إلى أهداف شريفة، ومطلوب إليكم (الخطاب للطلبة والتلاميذ) أن تبرزوا فيها كلها بروزا يشرِّف أشخاصكم، ويشرف الدعوة التي تنتمون إليها.
- ينبغي ربط النجاح الدراسي بالنجاح في الحياة، طالب النجاح فتى كريم، ومواجه الحياة كرجل رجل، “فخطاكم إلى رجولة الإيمان وعزة الإسلام تتعثر إن لم يكن لها من العلم الذي ورثه لنا الأنبياء عليهم السلام معالم هادية.
- لا تضع الملائكة أجنحتها للساعي إلى معرفة مادية مقطوعة عن الحق، يفوت الفضل ويضيع الأجر إن طلبت العلوم في غفلة عن الله تعالى.
- من عوامل النجاح الدراسي الهمة العالية، والإقبال والحرص الشديد على التعلم والفهم، والاستعانة بالله والتعاون والتنافس مع أصحاب النفوس الأبية والمطالب العالية.
4- أكد الإمام عبد السلام ياسين -رحمه الله- على أن يكون الشباب دواء لمشكلة الشباب، أية أخطار تهدد الشباب؟ وكيف يسهمون في إنقاذ البيئة الشبابية؟
عرفنا أن أسلوب الإمام رحمه الله تعالى في تناول القضايا يتميز بالوضوح والإحسان والمسؤولية فهو لا يعفي أحدا من مسؤوليته، ويحرص أشد الحرص على الدفع نحو الإيجابية، ويكره الاتكالية والسلبية والعقلية الرعوية، فإذا كانت نظرة العامة قاصرة عن المصارحة الرفيقة الرحيمة، متساهلة في العلاج مبررة للفشل، مختلقة للأعذار، حيث يرون أن الطفل قاصر، والمراهق معذور، والشاب لا بد أن يطيش، فإن الإمام المجدد رحمه الله جاء بها قرآنية نبوية “قل هي من عند أنفسكم”، “فبما كسبت أيديكم”، ليس تحقيرا للأسباب الخارجية والموضوعية، أو إهمالا لها، ولكن تقوية للعوامل والدوافع الذاتية التي مدخلها “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
وأما الأخطار التي تتهدد الشباب فكثيرة ومتنوعة، لأن قوى الشر تعمل جاهدة وفق سياسة ممنهجة، بل عقيدة مقيتة، تستهدف إلحاق المسخ ببني الإنسان عموما، والفتيان خصوصا، مسخ قردي ودوابي وطاغوتي في أبعاده المادية والنفسية والاجتماعية، أجيال غضة تريد الأيدي الآثمة المطبِّعة سوقَها لدار الهوان، فأمسى الشباب يسبَحون في عالم تتقاذفه أمواج الفتن والشبهات والشهوات من كل جانب، زمن صعب بكل تأكيد، والسؤال المطروح لدى الشباب هو: هل نعيش بإسلامنا خارج زمننا؟ أم نتخلى عن ديننا لنعيش في زمننا؟ أم أن الإسلام صالح لعصرنا أيضا؟ والسؤال المنهاجي العملي هو: كيف ترجع إلى حظيرة الإسلام هذه الجموع من الشباب التي ترعاها الذئاب؟
ورد في المنهاج النبوي النص التالي: “إذا فهمت الأمة واجبها، وقبلت الاضطلاع به، ووجدت قيادة منها لإنجازه، سيكون الشباب أنفسهم هم الحل لأزمة تكاثر السكان، وتفشي الجهل، ونقص المتطوعين، الشباب المؤمن هم الحل لأزمة الشباب إن أصبح كل منهم يحمل بدل أن يبقى محمولا”، فالشباب قوة دافعة ومخزون استراتيجي لا ينضب، كنوز الشهامة والرجولة والقدرة على التضحية بالمال والأنفس، يتعين على طالب التغيير والتنمية والإقلاع الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي الاستثمار في تأهيل الشباب تربويا وأخلاقيا ومهاريا حتى يكون ولاؤهم لأوطانهم وأمتهم، فقضية الإصلاح والتغيير، ومشروع البناء والتحرير يحمل لواءه شباب رحيم رفيق بالأمة يبذل من أجلها ومعها لتحقيق العدل والكرامة والحرية.
لذلك يخلص التفكير المنهاجي إلى حقيقة أن الشاب الفاعل بوابة العبور إلى الوضع المنشود، ذلك الإنسان الذي تغلب على سيكولوجيا الإنسان المقهور، وتجاوز البنية النفسية التي يفرزها التخلف باعتبارها أشد نقاط المقاومة استعصاء على التغيير، بيد أن نجاحه في ذلك رهين برفع ثلاثة تحديات كبرى:
- التحدي الأول: توبة تقلب الموازين العقلية والقلبية والسلوكية، ﴿وَتُوبُوٓاْ إِلَي اَ۬للَّهِ جَمِيعاً اَيُّهَا اَ۬لْمُومِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
- التحدي الثاني: هو يقظة جماعية تسعى لإقامة عمران أخوي تفعيلا لمبدأ الاستخلاف، ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ اَ۬لَارْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، وشرطه اكتساب العلوم، وامتلاك ناصية التكنولوجيا، وتنمية البلاد وتحريرها.
- التحدي الثالث: حمل الرسالة لعالم متعطش، والدعوة إلى عدل الإسلام ورحمته ﴿اَ۟دْعُ إِلَيٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ اِ۬لْحَسَنَةِ وَجَٰادِلْهُم بِالتِے هِيَ أَحْسَنُۖ﴾.
5- وأنت تتابع الواقع الشبابي، والعدوان الصهيوني على غزة وتداعياته، ما الأدوار المنوطة بالشباب في ظل سياق عالمي ومحلي متغير؟
يعتبر طوفان الأقصى نقطة مفصلية في تاريخ العدوان الصهيوني الطويل على غزة العزة، كانت فيه كلمة الله هي العليا، وكلمة الطغاة والمستكبرين هي السفلى، فقد أعاد الطوفان ترتيب الفهوم في العقول، وأظهر لكل ذي عينين أن الحق الفلسطيني في تحرير الأقصى والأسرى، واستعادة الكرامة والحرية قد تعلقت به قلوب وهمم رجال ونساء معظمهم شباب وشابات، تربوا على التضحية والإخلاص، أضافوا إلى قوتهم المعنوية الباهرة ما استطاعوا من قوة مادية فزلزلوا أوهام الطغاة، وفضحوا خبث الصهاينة وأحبطوا خططهم ومكرهم، بعد أن ظنوا أنهم أحكموا قبضتهم على دنيا الناس بغزو الأرواح، وتطويع العقول، وتطبيع الحياة على مهانة الاستسلام.
ولا شك أن ذلك سيكون له عظيم الأثر، فلن تبقى أي دولة أو مؤسسة مدنية أو سياسية بمنأى عن تداعياته، سيرفع من منسوب الوعي، ويوقظ همة كل معني، ويحرج كل خائن، وسيدفع الشباب إلى استعادة دوره المهدور، ويمكنه من توسط حركة التغيير والتحرير في معظم البلاد العربية والإسلامية، وقد يستلهم أحقيته وجدارته من الثقافة التي ينتمي إليها، وهي ثقافة بالمناسبة مناهضة للاستبداد ورافضة للظلم والقهر، لأنها ترتكز على المعين القرآني النبوي الذي ينشئ في تاليه بشروطه ثورة على الظلم، ماض حافل بالبطولات في مقاومة الطغيان، وواقع تاريخي قريب مناهض للاستعمار، وحاضر مقاوم للمحتلين الغاصبين، وما غزة منا ببعيدة.
وأما الأدوار المنوطة بالشباب اليوم فيكاد يحصل إجماع مفكري الإسلام على أربعة واجبات، وهي بتعبير العلامة يوسف القرضاوي رحمه الله:
- الفهم الصحيح للإسلام.
- العمل بالإسلام.
- الدعوة إلى الإسلام.
- الترابط على الإسلام.
وضالة التفكير المنهاجي، وحجر الزاوية الناظم لهذه الأعمال والأدوار يتمثل في إيجاد الباعث وإبداع الحافز وإدراك الغاية، ليكون الأمر كله لله، من الله وبالله وفي الله. بذلك يتحقق الإخلاص وتهون التضحية، ومعرفة الذات، فحينما تدرك قيمة نفسك، يصبح الثقلان من أتباعك.
يحتاج الشباب إلى التخلي عن داء الشعور بالدون، والهزيمة النفسية، والتخلص من سجن اليأس ودعاوي التيئيس، ومرض الجمود عدو التغيير اللدود، كما يفتقر إلى تأهيل وإعداد في محاضن تربوية، ومدارس تكوينية، وفضاءات للإبداع، حتى ينتقل من كتلة كبيرة إلى قوة اقتحامية في إطار حركة واعية نشيطة ومنفتحة، تصمد أمام مطالب العصر ومجاريه القوية.
وختاما فالمهمة التاريخية لشباب الإسلام هي المرابطة في ثغور الأخلاق والتربية والتقدم العلمي، والتحقيق البحثي، وتقديم النفع للناس، نصرة المظلوم ومواساة المحروم، فهذا مبرر الوجود وقانون البقاء والاستمرار، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَا يَنفَعُ اُ۬لنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِے اِ۬لَارْضِۖ﴾.
فالله المستعان وهو المستغاث وعليه التكلان وإليه المشتكى، وله الحمد.
أضف تعليقك (0 )