مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

كتاب البيداغوجيا

عبد السلام ياسين – المفكر التربوي

عبد السلام ياسين – المفكر التربوي

عبد السلام ياسين – المفكر التربوي

ريح من الغرب..

هل بلغ الأستاذ عبد السلام ياسين – مطلع ستينيات القرن العشرين، وهو لم يكد يتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر – درجة عالية من التبحر ومن الغوص في الفكر، في مجال تخصصه التربوي على الأقل؟ وهل أضحت له آراؤه الخاصة المعتبَرة في مدارسه واتجاهاته وأقطابه؟ وهل أنتج من الأفكار، وهل أَثْرَتِ المكتبة التربوية بإنتاجاته الفكرية، بحيث نستطيع أن نطلق عليه صفة “المفكر التربوي”؟

على الرغم من الأمد الطويل بيننا وبين ذلك الزمن الذي مر عليه أكثـر من نصف قرن، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التـي بُذلت على مدى كل هذه السنوات الطوال لطمس مسار الرجل ومسيرته وعطائه وأثره وتراثه التربوي، فإننا سنحاول الإجابة عن السؤال أعلاه بما توفر لدينا من وثائق وشهادات.

لنتأمل أول شيء في المشارب التـي غذّت فكره التربوي، قبل أن نستقرئ ما بين أيدينا مما ذكرنا من وثائق وشهادات لننظر إن كانت تؤكد صفة “المفكر التربوي” أو تنفيها.

كان من المنطقي أن يكون تراث الفكر التربوي العربي الإسلامي أهم مشاربه بحكم الانتماء الجغرافي، وبحكم طبيعة التعليم الذي تلقاه في مدرسة المختار السوسي وفي معهد بن يوسف، وبحكم ما عرف عنه من سعة الاطلاع.

كان هذا هو المنطق.

غيـر أن شهادات تلامذته، وما بين أيدينا من كتبه التربوية التـي ألفها مطلع ستينيات القرن العشرين، كلها تشير إلى هيمنة المدارس التربوية الغربية على اهتمامه في تلك المرحلة من حياته.

كانت المدارس الفكرية والتربوية الفرنسية المشرب الأول الذي استقى منه فكره التربوي، بحكم أن اللغة الفرنسية كانت هي اللغة الأجنبية الأولى التـي أتقنها وتمكن منها، وبحكم التدريبات المختلفة التـي شارك فيها ابتداء من مدرسة المعلمين بالرباط في العام الدراسي 1947/ 1948م، وبحكم احتكاكه بالمستشرق الفرنسي غاستون دوفردان (Gaston Deverdun – 1906 /1979م)، أوائل خمسينيات القرن العشرين، بـثانوية ”سيدي محمد الإسلامية” (محمد الخامس حاليا) بباب أغمات بمراكش، إبان اشتغاله معه في ترجمة مخطوطات ونصوص عربية كان يحتاجها في إعداده لأطروحته للدكتوراه عن مدينة المرابطين. ثم فتح له تمكنه من اللغة الإنجليزية آفاقا رحبة ليتعامل مع المدارس التربوية الأنجلوسكسونية. دون أن ننسى أننا أمام رجل لا حد لنهمه في القراءة، ذي عقل نافذ لا تحجبه قشور ما يقرأ عن اللُّباب، ولا يستسلم لأفكارها ولا تنفذ هي إليه إلا بسلطان.

وأكد الدكتور عبد الغني أبو العزم في شهادته لنا أن أستاذه «كان يلم بالمدارس التربوية وطرق التدريس إلماما كبيرا جيدا. وبواسطته وبعلمه وانفتاحه على هذه المدارس أصبح لنا إلمام بها. كان يستلهم من المدارس الغربية».

وفرق كبير بين أن يطلع الباحث العربي على المدارس الفكرية الغربية ويستلهم منها بعيدا عن التربة التـي نبتت فيها وخارج الأجواء والسياقات التـي نشأت فيها وبالاعتماد على المترجَم منها إلى العربية، ليس إلا، وبين أن يتسلحَ هذا الباحث بما أتقنه من اللغات الأصلية لتلك المدارس حتى بلغ فيها درجة “المعرفة” و”التذوق”، ثم يتشربَ فكر وروح هذه المدارس في موطنين اثنين من أكبر مواطنها: فرنسا والولايات المتحدة.

ونستطيع أن ندرك اهتمامه الكبير بالمدارس الفكرية والتربوية الغربية، ومدى تأثيرها فيه، من خلال ثلاثيته التربوية الفريدة.

الثلاثية التربوية..

نحتاج هنا إلى أن نقف وقفة ضرورية.

نقف لتصفح ثلاثة من كتب الأستاذ ياسين ألفها في أواخر المرحلة التـي نحن بصدد توثيقها في هذا الباب وهي: “مذكرات في التربية”، و”النصوص التربوية”، و”كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا”. وقد صدرت كلها عام 1963م، وكانت كلها خاصة بمدارس المعلمين والمعلمات، كما جاء في عناوينها الفرعية.

نحتاج إلى هذه الوقفة من أجل التعرف إليه في سعة اطلاعه وعمق معرفته، وفي مستوى تكوينه الفكري، وفي كفايته وخبرته البيداغوجية وتجربته المهنية، وفي قدرته على تنظيم الأفكار وعلى التحليل وعلى الاستنتاج، وفيما أسداه إلى الحقل التربوي من أياد بيضاء في وقت كان يعرف فراغا مهولا، ثم من أجل محاولة قياس المسافة بين ما سطره في هذه الكتب من أفكار وما دبجه من توجيهات لرجال التربية، وبين تَمَثُّله هو لها حين نقيسها إلى ما سبق وإلى ما يلحق مما حفلت به شهادات الشهود.

كما نحتاج إلى هذه الوقفة من أجل أن نطلع على طبيعة الأفكار التـي كان يدأب على تغذية عقول المعلمين المتدربين والمعلمات المتدربات بها، ثم لننظر إن كان هناك من رابط بين نظرته إلى التربية وإلى وظيفتها وأسسها وشروطها ووسائلها وأساليبها وطرقها وغاياتها بما كان رجلَ تربية وُضِع مستقبل أطفال وشباب بلده بين يديه، وبين نظرته إلى هذه التربية، وما يلحق بها، بما صاره بعد عشرات السنين مما سنقف عنده لنتأمله طويلا.

“مذكرات في التربية”..

فأما كتاب “مذكرات في التربية”، فهو دروس كان ألقاها على طلبته في مدرسة المعلمين إبان تدريسه بها، ورأى، كما أشار في مقدمته، ألا يضيع ما كان بذله من مجهود وصفه بـ”المتواضع” يستنير بتجربة غيـر قصيرة في ميدان تكوين المعلمين. قال:

«رأيت أن أعطي لطالب مدرسة المعلمين مادة تساعده في مطالعاته على مقارنة وجهات النظر، وعرض طرق التفكير والكتابة بعضها على بعض».

وحرص على أن يصطبغ الكتاب بصبغة الوطن الذي يعيش فيه:

«عالجت كل موضوع على ضوء واقعنا التعليمي، وتحدثت عن المعلم باعتباره المعلم المغربي في وضعه الخاص وبصفاته التـي يحددها تكوينه وعقليته، كما تحدثت عن التلميذ باعتباره التلميذ المغربي المتقلب في أسرة مغربية، والناشئ لمستقبل مغربي».

ألف الرجل هذا الكتاب «مستوحيا فكره من تجاربه الخاصة والعامة، ومستندا على مبادئ علم التربية العامة، فجاء كتابه هذا تبسيطا لتلك المبادئ، حيث جعلها في متناول طلاب مدارس المعلمين».

والكتاب الذي كتب مقدمته بمراكش في 13 أكتوبر 1962م، طبعته ونشرته دار السلمي طبعته الأولى بالدار البيضاء عام 1963م، جاء في مائة وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، تجمعها ستة فصول. وسماه صاحبه “مذكرات في التربية”، تواضعا منه، كما أشار الناشر، وإلا فإن المهتم والمختص، باطلاعه عليه، يكتشف أنه كانت للأستاذ فيه كلمة ورأي ونظرة وتقويم وملاحظات على أشهر وأعرق المدارس التربوية العالمية، قديمها وحديثها، وأنه أضاف إلى المكتبة التربوية، بكتابه هذا، إضافة نوعية معتبرة.

فإن شئنا أن نبسط بعض الملاحظات العامة حول الكتاب فإننا نستطيع أن نسجل الأسلوبَ الأنيق الرقيق الرشيق في الكتابة، والحرصَ على التعبير المركَّز الذي يصمد إلى المعنى في غيـر إطناب أو ابتذال، والتدقيقَ في انتقاء الألفاظ والتعبيرات المناسبة الموحية إلى مرمى المؤلف من طرف خفي. كما نستطيع أن نسجل إلحاحَه على عبارة “أطفال المعلم” أكثـر من عبارة “تلاميذ المعلم”…

الكتاب عرض في أول الفصول للتربية، معناها وغاياتها وآراء ثلة من المفكرين والمربين فيها. وتناول الفصل الثاني المدرسة ووظيفتها ومبادئها ونظامها وصلتها بالبيت، والمعلمَ ودوره وشروطه، والثوابَ والعقاب في المدرسة. بينما تناول الفصل الثالث التربية وعلم النفس وصلة الطفل بالأسرة وبالمعلم وبرفاقه في المدرسة، وعقلية الطفل وإدراكه وحاجاته وسلوكه والفروق الفردية بين التلاميذ. أما الفصل الرابع فخصصه للتربية الجسمية ومكانها في النظام التربوي. والفصل الخامس خصصه للتربية الخلقية وغاياتها ولصلة الخُلق بالعقل وبالعمل وبالمدرسة وبالحرية وبالعادة وبالدين. وفي الفصل السادس تناول التربية العقلية وتربية الحكم والذاكرةِ والمخيلة، وتناول الحدسَ وأنواعه.

ولا يحتاج المختص إلى بذل جهد لإدراك ثراء الحصيلة المعرفية للمؤلف وعمقها، وسعة اطلاعه وطول باعه ومتانة خبرته المهنية، وقدرته الكبيرة على التحليل والتمحيص والمقارنة والترجيح والاستنتاج، وعلى تلمس مواطن القوة والضعف فيما يعرض من أفكار. ولعل الانطباع الذي يفرض نفسه على القارئ وهو يطوف بين آراء وأفكار من استأنس بهم المؤلف من رواد الفكر التربوي هو أنه وسط هذا الكم الكبير من الآراء والأفكار والنظريات، المتطابقة حينا المتضاربة أحيانا، استطاع أن يحافظ بمتانة قدرته الفكرية المنظمة على استقلالية شخصيته من ناحية، وعلى تجانس البناء العام للكتاب من ناحية.

كما لا يحتاج القارئ العادي إلى التذكير بما يلاحَظ من انجذاب المؤلف، في هذه المرحلة من حياته، إلى المدارس الفكرية والتربوية الغربية. فكل استشهاداته وكل النصوص التـي اعتمدها استقاها مما أثّله روادها وفلاسفتها ومفكروها. وهو وإن كان يقارن في بعض القضايا بين تلك المدارس ويلاحظ على بعضها ويرجح بعضها على بعض، فإنه لم يكن يخرج عن فلك ذلك الفكر الذي أخذ بلبه.

توجُّهٌ نفهمه من تلميذه في مدرسة المعلمين ورفيقه بعد ذلك لسنوات طويلة، الأستاذ محمد مومن، حين يقول عن أستاذه في هذه المرحلة:

«كان دائما يسعى إلى العلم والمعرفة والبحث وإلى أخذ المعارف من أقطاب المعرفة وخصوصا الأجانب منهم».

فما سبب ذلك السعي الحثيث إلى المعرفة؟

هل هو رد فعل لا شعوري قوي على ما كابده من جمود وتخلف كلية “ابن يوسف” بما كانت عنوانا لأسلوب تعليم ولفكر “متخلف”؟

هل هو انجذابٌ كلِّيٌّ إلى “نِحلة الغالب” بعسكره وبفكره وبثقافته، خاصة بعد أن خالط بعض نماذجه التـي أقامت في البلد من أمثال المستشرق الفرنسي دوفردان، وعاين مظاهر حضارته في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية من قربٍ إبّان الدورات التدريبية التـي شارك فيها هنالك؟

أم هو نوع من الفصل بين تَدَيُّنِه الفردي الذي حافظ فيه على “شأنه الخاص” بينه وبين ربه، وبين حياته الثقافية والفكرية التـي كانت تغذيها حضارة الغرب وثقافته ولغاته؟

أم هي بذرة من بذور طبيعته التـي وُلِدَ مفطورا عليها من أول ما فتح عينيه على هذه الدنيا نَمَت وأزهرت وأثمرت ما أثمرت؟

مفردات التربية..

نستعرض فيما يلي بعضا من آرائه في مفردات العملية التربوية، في التربية ومفهومها، وفي المدرسة وأركانها، وفي المعلم ومقوماته، وفي التلميذ وأساليب الأخذ بيده إلى الغاية المرسومة:

«التربية إذا هي أثر المربي في الطفل من حيث يقصد المربي إلى التأثير فيه، والتربية هي الأثر الآخر الذي لا يقصد إليه المربي: الأثر الذي يتعرض له الطفل في حياته اليومية. ولكل من هتين التربيتين مكانة في نفس الطفل. فهو أمام مربيه يتلقى توجيها يحترز منه، وفي باقي الأوقات يحتك بحياة الآخرين فيتأثر بهم من حيث لا يشعر تأثرا بطيئا لكنه مكين».

وقبل أن يستعرض الغاية من التربية عند مختلف الأمم والحضارات، قديمها وحديثها، وآراء أعلامها ومفكريها وفلاسفتها في التربية، ينبّه إلى أن «الحاجة الاجتماعية ليست العامل الوحيد في تحديد أهداف التربية، بل يحددها أيضا الطابع الفكري الخاص بكل أمة». ويبدو من إلحاحه على معالجته للمواضيع التربوية «على ضوء واقعنا التعليمي»، واستحضاره للمعلم باعتباره «المعلم المغربي في وضعه الخاص وبصفاته التـي يحددها تكوينه وعقليته»، وللتلميذ باعتباره «التلميذ المغربي المتقلب في أسرة مغربية، والناشئ لمستقبل مغربي»، و«للطابع الفكري الخاص بكل أمة» في سياق هذا العالم… يبدو هذا الإلحاح على استحضار الواقع المحلي في التخطيط وفي التوجيه مقصودا.

أما حين بدأ في استعراض آراء بعض أبرز المفكرين في التربية وغاياتها فإنه كان يفرزها فرز مفكر عارف ومطلع متفرّس وخبير متمكن من أدوات التفكير والتحليل والتقويم والترجيح والتوجيه، إلى الدرجة التـي تجعل القارئ يتجه بفكره وبرأيه إلى ما أراده له الكاتب أن يتجه إليه. بل يستطيع القارئ أن يستدل بظاهر ما يقرأ على باطن رأي الرجل في التربية، كأنه كان يميط اللثام عن شخصيته وطبيعة تفكيره ويفصح، على لسان أولئك الفلاسفة والمفكرين والمربين، عن رأيه هو وفكره هو وتصوره هو للتربية ولغاياتها وأركانها ووسائلها وشروطها وعوائقها.

ها هو يستعرض بعض الآراء في التربية لمفكرين معاصرين، ومنهم “آلان”، الذي كان معجبا به أيما إعجاب:

«يَعتبر آلان أمر التربية مهما خطيـرا يستحق منا كل عناية. ويعتقد أن أمر التربية أمر جد لا سبيل إلى تحقيقه إلا بالجد. فالطفل في نظره محب للعمل ميال له. فلنعامله بجد ولنعلمه قاصدين لا نحتال عليه بهذه المشوقات التافهة» (ص:22). «والعبارة المشهورة “التعلم بالعمل” تتضمن أهم ما في بيداغوجية ديوي (أمريكا 1859-1952م). فالعمل عنده به تحصل التربية الأخلاقية والتكوين الثقافي» (ص:23). «ويزعم كرشنشتاينز (ألمانيا 1855-1932م) أن بالتجربة وحدها وبالعمل اليدوي تحصل المعرفة. وهنا تلتقي مدرسة العمل الأمريكية بمدرسة العمل الألمانية» (ص:24). وعند دكرولي (بلجيكا 1871-1932م) «يدور هذا التعليم كله حول هذه الفكرة الأساسية، فكرة التدرج من المحسوس إلى المعقول، من الشيء إلى معنى الشيء، ومن الكل إلى الجزء، من الكلمة مثلا إلى الحروف» (ص:25).

المدرسة..

ثم هاهو أستاذنا يتجلى في مقام المفكر التربوي الخبير، فيبرز وظيفة المدرسة التـي «أسست لتكون أداة لتحقيق غاية تعليمية وتربوية لا يمكن للأسرة أن تحققها» (ص:36). «وفي المدرسة يجد الطفل رفاقا في سنه يهتمون بما يهتم به، فيشاركهم ألعابهم ويشعر أنه قريب منهم، شبيه بهم. ومن هذا الشعور تنشأ روابط متينة بين الطفل ورفاقه ليست أقل العوامل أهمية لتحبيب المدرسة إلى نفسه، وهذا الاستيناس بالرفاق يشعر الطفل بطمأنينة قد لا يشعر بها حتى بين أفراد أسرته، ونحن نعلم أن الشعور بالطمأنينة ضروري لكي ينشأ الطفل نشأة طبيعية وتنمو كل قدراته نموا طبيعيا. ألا ترى أن الطفل يسكت تماما إن أفردناه عن رفاقه وسألناه، فإذا كان بينهم انطلق لسانه فعبر عن كل ما يفكر به؟ ذلك من عمل هذا الشعور في نفسه ولأنه يحس بتجاوب عميق بينه وبين “شعب الأطفال” كما يعبر آلان» (ص:36).

والمدرسة في نظر أستاذنا «تفتح عين الطفل على محيطه الطبيعي والاجتماعي» (ص:36)، وتيسر له «فهم الحياة التـي يحياها قومه» (ص:37)، وتزوده بـــ«أدوات المعرفة» (ص:37)، و«تعمل على نشر الأخلاق الفاضلة». وهي، أخيرا، «تهيئ له الفرص لتنمية قُواه، وتوجهه إلى العمل الذي سينجح فيه، ثم تيسر له اكتساب المهنة التـي وجهتها إليه» (ص:37). وهو يرى «ضرورة التعاون بين المدرسة والبيت في كل شؤون الطفل؛ لأنه بدون هذا التعاون يبطل عمل المدرسة» (ص:38)، وأنه «لا يمكن أن تستغني عن معونة الأسرة: وليس على المدرسة ضير في أن تطلب هذه المعونة، لأنها إذا استعانت بالبيت، فإنما تبين فهمها الواسع للتربية وللحدود التـي يمكن أن يكون فيها عملها ناجحا» (ص:41). ويرى أن يراعى في بناء المدرسة موافقتها للشروط الصحية والنفسية والعملية المساعدة على تحقيق غاياتها.

المعلم..

كيف ينظر أستاذنا إلى المعلم؟

يجيبنا بأنه «إنما يحدد المدرسة ويعطيها معناها الذي به استحقت ما توصف به من مدح أو ذم شخصُ المعلم. بل ليست المدرسة في الحقيقة إلا المعلم» (ص:49).

وهذا تعريف للمعلم جدير بأن نحتفظ به لنستحضره ولنربطه ولنقارنه بمعنى أوسع وأشمل عند حاجتنا إليه في ما يستقبل من أبواب وفصول.

وتساءل: «بم يصبح الإنسان معلما وكيف؟ كيف يستقيم الفرد العادي معلما له قدسية وبيده مفاتيح الخير في الأمة؟» (ص:50)، وأجاب:

«وأول هذه الصفات الاستعداد الفطري لمهنة التعليم» (ص:50) والإقبال على المهنة و«في ضمنه محبة الأطفال» (ص:50)، و«مهنته تطلب إليه أن يخلق في كل لحظة، وأن يجدد وسائله وأساليبه، ويصطنع لكل مناسبة موقفا جديدا مناسبا» (ص:50)، وأن يخترع «الكلمات التـي تؤثر» (ص:50)، ويستغل الفرص «ليطرق الحديد ساخنا» (ص:50). و«المعلم المستعد لمهنته استعدادا فطريا هو الذي يحب الأطفال، هو الذي يخلق الحياة في قسمه، ويجد الطريق إلى قلوب أطفاله، وهو الذي يجد الحل سريعا عندما يقع أو يوقعه التلاميذ في مأزق، لا يتلعثم ولا يتردد، ويعرف إذا فهمه التلاميذ، فإذا لم يفهموا حوّر من طريقته بحيث يفهمون. وهو الذي يعرف أطفاله ويفهم معنى كل حركة تصدر منهم» (ص:50). و«المعلم الموهوب وحده هو الذي يقوم برسالته قياما كاملا، ويترك طابعه في عقول أطفاله حتى يروا فيه المثل الأعلى طيلة حياتهم» (ص:50). «على أن الهبة التربوية لا تكفي وحدها في مهنة التعليم. وإذا كان الموهوب ذكيا وكان رقيق القلب، حاضر البديهة، ذا شخصية جذابة ولم تتوفر لديه المعرفة الكافية فإنه لا يصلح لمهنة التعليم. كما لا تغني هذه الهبة عن الاطلاع على طرق التعليم ومعالجة مشاكل الطفولة، ولا تقوم مقام الاستعداد الجسمي والقيمة الخلقية» (ص:51).

تساءلنا فيما سبق عن المسافة بين ما يكتبه الكاتب أو ينظِّر له المنظر وهو متكئ على أريكته أو جالس وراء مكتبه، وبين ما يترجمه منه في الامتحان العملي، وعن درجة الارتفاع بين ما ينصح به الناصح ويوجه الموجه وهو في برجه العاجي، وبين أن يكون القدوة الحسنة بين الناس وعلى الأرض في الموقف العصيب الذي تتلاشى معه كل النظريات، وتتساقط كل الأقنعة، ولا يبقى إلا رد الفعل الذي يكشف حقيقة هذا الكاتب أو الْمُنَظِّر أو الناصح. وقلنا إننا نحتاج إلى قياس المسافة بين ما سطره في هذه الكتب من أفكار وما دبجه من توجيهات لرجال التربية، وبين تَمَثُّله هو لها حين نقيسها إلى ما سبق وإلى ما يلحق مما حفلت به شهادات الشهود.

ولعل النصوص التـي استعرضناها آنفا، والتـي يرسم أستاذنا فيها صورة المعلم “المثال”، والمعلم “الكامل”، لا تجد ترجمة عملية، ونموذجا حيا، أكثـر مطابقة لملامحها ولخطوطها التعبيرية منه هو نفسه. ولعل الدلائل في هذا والقرائن التـي اطلعنا على بعضها فيما سبق من هذه السيرة، ونطلع على غيـرها فيما يلحق، لا تكاد تبقى معها مسافة بين ما يكتبه وينظّر له وينصح به في دروسه ومؤلفاته وتوجيهاته في هذه المرحلة، وبين ما يتمثله منها في ذات نفسه، ويتجسد في أخلاقه وسلوكه، ويقوم كأنه كائن حي يمشي على الأرض.

“كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا”..

كتب الأستاذ ياسين مقدمة هذا الكتاب بمراكش في 5 أكتوبر 1962م، وأصدرت دار السلمي طبعته الأولى بالدار البيضاء عام 1963م. وهو، بحسب ما يوحي عنوانه، يدل على الطريق الأسلم ليبلغ الطالب المعلم الغاية، وهي كتابة إنشاء بيداغوجي يفي بالغرض في تعبئة عقله بالأفكار التـي يحتاج إليها في مهمته التربوية وفي تنظيمها، وفي تحسين أسلوبه، لنيل النقطة الجيدة في امتحانات التخرج.

وصدر الكتاب «تلافيا للنقص الواضح الذي لمسه المؤلف فيما يكتبه طلبة مدارس المعلمين في الامتحان النهائي، وفيما يكتبه المعلمون الموقتون في امتحان الكفاءة. وقد عالج فيه المؤلف بأسلوب المربي المحنك وسائل تلافي النقص الظاهر في أداة اللغة، وفي الأفكار، وفي التنظيم الكتابي. وقد جاء الكتاب عبارة عن عصارة لم يخرج إليك إلا بعد تجربة أعطت نتائجها وآتت أكلها بإذن ربي».

وقد جعل المؤلف الكتاب ثلاثة أجزاء؛ ضم الأول منها ثلاثة توجيهات أولها حول عناصر الكتابة الأولى وهي: الورقة والخط والتنقيط، وثانيها حول تهييء الموضوع فهما وتصميما وبحثا عن الأفكار، وثالثها حول قواعد أساسية للإنشاء. وضم الجزء الثاني اثني عشر موضوعا في علم النفس، بينما ضم الثالث خمسة في التربية.

ولنا أن نتجاوز ما زخر به الكتاب من أفكار ومن توجيهات ومن أمثلة تعبد الطريق أمام الطالب المعلم لتحقيق الهدف من الكتاب، فقصدنا هنا غيـر قصده هناك، ولكن ليس لنا أن نتجاوز بعض الملاحظات:

إننا أمام رجل شديد الدقة في اختيار الألفاظ والتعبيرات المناسبة للحالة؛ فهو، على سبيل المثال، يصف الاحتلال الفرنسي الذي جثم على صدر البلاد عشرات السنين بأنه “عدو”، وينسب إليه إحدى مخلفاته فيها؛ “الجهالة”:

«… وقد وجدت الأمة نفسها، غداة الاستقلال، وهي في عداد البلاد المتخلفة، تجر من ورائها حملا ثقيلا من مخلفات العدو المحتل الذي شجع هذه الجهالة واستثمرها».

وهو بعد وصف الحالة التـي خلفها العدو المحتل، يرسم الغاية التـي يطمح إليها الوطن، ويضع الأسس الكفيلة ببناء مجتمع مغربي على أسس جديدة، ويتحدث حديث رجل الدولة الذي ينظر إلى الأوضاع نظرة شاملة، ويحس بمدى الصعوبات التـي تعيشها البلاد وتنتظر البلاد، ويشير إلى التربية بما هي ضرورة لصياغة أعضاء المجتمع المغربي صياغة لا يتطور إلا بها:

«… والبلاد في نشاط بنائي، يحتاج تدعيمه إلى رجال ذوي جدوى في الإنتاج الاقتصادي. والمجتمع المغربي يتكون ويتطور على أسس جديدة، ولن يستقر على وجه مُرْضٍ إلا إذا تكوّن أعضاؤه، وصاغتهم التربية على شكل يستجيب لمقتضيات المجتمعات المتطورة. وتحتاج البلاد؛ ضمن النخبة المتعلمة، وضمن العمال المنتجين، وضمن المجتمع الناهضين به، إلى مواطنين يشعرون بمسؤوليتهم أمام مصير وطنهم، ويشعرون بالنصيب الذي ينبغي أن يتحملوه في سبيل تقدمه وازدهاره».

ثم هاهو ينظر إلى جانب مهم من جوانب ما ينتظر البلاد من تحديات؛ ينظر إلى البلاد ومستقبل البلاد وحاجة البلاد بنظرة المخطِّط التربوي ذي النظرة الثاقبة، من زاوية اختصاصه التربوي، ويؤكد على ضرورة الإعداد والاستعداد “من بعيد”:

«وإن تكوين المواطن الصالح، وتوحيد عقلية الأمة، لاسيما المدرسة الابتدائية، حيث يُستقبل أطفال غَضُّو الطبع، يمكن أن تتناولهم التربية بالتوجيه اللازم. وإن المغرب يسلك في سياسته التعليمية طريق السعي لتعميم التعليم في مرحلته الابتدائية. وإذا ما تم تعميم التعليم الابتدائي، وسيتم عن قريب، فسنكون بدأنا شوطا مهما في بناء وطننا. وفي انتظار اليوم الذي يتم فيه، يجب أن نتدبر من بعيد، ونرسم الخطة لتعليمنا الابتدائي مراعين المبدأ الذي وضعناه نصب أعيننا، ألا وهو تهييء الطفل المغربي ليكون بعد خروجه من المدرسة الابتدائية، مواطنا صالحا».

وهذه الـ”من بعيد” هي إحدى أهم النظرات التـي يحتاج إليها من يخطط للمستقبل المشرق.

وهاهو يكتب على السطور، ويبث بين السطور، ما ينم عن طبيعة شخصية المربي القوية المشبوبة الساكنة بين أضلعه، وما يشي بالهمّ الأساسي الذي كان يشغل فكره في ذلك الوقت، وهو تهييء ما تحتاجه البلاد مما سماه “طاقة إنسانية” هي بلغة اليوم “موارد بشرية” تُصنع في المدرسة شخصيتها المستقلة وإرادتها الواعية الماضية. يقول على لسان معلم المستقبل:

«… وأول مهمة يُنتظر مني القيام بها، هي تكوين شخصية خُلقية متينة لتلامذتي، شخصية مستقلة تعرف مكانها من المجتمع، فتعمل بإرادتها، لا جزءا أصمّ من الآلة الاجتماعية، شخصية لها ضمير حي وشعور بالمسؤولية، يمكن أن يُعتمد عليها، في أي ميدان تعمل فيه. مهمتي الأولى أن أربي الشخصية، وأن أفتح قابليتها للانسجام مع المجتمع، وأن أتعهد هذه القابليات وأزودها بالمعرفة الضرورية لتتمكن من وسائلها؛ وليمكنها في مرحلة أخرى، أن تبلغ من القوة والاتزان ما يجعلها ذات شأن في الحقل الوطني. وإنني لشاعر جدا بالنقص الذي تعانيه بلادي من الطاقة الإنسانية، شاعر بحاجة بلادي إلى رجال بأسرع طريق. فتقتضي طبيعة وظيفتـي أن أساهم بجهودي في تكوين هؤلاء الرجال…».

ونستطيع أن نلمس في الكتاب، بوضوح تام، ما أشرنا إليه من قبل من تمكنه من اللغة الأصلية لمفكري الغرب، الأدبية والفكرية والفلسفية، بما مكنه من التعامل مع أدبياتهم بأكبر قدر من المعرفة ومن التذوق ومن الفهم، مما منحه القدرة على فهمها وعلى تحليلها. ومثال هذه المعرفة وهذا التذوق ما تحدث به عن الأديب والفيلسوف والمفكر الفرنسي “جان جاك روسو”، حيث وضعه في مختبره الخاص به، ليقوم بتشريح دقيق لشخصيته في أبعادها الأدبية والفلسفية والتربوية، وليدلي بنتائج تشريحه ذاك بشجاعة لا يمكن أن نجد لها تفسيرا إلا في قوة تمكنه من العلم اللازم، ومن الأدوات الضرورية لتشريح شخصية مثل شخصية روسو:

«روسو أديب قبل أن يكون فيلسوفا، وفيلسوف قبل أن يكون مربيا. اشتهر بآرائه في التربية، ونالت هذه الآراء نجاحا مضطردا منذ ما يقرب من قرن، وما زالت آراؤه نبراسا يهتدي به المربون في كل بلد، ومهما كانت نزعاتهم التجديدية. ولعل شهرة روسو، وعظمة تراثه الأدبي، توشك أن تُنْسَى عند المربين، حتى لا يتذكرون إلا آراءه الفلسفية وكتاباته التربوية. والحق أن روسو أديب، كتب بروح أديب وبعقل أديب وأسلوب أديب. لكن حدسه الدقيق، وإحساسه المرهف، أوصلاه في غالب الأحيان، إلى حقائق سبق بنشرها زمانه، ومكّنا له سمعة وأصالة في الفلسفة الإنسانية. على أن الذي يقرأ ما كتبه في فلسفة التربية، ينبغي ألا ينسى أنه أقرب لأديب مطبوع، ولأديب مثالي مسرف في المثالية، وإلا فإنه سيقف مشدوها أمام بعض كلمات روسو، ولن يجد لها معنى مهما تلوى حولها».

“النصوص التربوية”..

وأما كتاب “النصوص التربوية” فهو، كما يقول عنه صاحبه:

«استعراض آراء المربين عبر العصور، وحسب المبادئ الفلسفية والاجتماعية التـي ينتسبون إليها، أو الطرق العلمية التجريبية التـي يطبقونها».

أما دافعه إلى إصداره فيقول عنه:

«كانت النصوص المدروسة في مدرسة المعلمين من اختيار الأستاذ، يصرف كثيـرا من وقته للعثور عليها، أو ترجمتها، إذا اقتضى الحال، ثم تعترضه صعوبة استنساخ كل نص وطبعه ليضع في يد كل طالب نسخة. فلذا رأينا أن نجمع نصوصا مختارة ونطبعها تيسيرا لعمل الأستاذ».

أما مقاييسه في اختيار النصوص فيقول عنها:

“وتوخينا في اختيارها الموضوع الذي تشرحه، وأهمية الآراء التـي تتضمنها بالنسبة لسير التربية وتطورها”.

ونلحظ في تقديمه للكتاب إشارة خفيفة لجانب من جوانب أسلوبه في القراءة والتمحيص والاختيار، بحرصه على اختيار أكثـر النصوص تعبيرا عن مدرسة صاحبها مع ربطها بسياقها الزمني؛ ذاك حين يقول:

“وحاولنا أن يكون كل نص صورة للمذهب التربوي الذي يقتنع به كاتبه، فذيّلنا النصوص بلمحة عن حياة المؤلف، وبملاحظات حول النص مبينين موقع التطبيق منه، رابطينه بالحركة التربوية العامة السائدة وقت كتابته”.

أما الغاية من ورائه فيقول عنها:

«تدريس النصوص التربوية يريد أن يبلغ الأستاذ جهده ليوقظ اهتمام الطلبة بالموضوع، ويصرف عقلهم الناقد إلى ما يقرأونه حتى يتبصروا الأمر، وينفذوا من وراء الكلمات إلى المعاني. ليست غايتنا هنا أن يقرأ الطالب نثرا كثيـرا، إنما الغاية أن نريه نماذج من الكتابات التربوية ونريه كيف يعالج الكاتب موضوعه، وكيف يصرف اقتصاد إنشائه ليتخذ ذلك مثالا يحتذيه، وليتمرس بالأفكار المختلفة، ويعرض بعضها بإزاء بعض حتى تصبح الأفكار التربوية جزءا من تكوينه، وحتى يستطيع التحدث في المواضيع العامة حديثا شخصيا. غايتنا أن نطلق الطالب حرا من سلطان التقليد الذي يجيئه من قلة اطلاعه، وأن نفتح له آفاقا واسعة يجد فيها مجالا لبسط أفكاره القليلة، ويجد فيها غذاء لتشجيع هذه الأفكار وتقويتها».

وفي هذه الفقرة يظهر جليا نوع الطالب المعلم الذي كان يريد تخريجه:

العقل الناقد المتمرس، والحر من سلطان التقليد، واسع الاطلاع، والمنفتح.

ما يميـز “النصوص التربوية” هو ما تضمنه من نصوص لمربين ومفكرين عرب ومسلمين؛ فقد أورد نصوصا للإمام الغزالي ولابن خلدون وابن سينا وطه حسين… واقتبس نصوصا لمربين آخرين من كتاب: “التربية عند القابسي” للفيلسوف والمفكر التربوي المصري أحمد فؤاد الأهواني. وهذا بخلاف كتابيه الآخرين (مذكرات في التربية، كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا) اللذين لم يتضمنا أي اقتباس من جنس ما سبق.

ونظن، مجرد ظن يحتاج إلى مزيد من البحث لتأكيده أو دحضه، أن أهم ما كان له أثر في التفاتة أستاذنا إلى تراث الغزالي وابن خلدون وغيـرهما ممن ضم كتاب “النصوص التربوية” بعض نصوصهم، هو احتكاكه بنخبة من الأساتذة مؤطري التدريبات البيداغوجية التـي خضع لها في مصر ولبنان، وعلى رأسهم الفيلسوف والمفكر المصري أحمد فؤاد الأهواني.

التفاتة إلى تراث الفكر التربوي العربي الإسلامي من رجل تشرب الحضارة الغربية في مظهره وفي نمط حياته وفي أسلوب تفكيره إذ يقول عن نفسه في هذه المرحلة التـي نحن بصددها: «كنت قرأت كتبا وقارفت من هذه الثقافات الأجنبية، وكانت العقلانية الماركسية الفرويدية مرتعا لنشاطي الفكري منذ أمد بعيد تعيش بل تعشش في ذهني جنبا إلى جنب مع إيمان فاتر لا تذكيه العبادة التـي نشأت عليها».

شهادة الأهواني..

تحدثنا فيما سبق عن تمكن صاحب هذه السيرة من اللغة الإنجليزية بيانا، ومن مجال تخصصه التربوي فكرا. وهذه شهادة تزكي ما قلناه، على لسان أحد أهم رجالات الفكر التربوي في القرن العشرين؛ الأهواني.

يقول مومن:

«أينما حل يكون عظيما، في جميع أحواله. ففي لبنان عام 1961م حيث كان في تدريب بيداغوجي هو ومحمد بنشريفة وعبد المالك الشباني، كان الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، وهو فيلسوف ومفكر وباحث وناقد، وكان يتكلم لغات عدة، بصدد إلقاء محاضرة، ولكن لينجح في تحقيق الهدف منها كان عليه أن يلقيها بالإنجليزية، بحكم طبيعة جنسيات المتدربين. وكان شتات من المتدربين العرب لا يعرفون الإنجليزية، فطُرح مشكل على المنظمين للتدريب. فقام الأستاذ ياسين متطوعا، وهو مجرد متدرب من ضمن المتدربين، فأخذ الدكتور الأهواني يلقي محاضرته، وياسين يترجمها ترجمة فورية. فانبهر الدكتور الأهواني بدقة الترجمة وبثراء المترجم فقال أمام الملإ:

-“لا أعرف بلدا فيه رجل مثل هذا الرجل، يأتي ليأخذ المعارف عن غيـره!”.

تُوج الأستاذ ياسين في أكتوبر عام 1961م بالحصول من بيروت على دبلوم مهم في التخطيط التربوي بامتياز، ضمن أول فوج مغربي. وفتحت الرحلة أمامه نافذة المشرق، زكتها شهادة الأهواني فيه. وقد ظهرت آثار رحلة بيروت، كما مرّ آنفا، فيما خصصه من نصوص لمفكرين تربويين عرب ومسلمين، وكان للأهواني حظ الأسد منها.

شهادة أمريكية..

وإلى شهادة الأهواني نضيف شهادة أخرى لا تقل عنها أهمية؛ فقد مر بنا الحديث عن الزيارة التـي اصطحب فيها الأستاذ تلامذته في مدرسة المعلمين إلى القاعدة الأمريكية بابن جرير شمال مراكش عام 1961م، وتناولنا الموضوع من زاوية ما كان يحرص عليه الأستاذ المربي من فتح أعين الطلبة على فضاء المعرفة الفسيح. ونقدم هنا شهادة مومن، الذي صحب أستاذه هو وباقي الطلبة المعلمين في زيارتهم لتلك القاعدة في الموسم الدراسي 1959/1960م، من زاوية تأكيد ذلك الحرص، ومن زاوية ما لشهادة مدير مدرسة القاعدة الأمريكية من وزن.

قال مومن:

«اصطحَبَنا يوما للقاعدة الأمريكية في ابن جرير للوقوف على التعليم في القاعدة الأمريكية، لأنه أنموذج التعليم في شيكاغو ونيويورك. فرأينا طريقة في التعليم فريدة في نوعها. استقبلنا مدير المدرسة بكلمة بالإنجليزية فلم نعرف ما قال، فلما انتهـى منها أخذ الكلمة سيدي عبد السلام. فلما انتهـى منها قال مدير المركز:

– إنكم لا تحتاجون إلى الحضور هنا لتعرفوا نماذج التعليم عندنا، لأن عندكم رجلا عبقريا يستطيع أن يعلمكم المناهج ويأتيكم بالنماذج و… وأثنى عليه الثناء الكبير”.

شهادة أوروبية..

وشهادة أخرى عن هذه المرحلة، تكاد تكون مطابقة لشهادة مدير القاعدة الأمريكية، حدثنا عنها محمد العلوي الطالبي؛ قال

“إن الأستاذ ياسين درس الفكر التربوي الغربي دراسة جيدة، واطلع على أنظمة الغرب التعليمية، خاصة بعد أن أتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، فكان خبراء التربية والتعليم الغربيون الذين كانوا يُدْعَون إلى المغرب للإشراف على تدريب الأطر التعليمية المغربية، إذا التقوا الأستاذ ياسين قالوا للوزارة:

– أعندكم مثل هذا الرجل وتدعوننا نحن؟ لا ضرورة لتوجيه الدعوة إلينا مستقبلا”.

المطالعة الجديدة..

لا يزال كاتب هذه السطور يحتفظ، بعد ما يقرب من أربعين عاما، بنسخ الأسرة من أجزاء المقرر المدرسي في اللغة العربية “المطالعة الجديدة” للمدارس الثانوية. نقول “نسخة الأسرة” لأنها بقية مما كان يرثه اللاحق بكل مستوى دراسي عن السابقين من أشقائه على عادة تلامذة المدرسة المغربية في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في المحافظة على مقرراتهم الدراسية اقتصادا في مصاريف التعليم.

وتعتبر هذه «المطالعة الجديدة” غُرّة المقررات الدراسية الخاصة باللغة العربية في المدارس الثانوية المغربية. وقد تخرجت عليها أجيال وأجيال على مدى أكثـر من ربع قرن من الزمان، إذ كانت «وسيلة فعالة لتذويق تلميذنا الأدب الرفيع، وتعويده على الأسلوب العربي السليم، فينكب منذ نعومة أظفاره على قراءة أدب لغته الغني، ويجد فيه صدى لخياله ومتعة لفكره وتربية لوجدانه، ووسيلة فعالة أيضا لإغناء مادته اللغوية، سليمة من الأخطاء، وإقداره على التعبير العربي القويم في شتى مناحي الفكر والخيال والعاطفة…».

ونستنتج من التاريخ الذي ظهرت به هذه المطالعة في شكلها وحجمها الأول وفي طبعتها الثالثة عام 1963م، وهي «منقحة ومزيد فيها”، أن طبعتها الأولى صدرت عام 1961م. ثم جدد المؤلفون في مضمونها وشكلها وحجمها ليصبح ما عُرفت به بعد ذلك على مدى سنوات طويلة امتدت إلى عام 1986م على الأقل، بحسب ما هو موثق في إحدى طبعات الجزء الرابع منها، إذ جاء فيها أنها “طبعة 1986”. أي إن هذا المقرر الدراسي في اللغة العربية لم تستغن عنه وزارة التربية الوطنية وظل معتمَدا في المدارس الثانوية المغربية على مدى أكثـر من ربع قرن من الزمان.

وضم فريق العمل الذي أشرف عليه الأستاذ ياسين لإنجاز الأجزاء الأربعة لـ”المطالعة الجديدة”، ابتداء من 1961م، بالترتيب، وكما وردت أسماؤهم وصفاتهم في الطبعة الثالثة منه والمؤرخة في عام 1963م:

عبد السلام ياسين: مدير مدرسة المعلمين الإقليمية بمراكش.

جعفر الفاسي: مجاز في الآداب – أستاذ بالتعليم الثانوي.

جعفر علي العلمي: خريج كلية القرويين.

محمد الكتاني: مجاز في الآداب – أستاذ بالتعليم الثانوي.

وابتداء من الموسم الدراسي 1965-1966، عرف كتاب “المطالعة الجديدة” تجديدا كبيرا إذ صدرت أجزاؤه الأربعة في حجم أكبر وبغلاف موحد الشكل يتميز فيه كل منها بألوان خاصة به. علاوة على صفحة الغلاف الخلفية التـي جاء فيها:

«سلسلة للمطالعة والقراءة المفسرة في أربعة أجزاء لأقسام الملاحظة، وأقسام الطور الأول من التعليم الثانوي، وضعها مؤلفوها وهم ممن مارس التعليم في جميع أطواره، لسد الحاجة الماسة في المدارس المغربية إلى كتاب يقوم على شروط بيداغوجية صالحة، لتكون مادة القراءة في هذه الأقسام وسيلة فعالة لتذويق التلميذ الأدب الرفيع، وتعويده الأسلوب العربي السليم فينكب منذ نعومة أظافره على قراءة أدب لغته الغني، ويجد فيه متعة لفكره وتربية لوجدانه، ووسيلة فعالة لإقداره على التعبير العربي القويم في شتى الموضوعات.

وقد روعي في هذه السلسلة أن تكون صورة للحضارة الإنسانية والآداب المحلية والوطنية والعالمية، تجعل التلميذ على صلة بكل مظاهر الحياة التـي يحياها من فنون وصناعات وتقنيات وعلوم ومكتشفات وآداب وأخلاق وآثار وشخصيات، وبذلك تتنوع مدركاته وتَغْنَى عقليته ويتسع خياله. كما روعي فيها أن تكون كل قطعة مختارة فرصة لجهد عقلي وتربوي مثمر إذا أحسن المدرس استغلالها.

إنه كتاب جمع بين جودة الاختيار وفعالية الطريقة وسمو الهدف التربوي بالنسبة للتلميذ العربي في جميع المدارس الثانوية».

الحساب الجديد..

هذا المقرر الدراسي من تأليف الأستاذ ياسين، وهو خاص بمادة الحساب باللغة العربية، وكان مقررا للمستوى الابتدائي الرابع (المتوسط الأول). ويظهر من خلال غلافه أنه “القسم الثاني” من هذه المادة المقررة لهذا المستوى، مما يعني وجود قسم أول لم نتمكن من الوصول إليه.

يقول مؤلفه عنه:

“كتاب وُضع وَفقا لمنهاج وزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة والفنون الجميلة المقرر للقسم المتوسط الأول.

وقد نظمت دروسه على نسق عملي متدرج يسهل على المعلم تحضير درسه وتقديمه، ويسهل على التلميذ مراجعة شروح المعلم وتكملتها.

وقد وُضع بين يدي كل درس تمارين للحساب الذهني، فيها من التدرج والشمول ما يجعلها عبر الكتاب، دراسة في حد ذاتها تغني ذهن التلميذ وتدربه على التفكير الرياضي.

ورُتبت الدروس في فقرات متميزة، ووضحت بالرسوم والأشكال الهندسية، بحيث تبلغ من الوضوح والبيان درجة حسنة، كما ذيل كل درس بتمارين ومسائل أُعدّت إعدادا خاصا لتكون مناسبة للبيئة المغربية.

ورجاؤنا أن نكون ساهمنا في المجهود الذي تبذله الوزارة ويبذله المخلصون من رجال التعليم من أجل تعريب المواد الرياضية والعلمية، هذا التعريب الذي نعلق عليه آمالا كبارا. وبالله التوفيق”.

الجديد في دروس الأشياء..

المقررات الدراسية لمادة «الأشياء” هي من تأليف الأستاذ ياسين، وكانت مواد علمية مبسطة بما كان يناسب مستوى التلاميذ في المستويات الابتدائية. وكانت هذه الدروس معرّبة. وكان الغرض منها أن تتفتح مدارك التلاميذ على هذه الجوانب من حياة الإنسان سواء أتعلق الأمر بجسم الإنسان أم ببعض ما يتعامل معه في حياته اليومية، أم بما حوله من مظاهر طبيعية وكونية.

وعلى الرغم من الجهود التـي بذلناها في البحث عن المقررات الدراسية لهذه المادة في مختلِف المستويات، فإننا لم نصل إلا إلى اثنين منها، أولهما «الجديد في دروس الأشياء” خاص بالمستوى الابتدائي الثاني (الثالث من المستوى الابتدائي)، والثاني خاص بالمستوى المتوسط الأول (الرابع من المستوى الابتدائي).

على أن الملاحظ في كل المقررات الدراسية للأستاذ ياسين، سواء التـي ألفها أم التـي كان على رأس لجنة مؤلفيها، هو الكلمة الموحدة بينها: “الجديد”:

– المطالعة الجديدة.

– الجديد في الحساب.

– الجديد في دروس الأشياء.

ولعل هذه الملاحظة تكشف ما كان أستاذنا متهمّما به وهو يشرف على تخريج أفواج التلاميذ من بنـي وطنه، وطبيعةَ الدافع الذي كان يحدوه وهو يُعِدُّ مقرراتهم الدراسية وهو أن يصلهم بالجديد الذي يصل هو إليه من خلال بحثه واجتهاده ومن خلال ما كانت تتيحه له أسفاره وتدريباته خارج المغرب من تجارب في المشرق (لبنان – مصر) وفي الغرب (فرنسا – الولايات المتحدة).

الثلاثي التربوي..

«كان في الأطلس أسود كثيـرة يسوسها ملك من بنـي جلدتها اسمه يزيم. وكان ليزيم ديوان يجلس فيه لرعاياه ويحكم بينهم بالعدل؛ وكان يقيم الأمن في الغاب، يأخذ حق المظلوم من الظالم ويضرب على أيدي الطغاة، وينعم في ملكه هنيئا مريئا. وكان رئيسا لديوان الملك وكاتبا لسره ذئب اسمه يكيد؛ كثيـر الحيلة له رأي لا يُفتات عليه وله بصيرة بأمور الوحوش. وكان يزيم لا يقدم على أمر إلا بإيعاز من يكيد، ولا يحجم عن عمل إلا بمشورته. وكان يكيد لا يضمر ليزيم إلا الشحناء والبغضاء، ولكنه كان يداريه ويظهر له المحبة والاحترام، إذ كان يعيش بفتاته ويلجأ إلى ظله، لولاه لأضناه الجوع ولسامته الوحوش أنواع الخسف وضروب الخزي. وكان يزيم لا يخرج من عرينه إلا ويكيد يسعى بين يديه يأمر الحيوانات بتقديم الولاء والسجود للملك. وكانت الذئاب من أجل ذلك تتطاول وتتعالى وتنظر شزْرا إلى الثعالب والقردة والأنمار وحتى إلى بعض الأسود التـي لم تكن لها بيزيم صلة دم أو قرابة…”.

ما كان هذا سوى مطلع من «مؤتمر الوحوش”، واحدة من مجموعة قصص للأطفال كتبها ثلاثة من كبار التربويين المغاربة منتصف ستينيات القرن العشرين، وهم بالترتيب الوارد في أغلفة هذه القصص:

عبد السلام ياسين.

محمد شفيق.

عبد الكريم حليم.

وإلى هذه القصة، أصدر هذا الثلاثي قصصا أخرى حاول أن يسد بها الفراغ الذي وجده في المكتبة التربوية في تلك المرحلة.

كان محمد شفيق مفتشا ورئيس مصلحة بالبيضاء ومدرّسا لمادة التربية الخاصة بمركز تكوين المفتشين بالرباط، وكان عبد الكريم حليم نائبا لوزارة التربية الوطنية بالدار البيضاء ومدرسا لمادة التاريخ بالمركز سالف الذكر. وهما معا كانا يعملان تحت إدارة الأستاذ ياسين فيه. ولعل اللقاء في هذا المركز، منتصف ستينيات القرن العشرين، وقد كان بين الثلاثة صداقة متينة خاصة بين ياسين وشفيق، كان فرصة للتأمل في حاجات ميدان التعليم التربوية، فوُلدت فكرة إنجاز قصص الأطفال التـي نحن بصدد الحديث عنها.

يقول مومن:

«ثلاثي تكون في الرباط، جمعت بين أضلاعه العلاقات المهنية التربوية في الوقت الذي كان فيه العنصر المسيطر في الوزارة هو العنصر الغربي. وكان هذا الثلاثي متميزا في منظومة الوزارة: عبد السلام ياسين، ومحمد شفيق، وعبد الكريم حليم. كان يضرب بهذا الثلاثي المثل في النبوغ والفهم والمقدرة، ولكن سيد القوم وصاحب الكلمة المهيب من كل أحد هو عبد السلام ياسين. كانوا يمثلون الثقافة التربوية في قمتها العالية؛ يمتازون بالصدق والصرامة وقوة الموقف، في وقت كانت الوزارة مليئة بالفرنسيين».

نستطيع، من خلال الفقرة التـي استهللنا بها هذا الموضوع، أن نلاحظ الحضور القوي للخيال وللأسطورة في مضامين قصص هذا الثلاثي التربوي، ولعل عناوينها كافية للدلالة على هذا (مؤتمر الوحوش، الفلاح الساحر، الفلاح وملك النحل، الهراوة السحرية، القط العنيد). ولنا أن نلاحظ، كذلك، غزارة المفردات الغريبة على الفئة المستهدفة بهذه القصص (يسوسها، يُفتات، بإيعاز، يداريه، أضناه، سامته، الخسف، ضروب، شزْرا…). كما أن الأسلوب المعتمد لا يخلو من توظيف صيغ أدبية عذبة البيان (ويضرب على أيدي الطغاة، وله بصيرة بأمور الوحوش، يعيش بفتاته ويلجأ إلى ظله، يسعى بين يديه…).

أما في الشكل، فقد حرص الثلاثي التربوي على تشكيل النصوص التـي تعبئ الستة عشر صفحة المخصصة لكل قصة، بما يسهل على الطفل القراءة السليمة، ويساعده على أكبر قدر ممكن من الفهم، باستثناء بضع صفحات خصصها المؤلفون لصور تتخلل كلَّ قصة، تشد انتباه الطفل إليها، وتُدخله أجواءها وتسافر بخياله إلى زمانها ومكانها وترسم له ملامح شخصياتها، لتترسخ فيه الرسالة المرجو بثها في عقله ونفسه.

بهذه القصص وبمثيلاتها غُذّي عقل وفكر وخيال وعاطفة أجيال وأجيال من التلاميذ. وبهذا المستوى من الكتابة، ومن اختيار المفردات والتعبيرات، دأب هؤلاء المربون والمؤلفون التربويون، قبل نصف قرن من الزمان، على تنشئتهم.

وما كانت هذه القصص سوى «حاشية” إضافية على «متن” المقرر المدرسي الذي كان للأستاذ ياسين فيه باع وأي باع، والذي كانت «المطالعة الجديدة” أحد أهم عناوينه. ولعل الرؤية التـي فرضت نفسها على الأستاذ ورفيقيه في قصص الأطفال هذه، وهم كانوا في طليعة المؤلفين التربويين الذين كانوا يشرفون على ألسنة الأجيال من أن تتسلل إليها عجمة غريبة تفسدها، كانت جزءا من الرؤية التـي فرضت نفسها على الأستاذ وفريقه التربوي الجديد في ذاك المقرر المدرسي: «المطالعة الجديدة”.

ولعل الأستاذ ياسين، وقد كان على رأس أولئك المربين والمؤلفين التربويين الذين حملوا عبء تربية وتوجيه تلك الأجيال من المعلمين ومن التلامذة على حد سواء، لعله نجح في مهمته تلك، وقاد ذينك الفريقين التربويين إلى النجاح فيها، لأسباب مرتبطة بحصيلته المعرفية، وخبرته الميدانية، وتكوينه المتين، نعم، ولكنه نجح، كذلك، لما كان يتمتع به من ثقافة موسوعية متنوعة، فتحت أمامه نوافذ المعرفة على العالم بحضاراته وألسنته وألوانه وأجناسه وشعوبه وثقافاته وآفاقه، فاستطاع استثمار ما جناه منها في مهمته التربوية في محاولته للدفع ببلده وبأبناء بلده إلى حيث يتبوأ أعلى الدرجات.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد