post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

لعل أكثر المهتمين بفكر الأستاذ عبد السلام ياسين يغفلون عن كونه شاعرا وناقدا أدبيا رساليا من طراز رفيع، ذلك أن الجانب الحركى والدعوى قد غلبا على شخصيته حتى كاد لا يعرف إلا بهما مما يدفع إلى التساؤل عن موقع الأدب بشكل عام و الشعر على وجه الخصوص من المشروع الفكري المنهاجي الذي عكف على بنائه لأكثر من ربع قرن من الزمان، بحيث يشكل هذا المشروع المتكامل الفضاء الحيوي الذي تسبح فيه أشعاره المتضمنة في ثلاث مجموعات شعرية هي: ديوان شذرات الصادرة سنة 1992 م، فالمنظومة الوعظية الصادرة سنة 1996ميلادية، والتي تشتمل على مقدمة نقدية تنظيرية لما ينبغي أن يكون عليه الأدب الرسالي، ثم قطوف الصادرة سنة 2000 م. إن شعر عبد السلام ياسين رحمه الله يشكل وحدة منسجمة ومتكاملة، لا تحتمل الثغرات ولا التناقضات في أنساقها الداخلية، تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى النسق الفكري الذي انحدرت منه. يضاف إلى ذلك أن المتتبع لموروثه الشعري يعلم أنه كان يختار لشعره بحورا صافية تامة أو مجزوءة أو بحورا مختلطة مجزوءة في الغالب الأعم&#8221;. هكذا فإن المتن الشعري عند عبد السلام ياسين يتساوق مع مشروعه الفكري المنهاجي متناغما معه آخذا بعضه برقاب بعض مما يجعل هذا الشعر متموقعا في منزلة بين شعر الشعراء ونظم الفقهاء، وهذا بالضبط ما يدفعنا إلى فحص درجة شاعرية النص وذلك بتفكيك نسيجه، ووضع جزئياته تحت مجهر التساؤل قصد إبداء الملاحظات، والخروج بالاستنتاجات في إطار منهج وصفي استقرائي.



<h2 class="wp-block-heading">أولا: المباشرة والوضوح</h2>



لقد كان الشاعر رحمه الله حريصا على أن يكون شعره واضحا حاملا لرسالة ينبغي أن تصل إلى ذهن المتلقي دون غبش أو تشويش، ودون أن يضطر هذا المتلقي إلى التيه في دروب التعدد اللانهائي للقراءة الإبداعية، إذ إنه في نظره: &#8221; لا خير في أدب ينعت إسلاميا إن جرى في مضمار السباق مع الآداب الإنسانية، يلهب الأحاسيس بالتشبيهات البارعة والمبالغات الفنية، والزخارف اللفظية، والنصاعات البيانية، ثم لا تجد مضمونا إلا خيالا دغدغ، وصورا حومت لحظة في المخيلة ثم احترقت كما يحترق الفراش الهائم&#8221;) <a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a> لهذا كان حريصا على أن يكون شعره ميسور الفهم حاملا لمعنى محدد في غير تحليق في أجواء الخيالات الهائمة، ذلك أن&#8220;الكلمة الهادفة إن تزينت بزينة الله، و تلطفت بوسائل العصر وأشكاله من الألبسة المقبولة شرعا لا ينبغي أن تلحد بها جمالية الشكل وتميل عن الهدف، الذي هو التبليغ&#8230; ضاع جهد المبلغ وتسرب معنى رسالته في رمال الجمالية إن هتف القارئ ما أرق الشعر، أوصاح الناظر أو السامع، ما أحسن الصنعة والفن&#8230;&#8221;) <a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a> ولهذا كان رحمه الله يصف شعره بقوله: قطوفي دانية الحكم *** وما أنا بالشاعر الهائم<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a> ولئن وسم الإمام منظومته الوعظية بأنها جاءت &#8220;مجافية لتقاليد الشعراء بكونها خطابا مباشرا&#8221;) <a id="_ednref1" href="#_edn4">[4]</a> فإن الدكتور عدنان رضا النحوي يعد هذا المسلك في النظم أمرا طبيعيا بل مطلوبا في الأدب الملتزم بالإسلام، إذ إن التقرير فيه ليس عيبا لأن &#8220;الإسلام رسالة يريد الله أن يبلغها المسلمون إلى الناس جميعا&#8230; والبلاغ يقتضي الوضوح والبيان، ولا يقتضي التناقض والغموض والإبهام &#8230; والأدب أحد أسلحة الإسلام ما دام الإسلام في معركة، كما كان الحال مع شعراء النبوة الخاتمة. فكان الوضوح سمة رئيسية و مصدرا من مصادر الجمال، الأدب الملتزم بالإسلام يريد من الناس أن يفهموه ويدركوه، ثم يؤمنوا به، ثم يحملوه ويدعوا إليه وإلى مبادئه ودعواه &#8220;) <a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a>، وفي نفس الاتجاه يبدي الدكتور عباس الجراري ملاحظة مهمة عند تناوله لمميزات الشعر الذي قاله المغاربة بوحي من المولد النبوي &#8221; إن هذا الشعر يختلف قوة وضعفا وجودة ورداءة حين يصدر عن أدباء مبدعين، أو حين يصدر عن فقهاء ناظمين، ولكنه أبدا نابض بالحياة وبغزارة العاطفة الدينية وحرارتها، وهو بذلك قادر على أن يثير نفس الأحاسيس عند متلقيه، والسبب في ذلك راجع إلى مدى حب الرسول ومدى التعلق به .&#8221;) <a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a> يتضح لنا من هذا الكلام أن جمال الشعر و تأثير يأتي كذلك من الموضوع الذي يعالجه&#8230; ولعل هذا هو نفس ما قصده الشاعر بقوله: صلى الإله على محمد الذي*** بمديحه أضحت قطوفي دانية<a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a> وهو بذلك لا يموه ولا يضع الأسماء على غير مسمياتها كشأن أولئك الذين يسمون النثر شعرا &#8220;قصيدة النثر&#8221;، فهولا يسمي منظومته شعرا بل إنه يعترف بعدم بلوغها مستوى الشعرالمحلق في أجواء الخيال&#8220;نعم إن كنت سميتها منظومة فلقصوري عن تعطير نظمي بشذى شعري، ولقصوري عن بث النكهة المنعشة من استعارة خفيفة وإشارة لطيفة في متن نظمي&#8221;) <a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a> ولئن كان هذا صحيحا بالنسبة إلى&#8221; المنظومة الوعظية &#8221; والوصية المصوغة شعرا و التي مطلعها: نصحتك حبي أخي في حياتي*** وهذي النصيحة من مرمسي فهو لا يصح بالنسبة إلى شذرات وقطوف لأن الشعر فيهما على درجة من الجمال والصنعة والفن . إلى هنا أكون قد قاربت إحدى مميزات الشعر عند عبد السلام ياسين متمثلة في &#8220;المباشرة والوضوح &#8221; على أن أقارب باقي المميزات المتعلقة بالبلاغة والموسيقى والتناص في مقالات أخرى بحول الله.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>المنظومة الوعظية لعبد السلام ياسين ط/1,مطبوعات الأفق الدار البيضاء(من المقدمة .ص: 9 <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>المنظومة الوعظية . من المقدمة ص: 16-17 <a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a>قطوف1,عبد السلام ياسين,ط/1 .1992 .ص: 5 ( إشارة إلى قول الله تعالى عن الشعراء الضالين &#8220;ألم تر نهم في كل واد يهيمون&#8221;) . <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a>المنظومة الوعظية ، ص: 32 <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a>الشعر المتفلت من التفعيلة إلى النثر، لعدنان رضا النحوي ص84: ط/2 مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء. <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a>الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه للدكتور عباس الجراري ص: 162-163 ط/1 مكتبة دار المعارف الرباط. <a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a>قطوف 1، قطف19 ص: 25 ( المقصود بقطوفي أشعاري). <a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a>المنظومة الوعظية، ص:25

أدب وفن

عبد السلام ياسين شاعرا

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

عبد السلام ياسين شاعرا

مقالات ذات صلة