post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h2>مقدمة</h2>
لم ينل درس العقيدة في مؤلفات الإمام ياسين رحمه الله حظه من الدراسة والبحث، لذلك يأتي هذا المكتوب الوجيز للتنبيه على أهمية الدرس العقدي في مشروع الإمام التجديدي، إذ إن عقيدة التوحيد تشكل في فقهه رحمه الله الأساس العميق الذي يرتكز عليه البناء الإيماني للفرد، وكذلك السعي لتوحيد الأمة المسلمة. 
 فما المقصود بالعقيدة؟ وما دلالاتها؟ وعلى ما مدار صحتها؟ وهل خدم علم الكلام عقيدة التوحيد أم أنه جنح بها إلى نوع من الصورية والمنطق الصوري؟ وهل نأخذ عقيدتنا من القرآن والحديث مباشرة؟ ثم هل يقبل الله عز وجل منا أن نستقبل ما أخبرنا به ورسولُه بالتسليم والطاعة والعمل باقين على البراءة الأصلية؟ أم لا بد أن نعرضَ عقيدتنا على علماء الكلام لنحصل على شهادة حسن السلوك وصفاء العقيدة ؟. انطلاقا من هذه الأرضية التصورية على وجازة القول فيها، يأتي هذا المقال مجيبا على هذه الأسئلة في ضوء فقه الإمام رحمه الله تعالى.
<h2>1 &#8211; مفهوم العقيدة ودلالاتها</h2>
لفظ العقيدة مشتق لغويا من فعل عقد أي ربط وأحكم الوثاق، فهي تفيد التصديق والتيقن والجزم. فالمعتقد متيقن من صدق تصوراته وانطباقها على الواقع انطباقا لا يدع مجالا للظن والشك. 
 أما العقيدة في الاصطلاح الشرعي فهي عند الإمام ياسين مرادفة لمفهوم الإيمان، قال رحمه الله :&#8220;العقيدة ضمير في القلب وكلمة على اللسان يُصدقها الإذعان للشريعة أو يكذبها &#8220;)<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a> فالمسلم لا تستقيم عقيدته إلا إذا وافق اعتقاده عمله، ولا تستوي حياته ويرشد حاله إلا إذا دفعه إيمانه إلى عمل ما يرضي الله تعالى من العمل الصحيح المطابق لتعاليم الشريعة السمحة، قال الإمام رحمه الله:&#8220;لا تنفصل العقيدة عن الشريعة. لا يُعد مسلما حق الإسلام من يشهد لسانه لله تعالى بالوحدانية والإلهية ثم لا يطيع الله فيما أمر ونهى&#8221;)<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a>، وتعريف الإمام رحمه الله تعالى مصطلح العقيدة بالإيمان تعريف في غاية الدقة إذ إنه يوافق ما جاء في الكتاب العزيز، وبيان ذلك أن القرآن الكريم لا يستخدم في معرض حديثه عن تيقن الإنسان بصدق تعاليم السماء كلمتي اعتقد والعقيدة بل كلمتي آمن والإيمان، وشواهد ذلك كثيرة منها: قوله عز وجلّ ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a> وقوله عز وجل ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾<a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a> 

<h2>2- أول العلم التوحيد</h2>
إن أعظم ما أمر الله عز وجل به عباده هو التوحيد قال الإمام ياسين :&#8220;أول العلم التوحيد، يتلوه عبادة الله سبحانه &#8220;)<a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a>، قال الله تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ<a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a>، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال:&#8221; ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله &#8230;&#8221;<a id="_ednref7" href="#_edn7">[7]</a>. فعلى هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله &#8220;مدار صحة العقيدة، ومنها بدايتها&#8221;)<a id="_ednref8" href="#_edn8">[8]</a>. بها يتجدد الإيمان، بقولها وتكرارها. 
 وقد انتقد الإمام رحمه الله صنيع بعض الناس الذين راموا تحويل هذه الكلمةٌ التي بعث الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم لتقال إلى فلسفة، والحق كما قال رحمه الله أن &#8220;عقيدة لا إله إلا الله هي نفس الإيمان بالله، والعمل بما أنزل الله&#8221;)<a id="_ednref9" href="#_edn9">[9]</a>.
<h2>3- في علم الكلام</h2>
جاء علم الكلام ليواجه جملة من التحديات والإشكالات التي واجهت العقل المسلم على مستوى العقيدة، لذلك ثمن الإمام رحمه الله جهود علماء الكلام التي قصدت &#8220;تحرير العقيدة )من الخلط الفلسفي، والدس الزندقي، والشعوذات المحلية والرسوبات الجاهلية&#8221;)<a id="_ednref10" href="#_edn10">[10]</a>. 
 هكذا كان علماء الكلام أول نشأة علم أصول الدين &#8221; فئات من جند الإسلام يدفعون عن العقيدة عوادي الفلسفة المادية الإغريقية، وغوائل السحر المشرقي، ووثنية الهند والسند، وضلالات الفرس&#8221;)<a id="_ednref11" href="#_edn11">[11]</a>.
لكن في مقابل تثمين الإمام لجهود علماء الكلام الخادمة لعقيدة التوحيد فقد انتقد رحمه الله طائفة من المتكلمين الذين كفروا عوام المسلمين بسبب عدم معرفتهم الكلام. 
 وقد أورد رحمه الله في هذا السياق نصا نفيسا للإمام الغزالي، يتحدث فيه رحمه الله عن داء قديم في الأمة استفحل أواره ودواره في عصرنا: 
 &#8221; فصل : من أشد الناس غلوا وإسرافا طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين، وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتنا، ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتها التي حررناها، فهو كافر&#8221;). 
 &#8221; فهؤلاء ضيقوا رحمة الله على عباده أولا، وجعلوا الجنة وقفا على شرذمة يسيرة من المتكلمين&#8221;)<a id="_ednref12" href="#_edn12">[12]</a>.
وحتى لا يكون بعض المتكلمين سيفا مصلتا على رقاب عوام المسلمين دعا الإمام رحمه الله أن يستصحب هؤلاء المتكلمون في حجاجهم عن العقائد الإيمانية &#8220;نية الهداية والدعوة والرفق بالمسلمين وبالناس أجمعين، لا قصود التعجيز والنبذ&#8221;)<a id="_ednref13" href="#_edn13">[13]</a>.
ذلك أن صفاء العقيدة وتحصيل الإيمان لا يكون بضبط الأدلة المحررة والتقسيمات المرتبة والتمكن من قواعد الجدال، بل الإيمان نور يقذفه الله عز وجل في قلوب عباده منحة و عطية من عنده سبحانه.
<h2>4- تعالوا إلى عقيدة ما قبل الخلاف</h2>
فتح الإمام ياسين باب الحوار مع من اختلطت عليهم الرضَاعَة الفطرية بصَبيبِ الرضَّاعة الصناعية الفلسفية، قال رحمه الله تعالى&#8220;هؤلاء هم المعتزلة الجُدُد المشغـوفون بسلفهم المعتـزلة الأوَلِ، يعتبرونهم شرفَ العقل المسلم ومجدَه. هؤلاء وجوهٌ نبتسم إليها ونرحب بها ونحاورها&#8221;)<a id="_ednref14" href="#_edn14">[14]</a>.
 ولقد دعا رحمه الله هؤلاء المثقفين المفتونين بالعقل والعقـلانية إلى عقيدة ما قبل الخلاف والفلسفة وعلم الكلام عسى أن تهتدي عقولهم إلى سماع نداء الوحي وتطيع، قال رحمه الله &#8220;فتعالوا نرجِعْ معا إلى الفطرة ونطْرَحْ الكلام والفلسفة والحذلقة لنكون في الإيمان فطريين، لا نستدل بالعقليات على السمعيات، بل نؤمن بالله وباليوم الآخر، ونصلي طاعة لله وخوفا منه ومن اليوم الآخر، ورجاء في ثوابه وشوقاً إلى لقائه&#8221;)<a id="_ednref15" href="#_edn15">[15]</a>.
والإمام رحمه الله بهذه الدعوة الصريحة إلى الرجوع للفطرة التي فطر الحق سبحانه الناس عليها وترك الاستدلال بالعقل على النقل يفصح عن منهجه في تلقي العقيدة الإسلامية وأخذها وكذلك الاستدلال عليها، وهو منهج يتمثل أساسا في تلقي العقيدة الإسلامية مباشرة من القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، وهذا هو منهج السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان من الأئمة وسائر المهديين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>حوار مع صديق أمازيغي، ص: 162 <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>نفسه، ص: 162 <a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a>سورة البقرة، الآية: 285. <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a>سورة البقرة، الآية: 177 <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a>المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص: 220 <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a>سورة محمد، الآية 19 <a id="_edn7" href="#_ednref7">[7]</a>رواه البخاري <a id="_edn8" href="#_ednref8">[8]</a>الإحسان، ج 1ص: 268 <a id="_edn9" href="#_ednref9">[9]</a>تنوير المؤمنات ج1، ص: 271 <a id="_edn10" href="#_ednref10">[10]</a>نفسه ج،1 ص: 267 <a id="_edn11" href="#_ednref11">[11]</a>الرسالة العلمية، ص 18 <a id="_edn12" href="#_ednref12">[12]</a>نقلا عن الرسالة العلمية، ص:16 -17 <a id="_edn13" href="#_ednref13">[13]</a>الرسالة العلمية، ص: 16 <a id="_edn14" href="#_ednref14">[14]</a>العدل الإسلاميون والحكم، ص: 542 <a id="_edn15" href="#_ednref15">[15]</a>نفسه، ص: 544
.

في الدرس العقدي عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

في الدرس العقدي عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

رمضان شهر البركات

إنهم فتية آمنوا بربهم

صور من حبّ الصحابة الكرام للرسول عليه الصلاة والسلام

سنة التدافع ووعد النصر

رمضان شهر تجديد الصلح مع الله

عقبات بناء الإنسان في ضوء القرآن الكريم

مقالات ذات صلة