حث الله عز وجل في آيات كثيرة على مدافعة الباطل وأهله وعدم الركون إلى الظالمين، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (39)﴾ (الشورى: 38 ـ 39). وقوله سبحانه: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) [البقرة:251]، ويقول الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾(الحج: 40).
إنّ سنّة التدافع من السنن الحاكمة لحركة الحياة والأحياء، والتدافع مع الباطل يقتضي بناء بيئة منورة مجاهدة مقتحمة، فالله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحقّ، ويدفع أهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها ولولا ذلك لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض، وبغوا على الصالحين وأوقعوا بهم حتّى يكون لهم السلطان وحدهم، فتفسد الأرض بفسادهم، فكان من فضل الله على العالمين وإحسانه إلى الناس أجمعين أن أذن لأهل دينه الحقّ المصلحين في الأرض بمواجهة المفسدين فيها من المستكبرين الظالمين والبغاة المعتدين.
وسنّة التدافع بين الحقّ والباطل مستمرّة باقية ما بقيت الدنيا، وتتّخذ عدّة أشكال، وتمتدّ لمساحات طويلة ومتعدّدة ومجالات متنوّعة، ومقصدها الأسمى أن تكون نية المؤمن والجماعة المجاهدة المؤمنة في هذا التدافع مع الطغاة المستكبرين في الأرض “إعزاز كلمة الله بالتدافع والتشابك والاقتحام”[1].
فإذا أخلص المؤمنون المجاهدون نيتهم لله وحده في هذا التدافع وأعدوا ما استطاعوا من قوة واستفرغوا الوسع في هذا التدافع بأخذ الأسباب اللازمة المحسوسة المادية، والمعنوية الإيمانية أكرمهم الله عز وجل يقينا بالنصر على أعداء الله تعالى ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ وقال جل شأنه: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، إن نصر الله ووعده بالاستخلاف والتمكين في الأرض يُكرم الله به المؤمنين المجاهدين لا الخاملين القاعدين الهاربين من الواقع.
وليكون فعلنا صالحا ومؤثرا لا بد لنا من معرفة نفوسنا فردا فردا. لا بد لكل فرد منَّا أن يعرف نفسه، هل هو ماضٍ في التقرب إلى الله عز وجل، أم أنه يخبِط على غير هدى؟ ولا بد لنا أيضا من معرفة نفسنا الجماعية.
يقول الإمام رحمه الله كلاما نفيسا بعد إيراده قول الله عز وجل: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْض﴾، “فعلى جند الله أن يدفعوا عن أنفسهم ولا يستكينوا. وأن يتعلموا قواعد اللعبة السياسية، وأصول الدفع النبوي معا، ليستغلوا مثول تلك القواعد في الأذهان وواقع الفتنة، فيحتالوا لنسفها بجهاد مؤصل على الحق يزهق الباطل. إن الباطل كان زهوقا.”[2]
ويضيف رحمه الله: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم الصبر على الأذى ورغم التدرج ورغم الصلاة عند الكعبة وفيها ثلاثمائة وستون صنما لم يمسها المسلمون قبل الفتح بأذى، ساكتا. ولا كان أصحابه القادرين على الدفع والاحتجاج سكوتا خانعين”.[3]
ويعطي رحمه الله نموذجا من قادة الصحابة الكرام ليكون أبناء المشاريع الإسلامية التي تبتغي السير على منهاجهم اللاحب، يقول: “هذا أبو بكر رضي الله عنه يجهر باحتجاجه: «أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟»كان المسلمون يومها مستضعفين قليلين، وكان الشرك في عنفوانه. ومع ذلك جهر جند الله بكلمة الحق، وواجهوا التهديد والأذى بالدفع والاحتجاج والإنذار في أحرج المواقف وأشدها”[4].
تلك أمة قد خلت رضي الله عن الصحابة الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في جميع أبواب الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زماننا نسأل الله تعالى أن يبارك جهاد إخواننا في غزة العزة فجهادهم هو حلقة منيرة مباركة في سلسلة سنة التدافع بين الخير والشر والصلاح والفساد، والحقّ والباطل. نسأل الله تعالى أن يبارك جهادهم وأن يغفر لنا تقصيرنا وقصورنا تجاههم وأن يجعل دعاءنا نورا ومددا ونصرا لهم ونارا ودمارا على الصهاينة وأعوانهم. آمين. والحمد لله رب العالمين.
[1] ـ عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، دار لبنان للطباعة والنشر، الطبعة 4 السنة 2018م، بيروت 2/ 318.
[2] ـ عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول الطبعة 5 السنة 2022م، ص: 321.
[3] ـ عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي ص: 321.
[4] ـ عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي ص: 321.
أضف تعليقك (1 )