post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

أوجب الله عز وجل على المسلمين صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية الخالدة، وجعل صيامه من أركان الإسلام، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة: 183)، وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب&nbsp;رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: &#8220;بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان&#8221;[1]. فهو من أعظم العبادات والقربات وأقوى ذرائع تهذيب النفوس وتزكيتها، وفي إعلام الله تعالى لنا بأنه فرضه علينا كما فرضه على الذين من قبلنا دليل بوحدة الدين أصوله ومقصده، وتأكيد لأمر هذه الفرضية وحثّ عليها وترغيب فيها. فهو شهر النفحات الربانية، تصفد فيه مردة الشياطين، فلا سبيل لها إلى خلق الله عز وجل.



<h1 class="wp-block-heading">شهر التوبة إلى الله</h1>



شهر رمضان شهر التوبة إلى الله وتجديد الصلح معه سبحانه وطلب غفرانه وكرمه وإحسانه وعِتْق رِقابنا من النار، فهو فرصة جليلة القدر تستوجب الاستعداد الكامل لهذا الضيف الكريم، استعداد يليق بعظمة شهر القرآن، وهو مناسبة لمحاسبة النفس وجبر كسورها وتقويم سيرها إلى المولى عز وجل، وشغلها بالعبادة والتقرب إلى بارئها، شهر نعزم فيه بتوفيق الله وعونه الصلح مع الله وكتابه ورسوله، نبني أخلاقنا بمحاسن الفعال والأقوال، نتفقد الأقارب ونصل الأرحام من قضى نحبه دعاء، والأحياء تواصلا، نعين الفقير ونسد خلة المحتاج.



قال الإمام ياسين رحمه الله[2]: &nbsp;&nbsp;



رمضانُ حلَّ فيا عزائمُ صمِّمي &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; واجفُوا المنام معاشرَ الرُّقادِ



إن كان أبلى فيكُمْ الإيمان ما &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; جَنَتِ اليَدانِ بنَزْوَةٍ وتمادي



فهلالٌ أبركِ مطلعٍ في عامِكُمْ &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; يدعو العُصاةَ لتَوْبَةٍ ويُنادي



قُوموا فلبُّوا للصيام أوامراً &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; وتزوَّدُوا فلَنِعْمَ عقبَى الزَّادِ



زُمُّوا النُّفوسَ عن الهوى وتعاضدُوا &nbsp;&nbsp;&nbsp; لتسدِّدُوا من ميْلها بقيادِ



الله أكبر! أَلِّفُوا في صفِّكُمْ &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; صفْوَ الشباب لقوْمةٍ وجهادِ



صلّى الإله على النبي محمدٍ &nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; والآلِ والأصحاب والأجنادِ



<h1 class="wp-block-heading">الصوم يورث التقوى</h1>



الصيام من العبادات الجليلة الرامية إلى تهذيب النفس ورياضتها، &#8220;تهيئة لها لتقوى الله بالمراقبة له وتربية الإرادة على كبح جماح الشهوات، ليقوى صاحبها على ترك المضار والمحرمات&#8221;[3]، فهو يورث تقوى الله وخشيته ومراقبته عز وجل لما فيه من انقماع حظوظ النفس وانكسار الشهوة. إنه يهون زخارف الدنيا ولذاتها،&nbsp;لما فيه من زكاة&nbsp; النفس&nbsp;وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة، شهر يصقل فيه الصائم إيمانه، ويجدد فيه عهده مع الله، وهو زاد إيماني عظيم يشحذ الهمة والإرادة لاستئناف السير في درب الطاعة والاستجابة لنداء المولى الكريم بعد رمضان.



وقد جعل الله تعالى من مقاصد الصيام تحصيل التقوى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة: 183)، قال العلامة الطاهر بن عاشور: &#8220;وإنما كان الصيام موجبا لاتقاء المعاصي، لأن المعاصي قسمان، قسم ينجع في تركه التفكر كالخمر والميسر والسرقة والغصب فتركه يحصل بالوعد على تركه والوعيد على فعله والموعظة بأحوال الغير، وقسم ينشأ من دواع طبيعية كالأمور الناشئة عن الغضب وعن الشهوة الطبيعية التي قد يصعب تركها بمجرد التفكر، فجعل الصيام وسيلة لاتقائها، لأنه يعدل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي، ليرتقي المسلم به عن حضيض الانغماس في المادة إلى أوج العالم الروحاني، فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية&#8221;[4].



ففي الصوم تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»[5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: &#8220;الصوم جنة&#8221;[6] والمراد أن فيه وقاية من الوقوع في الآثام والمعاصي، ووقاية في الآخرة من الدخول إلى النار. وإنما كان الصوم سترا ومانعا من الرفث والآثام ومانع أيضا من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات.



<h1 class="wp-block-heading">في رمضان روحانية خاصة</h1>



تعيش الأمة الإسلامية في رمضان شهر البركات والفيوضات الربانية حالة مفعمة بنسائم الإيمان، يقبل المؤمنون على ربهم سبحانه بالصيام والقيام، وتلاوة القرآن آناء الله وأطراف النهار، وفعل الخيرات، فتتآلف الافئدة وتلتئم الأرواح، وهكذا تسود روحانية خاصة في الشهر الفضيل، تلامس نسائمها القلوب المتحابة فيه سبحانه، روحانية ترفع عن الصائم حق الصيام أثقال الأرض ليتعلق بمعاني السماء، قال الإمام ياسين رحمه الله: &#8220;للصوم زيادة على أثره التربوي فضل في رفع الروحانية وتصفيتها، فهو إمساك الجسم والنفس عن مبتغاهما. وتزكية نية القربة إلى الله، فتكتسب الروحانية شفافية. إن هذه النفوس أقرب ما تكون للالتئام والتحاب والتعاون إن تهذبت من كدورات الشهوات، وسمت عن الماديات. في رمضان تسود روحانية&#8221;[7].



ويحذر الإمام ياسين في هذا المقام من بعض الأفعال التي يقوم بها كثير من الناس والتي بمقتضاها تحوّل ليالي رمضان إلى لقاءات للعبث ومناسبات للتخمة، إذ نجده في هذا السياق يندب المؤمنين ويدعوهم إلى المحافظة على خيرات الشهر الفضيل، بأن &#8220;يستمروا السنة كلها إن استطاعوا على ذلك المستوى من الشفافية، مستعينين بصوم الإثنين والخميس، والأيام البيض، ويوم عرفة لغير الحاج، ويوم عاشوراء، والستة من الشوال، ويكثروا الصيام في شعبان والمحرم&#8221;[8].



 [1] &nbsp;ـ صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، رقم: 8 [2] &nbsp;ـ عبد السلام ياسين، قطوف 2، قطف 128، ص: 57 [3] &nbsp;ـ محمد رشيد رضا، تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة 1990م، 2/115 [4] &nbsp;ـ الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، طبعة 1984م، 2/158 [5] &nbsp;ـ صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج.. رقم: 5065 [6] ـ مسند أحمد، مسند أبي هريرة، رقم: 8059 [7] ـ عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، الطبعة الثالثة 1994م، ص: 277 ـ 278 [8] &nbsp;ـ نفس المصدر، 287.

التزكية والدعوة

رمضان شهر تجديد الصلح مع الله

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سنة التدافع ووعد النصر

رمضان شهر تجديد الصلح مع الله

عقبات بناء الإنسان في ضوء القرآن الكريم

إسرائيل ابتلاء مؤقت

الإيمان بالقضاء والقدر

ولذكر الله أكبر

مقالات ذات صلة