post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

حضرت ليلة أمس لقاء مع المؤمنين، خصص في مجمله للحديث عن <a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%9f/">الرباط</a> بوصفه محطة تربوية مهمة،
كل الحضور يتحدث عن القيمة التنظيمية والتربوية للرباط، يستدلون على شرعيّته بأدلة من الكتاب العزيز والسنة الشريفة، ويسوقون في سبيل أهميته وجدواه أقوال الصحابة والتابعين والسلف الصالح رضي الله عنهم، ولعل هذه النصوص حفظتها من كثرة سماعها، بل أصبحت أُحسن توظيفها والاستدلال بها.
قال تعالى في آواخر سورة آل عمران: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200).
وهذا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: &#8220;أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ&#8221;[1]، أي: الرباط المرغب فيه، وأصل الرباط الحبس على الشيء كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة.
والرباط هاهنا ملازمة المسجد لانتظار الصلاة، وذلك معروف في اللغة، قال صاحب العين: الرباط ملازمة الثغور، قال: والرباط ملازمة الصلاة[2].
وهي إحدى صفات الصالحين فقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾(السجدة:16) نزلت في انتظار الصلاة التي تُدعى العتمة[3].
إن الرباط فرصة للتعمق في النفس، ومحاسبتها على ما قدمت في جنب الله، فـ ”رجوعُك على النفس أخي وأختي فضيلة”[4].
الرباط تعميق لرابطة الحب في الله، والولاية الإيمانية بين المؤمنين، مجالسة لذكر الكلمة الطيبة “لا إله إلا الله”، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار بالأسحار، والتسبيح بالغدو والآصال، والدعاء بأدعية التحصين الصباحية والمسائية، ومنافسة في تلاوة القرآن والسور والآيات الفاضلة، وفي تعلم تحسين تلاوته، وفي حفظه، ومسارعة لجمعه وتحصيله وتعهده، ومدارسة لآيه، ومذاكرة في العلم النافع، وتذكرة بالمواعظ المحببة للخير وثوابه، والمنفرة من الشر وعقابه، في علاقة الإنسان بربه ونفسه وأسرته ومجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء.
وأنا أصغي لهذا الكلام الذي يخرج من سراج واحد، رجعت بي الذاكرة إلى زمن البدايات، زمن المأثورات، لست أدري لماذا تداخلت الأزمنة والأمكنة والشخوص والأحلام العظيمة؟ هجمت عليَّ بعض اللحظات فما استطعت التخلص منها ، أجدني مشدودا لكتابة ما بقي عالقا في قلبي قبل ذاكرتي.
وقبل ثلاثة وثلاثين سنة، وبعد تأسيس الجماعة بسبع سنوات كانت بفضل العزيز المنان سِمَانٍ، حضرت أول رباط تربوي، كنت يومها تلميذا في السلك الإعدادي، صغيرا في السن، كبيرة أحلامي وطموحاتي، كنت أصاحب الكبار، وأعيش بمعاني الهمم العالية.
كنت حديث عهد بالانتساب لجماعة العدل والإحسان، انتمائي وقتها لا يتجاوز الثلاثة أشهر، كنت أضع نصب عيني حياة الصحابة رضي الله عنهم الذين هبُّوا لنصرة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان منهم من هم في سني ، منهم زيد، وعلي ، وأسامة ، ومعاذ ، وأنس&#8230;..وغيرهم، رضي الله عنهم جميعا.
 فعن أبي هريرة  قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: &#8220;سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ&#8221;[5].
كنت ضمن ثلاثة أو أربعة ممن مثلوا مدينتي في هذا الرباط، ولأول مرة أسمع بالرباط، وأحضر الرباط، وكنت من ذي قبل أعرف فقط مدينة الرباط العاصمة الإدارية.
إنه الإيمان الذي تخالط حلاوته بشاشة القلوب، كنت أشعر به يدفعني دفعا لحضور مواسم الخير، ومجالس الذكر والإيمان.
ولجنا البيت ، فألفيت ما يزيد عن الأربعين من الشباب، كلهم دون الأربعين، يلبسون البيض، وجوههم نضرة ووضيئة، لحاهم خفيفة؛ غالبيتهم من الطلبة والتلاميذ، اتخدت لي زاوية فجلست مستندا على الجدار، كان البرنامج مخصصا لقراءة القرآن الكريم، ولأني حديث عهد بمثل هذه المجالس، جاءني شاب طويل كث اللحية عليه وقار، حتى وضع كفه على كتفي ورحب بي بطريقته، ولأني كنت صغير القوم، كان يشملني بين الفينة والأخرى بابتسامته العريضة ونصائحه وتوجيهاته؛ ناولني مصحفا حتى أنخرط معهم في برنامج هذا الرباط، أخبرني على وجه التحفيز أننا نتنافس في ختم كتاب الله في هذه الأيام الثلاثة، كما نصوم أيامها، ونقوم لياليها، قال لي: نجعلها محطة للتزود، حتى إذا خرجنا من الرباط خرجنا غير أولئك الذين دخلنا، أعجِبت بأسلوبه الجميل ونصائحه التي انسابت في قلبي،  قيل لي: إنه &#8220;أمير الرباط&#8221;، وقد تغير هذا الاسم بعد عشرات السنين، ليصبح &#8220;خادم الرباط&#8221; لما لمعاني الخدمة من التواضع وخفض الجناح للمؤمنين.
فتحت المصحف وشرعت في التلاوة، لم أشعر بالزمان، أصوات كأزيز النحل، ففرحت بالقرآن وبمجالسة أهل القرآن، وقد بلغني فيما بعد أن الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله كان يوصي ويشدد على حفظ القرآن وتعلمه وتعليمه، ومما جاء عنه: “لابد أن يرسخ في أذهانكم أن وجودكم في جماعة العدل والإحسان ومضي زمان معها، إن لم تستفيدوا من حفظ القرآن فقد ضيعتم أنفسكم.. ثم يكون كل واحد منا مدرسة قرآنية متنقلة عبر الأجيال&#8221; .
لأول مرة في حياتي أظفر بختم كتاب الله تلاوة، لحظات لن أنساها ما حييت. سمعت خادم الرباط يقطع برنامج تلاوة القرآن بالانتقال إلى حصة التسبيح، فالساعة تشير إلى الخامسة والنصف مساء، ولم يبق على صلاة المغرب إلا ربع ساعة، سمعته يردد هذا الحديث بصوته الجميل : سبحان الله وبحمده.
بدأت أجواء المساء تخيم على البيت بين يدي رفع الأذان لصلاة المغرب. وقف أحدهم يرفع صوته الجميل بالأذان، وقام آخر بإتحافنا بحليب وتمر، فأدركت أن القوم كانوا صياما .
أقام الخادم الصلاة، وتقدم رجل أسمر البشرة، متوسط القامة نحيف الجسد جميل المحيَّا يؤمُّنا ، كان إماما رائعا، لا يزال صدى صوته الرخيم في مسمعي.
أذكر أن اسمه كان عيسى، فرغنا من صلاة الفرض وست ركعات من النوافل وتحلقنا حول سُفَرٍ معدة لتناول الإفطار .
تحلقنا حول سفرة الطعام وكنا تسعة أو عشرة، بدأنا بسنّة التعارف، كنت أصغرهم سنا، جاء دوري فزادت دقات قلبي واحمرت وجنتاي وما استطعت رفع عيني في وجوههم، فقلت: أخوكم في الله محمد عز الدين، تلميذ مستوى الرابعة إعدادي، من مواليد مدينة وزان، أحبكم في الله، وختمت بهذا الدعاء &#8220;اللهم اجعلنا من الصادقين ومع الصادقين&#8221;.
[1]  ـ رواه مسلم، الرقم: 251. [2]  ـ ابن عبد البر الاستذكار، دار الكتب العلمية – بيروت، ط. الأولى 1421هـ – 2000م، 2/303 [3]  ـ رواه الترمذي، الرقم : 3196. <a href="https://siraj.net/ar/read?id=1064&amp;page=66">[4]  ـ عبد السلام ياسين، العدل: الإسلاميون والحكم، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط3، 2018، ص: 67</a> [5]  ـ حديث متفقٌ عَلَيْه

في كنف أول رباط حضرته..

الفرح برسول الله ﷺ

حريص عليكم..

الحبيب صلى الله عليه وسلم

التزكية والدعوة

في كنف أول رباط حضرته..

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

في كنف أول رباط حضرته..

عشر ساعات مع الإمام رحمه الله

مقالات ذات صلة