post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h2>دور الإيمان في الصمود والنصر</h2>
أوضحنا، في المقالة الأولى، كيف أن الشيخ ياسين يتوقف كثيرا عند وظيفة &#8220;الإيمان&#8221; ودوره في صمود أبطال التحرير الوطني ببلادنا، ومقاومتهم للمستعمر الفرنسي والإسباني، ولذلك عنون الفصل الأول من كتابه بعبارة &#8220;الإيمان، والإيمان وحده&#8221;. وأشرنا &ndash; في معرض مناقشتنا لبعض آراء الشيخ &#8211; إلى أن الإيمان مسألة قلبية تتفاوت درجته من مسلم لآخر، والله تعالى وحده المختص بتقييم درجة إيمان عباده المسلمين. غير أنه، للأمانة العلمية وللموضوعية، نشير أيضا إلى أن الرجل &#8211; في كتابه &#8211; لايكتفي بوجهة نظره الدعوية، وإنما يتسلح بسلاح الدارس الباحث فيستند إلى مؤلفات الآخرين الذين كتبوا في الموضوع قصد تدعيم أطروحته؛ ومنها كتاب المرحوم محمد أمزيان، أحد رجال التحرير الوطني، المعنون ب &#8220;عبد الكريم الخطابي وحرب الريف&#8221; الذي يأخذ منه فقرات تؤكد رأيه في وظيفة الإيمان، منها هذا النص الذي يستشهد به لتأكيد وجاهة رأيه: &#8220;لاريب أن الذي ساعدنا على محاربة الأعداء سنوات لم تمر فيها لحظة دون موقعة أو معركة أوضحايا هو الإيمان، والإيمان وحده. إن الإيمان هو العامل الأساس وهو السلاح الأقوى في كل الحروب التحريرية. بل في كل عمل جدي.)&#8220;(ص32). ولا يقف الشيخ الكاتب، في سياق أخذ الدروس والعبر، عند المواقف البطولية للمجاهدين المسلمين فقط وإنما يقف أيضا عند بطولات غير المسلمين من أمثال الفيتناميين الذين صمدوا في وجه الغزو الفرنسي والأمريكي بفضل عقيدة الإيمان &#8220;وهكذا صمدت الفيتنام لغزو دولتين عظيمتين: فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وهزمتهما شر هزيمة، وضربت الأمثال في الشجاعة والاستقتال، ووشحت صدر العدو بوشاح العار أبد الدهر.)&#8220;(ص43) ولعل ذلك يدخل ضمن تنزيل مضمون مقولة الحكمة ضالة المسلم أينما وجدها فهو أحق بها، بل إن الكاتب يذهب أبعد من ذلك حين يذكر أن قائد الحرب الفيتنامية &#8220;هوشي مين&#8221; كان &#8220;ممن تعلموا من ابن عبد الكريم الخطابي تكتيك حرب العصابات.)&#8221; (ص43) 

<h2>التربية أولا</h2>
أشرنا في السابق إلى أن موقف الشيخ ياسين من الممارسة السياسية، كما يتبدى في كتابه، ليس موقفا مبدئيا، لأنه لا يرفض كل أشكال الممارسة السياسية، وإنما يعترض على الممارسة السياسية التي لا تقوم على ركائز من الإيمان بالله واليوم الآخر، يعترض على ما سماه &#8220;سياسة الممكن&#8221; التي هي، في عرف أنصارها، خضوع للأمر الواقع بصيغة &#8220; كن على مستوى العصر أو تموت، ومستوى العصر ديموقراطية، ودولة وقانون، ونظام دولي&#8230;)&#8220;(ص77)، وكل من يخرج عن هذا التصور يعد، في نظر هؤلاء، من الإرهابيين أعداء الديموقراطية والسلام والإستقرار. وتتسع دائرة الرفض لدى الشيخ ياسين لتشمل العقلية الجبرية الطرقية التي تستسلم للواقع باعتبار ذلك خضوعا لإرادة الله، وهي العقلية التي عانى الخطابي من تخاذلها وخذلانها كما أشار الكاتب إلى ذلك.(ص79) 
 هو موقف إذن من السياسة اللائكية القائمة على فصل الدين عن الدولة، ومن الجبرية الطرقية و&#8221;الدروشة&#8221; الشعبية السلبية. 
 وقبل السياسة لابد أولا من التربية، هذا هو المنهج الذي ارتضاه الشيخ ياسين لنفسه ولجماعته، فالتربية هي الكفيلة بأن &#8220;تصعد&#8221; بالمسلم من درجة الإسلام إلى درجة الإيمان فالإحسان &#8220;إلى ماذا أؤول أنا المسلم الفاعل في الحقل السياسي &ndash; وفي كل حقل &ndash; إن كانت نيتي أثناء الفعل لم تخلص، وعابها عيب، وأبطلها عطب كان في قلبي لم أصلحه&#8230;؟)&#8221; (ص92) 
 هل نفهم من ذلك أن خطاب جماعة العدل والإحسان هو خطاب دعوة في المقام الأول؟ بدون شك أنه كذلك وإن تلبس، في بعض جوانبه، بالسياسة. أو لنقل إن السياسة مؤجلة عند الشيخ وجماعته ريثما تؤدي التربية وظيفتها، وذلك هو سر وقوف الشيخ طويلا عند قضية الإيمان و &#8220;إخلاص النية لله&#8221;، وكأننا به يود أن يأخذ بيد &#8220;المناضل&#8221; اليساري، وغيره ممن يراهم اختاروا طريق النضال بعيدا عن &#8220;إخلاص النية لله&#8221;، إلى بر النجاة يوم القيامة، يقول: &#8220;الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فهل في مقدور المسلمين الصادقين السمو إلى السيادة المطلقة على النفس، يحبسها ويحاسبها حتى تصفو نيتها لكيلا يضيع عمله هباء منثورا، ولكيلا يكون عمره سلسلة من التحركات الذاهبة مع رياح التاريخ، لا وزن لها عند الله، ولا أثر لها في الصحيفة.)&#8221; (ص97).إنه &ndash; كما قلنا &ndash; خطاب الداعية الحريص على &#8220;نجاة &#8221; المسلم يوم الحساب، بينما خطاب السياسي حريص على محاسبة الناس على الظاهر و ترك الباطن لخالق الناس، ولعل ذلك ما كان يدركه الشيخ في كتابه عندما كان يعود إلى الإقرار بأن المسلمين مراتب، والبواعث مراتب، والنيات مراتب (ص100)، وإنما تقرب بين المستويات التربية كما يقول. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل يمكن أن نصل بالتربية دائما إلى النتائج المرجوة؟ ماذا نفعل إن ظل بين المسلمين &ndash; رغم التربية &ndash; الفاجر والفاسق وأمثالهما؟ إن الإيمان مبني، في الإسلام&ndash; كما هو معلوم- على الإقرار والكفر مبني على الجحود، وطالما أن المسلم مصدق ومقر بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من العقائد والأحكام القطعية فهو في دائرة الإيمان، ولا يحق لأحد أن يثير حوله الشبهات ويأخذه بالظنون، وينزع عنه صفة الإيمان، ويلصق به تهمة الكفر حتى ولو اقترف الذنوب. فالعبد لايخرج من الإيمان إلا بجحود وإنكار العقائد والأحكام الثابتة التي بلغها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والذنب لا يكفر صاحبه إلا إذا استحله فجعل الحرام حلالا، وأنكر المعلوم من الدين بالضرورة كحرمة الزنا والربا والخمر&#8230;(انظر كتاب المقرئ الإدريسي&#8221; الغلو في الدين&#8221;.مطبعة النجاح الجديدة.2010.ص37). ليس لدينا أدنى شك في أن هذه المعطيات من أبجديات المعرفة العلمية عند الشيخ الراحل ياسين، ونحن نقره في دور التربية في الارتفاع بإيمان المسلم، لكن لا أحد بإمكانه أن يجعل المسلمين على قلب رجل واحد. &#8221; لوأنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم &#8221; (63 .سورة الأنفال) 
 إن تأجيل السياسة في الوقت الراهن هو منهجية عمل لدى الشيخ ياسين وجماعته، إنه يريد أن يطمئن أولا إلى أن التربية أدت مفعولها وأنتجت الإنسان والبطل المسلم الذي يخلص النية لله أولا وقبل كل شيء. أما الاكتفاء بالقول: &#8220;كلنا نعمل في سبيل الله&#8221; و&#8221;كل من مات في ساحة النضال فهو شهيد&#8221;&#8230;فأمر لايشفع لصاحبه يوم القيامة كما يوضح بقوله : &#8220;رجلان، أو امرأتان، قدما تضحيات نضالية، وحملا هم الشعب، وأنجزا نفس الإنجاز. هذا باطل عمله عند الله، وذاك صحيفته ثقيلة في الميزان يوم الحشر والموازين والصراط والجنة أو النار.)&#8221; (ص97)، ثم يضيف بوضوح لا مجال للبس فيه : &#8221; ليس مقصودي أن أهدئ من روع أحد إن وصل الإسلاميون إلى الحكم قبل نضج الوعي التاريخي في الأمة وقبل تعبئة الأمة بتربية عميقة تجعل المطلب الشعبي هو الإسلام والإسلام وحده.) &#8220;(ص102). 
 إنها أولا قضية &#8221; تعبئة الأمة بتربية عميقة &#8221; كما أنها قضية &#8221; نضج الوعي التاريخي في الأمة &#8220;. أما الدعوة إلى الانخراط في العمل السياسي بمبرر أن الديموقراطية هي تنافس شريف حر بين برامج وأفكار فطرح يكذبه التاريخ القريب، ومثال الجزائر وما حصل مع جبهة الإنقاذ شاهد على ذلك.يقول : &#8221; ما أظرف الديموقراطية لو كان ادعاؤها أن الأمر تنافس شريف حر بين برامج ومذاهب وأفكار، ما أظرفها لو لم تكن سابقة الجزائر، ونكوص أدعياء الديموقراطية عن الديموقراطية) &#8220;. (ص103) 
 يتبع

فكر الإمام عبد السلام ياسين بين الأصالة والمستقبلية

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين(حوارالماضي والمستقبل)-2-

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين(حوارالماضي والمستقبل)-2-

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين(حوارالماضي والمستقبل)-2-

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين (حوار الماضي والمستقبل )1

مقالات ذات صلة