post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

لاشك في أن أفكار ومواقف المرحوم الشيخ عبد السلام ياسين باتت معروفة ومتداولة بين أتباعه والباحثين والمهتمين..غير أن تتبع مواقف الرجل من خلال مؤلفاته يمكن أن يفيد أكثر في التعرف عن قرب على عبد السلام ياسين الداعية والمفكر الإسلامي. ولذلك فقد اخترنا كتابه &#8221; حوار الماضي والمستقبل &#8221; ( الطبعة الأولى.1997.مطبوعات الأفق.الدار البيضاء.) لنقدم قراءة لمضامينه لعلها تسعف في مزيد من فهم مواقفه وتطلعاته التي كانت وما زالت مثار جدال ونقاش. 

<h2>الماضي من أجل المستقبل.</h2>
لعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن قارئ كتاب &#8221; حوار الماضي والمستقبل &#8221; هو لماذا الانشغال بالماضي القريب لتاريخ بلادنا عبر الحركة الوطنية؟ هل يتعلق الأمر بعادة، دأب عليها المفكرون والدعاة الإسلاميون، تتعلق باستعراض الأوجه المشرقة في تاريخ أمتنا؟ الأمر أبعد من ذلك وبخاصة إذا وضعنا بعين الاعتبار موقف الشيخ ياسين من حاضر بلادنا السياسي والاجتماعي والثقافي . 
 ولايحتاج القارئ إلى الذهاب بعيدا في التأويل لأن الكتاب ملئ بالإشارات الصريحة إلى هذه القضية؛ ففي الفصل الأول يكشف الكاتب بوضوح لا تشوبه شائبة أنه إن كان قد أفاض في ذكر شهادات عن تضحيات الوطنيين المغاربة الأغيار &#8221; فذلك لنكشف للأجيال التائهة، بل المتيهة، كيف انقلبت الوطنية المسلمة نضالا ملحدا، وكيف أجهضت المقاومة المسلمة وسطي عليها.) &#8220;(ص34) وينبغي أن نذكر هنا أن معيار الحكم لدى الشيخ ياسين هو &#8220;الإخلاص لدين الله، هو الصدق في دين الله عقيدة وشريعة وجهادا)&#8220;. وعليه فإن مشروع الرجل وجماعته يروم تصحيح هذا الوضع انطلاقا من إعادة الاعتبار لمبادئ أساس تأسس عليها الإسلام منذ بدايته وهي: الإيمان بالله، وتطبيق الشريعة، وإقامة الولاية. يقول موضحا الأمر بشكل جلي: &#8220;الركن الشديد الذي يأوي إليه المسلم هو الله. بالإيمان بالله فك الأغلال، بشريعته إنصاف المظلوم، بالولاية فيه تقوى الأمة وتندمج شعوبها، بالعبودية له يتحرر الإنسان من ظلم الإنسان.)&#8220;(ص27) 
 غير أنه من حقنا أن نسجل ملاحظة بخصوص هذه المبادئ وتتعلق بالطابع العام الذي يسم كل مبدأ على حدة؛ ذلك أن قضية الإيمان بالله مسألة قلبية تتفاوت درجاتها لدى كل من يدعي الانتساب إلى الإسلام وإن كنا نعلم أن للإيمان تجليات ومظاهر خارجية، ولكن الله وحده القادر على تحديد درجة إيمان كل مسلم مادام يظهر الإسلام ولايجاهر بكفر ولا معصية. كما أن قضية تطبيق الشريعة كانت وما تزال مثار نقاش ليس بين عامة المسلمين فقط، بل حتى بين علمائهم الكبار، فهناك من يفرق بين الأحكام الفقهية التي هي اجتهادات علماء وفقهاء مسلمين عبر التاريخ قد يكون بعضها صالحا لعصرهم فقط، وبين الشريعة التي هي منهج حياة لايقتصر على تطبيق الحدود وإنما يمتد ليشمل كل جوانب حياة الإنسان المادية والروحية. 
 أما قضية &#8220;الولاية&#8221; فيبدو لنا أنها بعيدة التحقق في ظل سيادة مفهوم الدولة الحديث الذي جعل من الأقطار العربية المسلمة كيانات جغرافية لها حدود ورموز سياسية مرسومة، اللهم إلا إذا كان المقصود من الولاية مفهومها الروحي والرمزي الذي قد تجسده شخصية عالم أو داعية يحظى بالاحترام والإجماع. ولعل استحضار مفهوم الأمة كما يتصوره فقيه المقاصد المغربي الأستاذ أحمد الريسوني يمكن أن يسعفنا في الموضوع، ذلك أن التصور الإسلامي ينطلق من أولوية &#8220;الأمة&#8221; على &#8220;الدولة&#8221; بحيث يمكن تشبيه هذا الوضع &#8220;بهرم قاعدته وعامة جسمه هو الأمة، والزاوية العلوية الصغيرة التي تمثل رأس الهرم هي الدولة.)&#8221; والدليل على ذلك، في نظر الأستاذ الريسوني، هو أن الخطاب في معظم نصوص التكليف الشرعي موجه أساسا وابتداء للأمة ولجماعة المسلمين وليس للأئمة والدولة. أما الأئمة ومن في حكمهم &#8220;فشأنهم من شؤون الأمة فهم مخاطبون من خلالها ومكلفون من قبلها)&#8220;. 
 وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ ياسين في كتابه، الذي نحن بصدده، لم يشر إلى مفهوم &#8220;الخلافة&#8221; الذي يتردد في قراءات بعض &#8220;المحللين السياسيين&#8221;، وإنما أشار &ndash; كما ذكرنا- إلى مفهوم &#8220;الولاية&#8221; الذي يرى فيه عاملا من عوامل تقوية الأمة ودمج شعوبها &#8220;بالولاية تقوى الأمة وتندمج شعوبها)&#8221; &ndash; كما قال -. 
 بالإضافة إلى ما أتينا على ذكره بخصوص دوافع الشيخ ياسين من قراءة تاريخ الحركة الوطنية ببلادنا، نشير أيضا إلى أنه، وهو يقرأ تاريخ المغرب القريب، يضع نصب عينيه &#8220;خصوم&#8221; جماعته الذين ينعتهم ب &#8220;الفضلاء الديموقراطيين&#8221; وإليهم يتوجه بالخطاب قائلا: &#8221; إننا لا نتمسح ببطل مسلم ومجاهدين مؤمنين لنلتمس من رصيدهم الضخم مشروعية تاريخية نقذف بها في وجه من يعيرنا أننا طارئون على الساحة دخلاء (&#8230;) إننا لانبحث عن جذور في الوطنية، ولا في الكفاح الوطني، ولا في المقاومة المسلحة التي ضرب فيها محمد بن عبد الكريم الخطابي بالسهم الأوفى. جذورنا أعمق، جذورنا الدعوة المحمدية&#8230;)&#8221; (ص33). ولذلك فكثيرا ما يتخلى الشيخ ياسين في كتابه عن جبة الواعظ ويرتدي جبة المفكر الباحث في مسعى لتحليل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي ببلادنا، لنتأمل إدراكه العميق لواقع الإستعمار الجديد ببلادنا حيث يقول: &#8220;وانجلى الإستعمار القديم، وبقي استعمار اللغة، لغة اللسان، ولغة التفكير، ولغة المعتقد، وكلاؤه من مخلفات استعمار واجهه بالنار ابن عبد الكريم الخطابي وورثته المقاومون، وواجهه بالنضال السياسي علال الفاسي وابن الحسن الوزاني وجيلهم السعيد رحمهم الله)&#8221; (ص35). 

<h2>الإشادة برموز الحركة الوطنية</h2>
يشيد الشيخ عبد السلام ياسين، في كتابه، برموز الحركة الوطنية الذين &#8220;جاهدوا&#8221; في سبيل تحرير وطنهم من منطلق عقيدتهم الإسلامية دون أن يستثني من الخير &ndash; كما يقول &ndash; &#8220;عامة رجال الأحزاب الوطنية ونساءها.ولا نستثني من الخير عامة العاملين في الأمر العام من منظمات وجمعيات وأحزاب)&#8221; (ص7).غير أنه يوضح، في أكثر من موضع في كتابه، أنه وإن كان يلتقي مع &#8220;الفضلاء المسلمين الديموقراطيين)&#8221; في إرادة النماء والرخاء والقوة للأمة، إلا أنه يعتبر موقفه من الإيمان والشورى حاسما في التفرقة بين منهاجه ومنهاجهم. 
 والحقيقة أن قارئ كتاب &#8220;حوار الماضي والمستقبل&#8221; إذا ما سعى إلى تلمس معالم &#8221; الشورى&#8221; عند الشيخ ياسين، والوقوف على أوجه الإختلاف بينها وبين الديموقراطية التي لاينظر إليها الشيخ الراحل بعين الرضا ( يقول إن للشورى سياقا غير مساق الديموقراطية).ص24)، إن ذاك السعي سيبوء بالفشل لأننا لا نجد تفاصيل تشفي الغليل. ولذلك نؤكد على أهمية استحضار كل مؤلفات الشيخ ياسين لرسم الخطوط العامة العريضة لمشروعه الفكري السياسي، وذلك ما ننوي القيام به لاحقا إن شاء الله. 
 بين التربية والسياسة) 
 يؤكد الشيخ ياسين على أن قراءة التاريخ بشكل عام، وتاريخ الحركة الحركة الوطنية المغربية بخاصة،ضرورة لبناء الحاضر والمستقبل، غير أن استخلاص الدروس والعبر من الماضي غير كاف، إذ لابد من الانتقال إلى مرحلة التربية &#8221; والتربية عمل يسبقه علم&#8221; وهي السبيل إلى الارتفاع بإيمان المسلم إلى درجة الإحسان.(ص84). ومهمة &#8220;الارتفاع&#8221; بإيمان المسلم وتنميته مهمة لايمكن أن يضطلع بها سوى &#8220;الداعية&#8221;. أما &#8220;السياسي&#8221; فقد تتوفر لديه الإرادة لكنه &ndash; بحكم طبيعة السياسة- لايمكنه أن يقوم بدور المربي. فالفرق، إذن، بين السياسي ورجل الدعوة يكمن في &#8220;البواعث والأهداف والوسائل)&#8220;(ص85). 
 وعندما نقف عند مفهوم الشيخ ياسين للتربية الذي يوسعه ليشمل &#8220;الأم والأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة والإعلام&#8230;)&#8220;(ص87)يتبين لنا أن موقفه من السياسة ليس موقفا مبدئيا، لاسيما في وصفه المؤسسات المذكورة &#8220;بمحاضن الإسلام&#8221; التي يجب تحريرها من الغزاة؛ إذ كيف السبيل إلى تحريرها بدون الانخراط في العمل السياسي المشروع؟ ويؤكد وجهة نظرنا أيضا موقف الشيخ ياسين غير الإقصائي من الآخر الذي اختار الممارسة السياسية ونجح من خلالها في انتزاع الحقوق وتطبيق العدالة الاجتماعية، فقد أثنى عليه وترك الحكم على نواياه لله تعالى &#8221; فهو لما ختم به مساره، وحسابه على الله)&#8220;.(ص89). كما أن النظر إلى الممارسة السياسية باعتبارها وسيلة وليست غاية من شأنه أن يهدم الهوة القائمة في الأذهان بين رجل السياسة ورجل الدعوة، فالانخراط في العمل السياسي، إذا ما توفرت شروطه الديموقراطية الحقيقية، من شأنه أن يكون وسيلة ناجعة لتحقيق أهداف الداعية الإسلامي، ولعل ذلك ما اهتدت إليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر الثورة. (يتبع)

الإمام عبد السلام ياسين

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين 
(حوار الماضي والمستقبل )1

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين (حوار الماضي والمستقبل )1

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين(حوارالماضي والمستقبل)-2-

قراءة في كتاب الشيخ عبد السلام ياسين (حوار الماضي والمستقبل )1

مقالات ذات صلة